خلاص أورشليم المجانى
(1) حرية أورشليم بعد ذلها (ع1-6):
1 اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! الْبَسِي عِزَّكِ يَا صِهْيَوْنُ! الْبَسِي ثِيَابَ جَمَالِكِ يَا أُورُشَلِيمُ، الْمَدِينَةُ الْمُقَدَّسَةُ، لأَنَّهُ لاَ يَعُودُ يَدْخُلُكِ فِي مَا بَعْدُ أَغْلَفُ وَلاَ نَجِسٌ. 2 اِنْتَفِضِي مِنَ التُّرَابِ. قُومِي اجْلِسِي
يَا أُورُشَلِيمُ. انْحَلِّي مِنْ رُبُطِ عُنُقِكِ أَيَّتُهَا الْمَسْبِيَّةُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ. 3 فَإِنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «مَجَّانًا بُعْتُمْ، وَبِلاَ فِضَّةٍ تُفَكُّونَ». 4 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: «إِلَى مِصْرَ نَزَلَ شَعْبِي أَوَّلًا لِيَتَغَرَّبَ هُنَاكَ. ثُمَّ ظَلَمَهُ أَشُّورُ بِلاَ سَبَبٍ. 5 فَالآنَ مَاذَا لِي هُنَا، يَقُولُ الرَّبُّ، حَتَّى أُخِذَ شَعْبِي مَجَّانًا؟ الْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِ يَصِيحُونَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَدَائِمًا كُلَّ يَوْمٍ اسْمِي يُهَانُ. 6 لِذلِكَ يَعْرِفُ شَعْبِيَ اسْمِي. لِذلِكَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَعْرِفُونَ أَنِّي أَنَا هُوَ الْمُتَكَلِّمُ. هأَنَذَا».
ع1: عزك : قوتك.
أغلف : غير مختتن والمقصود الأممى.
كانت أورشليم المسبية فى ظل عبوديتها لبابل، مثل نائمة يغطيها الإحباط واليأس، فالله يناديها لتستيقظ من نومها، أى ضعفها، وتقوم لتلبس عزها، وتلبس ثياب جمالها، أى تعود لقوتها وجمالها، ببناء هيكل الله فيها من جديد، بعد أن أحرقه البابليون.
وهذه الآية نبوة عن كنيسة العهد الجديد، فأورشليم فى العهد القديم كانت ضعيفة تحت حكم الناموس؛ لذا يناديها أن تستيقظ؛ لأن المسيح قد تجسد وفداها على الصليب.
وعدم دخول أغلف، أو نجس إلى أورشليم، يُقصد به أورشليم العهد الجديد، أى الكنيسة، التى لن يكون عضو فيها شخصاً غير مؤمن بالمسيح، بل الكل أطهار قد ولدوا من جرن المعمودية.
والخطية هى التى تُعرى الإنسان من البر، فيناديه الله أن يستيقظ ويلبس عزه وجماله، ولا يدخل فيه شىء نجس، أى أنه يحيا فى البر، ويرفض الشر.
قال الله كلمة استيقظى مرتين، إذ ينادى على اليهود والأمم؛ ليقوموا من نوم الخطية، ويؤمنوا بالمسيح الفادى، فينالوا قوتهم وجمالهم وبرهم؛ لذا قال بولس : “لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل3: 27).
ع2: ينادى الله أورشليم أن تنتفض من التراب، أى ذل العبودية فى بابل، أو الحياة الشهوانية التى يحيا فيها الخاطئ.
ثم يناديها أن تقوم وتجلس على عرش مجدها كملكة؛ لأن الله سيعيدها من السبى بكرامة عظيمة، فى الوقت الذى تُذل فيه بابل التى كانت ملكة، فتصير عبدة. وهكذا أيضاً كل إنسان يتوب، يملك الله على حياته، ويصير عظيماً بسكنى الله فيه.
انحلى من ربط عنقك، أى تخلصى من قيود عبودية بابل، والتى كانت تربط المسبيين من أعناقهم، وتقودهم فى ذل كالحيوانات. الآن تتحررين من العبودية، وترجعين من السبى، وتبنين مدينة أورشليم والهيكل. وأيضاً الإنسان التائب ينال حريته فى المسيح، فيتحرر من عبودية الخطية، ويلبس البر، وينطلق فى طريق محبة الله.
