الخطية والحاجة إلى الخلاص
(1) الخطايا تفصلنا عن الله (ع1-15):
1 هَا إِنَّ يَدَ الرَّبِّ لَمْ تَقْصُرْ عَنْ أَنْ تُخَلِّصَ، وَلَمْ تَثْقَلْ أُذُنُهُ عَنْ أَنْ تَسْمَعَ. 2 بَلْ آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ. 3 لأَنَّ أَيْدِيَكُمْ قَدْ تَنَجَّسَتْ بِالدَّمِ، وَأَصَابِعَكُمْ بِالإِثْمِ. شِفَاهُكُمْ تَكَلَّمَتْ بِالْكَذِبِ، وَلِسَانُكُمْ يَلْهَجُ بِالشَّرِّ. 4 لَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِالْعَدْلِ، وَلَيْسَ مَنْ يُحَاكِمُ بِالْحَقِّ. يَتَّكِلُونَ عَلَى الْبَاطِلِ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِالْكَذِبِ. قَدْ حَبِلُوا بِتَعَبٍ، وَوَلَدُوا إِثْمًا. 5 فَقَسُوا بَيْضَ أَفْعَى، وَنَسَجُوا خُيُوطَ الْعَنْكَبُوتِ. الآكِلُ مِنْ بَيْضِهِمْ يَمُوتُ، وَالَّتِي تُكْسَرُ تُخْرِجُ أَفْعَى. 6 خُيُوطُهُمْ لاَ تَصِيرُ ثَوْبًا، وَلاَ يَكْتَسُونَ بِأَعْمَالِهِمْ. أَعْمَالُهُمْ أَعْمَالُ إِثْمٍ، وَفَعْلُ الظُّلْمِ فِي أَيْدِيهِمْ. 7 أَرْجُلُهُمْ إِلَى الشَّرِّ تَجْرِي، وَتُسْرِعُ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ الزَّكِيِّ. أَفْكَارُهُمْ أَفْكَارُ إِثْمٍ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. 8 طَرِيقُ السَّلاَمِ لَمْ يَعْرِفُوهُ، وَلَيْسَ فِي مَسَالِكِهِمْ عَدْلٌ. جَعَلُوا لأَنْفُسِهِمْ سُبُلًا مُعْوَجَّةً. كُلُّ مَنْ يَسِيرُ فِيهَا لاَ يَعْرِفُ سَلاَمًا. 9 مِنْ أَجْلِ ذلِكَ ابْتَعَدَ الْحَقُّ عَنَّا، وَلَمْ يُدْرِكْنَا الْعَدْلُ. نَنْتَظِرُ نُورًا فَإِذَا ظَلاَمٌ. ضِيَاءً فَنَسِيرُ فِي ظَلاَمٍ دَامِسٍ. 10 نَتَلَمَّسُ الْحَائِطَ كَعُمْيٍ، وَكَالَّذِي بِلاَ أَعْيُنٍ نَتَجَسَّسُ. قَدْ عَثَرْنَا فِي الظُّهْرِ كَمَا فِي الْعَتَمَةِ، فِي الضَّبَابِ كَمَوْتَى. 11 نَزْأَرُ كُلُّنَا كَدُبَّةٍ، وَكَحَمَامٍ هَدْرًا نَهْدِرُ. نَنْتَظِرُ عَدْلًا وَلَيْسَ هُوَ، وَخَلاَصًا فَيَبْتَعِدُ عَنَّا. 12 لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ أَمَامَكَ، وَخَطَايَانَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا، لأَنَّ مَعَاصِيَنَا مَعَنَا، وَآثَامَنَا نَعْرِفُهَا. 13 تَعَدَّيْنَا وَكَذِبْنَا عَلَى الرَّبّ، وَحِدْنَا مِنْ وَرَاءِ إِلهِنَا. تَكَلَّمْنَا بِالظُّلْمِ وَالْمَعْصِيَةِ. حَبِلْنَا وَلَهَجْنَا مِنَ الْقَلْبِ بِكَلاَمِ الْكَذِبِ. 14 وَقَدِ ارْتَدَّ الْحَقُّ إِلَى الْوَرَاءِ، وَالْعَدْلُ يَقِفُ بَعِيدًا. لأَنَّ الصِّدْقَ سَقَطَ فِي الشَّارِعِ، وَالاسْتِقَامَةَ لاَ تَسْتَطِيعُ الدُّخُولَ. 15 وَصَارَ الصِّدْقُ مَعْدُومًا، وَالْحَائِدُ عَنِ الشَّرِّ يُسْلَبُ. فَرَأَى الرَّبُّ وَسَاءَ فِي عَيْنَيْهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَدْلٌ.
