الله المخلص
(1) العبد المختار (ع1-9):
1 «هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2 لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3 قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4 لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ». 5 هكَذَا يَقُولُ اللهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا: 6 «أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، 7 لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. 8 «أَنَا الرَّبُّ هذَا اسْمِي، وَمَجْدِي لاَ أُعْطِيهِ لآخَرَ، وَلاَ تَسْبِيحِي لِلْمَنْحُوتَاتِ. 9 هُوَذَا الأَوَّلِيَّاتُ قَدْ أَتَتْ، وَالْحَدِيثَاتُ أَنَا مُخْبِرٌ بِهَا. قَبْلَ أَنْ تَنْبُتَ أُعْلِمُكُمْ بِهَا».
ع1: أعضده : أسانده.
يتكلم الله عن ابنه الوحيد يسوع المسيح ربنا، ويدعوه عبدى؛ لأن المسيح أخذ صورة العبد، وصار إنساناً مثلنا، لكن بدون خطية. فالآب يعلن أنه يعضد الابن الوحيد المتجسد؛ لأن الآب فى الابن والابن فى الآب.
والمسيح هو مختار الله، فهو الوحيد بين البشر الذى يمكن أن يتمم الخلاص والفداء، فهو المختار الذى يُسر به الآب، كما أعلن الآب عند عماد المسيح وقال : “هذا هو ابنى الحبيب الذى به سررت” (مت3: 17).
إن الابن هو الله الذى روحه هو الروح القدس. ولكن وضع الروح عليه، يُقصد به حلول الروح القدس بشكل حمامة عند عماده فى نهر الأردن، معلناً بدء خدمته.
المسيح هو الطريق والحق والحياة (يو14: 6)، فهو الذى سيخرج الحق ويعلنه للأمم البعيدين فى عبادة الأوثان، وأيضاً لليهود الذين انشغلوا عن وصايا الله بأفكارهم الخاصة.
ع2: يواصل الله توضيح صفات العبد المختار، أى المسيح، بأنه لا يصيح ولا يرفع صوته، ولا يسمع أحد فى الشوارع صراخه، فهو هادئ، كلامه مريح وغير مزعج، ولا يصنع مثل ملوك العالم الذين يعتمدون على ارتفاع الأصوات؛ لأنه قوى، بل فيه كمال القوة، فكلامه متواضع ووديع، ولكنه يؤثر جداً فى سامعيه. وقد أورد معلمنا متى البشير هذه الصفات عن المسيح فى إنجيله (مت12: 20).
ع3: مرضوضة : مضروبة وتكاد تنكسر.
يقصف : يكسر.
خامدة : يصعد منها الدخان بكثرة حتى أنه يخفى الشعلة الصغيرة جداً التى داخلها.
المسيح بمحبته وأبوته يهتم بكل إنسان مهما كان ضعيفاً، مثل قصبة قد ضربها أحد، وكادت تنكسر، فالمسيح لا يكسرها، بل يسندها ويقويها، ويدعمها؛ حتى تستعيد قوتها، والتصاقها بالأصل.
ويشبه الخاطئ الضعيف بفتيلة خامدة لا تظهر منها النار؛ لأن الدخان يتصاعد منها، ويخفى النار الصغيرة التى فيها، فهو لا يطفئها؛ لأنها قريبة من الانطفاء، بل على العكس يشعلها بنفخات فمه؛ حتى تتقوى وتظهر النار، وتصير قوية وواضحة.
وهو لا يساند الخاطئ الضعيف فقط، بل أيضاً يساند الحق الذى يختفى أحياناً من أجل شر الناس الكثير، فيخرج الحق إلى الأمان، أى يعلنه بوضوح وقوة، فيتشدد المؤمنون المتمسكون بالحق، ولا يخافون من الأشرار؛ لأن الله معهم.
وهذا يبين طول أناة المسيح، وإشفاقه على الخطاة والضعفاء، وأنه يعطى رجاءاً لمن ليس له رجاء، ما دام حياً على الأرض، فيستطيع أن يستعيد قوته بنعمة الله.
