الله الحنان غافر الخطايا
(1) الرب مخلص شعبه (ع1-13):
1 وَالآنَ هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ، خَالِقُكَ يَا يَعْقُوبُ وَجَابِلُكَ يَا إِسْرَائِيلُ: «لاَ تَخَفْ لأَنِّي فَدَيْتُكَ. دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. أَنْتَ لِي. 2 إِذَا اجْتَزْتَ فِي الْمِيَاهِ فَأَنَا مَعَكَ، وَفِي الأَنْهَارِ فَلاَ تَغْمُرُكَ. إِذَا مَشَيْتَ فِي النَّارِ فَلاَ تُلْذَعُ، وَاللَّهِيبُ لاَ يُحْرِقُكَ. 3 لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، مُخَلِّصُكَ. جَعَلْتُ مِصْرَ فِدْيَتَكَ، كُوشَ وَسَبَا عِوَضَكَ. 4 إِذْ صِرْتَ عَزِيزًا فِي عَيْنَيَّ مُكَرَّمًا، وَأَنَا قَدْ أَحْبَبْتُكَ. أُعْطِي أُنَاسًا عِوَضَكَ وَشُعُوبًا عِوَضَ نَفْسِكَ. 5 لاَ تَخَفْ فَإِنِّي مَعَكَ. مِنَ الْمَشْرِقِ آتِي بِنَسْلِكَ، وَمِنَ الْمَغْرِبِ أَجْمَعُكَ. 6 أَقُولُ لِلشَّمَالِ: أَعْطِ، وَلِلْجَنُوبِ: لاَ تَمْنَعْ. اِيتِ بِبَنِيَّ مِنْ بَعِيدٍ، وَبِبَنَاتِي مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. 7 بِكُلِّ مَنْ دُعِيَ بِاسْمِي وَلِمَجْدِي خَلَقْتُهُ وَجَبَلْتُهُ وَصَنَعْتُهُ. 8 أَخْرِجِ الشَّعْبَ الأَعْمَى وَلَهُ عُيُونٌ، وَالأَصَمَّ وَلَهُ آذَانٌ. 9 «اِجْتَمِعُوا يَا كُلَّ الأُمَمِ مَعًا وَلْتَلْتَئِمِ الْقَبَائِلُ. مَنْ مِنْهُمْ يُخْبِرُ بِهذَا وَيُعْلِمُنَا بِالأَوَّلِيَّاتِ؟ لِيُقَدِّمُوا شُهُودَهُمْ وَيَتَبَرَّرُوا. أَوْ لِيَسْمَعُوا فَيَقُولُوا: صِدْقٌ. 10 أَنْتُمْ شُهُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَعَبْدِي الَّذِي اخْتَرْتُهُ، لِكَيْ تَعْرِفُوا وَتُؤْمِنُوا بِي وَتَفْهَمُوا أَنِّي أَنَا هُوَ. قَبْلِي لَمْ يُصَوَّرْ إِلهٌ وَبَعْدِي لاَ يَكُونُ. 11 أَنَا أَنَا الرَّبُّ، وَلَيْسَ غَيْرِي مُخَلِّصٌ. 12 أَنَا أَخْبَرْتُ وَخَلَّصْتُ وَأَعْلَمْتُ وَلَيْسَ بَيْنَكُمْ غَرِيبٌ. وَأَنْتُمْ شُهُودِي، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَنَا اللهُ. 13 أَيْضًا مِنَ الْيَوْمِ أَنَا هُوَ، وَلاَ مُنْقِذَ مِنْ يَدِي. أَفْعَلُ، وَمَنْ يَرُدُّ؟».
ع1: بعد أن أظهر الله فى نهاية الأصحاح السابق الضيقات التى أتت على شعبه لأجل خطاياهم، يعلن هنا بشرى جديدة، وتغير واضح، مبنى على رحمة الله وحنانه، فيقول : “أنا الرب خالقك، وجابلك يا يعقوب”. والله الذى خلق شعبه هو القادر وحده أن يجدد حياته؛ ليستطيع أن يعيش معه.