ع1: إن شعب الله يتساءل في قلبه : لماذا لا يخلصنا الله ؟ فيجيب الله عليه بأن يد الله قادرة أن تخلص، فهى ليست قصيرة، أو عاجزة عن تقديم الخلاص لشعبه.
وأذن الله قادرة أن تسمع كل احتياجات وشكوى أولاده، فهى ليست ثقيلة، أو عاجزة عن السماع. والخلاصة، أن الله ليس هو السبب في تعطيل الخلاص لشعبه. فمن هو السبب ؟ هذا ما سنعرفه في الآيات التالية.
ع2: السبب الحقيقى في تعطيل الخلاص لشعب الله هو آثام الشعب التى يصر على فعلها، هى التى فصلته عن الله، وعطلت نواله الخلاص.
وخطايا الشعب هى التى سترت وجه الله عن شعبه، أى هى التى فصلت وحجبت وجه الله، فلم ينل الخلاص، وبالتالى الحل هو التوبة، أى توبة الشعب، ورجوعه إلى الله، فيرحمه ويفديه.
ع3: يظهر الله أنواع الخطايا التى سقط فيها شعبه، وعطلته عن نوال الخلاص، فيقول:
- التنجس بالدم، أى قتل الآخرين، فاشتراك الأيدى والأصابع في القتل خطية عظيمة تبعدنا عن الله، فقد يكون المقتولون أبرياء، أو مخطئين، ويمكن علاج خطاياهم بطريقة ألطف من هذا، بالوعظ، أو التعليم، أو التأديب، ولا نلتجئ إلى هذه الخطية الفظيعة؛ وهى القتل.
- الكلام الشرير، مثل الكذب، يدنس أفواهكم، ويغضب الله، ويفصلكم عنه، فأنتم بهذا الكذب أبناء إبليس الكذاب. واللهج بالشر معناه الاستمرار والتمادى في الكلام الشرير؛ لأن الإنسان الطبيعى عندما يخطئ، يرجع سريعاً إلى التوبة، أما الشرير فيتطاول على من حوله بكلام سئ على الدوام.
ع4: الخطية الثالثة التى سقط بها شعب الله هى الظلم؛ لأنهم ابتعدوا عن العدل والحق في طرقهم وفى أحكامهم.
والخطية الرابعة هى الكذب، فحياتهم مبنية ومعتمدة على الباطل.
والخطية الخامسة هى انشغالهم بالشر، فهم يحبلون بتعب، أى يفكرون، ويتعبون كثيراً، ولا يصلون في النهاية إلا إلى الإثم، الذى يلدوه، أو يخرج إلى التنفيذ الفعلى، فالحبل هو التفكير في الشر، والولادة هى تنفيذه. من هذا يظهر أنهم أشرار يفكرون في الشر، ويعملونه.
ع5، 6: أفعى : ثعبان سام.
وهم إن ظهر عليهم أنهم سيفعلون حسناً، مثل انتاج بيض، فعندما يفقس يظهر أنه كان بيض أفعى، أى يخرج ثعبان سام يضر الناس. فهم حتى لو خدعوا الناس بأنهم أبرار، لكنهم في الحقيقة مصرون على الشر.
وعندما ينسجون خيوطاً، يكتشف من يفحصها أنها خيوط العنكبوت، التى لا تصلح لعمل أية ثياب يكتسى بها الإنسان، فهى خيوط بلا قيمة. ورغم أنها ضعيفة، لكن إذا دخل إليها الذباب، أو أية حشرة صغيرة، تجتذبه، وتقتله، فكل أعمالهم شريرة.
وبيضهم إذا فقس ينتج أفعى، وإذا كسره أحد قبل كمال نضجه ستخرج منه أيضاً أفعى، فهم في جميع الأحوال ينتجون ثعابين سامة تضر الناس، أى أنه في كل وقت سيخرج منهم الشر؛ حتى لو بدا كلامهم مفيداً، نكتشف أنهم يقولون كلاماً كاذباً، كما يفعل الهراطقة.
ع7: سحق : تحطيم شديد وتفتيت.
الخطية السادسة لشعب الله، هى الإسراع لفعل الشر بكل صورة؛ حتى إلى سفك دماء الأبرياء، أى قتلهم، وذبحهم. فهم يعملون الشر برغبتهم، وإصرارهم، ويجرون ويسرعون إلى الشر؛ كأنه فرصة ثمينة يحصلون عليها.
