الكنيسة الجميلة المتهللة
(1) العروس الملكة (ع1-5):
1 مِنْ أَجْلِ صِهْيَوْنَ لاَ أَسْكُتُ، وَمِنْ أَجْلِ أُورُشَلِيمَ لاَ أَهْدَأُ، حَتَّى يَخْرُجَ بِرُّهَا كَضِيَاءٍ وَخَلاَصُهَا كَمِصْبَاحٍ يَتَّقِدُ. 2 فَتَرَى الأُمَمُ بِرَّكِ، وَكُلُّ الْمُلُوكِ مَجْدَكِ، وَتُسَمَّيْنَ بِاسْمٍ جَدِيدٍ يُعَيِّنُهُ فَمُ الرَّبِّ. 3 وَتَكُونِينَ إِكْلِيلَ جَمَال بِيَدِ الرَّبِّ، وَتَاجًا مَلِكِيًّا بِكَفِّ إِلهِكِ. 4 لاَ يُقَالُ بَعْدُ لَكِ: «مَهْجُورَةٌ»، وَلاَ يُقَالُ بَعْدُ لأَرْضِكِ: «مُوحَشَةٌ»، بَلْ تُدْعَيْنَ: «حَفْصِيبَةَ»، وَأَرْضُكِ تُدْعَى: «بَعُولَةَ». لأَنَّ الرَّبَّ يُسَرُّ بِكِ، وَأَرْضُكِ تَصِيرُ ذَاتِ بَعْلٍ. 5 لأَنَّهُ كَمَا يَتَزَوَّجُ الشَّابُّ عَذْرَاءَ، يَتَزَوَّجُكِ بَنُوكِ. وَكَفَرَحِ الْعَرِيسِ بِالْعَرُوسِ يَفْرَحُ بِكِ إِلهُكِ.
ع1: يتقد : يشتعل.
المسيح يتكلم عن محبته واهتمامه بعروسه، أى شعبه، فهو مهتم بخلاصه، ولن يسكت، أو يهدأ؛ حتى يتمم هذا الخلاص ويهبه بره، الذى يصير واضحاً كالضياء والمصباح المنير، فلا شىء يعطل المسيح عن إتمام هذا الخلاص، وهو حتماً سيتممه؛ وهذا يبين مدى محبة الله لشعبه.
ع2: الخلاص الذى يهبه الله لعروسه يعطيها براً واضحاً، يراه العالم كله، فتصير نوراً للعالم، وملحاً للأرض.
ويهبها الله أيضاً اسماً جديداً، والاسم يشير إلى الشخص كله بكل مشتملاته، أى يعطيها طبيعة جديدة تميل للحياة معه، فيموت الإنسان العتيق، وتبدأ الطبيعة الجديدة، وهذا ما أكده سفر الرؤيا، حينما ينال المؤمن حصاة عليها اسم جديد (رؤ2: 17).
ع3: يعلن الله أن كنيسته ستصير إكليل جمال، وتاجاً ملكياً، أى تصير عظيمة ومجيدة، وكل هذا نعمة من الله؛ لأنها إكليل وتاج بيده وكفه، فهو الذى يجعلها إكليلاً وتاجاً، أى يجعلها ملكة عظيمة بنعمته وبهائه. وأكد حزقيال أن عروس المسيح ستكون جميلة وملكة (حز16: 13، 14).
ع4: حفصيبة : من أسر بها.
بعولة : ذات بعل، أى لها زوج.
عندما تم السبى، أخذ البابليون، وقبلهم الآشوريون الأشراف والعظماء، وتركوا الفقراء المعدمين، وخربوا الأرض، وصارت المدن مهجورة ومهدمة. ولكن بعد الرجوع من السبى، بُنيت أورشليم وأسوارها والهيكل، وكل هذا رمزٌ للكنيسة التى جمعت نفوساً كثيرة آمنت بالمسيح، فلم تعد عروس المسيح الأمة اليهودية مهجورة وعليها غضب الله، بل على العكس، عندما تابت وآمنت به، صارت محل مسرة الله، وعادت كعروس لعريسها السماوى، فصارت ذات بعل، ويظل الله يرعى كنيسته حتى يمجدها معه في السماء.