تبدأ الآية بكلمة لا تخف؛ ليطمئن الله شعبه ويقول له : “أنا فديتك”. وذلك ما حدث فى ملء الزمان بفداء المسيح على الصليب، والذى كان يرمز إليه الفصح، الذى فدى به أبكار بنى إسرائيل من الموت مع أبكار المصريين.
ويعلن لشعبه ويقول : “دعوتك باسمك”، فهى دعوة شخصية تظهر محبة الله لكل فرد من شعبه، فهو معروف عند الله، ويدعوه باسمه؛ لينعم عليه بالفداء والحياة الجديدة.
وإن كان الله قد فدانا، واشترانا بدمه، فنحن ملك له لنحيا له، وليس للخطية، أى أن شعب الله، وكل إنسان مؤمن يحيا لله من الآن، ويبتعد عن كل شر.
ع2: تلذع : احتراق خفيف جداً (تلسع).
يطمئن الله شعبه، فيقول له : إنك إذا اجتزت فى الماء، أو الأنهار فلا تغطيك المياه، أو تغرقك؛ لأنى أنا معك أحفظك وأحرسك. وهذا ما حدث مع بنى إسرائيل، عندما شق موسى البحر الأحمر وعبر وسط المياه، وكذا أيام يشوع بن نون، عندما شق الله نهر الأردن، وعبر الشعب.
وأيضاً يعد الله شعبه، أنه إذا دخل فى النار فلا تحرقه، أو حتى تلذعه، كما حدث مع الثلاث فتية فى أتون النار.
إن مياه هذا العالم وتياراته، وأفكاره الردية لا تستطيع أن تغمرك ما دام الله معك، ولا نيران الشهوات الشريرة تستطيع أن تحرقك، فكن مطمئناً دائماً؛ لأن الله معك.
ع3، 4: كوش وسبا : قبائل سكنت جنوب غرب شبه الجزيرة العربية، ثم هاجرت مقابلها إلى أفريقيا، وهى ما تسمى الآن بأثيوبيا.
الله القدوس مخلص شعبه، خلصهم بقوة عظيمة، عندما أخرجهم من أرض مصر، وعبروا البحر الأحمر بسلام، أما المصريون بقيادة فرعون فغرقوا فى البحر؛ لأجل شرهم. فالله فدى شعبه، ونجاه، ومات عوضاً عنه فرعون وجيشه.
وقبل خروج شعب الله من مصر، عمل الفصح، فنجى الله أبكار بنى إسرائيل من الموت، أما أبكار المصريين فماتوا جميعاً. وبهذا أيضاً صارت مصر فدية لشعب الله.
كوش وسبا كانا يتميزان بالغنى، فعندما ملك كورش الفارسى، أرجع شعب الله إلى بلاده وسمح الله له أن يستولى على مصر وكوش وسبا، عوضاً عن شعبه الذى أطلقه.
ومصر وكوش وسبا ترمز للشيطان فى قوته وغناه، فمصر تمثل القوة، وكوش وسبا تمثلان الغنى. فعندما مات المسيح على الصليب، خلص البشر المؤمنين به، وقيد الشيطان عوضاً عنهم، فلم يعد قادراً أن يمسك أولاد الله فى الجحيم.
وعلى مر التاريخ، قابلت الكنيسة اضطهادات كثيرة من قوى العالم، ولكن الله فدى كنيسته، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، أما كل من قام ضدها فقد زال وضعف.
والخلاصة، أن شعب الله المؤمن به، صار عزيزاً ومكرماً ومحبوباً لدى الله، فحفظه وخلصه وفداه من أيدى المقاومين، ومازال هذا يحدث حتى اليوم.
ع5-7: إيت : إرجع، وإحضر، وإعطى.
ينبئ الله شعبه برحمته التى ستخلصه من السبى البابلى، فينادى الله : المشرق والمغرب والشمال والجنوب، ليرجعوا أولاده إلى بلادهم، وهذا ما حدث بأمر كورش الملك الفارسى، فرجع شعب بنى إسرائيل من أقصى الإمبراطورية الفارسية إلى أورشليم.