والخطأ الذى يعملونه بأيديهم وأرجلهم، يفكرون فيه، ويخططون له، ويريدون أن يغتصبوا ما ليس حقهم، ويسحقون من يقاومهم، فهم عنفاء جداً؛ ليس فقط في أعمالهم، بل أفكارهم تسعى نحو هذا الشر الفظيع.
ع8: سبلا : طرقاً.
وحيث أن شعب الله اختار الشر طريقاً له، فهو بعيد عن طريق السلام، بل هو لا يعرفه، أى لا يقتنع به، ولا يقبله، وبالتالى فهو مرفوض من الله، ومن الناس.
وبالتالى كل طرقهم ملتوية، أى مملوءة كذب وخداع، كلها ظلم؛ لأنهم يرفضون العدل.
والخلاصة، أنهم رفضوا الله، فتخلى عنهم إلههم، وفقدوا السلام؛ لأنهم مصرون على الشر، واصطدموا بالناس؛ لأن الناس تريد أن تحيا في سلام، وهم متمادون في ظلم الناس، وفى النهاية، هم لا يحبون الله، ولا يحبون الناس، فالله تخلى عنهم، والناس رفضوهم. واقتبس بولس الرسول الآيتين (7، 8)، وذكرهما في (رو3: 15).
ع9: دامس : ظلام شديد.
يعترف إشعياء كأب لشعبه، ويعلن بالنيابة عنه : أنه قد ابتعد العدل والحق عنا، أى أن الله الذى هو العدل والحق تخلى عن شعبه لأجل تماديهم في الشر.
وانتظرنا أن نرى نوراً وضياءً، فلم نجد إلا الظلام الشديد، والسواد في كل خطواتنا، أى أنهم لم يجدوا إلا الخطية، لانغماسهم بكل مشاعرهم، وأفكارهم، وأعمالهم فيها.
ع10: نتجسس : نبحث عن الحائط لنجسه، أى نلمسه.
عثرنا : سقطنا.
عتمة : ظلام.
وبالخطية فقدنا البصيرة الداخلية، فصرنا كعميان نبحث عن الحائط فلا نجده.
ومهما كان الأمر واضحاً، كما في نور الظهر، لا نستطيع أن نميزه؛ لأن كل شىء أمامنا طوال النهار والليل مظلم، فنتمادى في الخطية؛ لأننا قد رفضنا الله، الذى هو الحق والعدل. ونرى طريقنا أنه ضباب، أى لا نرى شيئاً أمامنا، فنكون كالموتى الذين لا يبصرون، فنسقط في أية مشكلة، لأننا قد فقدنا بصيرتنا.
وقد حدث هذا مع اليهود الذين تمادوا في خطاياهم، وتعلقوا بالمركز والقوة والمال، فانتظروا مسيا يملك على الأرض، ويصيرون معه مملكة عظيمة. فعندما تجسد المسيح، لم يفهموا أنه المسيا المنتظر، فعثروا، أى سقطوا في الشك والرفض له، وصاروا كالأموات، لا يرون الحق؛ حتى أنهم صلبوه، وهم لا يعلمون، أو يفهمون، وحتى بعد قيامته رفضوا الإيمان به.
ع11: نشعر كلنا بالضيق الشديد، ويصرخ الكبار صراخاً شديداً (نزأر)، ويشبههم هنا بالدبة، أما الصغار الذين يشبههم بالحمام، فيصدرون أصوتاً حزينة تعبيراً عن آلامهم (هدراً نهدر). كل هذا صلاة وصراخ منا كلنا كباراً وصغاراً، منتظرين العدل والخلاص من الله، فلا يستجيب لنا، وهذا بالطبع نتيجة انغماسنا في الشر والظلم.
ع12: نعترف أمامك يا رب بمعاصينا، أى خطايانا ورفضنا لوصاياك، وأنت عالم بكل ما فعلناه، وخطايانا تشهد علينا أننا قد فعلناها، ونستحق العقاب. فنحن بلا عذر، ومتهمون أمامك بكل شر فعلناه.
ع13: تعدينا : عصينا وتمردنا.
حدنا : انحرفنا.
لهجنا : أحببنا الشىء وكررناه؛ حتى تعودنا عليه.
يقدم إشعياء النبى اعترافاً تفصيلياً واضحاً عن شعبه، فيتكلم بلسان الجمع، معلناً أمام الله اعترافاً بالتمرد والكذب والانحراف عن الله، والتكلم بالظلم على من حولنا، وعصيان وصايا الله في كلامنا، مثل الإدانة والشهادة الزور، وأصبح الكذب يشغل قلوبنا وأفكارنا، فظهر في كلامنا.