ع3 يعلن الرب أن شعبه قد بيع مجاناً، أى أن الذين تسلطوا عليه وأذلوه على مر الأجيال، لم يدفعوا شيئاً عندما تسلطوا عليه، سواء مصر، أو آشور، أو بابل، وسمح الله بذلك بسبب خطايا شعبه.
ويبشر الله شعبه بأنه بلا فضة، أى مجاناً يُفك، برجوعه من السبى، فكورش الفارسى لم يدفع له أحد شيئاً ليأمر بعودة شعب الله إلى بلاده وبناء الهيكل؛ كل هذا بتدبير الله الذى يسامح شعبه؛ لأنه تاب عن خطاياه، فأعاده مجاناً إلى بلاده.
وهكذا أيضاً الإنسان الذى يخطئ، يبيع نفسه مجاناً للشيطان، فيذله، وعندما يؤمن ويتوب يحرره الله مجاناً من عبودية الشيطان؛ ليحيا مع الله فى البر والقداسة.
ع4: هذا ما حدث مع شعب الله، عندما تغرب فى مصر، فبعدما أكرمته مصر قليلاً أيام يوسف، أذله المصريون سنيناً طويلة، ثم استعبدته آشور بلا سبب أيضاً، فلم يخطئ شعب الله فى حق آشور، ولكنه أخطأ فى حق الله فى الشهوات وعبادة الأوثان. فآشور ظلم شعب الله، كما ظلمته مصر.
ع5: يقول الرب : ماذا لى هنا ؟ أى فى بابل التى تستعبد شعبه، والله أطال أناته؛ ليتوب شعبه، ولكنه يتدخل ليخلصه مجاناً من يد بابل، كما بيع مجاناً لها، فهو لم يخطئ فى حق بابل، لكن الله سمح بهذا الذل والسبى بسبب خطايا شعبه نحوه بعبادة الأوثان.
والبابليون يصيحون على الله بتجديفهم عليه، وإهانة اسمه القدوس؛ لذا سيتدخل حتماً، ويحرر شعبه، ويعاقب بابل على خطاياها بهجوم فارس عليها، التى تحرر شعبه، وتعيده إلى بلاده.
ع6: عندما يعيد الله شعبه من السبى، يعرف شعب الله اسمه القدوس القوى القادر على كل شىء حتى على عمل المعجزات، مثل إعادة الشعب المسبى المذلول بنعمة وقوة بأمر الإمبراطور الحاكم كورش.
ويعرف شعب الله أنه هو الذى يتكلم بهذه النبوات على فم إشعياء، منذ زمان طويل، وفى ذلك اليوم تتحقق النبوات برجوع الشعب من السبى.
وكلمة ذلك اليوم تنطبق أيضاً على العهد الجديد، حينما يتمم المسيح الفداء على الصليب، ويفدى البشرية.
وتنطبق كذلك على يوم الدينونة، حينما يجازى الأبرار بالملكوت و الأشرار بالعذاب الأبدى، وفى جميع هذه الأحوال يعرفون أن كلام الله حق، ولابد أن يتم.
إن الخطية هى سبب ذل الإنسان، والحل هو التوبة، فيستعيد الإنسان قوته، وجماله، ويفرح مع الله، ويتمتع بعطايا الله المجانية طوال حياته على الأرض، بل وفى السماء أيضاً.
[2] بهجة أورشليم بملكها (ع7-12) :
7 مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ، الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ، الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: «قَدْ مَلَكَ إِلهُكِ!». 8 صَوْتُ مُرَاقِبِيكِ. يَرْفَعُونَ صَوْتَهُمْ. يَتَرَنَّمُونَ مَعًا، لأَنَّهُمْ يُبْصِرُونَ عَيْنًا لِعَيْنٍ عِنْدَ رُجُوعِ الرَّبِّ إِلَى صِهْيَوْنَ. 9 أَشِيدِي تَرَنَّمِي مَعًا يَا خِرَبَ أُورُشَلِيمَ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى شَعْبَهُ. فَدَى أُورُشَلِيمَ. 10 قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ، فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلهِنَا. 11 اِعْتَزِلُوا، اعْتَزِلُوا. اخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ. لاَ تَمَسُّوا نَجِسًا. اخْرُجُوا مِنْ وَسَطِهَا. تَطَهَّرُوا يَا حَامِلِي آنِيَةِ الرَّبِّ. 12 لأَنَّكُمْ لاَ تَخْرُجُونَ بِالْعَجَلَةِ، وَلاَ تَذْهَبُونَ هَارِبِينَ. لأَنَّ الرَّبَّ سَائِرٌ أَمَامَكُمْ، وَإِلهَ إِسْرَائِيلَ يَجْمَعُ سَاقَتَكُمْ.