ينطبق هذا الكلام على كل أبناء شعب الله، المدعوين باسمه، الذين شتتهم كل من آشور وبابل، يعيدهم الآن كورش.
وهذا الأمر حدث أيضاً، عندما مات المسيح على الصليب، وقدم خلاصاً للعالم كله يهوداً وأمماً، فأتوا إلى الإيمان من أرجاء الأرض كلها، وصاروا مسيحيين، وقامت الكنائس فى كل مكان فى العالم.
ع8: الأعمى وله عيون، والأصم وله آذان، هو شعب اليهود الذى رفض الإيمان بالمسيح، فيخرجه الله من عماه وصممه الروحى، فيؤمن بالمسيح.
وينطبق أيضاً هذا الكلام على كل شعب من شعوب الأمم، فينير الله قلبه ويؤمن بالمسيح.
وهذه الآية أيضاً تنطبق على المسبيين فى بابل، الذين كانوا مستعبدين للخطية وعبادة الأوثان، ففتح الله عيونهم وآذانهم بالتوبة، وأرجعهم الله من السبى إلى أورشليم واليهودية.
ع9: تلتئم : تتحد.
يعاتب الله الأمم والقبائل الوثنية، ويقول لهم : أنا أخبرت شعبى بما سيحدث فى المستقبل، وأنتم ماذا عرفتم عن المستقبل وأخبرتم به؟ إن كان عندكم شهود على تنبؤاتكم هذه فقدموهم لتثبتوا صدق كلامكم، أو فلتصمتوا وتصدقوا وتؤمنوا بما أقول أنا الله.
ع10: يشجع الله شعبه المؤمن به بأن إيمانه وحياته تشهد لله. وكذا عبدى الذى اخترته، ويقصد به المسيح الذى سيتجسد فى ملء الزمان، والذى أشار إليه فى (ص42: 1)؛ هذا أيضاً سيشهد لى بحياته وكلامه ومعجزاته وفدائه وقيامته.
كل هذا يشهد أن ليس إله إلا الله، إله شعبه بنى إسرائيل، وليس إله قبله ولا بعده. وهذا يرد على كل أكاذيب وإدعاءات الوثنيين وأنبيائهم الكذبة، الذين لا يستطيعون أن يقولوا نبوات صحيحة، حتى لو صنعوا معجزات لتضليل الناس.
ع11: يؤكد الله بقوله : “أنا أنا” أنه هو الرب والسيد وحده فى العالم كله، وبالتالى لا وجود للآلهة الوثنية، فإنها شياطين ولا قيمة لها، وبالتالى العبادة تكون له وحده.
“ليس غيرى مخلص”، فهو وحده الذى يخلص شعبه، وبالتالى ترتفع عيون شعبه إليه؛ لأنه هو القادر وحده أن يخلصهم من عبودية وسطوة آشور، أو بابل. فكل قوى العالم بلا قيمة أمام الله، وإن ارتفعت زمناً قصيراً، لكن الله الذى يسمح بتأديب شعبه هذه المدة القصيرة، يعود فيخلصهم. والله بمحبته لا يأتمن أحد على تخليص شعبه، فهو وحده الأب والراعى الذى ينقذ شعبه، كما ينقذ الراعى خرافه من الذئاب.
ع12: الله أخبر بأنه سيؤدب شعبه؛ لارتباطه بعبادة الأوثان وشهواته الردية، وذلك عن طريق هجوم آشور عليه (ص7: 17). والله أيضاً، هو الذى خلص شعبه من آشور عندما قتل ملاك الرب جيش آشور الذى يحاصر أورشليم (ص37: 36). والله أيضاً هو الذى تنبأ بهذا، وأعلم شعبه أنه سيخلصهم، وذلك على فم إشعياء النبى (ص37: 35). وأعلمهم الله أيضاً أنهم سيذهبون إلى السبى، ثم يعيدهم إلى بلادهم، ويعبدونه فى هيكله، ولا يعبدون الآلهة الوثنية (ص10: 21؛ 35: 10).