ع14، 15: ارتد : رجع.
الحائد : المبتعد.
يُسلب : يُسرق ويُنهب.
كانت العادة قديماً في المدن، أن يجلس الشيوخ والقضاة في ساحة المدينة، ويقضون بين المتخاصمين، ولكن للأسف حكموا ظلماً، وابتعدوا عن العدل والحق، وبهذا أهين الصدق في ساحات وشوارع المدينة، ولم يعد للصدق مكاناً. والاستقامة اختفت من بين الناس وأصبحت بعيدة عن حياتهم وسلوكهم.
وباختفاء الصدق من ساحات القضاء، أصبح البار الذى يحيا مع الله معرضاً للسلب والنهب، فحُكم ظلماً عليه من القضاة، أما المتهم فأعطوه البراءة.
والخلاصة، أن الله تضايق جداً من اختفاء العدل، وانحراف القضاة عنه، وانتشار الظلم في كل مكان.
احترس من اغراءات الخطية، فإنها تبعدك، بل تفصلك عن الله، فتخسر كل شىء، أى سلامك، ونعمة الله، ورحمته، وتكتشف في النهاية مرارة الخطية.
[2] الفادى مخلصنا (ع16-21) :
16 فَرَأَى أَنَّهُ لَيْسَ إِنْسَانٌ، وَتَحَيَّرَ مِنْ أَنَّهُ لَيْسَ شَفِيعٌ. فَخَلَّصَتْ ذِرَاعُهُ لِنَفْسِهِ، وَبِرُّهُ هُوَ عَضَدَهُ. 17 فَلَبِسَ الْبِرَّ كَدِرْعٍ، وَخُوذَةَ الْخَلاَصِ عَلَى رَأْسِهِ. وَلَبِسَ ثِيَابَ الانْتِقَامِ كَلِبَاسٍ، وَاكْتَسَى بِالْغَيْرَةِ كَرِدَاءٍ. 18 حَسَبَ الأَعْمَالِ هكَذَا يُجَازِي مُبْغِضِيهِ سَخَطًا، وَأَعْدَاءَهُ عِقَابًا. جَزَاءً يُجَازِي الْجَزَائِرَ. 19 فَيَخَافُونَ مِنَ الْمَغْرِبِ اسْمَ الرَّبِّ، وَمِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ مَجْدَهُ. عِنْدَمَا يَأْتِي الْعَدُوُّ كَنَهْرٍ فَنَفْخَةُ الرَّبِّ تَدْفَعُهُ. 20 «وَيَأْتِي الْفَادِي إِلَى صِهْيَوْنَ وَإِلَى التَّائِبِينَ عَنِ الْمَعْصِيَةِ فِي يَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ. 21 أَمَّا أَنَا فَهذَا عَهْدِي مَعَهُمْ، قَالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ، وَكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ فِي فَمِكَ لاَ يَزُولُ مِنْ فَمِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، وَلاَ مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قَالَ الرَّبُّ، مِنَ الآنَ وَإِلَى الأَبَدِ.
ع16: عضده : سانده.
نظر الله إلى البشرية وإلى كل أولاده، فوجدهم منغمسين في الشر، وليس من يشفع فيهم، أو يخلصهم، فكل البشر خطاه، ولا يستطيع أحد أن يخلص غيره، ولا حتى الملائكة المحدودة تستطيع أن تخلص البشر؛ لأجل خطاياهم الكثيرة. وظهر أن الموضوع محير بالنسبة للبشر، أما بالنسبة لله فهو قادر على كل شىء.
لذا تحرك الله بحبه؛ ليتجسد، ويخلص البشر، فذراع الله ترمز لقوته التى ظهرت في سر التجسد لفداء البشرية. ولأنه البار القدوس، فبره عضده، إذ مات البار الذى بلا خطية لأجل الأثمة، فرفع خطاياهم كلها وخلصهم.
وهكذا رأينا أن الله لم يأت لينتقم من البشر المتمردين عليه، بل تجسد بمحبته؛ ليخلصهم من خطاياهم ويعطيهم فرصة للحياة الجديدة معه.
ع17: الدرع : غطاء معدنى يغطى الصدر ليحميه من السهام.
خوذة : غطاء معدنى يلبس على الرأس لحمايته من السهام.
اكتسى : تغطى.
لبس المسيح المتجسد لأجل خلاصنا البر كدرع، إذ هو يقاتل عنا الشياطين؛ ليقيدهم، وينزع سلطانهم بفدائه لنا.
