حزقيا يكشف كنوزه
(1) التفاخر بالكنوز (ع1، 2):
1 فِي ذلِكَ الزَّمَانِ أَرْسَلَ مَرُودَخُ بَلاَدَانَ بْنُ بَلاَدَانَ مَلِكُ بَابِلَ رَسَائِلَ وَهَدِيَّةً إِلَى حَزَقِيَّا، لأَنَّهُ سَمِعَ أَنَّهُ مَرِضَ ثُمَّ صَحَّ. 2 فَفَرِحَ بِهِمْ حَزَقِيَّا وَأَرَاهُمْ بَيْتَ ذَخَائِرِهِ: الْفِضَّةَ وَالذَّهَبَ وَالأَطْيَابَ وَالزَّيْتَ الطَّيِّبَ، وَكُلَّ بَيْتِ أَسْلِحَتِهِ وَكُلَّ مَا وُجِدَ فِي خَزَائِنِهِ. لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ لَمْ يُرِهِمْ إِيَّاهُ حَزَقِيَّا فِي بَيْتِهِ وَفِي كُلِّ مُلْكِهِ.
ع1: فى ذلك الزمان، أى بعد معجزة شفاء حزقيا الملك، وتراجع الظل عشر درجات، والتى شعر بها كثيرون فى العالم من عظماء ودارسى الفلك، الذين منهم مرودخ بلادان ملك بابل.
أرسل مرودخ الملك رسائل تهنئة ومديح لحزقيا الملك، وأرسل معها هدايا، تعبيراً عن محبته. وهذه الرسائل والهدايا بدت ذات معنى لطيف لأول وهلة، ولكنها أحدثت تأثيراً سيئاً على حزقيا الملك، إذ تكبر؛ لأن ملكاً عظيماً يهنئه ويعطيه هدايا، ولم يطلب الله، أو يسأله فى أمر هذه الرسائل، مع أنه قد التجأ لله عندما أرسل له سنحاريب ملك آشور رسائل تهديد، فطمأنه الله ودافع عنه، ولكن لأنه لم يلتجئ لله، وتكبر، تفاخر بما عنده، كما سنرى فى الآية التالية. فلم يسقط حزقيا أمام التهديدات، بل ثبت فى إيمانه، ولكن أمام رسائل التهنئة والمديح سقط فى يد الشيطان وتكبر، فالشيطان أتى لحزقيا بشكل أسد مفترس، وهو سنحاريب الملك الأشورى، فلم يخف منه، ثم أتاه الشيطان الحية الناعمة، فى رسائل ملك بابل، فسقط فى الكبرياء.
ع2: فرح حزقيا بمندوبى ملك بابل، والرسائل والهدايا، ولعله توقع أن يصير لهذا الملك قوة كبيرة، فالتحالف معه مفيد، أو الصداقة على الأقل، وأهمل كل ما قاله إشعياء من نبوات عن بابل وشرها.
ولما تكبر حزقيا عرض عظمته فى كل كنوزه على مندوبى بابل؛ سواء من الفضة
والذهب، وكذا الأطياب والأسلحة، وجميع ما عنده فى خزائنه، ونسى الله الذى هو كمال
القوة، ولم يكتفِ به، ونظر إلى ملوك الأرض، فسقط من بنوته لله، وتعلق برؤساء العالم
الزائلين، فكان سقوطاً عظيماً، ضايق الله، إذ وجد قائد شعبه، وهو حزقيا يبتعد عن الاتكال عليه.
احترس من محبة المال، أوالشهوات المادية، والرفاهية، فإنها حرب معروفة يقدمها الشيطان ليشغلك بها عن الله، فلا تنغمس فيها، واستخدمها بمقدار، واثبت فى علاقتك مع الله، ولا تنظر لأحدٍ سواه، فهو فوق الكل.
(2) عقاب الله (ع3-7):
3 فَجَاءَ إِشَعْيَاءُ النَّبِيُّ إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا وَقَالَ لَهُ: «مَاذَا قَالَ هؤُلاَءِ الرِّجَالُ، وَمِنْ أَيْنَ جَاءُوا إِلَيْكَ؟» فَقَالَ حَزَقِيَّا: «جَاءُوا إِلَيَّ مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ، مِنْ بَابِلَ». 4 فَقَالَ: «مَاذَا رَأَوْا فِي بَيْتِكَ؟» فَقَالَ حَزَقِيَّا: «رَأَوْا كُلَّ مَا فِي بَيْتِي. لَيْسَ فِي خَزَائِنِي شَيْءٌ لَمْ أُرِهِمْ إِيَّاهُ». 5 فَقَالَ إِشَعْيَاءُ لِحَزَقِيَّا: «اسْمَعْ قَوْلَ رَبِّ الْجُنُودِ: 6 هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ يُحْمَلُ فِيهَا كُلُّ مَا فِي بَيْتِكَ، وَمَا خَزَنَهُ آبَاؤُكَ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، إِلَى بَابِلَ. لاَ يُتْرَكُ شَيْءٌ، يَقُولُ الرَّبُّ. 7 وَمِنْ بَنِيكَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مِنْكَ الَّذِينَ تَلِدُهُمْ، يَأْخُذُونَ، فَيَكُونُونَ خِصْيَانًا فِي قَصْرِ مَلِكِ بَابِلَ».