ع7: إن قدمى المبشر بالسلام على الجبال هى أولاً : البشرى بالرجوع من السبى، ففرح شعب الله، وسبحه، وعاد إلى أورشليم بفرح عظيم.
ثم ثانياً : هما قدما المسيح الذى وقف على الجبال، وكلم شعبه ببشرى السلام والخلاص والخير، بل بشرهم بأنه سيملك على كنيسته بصليبه.
ع8: إن المراقبين هم الأنبياء والمؤمنين الذين رأوا بعيونهم عودتهم من السبى إلى أورشليم، ففرحوا، ورنموا مسبحين الله؛ لأنه رجع إلى صهيون، أى أورشليم، فعادت البركة، وسيهتم ببنائها، وبناء هيكله، وتعميرها بالسكان الذى أعادهم هو من السبى. فما دام الله قد عاد وبارك أورشليم، فقد كملت نعمة الله وفرح المؤمنين.
وتنطبق هذه الآية أيضاً على كنيسة العهد الجديد، عندما يرى المراقبون، وهم التلاميذ والرسل والمؤمنون، عمل الروح القدس فى يوم الخمسين، فيسبحون الله لأنه عاد وبارك البشرية كلها بحلوله فى وسطهم، ليعطيهم روحه القدوس، وجسده ودمه وكل عطية صالحة. وهذا ما شهد به الرسل، مثل يوحنا الحبيب فى رسالته الأولى (1يو1: 1، 2).
ع9: ثم ينادى إشعياء أورشليم المخربة؛ لتفرح؛ لأن الله عزى شعبه، إذ حل فى أورشليم، وأعاد شعبه إليها، وبهذا فدى الرب أورشليم، إذ أنقذها من يد أعدائها، فعاد سكانها إليها، ليبنوا هيكل الله ، ويفرحوا معه.
ع10: شمر الرب عن ذراع قدسه، أى أظهر قوته بشكل معجزى، عندما أعاد شعبه إلى أورشليم، وهم يحملون آنية بيت الرب بفرح عظيم، بأمر كورش، ورأت الأمم كلها حتى أقاصى الأرض محبة الله لشعبه، لعلهم يؤمنون، ويرجعون إلى الله.
وذراع قدس الرب ترمز لتجسده، ثم فدائه على الصليب وقيامته، وانتشرت البشرى بالخلاص على فم الرسل، والمؤمنين إلى كل الأمم فى أقاصى الأرض، فآمن الكثيرون، وبنيت كنائس فى كل العالم.
ع11: ينادى الله على شعبه الساكن فى بابل؛ ليخرج تحت قيادة زربابل للعودة إلى أورشليم، فيطلب منه :
- الاعتزال عن عبادة الأوثان، وكل شىء نجس فى بابل، فيصيروا طاهرين، مؤهلين للعودة إلى أورشليم فى المدينة المقدسة.
- يطلب أيضاً من الكهنة واللاويين أن يتطهروا؛ ليحملوا آنية بيت الرب، التى سبق وأخذها نبوخذنصر، عندما هجم على أورشليم؛ الآن تعود بنعمة الله، وبأمر كورش، لوضعها فى الهيكل الذى سيبنيه الشعب الراجع من السبى.
وإذا نظرنا إلى هذه الآية، نجدها تنطبق على الكنيسة، عندما ينادى الرسل والمؤمنون العالم كله؛ ليعتزل عن عبادة الأصنام، وكل نجاسة، ويخرج من الشر؛ ليحيا فى الإيمان المسيحى. ويطالب أيضاً الكهنة، الذين سيحملون آنية بيت الرب فى القداس الإلهى، أن يتطهروا من كل شر؛ ليعمل فيهم الله بحرية.
ع12: ساقتكم : مؤخرة الجيش، أو القافلة، وفيها الضعفاء والنساء والأطفال.
