الفرح بالخلاص
(1) الفرح وحياة الشركة (ع1-4):
1تَفْرَحُ الْبَرِّيَّةُ وَالأَرْضُ الْيَابِسَةُ، وَيَبْتَهِجُ الْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَالنَّرْجِسِ. 2يُزْهِرُ إِزْهَارًا وَيَبْتَهِجُ ابْتِهَاجًا وَيُرَنِّمُ. يُدْفَعُ إِلَيْهِ مَجْدُ لُبْنَانَ. بَهَاءُ كَرْمَلَ وَشَارُونَ. هُمْ يَرَوْنَ مَجْدَ الرَّبِّ، بَهَاءَ إِلهِنَا. 3شَدِّدُوا الأَيَادِيَ الْمُسْتَرْخِيَةَ، وَالرُّكَبَ الْمُرْتَعِشَةَ ثَبِّتُوهَا. 4قُولُوا لِخَائِفِي الْقُلُوبِ: «تَشَدَّدُوا لاَ تَخَافُوا. هُوَذَا إِلهُكُمُ. الانْتِقَامُ يَأْتِي. جِزَاءُ اللهِ. هُوَ يَأْتِي وَيُخَلِّصُكُمْ».
ع1: النرجس : أزهار جميلة متعددة الألوان ولها رائحة طيبة.
البرية والأرض اليابسة ترمزان إلى حالة اليهود فى السبى، إذ كانوا فى ضيق وذل، وعندما أنعم الله بالعودة من السبى، صاروا فى فرح عظيم، واهتموا بتعمير أورشليم، وما حولها من بلاد اليهودية، فتحولت البرية واليابسة إلى حقول، ومحاصيل، وأشجار مثمرة، وأزهار جميلة، يرمز إليها بالنرجس، وصار الكل فى فرح ببناء هيكل الله، وتقديم العبادة له. هذا هو الفرح الحقيقى، والأزهار الجميلة هى الفضائل الناتجة عن حفظ وصايا الله.
أيضاً تشير هذه الآية إلى أيام حزقيا الملك الذى عاش مع الله، وقاد شعبه فى عبادة الله بهيكله. وعندما هجم عليه جيش آشور، التجأ إلى الله، فدافع عنه، وقتل هذا الجيش، وهرب الباقون، ففرح الشعب ومجد الله، وصار فى بهجة، بل صار كالزهور الجميلة المفرحة.
هذه الآية ترمز بالأكثر إلى كنيسة العهد الجديد، فعندما آمن الناس بالمسيح، صارت حياتهم التى كانت مثل البرية والأرض اليابسة، جنة مملوءة بالأشجار و الزهور الجميلة، بل صار الفرح هو سمة المسيحيين؛ لأنهم نالوا بركات الخلاص الذى تممه المسيح على الصليب.
ع2: يطالب إشعياء شعب الله أن يشجعوا بعضهم بعضاً، وهم فرحون بعمل الله، فمن كان ضعيفاً، ويداه مسترخيتين شددوها؛ لترتفع فى الصلاة والتسبيح، والركب المرتعشة تقف، وتمجد الله، وتسجد أمامه، وتعمل فى كرمه أعمال خير كثيرة.
والقلوب الخاشعة شددوها بالثبات فى الإيمان، وذلك بالنظر إلى المخلص. أما الأعداء، فالله ينتصر عليهم بقوته التى لا تقهر؛ سواء فى إخضاعهم له، مثل كورش الذى يعيد المسبيين اليهود إلى بلادهم، أو انتصاره عليهم، مثل انتصاره على الآشوريين أيام حزقيا بشكل معجزى عظيم، أو فى العهد الجديد، عندما يقيد المسيح الشيطان بموته على الصليب، وفى النهاية يلقيه فى العذاب الأبدى يوم الدينونة.
ليتك تشعر بالمحتاجين حولك؛ لتساندهم روحياً ونفسياً، وإن كان لهم احتياجات مادية تحاول مساعدتهم؛ حتى تتمتع بمراحم الله التى لا تحصى.