“وليس بينكم غريب”، أى لن يكون هناك إله غريب تعبدونه بعد أن ترجعوا من السبى.
“وأنتم شهودى”، إذ رأيتم بأعينكم كيف خلصتكم من عبودية مصر، ومن الحرب مع عماليق فى برية سيناء، ومن سكان أرض كنعان الذين حاربوكم، ثم من آشور الذى خرب واستولى على بلاد اليهودية، وحاصر أورشليم.
يختم الله هذه الآية بقوله : “يقول الرب”، أى السيد الذى ليس سيد غيره، تخضعون له، وهو الله الذى لا إله غيره، فتعبدونه كل أيام حياتكم.
ع13: “وأيضاً من اليوم” بعد أن علمتم أنى أنا هو الله، فلا يصح أن تلتفتوا إلى الآلهة الوثنية، أو تخافوا من قوى العالم؛ لأنى أنا هو الله معكم وأحميكم.
لا يستطيع أحد أن ينقذ نفسه من يدى، فكل أعداء شعبى، أنا أبعدهم عنكم وأخلصكم منهم، فأنا أفعل ما أريد ولا يستطيع أحد أن يرى يدى، أو يقف أمامى.
إن كان الله يحبك يا أخى إلى هذه الدرجة، وليس أحد أقوى منه فى العالم، فلا تضطرب، أو تقلق، ولكن التجئ إليه بالصلاة، فتحتفظ بسلامك على الدوام.
(2) الله يحطم بابل ويرجع شعبه (ع14-21):
14 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ فَادِيكُمْ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ: «لأَجْلِكُمْ أَرْسَلْتُ إِلَى بَابِلَ وَأَلْقَيْتُ الْمَغَالِيقَ كُلَّهَا وَالْكَلْدَانِيِّينَ فِي سُفُنِ تَرَنُّمِهِمْ. 15 أَنَا الرَّبُّ قُدُّوسُكُمْ، خَالِقُ إِسْرَائِيلَ، مَلِكُكُمْ. 16 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ الْجَاعِلُ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا وَفِي الْمِيَاهِ الْقَوِيَّةِ مَسْلَكًا. 17 الْمُخْرِجُ الْمَرْكَبَةَ وَالْفَرَسَ، الْجَيْشَ وَالْعِزَّ. يَضْطَجِعُونَ مَعًا لاَ يَقُومُونَ. قَدْ خَمِدُوا. كَفَتِيلَةٍ انْطَفَأُوا. 18 «لاَ تَذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ، وَالْقَدِيمَاتُ لاَ تَتَأَمَّلُوا بِهَا. 19 هأَنَذَا صَانِعٌ أَمْرًا جَدِيدًا. الآنَ يَنْبُتُ. أَلاَ تَعْرِفُونَهُ؟ أَجْعَلُ فِي الْبَرِّيَّةِ طَرِيقًا، فِي الْقَفْرِ أَنْهَارًا. 20 يُمَجِّدُنِي حَيَوَانُ الصَّحْرَاءِ، الذِّئَابُ وَبَنَاتُ النَّعَامِ، لأَنِّي جَعَلْتُ فِي الْبَرِّيَّةِ مَاءً، أَنْهَارًا فِي الْقَفْرِ، لأَسْقِيَ شَعْبِي مُخْتَارِي. 21 هذَا الشَّعْبُ جَبَلْتُهُ لِنَفْسِي. يُحَدِّثُ بِتَسْبِيحِي.
ع14: المغاليق : قضبان حديدية تغلق أبواب المدينة الضخمة.
الكلدانيين : البابليين.
يواصل الله القوى كلامه مع شعبه، ويصف نفسه بأنه فادى شعبه، وهو القدوس إله بنى إسرائيل. فهو يعلن حمايته لشعبه، ويفديهم من كل شر، ماداموا متمسكين به.