ع5: يعلن الله الزواج الروحى الذى سيحدث بين أبناء الكنيسة وأمهم الكنيسة، أى يلتصقون بها روحياً، ويحبونها من كل قلوبهم، فيعيشوا للمسيح كل أيامهم، وبالطبع هذا ليس له علاقة بمعنى الزواج الجسدى. وعندما يقول : “كما يتزوج الشاب عذراء”، يقصد به المحبة والارتباط والاتحاد الذى يدوم طوال العمر، وليس العلاقة الجسدية؛ لأن الكنيسة معنى روحى، فهى أم روحية وليست جسدية.
وكما يفرح العريس بعروسه، يفرح الله بكنيسته كعروس له. وهى أيضاً تكون في فرح بعريسها، وهذا الفرح يدوم إلى الأبد، فالكنيسة في عرس دائم على الأرض مع مسيحها، تتمتع بحبه كل أيامها، ويمتد هذا الحب إلى ملكوت السموات.
الله مشتاق لنفسك يا أخى؛ لتكون عروساً له، لتتحد به وتتمتع بحبه، فتحيا مطمئناً وسعيداً كل أيامك.
(2) حراسة وتسبـيح (ع6-9):
6 عَلَى أَسْوَارِكِ يَا أُورُشَلِيمُ أَقَمْتُ حُرَّاسًا لاَ يَسْكُتُونَ كُلَّ النَّهَارِ وَكُلَّ اللَّيْلِ عَلَى الدَّوَامِ.
يَا ذَاكِرِي الرَّبِّ لاَ تَسْكُتُوا، 7 وَلاَ تَدَعُوهُ يَسْكُتُ، حَتَّى يُثَبِّتَ وَيَجْعَلَ أُورُشَلِيمَ تَسْبِيحَةً فِي الأَرْضِ. 8 حَلَفَ الرَّبُّ بِيَمِينِهِ وَبِذِرَاعِ عِزَّتِهِ قَائِلًا: «إِنِّي لاَ أَدْفَعُ بَعْدُ قَمْحَكِ مَأْكَلًا لأَعْدَائِكِ، وَلاَ يَشْرَبُ بَنُو الْغُرَبَاءِ خَمْرَكِ الَّتِي تَعِبْتِ فِيهَا. 9 بَلْ يَأْكُلُهُ الَّذِينَ جَنَوْهُ وَيُسَبِّحُونَ الرَّبَّ، وَيَشْرَبُهُ جَامِعُوهُ فِي دِيَارِ قُدْسِي».
ع6، 7: يقرر الله أنه أقام حراساً على أسوار أمته، أو كنيسته؛ هؤلاء الحراس هم الملائكة والرسل والكهنة والخدام، يصلون إلى الله، ويذكرونه برعاية أولاده والاهتمام بهم، فالخدام هم أدوات في يد الله، وبالصلاة ينالون قوة من الله لرعاية أولاده، ويعمل الروح القدس فيهم؛ حتى يحبون الله، فيسبحوه كثيراً، بل يصيرون هم تسبيحة لله من كثرة محبتهم للتسبيح.
والذين يذكرون الرب، يذكرونه على الدوام، وهذا إشارة إلى اللجاجة في الصلاة، والصلاة الدائمة طوال اليوم. وتعبير لا تدعوه يسكت، يشير إلى التشبث بالله، والإلحاح عليه؛ حتى يعمل ويستجيب لصلواتهم، هكذا فعل بولس الرسول في أفسس (أع20: 31).
ع8، 9: عزته : قوته.
جنوه : جمعوه.
أقسم الرب بذاته وبقوته القادرة على كل شىء أنه سيحمى أولاده، فلا يستغلهم أعداؤهم، إذ كانوا يأكلون القمح الذى زرعوه، ويشربون الخمر من العنب الذى تعبوا في العناية به، بل سيحفظه الله، فيأكل الشعب قمحه، ويشرب خمره في ديار قدس الرب والمقصود الكنيسة، فيتناول المؤمنون جسد الرب ودمه في الكنيسة، وينالون كل الخيرات الروحية والجسدية من يد الله، ويصبح الشيطان عاجزاً عن سلبها منهم؛ لأن الله يحميهم.