ع3، 4: بعدما أخطأ حزقيا الملك فى التكبر والفرح بزيارة مندوبى ملك بابل، وبعدما افتخر وأراهم كل كنوزه، أرسل الله إليه إشعياء النبى ليسأله ثلاثة أسئلة، لعله يتوب عن خطيته، وهذه الأسئلة هى :
- ماذا قال هؤلاء الرجال ؟
- من أين جاءوا إليك ؟
- ماذا رأوا فى بيتك ؟
لم يجب حزقيا على السؤال الأول، هل بسبب خجله من افتخاره ؟ أم لانشغاله بعظمته أمام هؤلاء الرجال ؟
المهم أنه أجاب على السؤالين الثانى والثالث. فقال : أنهم جاءوا إلىَّ من بلاد بعيدة، وهى بابل، ولعله كان فرحاً لاهتمام العالم به، ومجىء مندوبين من بلد قوية مهمة بعيدة عنه، وهى بابل ليهنئوه، ليس فقط على شفائه، بل بعدما سمعوا عن هزيمة وهلاك جيش سنحاريب أمام أسوار أورشليم.
وأجاب أيضاً على السؤال الثالث، فقال : أريتهم كل ما عندى، ويقصد كل الكنوز التى افتخر بها أمامهم، وكانت هذه الإجابة إجابة صادقة، ولكنها تحمل فى معناها سقوطه فى الكبرياء، والتفاخر بما عنده.
ع5-7: بعد أن استجوب إشعياء حزقيا، وظهرت خطيته، وكبرياؤه فى عرض كنوزه لمندوبى بابل، صدر الأمر من الله القوى رب الجنود على فم إشعياء، فقال لحزقيا العقاب الإلهى وهو :
- كل الكنوز التى افتخرت بها أمام مندوبى بابل سيأتى يوم تأخذها بابل كلها. وهذا حدث عندما تم السبى البابلى لمملكة يهوذا (2مل24: 13 ؛ 2مل25: 13 ؛ 2أى36: 18).
- بعض نسلك يا حزقيا، أى أحفادك، سيأخذهم البابليون، ويجعلوهم عبيداً لهم فى قصر ملك بابل. السبى عقوبة، ليس فقط بسبب خطية حزقيا هذه، بل أيضاً بسبب خطايا الملوك الذين جاءوا من نسل حزقيا، وعبدوا الأوثان، وعملوا الشر، وابتعدوا عن الله.
الله يراقب كل أعمالك، ويطيل أناته عليك، فحاسب نفسك كل يوم، واتضع أمامه، فيسامحك، ويرفع عنك عقاب خطاياك.
(3) خضوع حزقيا (ع8):
8 فَقَالَ حَزَقِيَّا لإِشَعْيَاءَ: «جَيِّدٌ هُوَ قَوْلُ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمْتَ بِهِ». وَقَالَ: «فَإِنَّهُ يَكُونُ سَلاَمٌ وَأَمَانٌ فِي أَيَّامِي».
ع8: عندما سمع حزقيا أمر الرب وعقوبته له، خضع لكلام الله، وغالباً شعر بخطيته فى داخله، التى سببت هذه العقوبة، وخضوع حزقيا يعلن إيمانه بالله وقبوله لأوامره ومشيئته.
وعندما خضع حزقيا الملك لكلام الله وشعر الله بتوبته، جعل العقاب يتم بعد زمان حكمه، أى يحيا هو فى سلام، ويكون العقاب بعد مدة طويلة، نتيجة شرور أبنائه. وهذا يبين طول أناة الله، وتقديره لصلاح أولاده، فيسامحهم، وينذر الأجيال الآتية؛ حتى لا تبتعد عنه.
إذا سمح الله لك بتجربة، فاقبلها من يده، واطلب معونته، واعترف بخطاياك، وثق أن محبة الله ستسندك مهما كانت خطاياك، فتشعر بيد الله، وتكون مطمئناً حتى لو كانت هناك آلام فى التجربة.