ع4: إن المسيح لا يستسلم، أو يتكاسل، ولكنه يعمل على الدوام بقوة، فهو لا يستسلم للتعب، ولا ينكسر بسبب الظروف المعاكسة، ولكنه يعمل حتى يضع، ويثبت الحق فى الأرض بشريعته، أى بتعاليمه المقدسة، وبسلوكه البار.
ثم تنتشر تعاليم المسيح فى العالم كله، وليس فقط فى اليهودية، أو السامرة، فيؤمنون، وتُبنى الكنائس فى كل مكان فى الأمم، كما بدأ بولس الرسول، وأكمل الأساقفة والكهنة خدمته حتى اليوم.
ع5: الله خلق السموات، ونشرها لتكون سقفاً لكل سكان الأرض، وخلق الأرض أيضاً، وبسطها، وخلق عليها كل نتائجها من الإنسان والحيوان والنبات، وأهم هذه الكائنات هو الإنسان، الذى أعطاه الله روحاً، ونسمة حياة، وهو صورة الله الذى يرأس العالم، ويقوده فى تمجيد الله.
ع6: الله الآب ينادى المسيح الابن، ويقول له : “أنا دعوتك بالبر”، فهو الابن القدوس مصدر كل بر.
والمسيح أيضاً هو نور للأمم، إذ أنار ذهنهم ليقبلوا الحق، ويؤمنوا، فصاروا أولاد الله أيضاً مثل اليهود، ونقلهم بهذا من ظلمة عبادة الأوثان والشهوات الردية إلى الحياة الجديدة النقية.
الآب أمسك بيد الإبن وحفظه، فكان للابن نفس قوة الآب، وسار فى طريق الفداء، فلم يتعطل بكل استفزازات الشيطان وتجاربه، فعلم الشعب، ودعاهم للتوبة، ثم قدم لهم الخلاص على الصليب، وبدمه جعله عهداً للشعب، وبهذا العهد يحيا المؤمنون فى الكنيسة بجسد الرب ودمه.
ع7: المسيح شفى العميان، وأعطاهم البصر، بالإضافة إلى أنه أعطى البصيرة والفهم للعميان روحياً، بابتعادهم عن الله.
وأخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين فى الظلمة، وهم الذين آمنوا بالله فى العهد القديم، وكانوا فى الجحيم، منتظرين المسيح الفادى، الذى نزل إلى الجحيم، بعد أن أتم الفداء على الصليب، وأصعد آدم وبنيه المؤمنين إلى الفردوس.
ع8: الله واضح لا إله غيره، وعمل مع شعبه طوال العهد القديم، فهو يهوه الذى حفظ شعبه، وأخرجه من أرض مصر، وأسكنه فى أرض الميعاد.
هو الله الذى لا يعطى مجده لآخر، وهى الآلهة الوثنية، والمنحوتات والأصنام، وكلها عمل الشياطين، والله ليس له علاقة بها، بل يرفضها، فيلزم أن يبتعد أولاده عنها، ولا ينخدعوا بتعلق الوثنيين بها، بل يسبحوا الله وحده، ويرفضوا الأصنام.
ع9: الله قد أخبر بالأوليات من خلال نبوات أنبيائه، والحديثات، أى النبوات الحديثة التى ستتم، مثل النبوة عن كورش الذى يعيد شعب الله من السبى؛ ليبنوا الهيكل، ويعبدوا الله فيه.
فالله يخبر بالأحداث قبل أن تنبت، أى تحدث بفترة طويلة، لأنه وحده هو الذى يعلم كل شىء.
المسيح قد أتى لخلاصك يا أخى، فلا تقلق، أو تتعب من أمور العالم، بل اتكل عليه، واثبت فى محبتك له، فهو يرعاك كل أيام حياتك.