يمكنك يا أخى أن تتمتع بحراسة الله، عندما تتمسك بقانونك الروحى من الأصوام والصلوات والقراءات، وحينئذ تكون فى فرح وتسبيح اسمه القدوس على الدوام.
(3) إعداد طريق الرب (ع10-12):
10 اُعْبُرُوا، اعْبُرُوا بِالأَبْوَابِ، هَيِّئُوا طَرِيقَ الشَّعْبِ. أَعِدُّوا، أَعِدُّوا السَّبِيلَ، نَقُّوهُ مِنَ الْحِجَارَةِ، ارْفَعُوا الرَّايَةَ لِلشَّعْبِ. 11 هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ أَخْبَرَ إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ، قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: «هُوَذَا مُخَلِّصُكِ آتٍ. هَا أُجْرَتُهُ مَعَهُ وَجِزَاؤُهُ أَمَامَهُ». 12 وَيُسَمُّونَهُمْ: «شَعْبًا مُقَدَّسًا»، «مَفْدِيِّي الرَّبِّ». وَأَنْتِ تُسَمَّيْنَ: «الْمَطْلُوبَةَ»، «الْمَدِينَةَ غَيْرَ الْمَهْجُورَةِ».
ع10: السبيل : الطريق.
إن كان الخلاص سيتم بأمر الله، فيلزم أن يعد الكهنة والخدام طريق الخلاص في قلوب من يخدمونهم.
وهذا الخلاص على مستويين؛ المستوى الأول هو الرجوع من السبى، و الذى يرمز إلى المستوى الثانى، وهو الرجوع لله عندما يؤمن العالم كله بالمسيح.
والعبور هو عبور من العبودية إلى الإيمان والحياة الجديدة مع الله. وتهيئة طريق الشعب هو بتعليمهم الحياة مع الله. وإعداد السبيل هو إعداد طريق لله في قلوبهم بالتوبة لترك خطاياهم، والبدء في حياة جديدة ترضى الله. وتنقية الحجارة هو إزالة المعوقات التى تعطل أولاد الله العائدين إليه، أى كشف خداعات إبليس وحيله التى تشغل أولاد الله عنه، وتشمل كل العثرات والمفاسد والانحرافات. ورفع الراية للشعب هو الشهادة لله أنه هو الإله الوحيد والمخلص الذى يعطينا الحياة الحقيقية.
هذا الإعداد هو ما فعله الأنبياء بعد الرجوع من السبى، وهم حجى وزكريا وملاخى، وما فعله يوحنا المعمدان في إعداد طريق المسيح.
ع11: إن الإيمان بالمسيح قدمه الله إلى الأمم في أقاصى الأرض، وقدمه أولاً لإبنة صهيون، أى الأمة اليهودية التى وُلد فيها المسيح، فالبشارة بالإيمان وصلت إلى كل مكان في العالم.
وينادى إشعياء ويقول: “هوذا مخلصك”، مخاطباً جميع النفوس التى ستؤمن بالمسيح أنه آتٍ إلى كل نفس وأجرته معه وجزاؤه أمامه، فهو سيهب كل النفوس المؤمنة عطايا روحه القدوس في الكنيسة؛ لتعين النفس على الحياة مع الله، ثم فى النهاية تنتظر هذه النفوس المجازاة الأبدية في ملكوت السموات، كما أعلن سفر الرؤيا (رؤ22: 12).
ع12: يسمى الراجعون إلى الله بالتوبة والإيمان شعباً مقدساً، وهو الذى فداه المسيح على الصليب، وتُسمى الكنيسة، المدينة المطلوبة غير المهجورة، أى بدلاً من كون صهيون مهجورة بسبب تدمير البابليين لها، تُبنى من جديد بعد الرجوع من السبى، ثم تتحول إلى الإيمان بالمسيح في ملء الزمان، فتصير الكنيسة مطلوبة، إذ يطلبها الكثيرون للانضمام إليها، عندما يؤمنون بالمسيح. ليتك يا أخى تعد طريق الله داخلك بالتوبة والصلاة والصوم، فتفرح بالأسرار المقدسة، وتتلذذ بكلام الله.