(2) الرجوع إلى الله (ع5-10):
5حِينَئِذٍ تَتَفَقَّحُ عُيُونُ الْعُمْيِ، وَآذَانُ الصُّمِّ تَتَفَتَّحُ. 6حِينَئِذٍ يَقْفِزُ الأَعْرَجُ كَالإِيَّلِ وَيَتَرَنَّمُ لِسَانُ الأَخْرَسِ، لأَنَّهُ قَدِ انْفَجَرَتْ فِي الْبَرِّيَّةِ مِيَاهٌ، وَأَنْهَارٌ فِي الْقَفْرِ. 7وَيَصِيرُ السَّرَابُ أَجَمًا، وَالْمَعْطَشَةُ يَنَابِيعَ مَاءٍ. فِي مَسْكِنِ الذِّئَابِ، فِي مَرْبِضِهَا دَارٌ لِلْقَصَبِ وَالْبَرْدِيِّ. 8وَتَكُونُ هُنَاكَ سِكَّةٌ وَطَرِيقٌ يُقَالُ لَهَا: «الطَّرِيقُ الْمُقَدَّسَةُ». لاَ يَعْبُرُ فِيهَا نَجِسٌ، بَلْ هِيَ لَهُمْ. مَنْ سَلَكَ فِي الطَّرِيقِ حَتَّى الْجُهَّالُ، لاَ يَضِلُّ. 9لاَ يَكُونُ هُنَاكَ أَسَدٌ. وَحْشٌ مُفْتَرِسٌ لاَ يَصْعَدُ إِلَيْهَا. لاَ يُوجَدُ هُنَاكَ. بَلْ يَسْلُكُ الْمَفْدِيُّونَ فِيهَا. 10وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِتَرَنُّمٍ، وَفَرَحٌ أَبَدِيٌّ عَلَى رُؤُوسِهِمِ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. وَيَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ.
ع5، 6: تتفقح : تنفتح.
الإيل : نوع من الغزال وهو سريع الجرى.
نتيجة انغماس شعب الله فى الخطية يشهد الله عنهم أن قلوبهم ستصير غليظة، وآذانهم ثقيلة وعيونهم لا تبصر (أش6: 10)، ولذا سمح لهم بالسبى، ولكن عندما تابوا فى السبى، أعادهم الله إلى بلادهم. ويشهد هنا أن عيونهم الروحية (بصيرتهم) تنفتح، وآذانهم الداخلية تسمع، والذى كان يعرج بين الفرقتين، أى بين الله والعالم، يسير ويجرى فى طريق الله، والأخرس عن تمجيد الله ينفك لسانه، ويسبح الله، والنفس اليابسة كالبرية، تفيض منها مياه وأنهار الروح القدس، أى يعمل الله فيها بقوة.
وتنطبق هاتان الآيتان على ما حدث للمؤمنين فى العهد الجديد، فعندما آمنوا انفتحت عيونهم الداخلية، وآذانهم، وصاروا أقوياء فى السير فى طريق الله، وصاروا مسبحين لاسم الله القدوس؛ كل هذا بقوة الروح القدس، الذى يشهد عنه المسيح أن من يؤمن به تفيض من بطنه أنهار ماء حى (يو7: 38).
والمسيح نفسه ذكر هذه الآية رداً على تلاميذ يوحنا، الذين أتوا إليه؛ ليسألوه هل أنت هو المسيا، فذكر لهم ما فى هذه الآية، وهى نبوة عنه (لو7: 22).
ع7: السراب : هو منظر ماء من بعيد فى الصحراء وهو ليس ماء، ولكنه خداع بصرى.
أجماً : بركة مياه.
المعطشة : الأرض الجافة.
مربضها : مكان جلوسها.
البردى : نوع من النباتات أوراقه عريضة وسميكة ويمكن الكتابة عليها، وينبت على ضفاف النيل، حيث المياه الغزيرة.
يواصل إشعياء حديثه عن التغيير الكبير الذى يحدث عندما نؤمن بالله، ونرجع إليه، خاصة فى العهد الجديد، عندما آمن الناس بالمسيح، فيقول : أن السراب الذى هو خداع بصرى فى الصحراء، يتحول إلى ماء حقيقى، أى برك مياه، أى أن الإنسان الذى كان يتمنى أن يحيا مع الله، يجد نفسه قد آمن، وتمتع بعمل الله فيه.
وإن كان الإنسان أرضاً جافة لا يشعر بالله، يتحول إلى ينابيع ماء، أى يعمل فيه الروح القدس بقوة.