ويعلن الله أنه من أجل محبته لشعبه أرسل فرفع مغاليق بابل، أى كل حماية تحمى بابل؛ سواء أبواب حصينة، أو أمراء وجيوش قوية؛ كل هذا يرفعه الله عن بابل، فتصير ضعيفة أمام قوات كورش الملك الفارسى، فيدخل ويستولى على بابل ويحطمها.
ويحدث الهجوم على بابل، بينما أمرائهم يركبون سفنهم التى كانوا يتنزهون فيها ويغنون، فإذ يرون هذا الهجوم يحزنون، وتتحول أغانيهم إلى مرارة وبكاء.
ع15: يطمئن الله شعبه، فيصف نفسه بثلاث صفات هامة، وهى :
- قدوسكم : أى الله القدوس الساكن فى وسطكم؛ لأطهركم من كل شر، والذى تخاف منه كل الشياطين الشريرة.
- خالق إسرائيل : فهو الذى خلق شعبه والقادر وحده أن يحميه ويخلصه.
- ملككم : أى الذى يملك على قلوبكم، ويعطيكم سلاماً وفرحاً.
ع16: الرب يستطيع أن يجعل فى البحر طريقاً، وفى المياه القوية مسلكاً. فقد رأيتم بعيونكم كيف شق البحر الأحمر عندما أخرجكم من أرض مصر، وهكذا أيضاً شق نهر الأردن أيام يشوع بن نون. والآن يجفف نهر الأردن أمام كورش، فيستولى على بابل.
ع17: خمدوا : انطفأوا.
المركبة والفرس يمثلان كورش الفارسى وجيشه، عندما هجم على بابل، فسقط الجيش البابلى بكل قوته أمامه، وكانوا كفتيلة مدخنة انطفأت، وتحطمت بابل، الإمبراطورية العظيمة أمام قوة الله المتمثلة فى كورش. فبابل التى أذلت شعب الله سنيناً طويلة، ستتحطم على يد كورش؛ هكذا ينبئ الله شعبه؛ حتى لا يضطرب من بابل التى تتسلط عليه الآن فى وقت كلام الله.
ع18، 19: يقول الله لشعبه : “لا تذكروا الأوليات والقديمات”، أى أعمال الله معكم فى إخراجكم من أرض مصر، وعبوركم نهر الأردن، واستيلائكم على أرض كنعان، ولكن تعالوا لتنظروا شيئاً جديداً، أصنعه لكم، ينبت من حيث لا تدرون، ويقصد كورش الفارسى، الذى يخلصكم من عبودية بابل، وهو يرمز للمسيح الذى يخلصكم من عبودية الشيطان، ويعطيكم حياة جديدة، ويعد لكم ملكوت السموات.
وهذا الخلاص الجديد لا يشمل فقط تحطيم بابل، ولكن أيضاً، يرجعكم الله من بابل إلى أورشليم؛ لتبنوا هيكله، وتعبدوه فى طمأنينة. وكما شق فى البحر طريقاً، وجفف نهر الفرات، فهو أيضاً يجعل فى البرية طريقاً، وفى القفر أنهاراً، أى يعطيكم طريقاً للرجوع إلى أورشليم واليهودية، ويسقيكم الماء، ويحفظكم فى الطريق. وكل هذا يرمز إلى المسيح الطريق والحق والحياة، الذى يشق لنا بفدائه طريقاً فى برية هذا العالم، ويسقينا ماء الروح القدس فى كنيسته المقدسة.
ع20: “حيوان الصحراء؛ الذئاب وبنات النعام” تشير إلى الوثنيين، الذين يتصفون بالوحشية والحماقة، فالذئاب هى التى تتصف بالوحشية، وبنات النعام بالغباوة والحماقة. هؤلاء الوثنيون هم :
- كورش الفارسى الذى آمن بقوة الله؛ لأنه وجد اسمه فى أسفار أنبياء العهد القديم، فمجد الله، وأمر برجوع شعب الله إلى أورشليم. فعاد الشعب، وهيأ له الله احتياجه من الماء فى طريق رجوعه إلى أورشليم، وعاله وحفظه، فلم يحتاج إلى شىء.