عند خروج بنى إسرائيل من بابل سيخرجون بهدوء، وليس بتعجل، كما تركوا بلادهم؛ أورشليم واليهودية، حين هجم البابليون عليهم، إذ كانوا خائفين منهم، وكما كان خروج بنى إسرائيل من مصر بعجلة من أجل خوف المصريين منهم بعد موت أبكار المصريين (خر12: 31). ولكن الآن يخرجون بثقة رافعين رؤوسهم؛ لأن الله جعل كورش الذى يحكم العالم، هو الذى يأمر بعودتهم من بابل إلى أورشليم.
ويخرجون مطمئنين لأن الله فى وسطهم، يباركهم ويحفظهم، بل ويشجع أيضاً الضعفاء منهم، ويسندهم، ويرنمون فى طريقهم فرحين، فتسمع كل الأمم بعمل الله العجيب؛ لعلهم يتوبون ويؤمنون، خاصة وأن رحلتهم من بابل لأورشليم استغرقت أربعة أشهر، أى فترة طويلة؛ ليسمع العالم كله بعمل الله العجيب.
إحرص على الطهارة ورفض الشر، فيكون الله معك، وحينئذ تخطو خطواتك بهدوء وسط العالم، مستنداً على قوة الله الذى معك، وتسبح الله فى قلبك كل يوم، فرحاً بوجوده معك.
[3] المسيح المصلوب القائم (ع13-15) :
13 هُوَذَا عَبْدِي يَعْقِلُ، يَتَعَالَى وَيَرْتَقِي وَيَتَسَامَى جِدًّا. 14 كَمَا انْدَهَشَ مِنْكَ كَثِيرُونَ. كَانَ مَنْظَرُهُ كَذَا مُفْسَدًا أَكْثَرَ مِنَ الرَّجُلِ، وَصُورَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي آدَمَ. 15 هكَذَا يَنْضِحُ أُمَمًا كَثِيرِينَ. مِنْ أَجْلِهِ يَسُدُّ مُلُوكٌ أَفْوَاهَهُمْ، لأَنَّهُمْ قَدْ أَبْصَرُوا مَا لَمْ يُخْبَرُوا بِهِ، وَمَا لَمْ يَسْمَعُوهُ فَهِمُوهُ.
ع13: يتكلم الآب فيقول: “عبدى”، ويقصد بعبدى، “المسيح”، الذى صار إنساناً وعبداً؛ لأجل خلاصنا.
ويقول عنه يعقل؛ لأنه هو أقنوم الحكمة، أى العقل الإلهى، ويتعالى ويتسامى، وهذا إشارة إلى قيامته من بين الأموات، منتصراً على الشيطان وكل قوته، ثم صعوده وجلوسه عن يمين الآب، فتمجد، معلناً لكل المؤمنين به، أنه أعد لهم مكاناً فى السماء.
ع14، 15: كان منظر المسيح على الأرض متواضعاً جداً، فولد فى مزود، ولم يكن له أين يسند رأسه، واحتمل الجلد والصلب، والتعيير، فكان منظره مفسداً، أى منظر إنسان ضعيف، مملوء بالآلام والجروح؛ كل هذا احتمله لأجل خلاصنا. ولكنه هو الله القادر أن يقوم من الأموات، وينضح على الأمم بدمه المسفوك على الصليب، كما كان ينضح رئيس الكهنة دم الذبيحة فى العهد القديم على غطاء التابوت يوم الكفارة (لا16: 14-15). فيطهر الله الأمم فى سر المعمودية والتناول من جسده ودمه. ويتعجب ملوك ورؤساء العالم ويسدوا أفواههم عندما يرون المصلوب هو القائم من الأموات، أى هو الله، إذ لم يكونوا يعرفون أن المسيا المنتظر ينبغى أن يتألم، ثم يتمجد؛ لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد (1كو2: 8). وهكذا بموت المسيح وقيامته قيد الشياطين، الذين هم ملوك الأرض المتسلطين عليها، وقد سدوا أفواههم؛ لأنهم لم يتصوروا أن المصلوب هو الله؛ لأن الشياطين متكبرون، وكذا الأشرار، الذين تخيلوا بكبريائهم أن المسيا المنتظر سيأتى ملكاً عظيماً على الأرض، فلم يفهموا الصليب.
إن كان الله قد احتمل من أجلك يا أخى أن يكون عبداً، ومهاناً، ومحتملاً كل الآلام، فيلزمك أن تخضع لمحبته العظيمة هذه، فيهبك نعمته وقوته، ويرفعك فوق كل شر، فتفكر فى السمائيات.