والمكان الذى لا يسكنه أحد وتعيش فيه الذئاب، يتحول إلى أماكن يسكنها الناس، وتنمو فيها النباتات، مثل البردى والقصب، حيث توجد المياه بوفرة. وهذا يرمز إلى أن الإنسان الذى تعمل فيه الشياطين (الذئاب)، تبتعد عنه، ويصير مسكناً للروح القدس، الذى يُرمز إليه بالمياه الكثيرة، وتنمو فيه نباتات، أى فضائل وبركات الروح القدس.
ع8، 9: يقرر الله أنه سيوجد سكة وطريق هى الطريق المقدسة، وهى التى أعدها الله لرجوع شعبه من السبى إلى أورشليم؛ لبناء هيكله. وكان الرجوع بطريقة لا تخطر على بال، فلم تكن بحرب، أو مقاومة، بل على العكس، الملك كورش بنفسه يأمر ويشجع اليهود على الرجوع لبلادهم وبناء الهيكل، والصلاة لأجله.
وهذه السكة، أو الطريق تتميز بثلاثة أمور هى :
- لا يعبر فيها نجس، فالراجعون مؤمنون بالله، ومحبون لله، وتاركون خطايا العالم؛ ليعبدوه فى هيكله.
- هذه الطريق إن سلك فيها الجهال لا يضلون، فمهما كان الإنسان ضعيفاً، وقدراته قليلة، الله سيسنده، ويرجع إلى أورشليم، ويصلى فى هيكل الله.
- هذه الطريق لا يوجد فيها أسد ولا وحش يفترس من يمر فيها، أى لن يسمح الله للشيطان أن يقاوم ويمنع أولاده من المرور فى الطريق إلى مدينته المقدسة أورشليم.
تنطبق هاتان الآيتان أيضاً على المسيح الذى قال عن نفسه : أنا هو الطريق والحق والحياة (يو14: 6)، ومن يؤمن بالمسيح ويحيا معه يتميز طريقه بثلاثة أمور :
- يحيا فى طهارة.
- مهما كان ضعيفاً سيسنده الله ويكمله، مثل البسطاء من القديسين كالأنبا بولا البسيط، والأنبا رويس…
- لا يسمح الله للشيطان أن يمنع أولاده من الحياة معه، أى ليس للشيطان سلطان على تعطيل أولاد الله.
وتنطبق أيضاً هاتان الآيتان على أورشليم السمائية، أى الطريق التى تمتد إلى الأبد، ولا يوجد فى هذه السكة إنسان نجس؛ لأنها لا يسكنها إلا الأطهار، والضعيف يتمتع بالمسيح إلى الأبد، ولا يستطيع الشيطان أن يدخلها؛ لأنه قد ألقى فى العذاب الأبدى.
ع10: المفديون يقصد بهم ثلاث حالات سبق ذكرها وهى :
- الراجعون من السبى إلى أورشليم، الذين أحبوا الله أكثر من مجد العالم فى عبودية السبى؛ هؤلاء يرجعون إلى أورشليم، وهم يسبحون الله، وفرحون، بل يغطيهم الفرح فوق رؤوسهم كالأكاليل، ويهرب منهم حزن القلب والضيق، بل تتعلق قلوبهم بالأفراح الأبدية التى سينالونها فى السماء.
- الذين يؤمنون بالمسيح الفادى على الصليب، يرجعون إليه، وينضمون إلى صهيون ويمجدونه، ويكونون فى فرح وابتهاج، ولا يسيطر عليهم، أى حزن فى قلوبهم؛ حتى لو احتملوا آلام تصل لحد الاستشهاد، بل يكونون فى فرح، وعيونهم معلقة بالأفراح الأبدية فى السماء، مثل استفانوس الذى رأى السماء مفتوحة أثناء رجمه (أع7: 55).
- المفديون الذين يصلون إلى صهيون السمائية، أى ملكوت السموات، ويسبحون الله هناك، ويلبسون أكاليل الفرح والمجد إلى الأبد، ولا يستطيع الحزن أن يقترب منهم.
تذكر يا أخى أن الطريق التى تسلك فيها هى طريق المسيح، التى لا يعبر فيها إلا الطاهرون، فأسرع للتوبة إذا تنجست أفكارك، أو مشاعرك، واسلك مطمئناً بأن الله هو سندك، ولا يستطيع أحد أن يقف أمامك، مادمت متمسكاً به.