- الأمم الوثنية التى آمنت بالمسيح في العهد الجديد، والتى كانت تتسم بالوحشية والحماقة، فهيأ لهم الله حياة جديدة معه، وسقاهم من ينابيع الروح القدس، فمجدوا اسمه القدوس.
ع21: الله خلق هذا الشعب لنفسه، ويقصد بنى إسرائيل، ليسبحوه، ويتمتعوا برعايته، فيكونوا نوراً للعالم حولهم؛ حتى تؤمن الأمم بإلههم.
وشعب الله أيضاً هو إسرائيل الجديد، أى المسيحيون، الذين يحفظهم الله؛ ليحيوا معه، ويسبحوه على الأرض، ثم فى السماء.
إن كنت قد سقطت فى خطايا، أو انشغلت عن الله، وابتعدت عنه كثيراً، فقم وارجع إليه؛ لأنه قادر أن يرجعك إلى حياتك الأولى فى إيمان قوى، ومحبة شديدة، وتفرح معه أكثر من ذى قبل.
(3) الله يغفر خطايا شعبه (ع22-28):
22 «وَأَنْتَ لَمْ تَدْعُنِي يَا يَعْقُوبُ، حَتَّى تَتْعَبَ مِنْ أَجْلِي يَا إِسْرَائِيلُ. 23 لَمْ تُحْضِرْ لِي شَاةَ مُحْرَقَتِكَ، وَبِذَبَائِحِكَ لَمْ تُكْرِمْنِي. لَمْ أَسْتَخْدِمْكَ بِتَقْدِمَةٍ وَلاَ أَتْعَبْتُكَ بِلُبَانٍ. 24 لَمْ تَشْتَرِ لِي بِفِضَّةٍ قَصَبًا، وَبِشَحْمِ ذَبَائِحِكَ لَمْ تُرْوِنِي. لكِنِ اسْتَخْدَمْتَنِي بِخَطَايَاكَ وَأَتْعَبْتَنِي بِآثَامِكَ. 25 أَنَا أَنَا هُوَ الْمَاحِي ذُنُوبَكَ لأَجْلِ نَفْسِي، وَخَطَايَاكَ لاَ أَذْكُرُهَا». 26 «ذَكِّرْنِي فَنَتَحَاكَمَ مَعًا. حَدِّثْ لِكَيْ تَتَبَرَّرَ. 27 أَبُوكَ الأَوَّلُ أَخْطَأَ، وَوُسَطَاؤُكَ عَصَوْا عَلَيَّ. 28 فَدَنَّسْتُ رُؤَسَاءَ الْقُدْسِ، وَدَفَعْتُ يَعْقُوبَ إِلَى اللَّعْنِ، وَإِسْرَائِيلَ إِلَى الشَّتَائِمِ.
ع22: يعاتب الله شعبه لابتعاده عنه، ويذكر فى هذه الآيات الأخطاء التى سقط فيها شعبه، وهنا فى هذه الآية، يذكر أول هذه الأخطاء، وهى إهمال الشعب الصلاة لله، واعتبرها تعب ومجهود عليه. وهذه هى صفة الذى تضعف محبته لله، يستثقل الصلاة فيهملها، ولا يعود يدعو الله.
ودعاه الله يعقوب؛ ليذكره بصلوات يعقوب وصراعه طوال الليل مع الله (تك24: 32). فلماذا يا أبناء يعقوب تهملون الصلاة، ولا تصنعون مثل أبيكم يعقوب ؟
ع23: الله أخرج بنى إسرائيل من مصر بنعمته، دون أن يتعب شعبه فى شىء، ولكن علمه فقط ذبح الفصح الذى أكله، ونجاه؛ لأنه لطخ أبوابه بالدم، ثم عندما خرج فى برية سيناء، وعلمه تقديم المحرقات والذبائح، كان ذلك لإظهار محبته لله، وكانت هذه الذبائح رمزاً لذبيحة المسيح. ومع هذا أهمل الشعب تقديم المحرقات والذبائح، وهذا معناه عدم إكرام الله الذى أخرجه من أرض مصر، وأطعمه مجاناً، وسقاه فى البرية القاحلة، فكيف يستثقل تقديم الشكر لله فى شكل محرقات وذبائح ؟!