أما رأسه فلبس عليها خوذة الخلاص، إذ لم يكن في تفكيره إلا أن يخلص البشر من خطاياهم.
أما ثياب المسيح فكانت ثياب الانتقام من الشيطان المتسلط على أولاد الله ليغويهم ويسقطهم في الخطايا، فقيده بموته على الصليب.
واكتسى بالغيرة كرداء، إذ أن الذى حركه لخلاص البشر، هو محبته وغيرته على البشرية التى أحبها، إذ هو خالقها، وهى عروسه المحبوبة.
ع18: بفداء المسيح للبشرية على الصليب، يجازى الشياطين على أعمالهم الشريرة التى عملوها في البشر، بإسقاطهم في الخطايا، وبغضبه ينتقم من الشياطين، ويقيدهم ولا يستطيعون بعد الفداء أن يأخذوا أولاده المؤمنين إلى الجحيم، بل يصعدهم المسيح إلى الفردوس.
والجزائر ترمز إلى الساكنين وسط البحر، الذين هم الأمم البعيدة عن الله، والذين وأشهرها آشور وبابل اللتين سيطرتا على العالم، وأخذتا شعب الله إلى السبى، فتنهار آشور، ثم بابل، ويخلص الله شعبه، ويعيده إلى بلاده؛ ليبنى هيكله، ويعبده بحرية في أيام مملكة مادى وفارس.
ع19: فتخاف الله، الأمم الساكنة من مشرق الشمس إلى مغربها، التى رأت أعماله في تحرير شعبه من عبودية مصر، وغرق فرعون وجيشه في البحر أمام شعبه، وترى أيضاً قوة الله القادر على إرجاع شعبه المشتت في السبى، ثم تسمع عن موت المسيح وقيامته ومعجزاته التى تستمر على أيدى الرسل، فتؤمن الأمم وترجع إلى الله.
والشيطان عدو البشرية، عندما يظهر قوته كنهر يفيض على العالم ليغرقه، يدفعه الله بنفخة فمه، عندما يموت المسيح على الصليب، فيفقد الشيطان سلطانه على أولاد الله المؤمنين به. وهذا يحدث أيضاً للمؤمنين على الأرض، عندما يسندهم الله ويحميهم قدرما يتمسكون به. ونفخة فم الله هى الروح القدس، الذى يسكن ويعمل ويحمى أولاد الله.
ثم يهب الله الخلاص الكامل لأولاده في يوم الدينونة، عندما يدخلون إلى الملكوت، أما الشيطان وكل أعوانه، فيلقيهم الله في العذاب الأبدى.
ع20: يأتى المسيح الفادى إلى صهيون، حيث ولد في بيت لحم، وصلب في أورشليم؛ ليخلص المؤمنين به.
إن المسيح يأتى إلى كنيسته التى تحوى التائبين عن المعصية، من اليهود نسل يعقوب، وأيضاً كل الذين يؤمنون به من الأمم، إذ يحل بروحه القدوس في كنيسته في كل من يؤمن به، أو يتوب، ويحيا معه، فيعطى قوته، وأسراره لهم، ويسندهم بوسائط النعمة من صلوات وأصوام، وكتاب مقدس.
ع21: يخاطب الآب ابنه الوحيد، ويقول له في ختام هذا الإصحاح: أن هذا هو عهدى معهم، أى المؤمنين بك ، وهو العهد الجديد، الذى يبدأ بفداء المسيح على الصليب، وتكوين كنيسة العهد الجديد، التى يعمل فيها الله بروحه القدوس، وبكلام الله الذى هو المسيح الكلمة بكل تعاليمه. إن هذا الكلام لا يزول من فمك، أيها الابن الوحيد؛ لأنك أنت هو الكلمة الأزلى الأبدى.
هذا الكلام، أى المسيح، يثبت كلامه في نسله، ونسل نسله، أى كل المؤمنين به على مر الأجيال؛ لأنه يثبت بفعل الروح القدس فيهم، ومعهم إلى الأبد في ملكوت السموات.
والكتاب المقدس يظل ثابتاً لا يتغير منه كلمة واحدة، أو حرف واحد؛ لأنه كلام الله الثابت في كنيسته، والدائم مع أولاده إلى الأبد. إن المسيح الفادى أتى لخلاصك يا أخى، فتب كل يوم عن خطاياك؛ لتنال مراحمه وغفرانه، وتتمتع بحبه المبذول على المذبح في جسده ودمه، ويعمل فيك بروحه القدوس طوال حياتك وإلى الأبد.