الله لم يستغل، أو يستخدم شعبه فى تقديم محرقات، أو لبان؛ لأنه غير محتاج لشىء، ولكن عندما يقدم هذه، يعلن إيمانه بالله، فيحميه هذا من عبادة الأوثان. والخلاصة، أن الله حرر شعبه، وأعطاه راحة من عبودية مصر، وكذا أعطاه احتياجاته، فهو لا يتعبه، وهو للأسف لا يكرمه؛ وهذه خطية كبيرة؛ وهى الجحود.
ع24: قصبا : هو نبات قصب الذريرة الذى يستخرج منه الزيت، ويستخدم فى دهن المسحة اللازم لمسح الكهنة والمقدسات.
يواصل الله عتابه لشعبه فى إهماله أن يشترى له زيت المسحة المستخرج من القصب، ولم يكرم الله بذبح ذبائح له، وبالطبع، الله غير محتاج أن يشرب، أو يأكل، ولكن تقديم الذبائح هو عبادة إكرام لله، وتثبيت لإيمان الشعب، وتوبته.
على العكس، استخدم الشعب عطايا الله له من قدرات ومواهب وبركات متعددة فى عمل الخطية التى تغضب الله، بدلاً من أن يطيع كلام الله ويكرمه.
ع25: ويظهر فضل الله ومحبته فى استعداده أن يمحو ويزيل خطايا شعبه، وينسى خطاياه، أى يلقيها فى بحر النسيان، ولكن بشرط أن يتوب عنها. كل هذا يعمله الله لأجل نفسه، أى لأجل أبوته، ومحبته لشعبه، وليس لاستحقاق الشعب، فخطايا الشعب كثيرة وقد ذكرها الله فى الآيات السابقة.
ع26: ينبه الله شعبه ليتكلم معه إذا كان عنده سبب، أو حجة للأخطاء التى عملها. بل يشجع شعبه على الكلام معه، فيقول له باتضاع، ذكرنى لعلى أكون قد نسيت، وهذا بالطبع لم، ولن يحدث أن ينسى الله. ويشجع الله شعبه أن يتكلم، ويقول ما يريد، أو إن لم يجد ما يقول، فليقدم توبة فيسامحه الله.
ع27: أبوك الأول آدم أخطأ، وسقط وسقطت معه البشرية كلها. ووسطاؤك، أى الملوك والرؤساء و الكهنة لم يطيعوا وصاياى، وانشغلوا بالعالم، وعبدوا الأوثان، وسقطوا فى خطايا متنوعة. والخلاصة، فإن تاريخك سئ، وآباءك ابتعدوا عنى، وأغاظونى بخطاياهم.
ع28: نتيجة ابتعاد آباء شعب الله عنه، سمح الله أن يذل رؤساء القدس، وهم الكهنة واللاويين، فاستعبدتهم الأمم، أى بابل، وقتلت أيضاً منهم الكثيرين.
ودفعت شعبى بنى يعقوب إلى العبودية والذل، واحتملوا لعنات كثيرة لابتعادهم عنى، وسقوطهم فى الخطايا، وتعرض شعبى إسرائيل للشتم ممن استعبدوه. كل هذا لعل الشعب يتوب، ويرجع إلى الله، ويبتعد عن خطاياه، فيسامحه، ويعيده من السبى. الله رحوم جداً، ويبحث عنك؛ ليغفر لك خطاياك، فهل تنتبه لتحاسب نفسك كل يوم، وتقدم توبة؟ حتى تتمتع بغفران الله، وتستعيد سلامك الداخلى.