(2) تسبحة الخلاص الذى أعده الرب (ع10-25):
10 غَنُّوا لِلرَّبِّ أُغْنِيَةً جَدِيدَةً، تَسْبِيحَهُ مِنْ أَقْصَى الأَرْضِ. أَيُّهَا الْمُنْحَدِرُونَ فِي الْبَحْرِ وَمِلْؤُهُ وَالْجَزَائِرُ وَسُكَّانُهَا، 11 لِتَرْفَعِ الْبَرِّيَّةُ وَمُدُنُهَا صَوْتَهَا، الدِّيَارُ الَّتِي سَكَنَهَا قِيدَارُ. لِتَتَرَنَّمْ سُكَّانُ سَالِعَ. مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ لِيَهْتِفُوا. 12 لِيُعْطُوا الرَّبَّ مَجْدًا وَيُخْبِرُوا بِتَسْبِيحِهِ فِي الْجَزَائِرِ. 13 الرَّبُّ كَالْجَبَّارِ يَخْرُجُ. كَرَجُلِ حُرُوبٍ يُنْهِضُ غَيْرَتَهُ. يَهْتِفُ وَيَصْرُخُ وَيَقْوَى عَلَى أَعْدَائِهِ. 14 «قَدْ صَمَتُّ مُنْذُ الدَّهْرِ. سَكَتُّ. تَجَلَّدْتُ. كَالْوَالِدَةِ أَصِيحُ. أَنْفُخُ وَأَنَخُرُ مَعًا. 15 أَخْرِبُ الْجِبَالَ وَالآكَامَ وَأُجَفِّفُ كُلَّ عُشْبِهَا، وَأَجْعَلُ الأَنْهَارَ يَبَسًا وَأُنَشِّفُ الآجَامَ، 16 وَأُسَيِّرُ الْعُمْيَ فِي طَرِيق لَمْ يَعْرِفُوهَا. فِي مَسَالِكَ لَمْ يَدْرُوهَا أُمَشِّيهِمْ. أَجْعَلُ الظُّلْمَةَ أَمَامَهُمْ نُورًا، وَالْمُعْوَجَّاتِ مُسْتَقِيمَةً. هذِهِ الأُمُورُ أَفْعَلُهَا وَلاَ أَتْرُكُهُمْ. 17 قَدِ ارْتَدُّوا إِلَى الْوَرَاءِ. يَخْزَى خِزْيًا الْمُتَّكِلُونَ عَلَى الْمَنْحُوتَاتِ، الْقَائِلُونَ لِلْمَسْبُوكَاتِ: أَنْتُنَّ آلِهَتُنَا! 18 «أَيُّهَا الصُّمُّ اسْمَعُوا. أَيُّهَا الْعُمْيُ انْظُرُوا لِتُبْصِرُوا. 19 مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي، وَأَصَمُّ كَرَسُولِي الَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَالْكَامِلِ، وَأَعْمَى كَعَبْدِ الرَّبِّ؟ 20 نَاظِرٌ كَثِيرًا وَلاَ تُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ الأُذُنَيْنِ وَلاَ يَسْمَعُ». 21 الرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ الشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا. 22 وَلكِنَّهُ شَعْبٌ مَنْهُوبٌ وَمَسْلُوبٌ. قَدِ اصْطِيدَ فِي الْحُفَرِ كُلُّهُ، وَفِي بُيُوتِ الْحُبُوسِ اخْتَبَأُوا. صَارُوا نَهْبًا وَلاَ مُنْقِذَ، وَسَلَبًا وَلَيْسَ مَنْ يَقُولُ: «رُدَّ!». 23 مَنْ مِنْكُمْ يَسْمَعُ هذَا؟ يَصْغَى وَيَسْمَعُ لِمَا بَعْدُ؟ 24 مَنْ دَفَعَ يَعْقُوبَ إِلَى السَّلَبِ وَإِسْرَائِيلَ إِلَى النَّاهِبِينَ؟ أَلَيْسَ الرَّبُّ الَّذِي أَخْطَأْنَا إِلَيْهِ وَلَمْ يَشَاءُوا أَنْ يَسْلُكُوا فِي طُرُقِهِ وَلَمْ يَسْمَعُوا لِشَرِيعَتِهِ. 25 فَسَكَبَ عَلَيْهِ حُمُوَّ غَضَبِهِ وَشِدَّةَ الْحَرْبِ، فَأَوْقَدَتْهُ مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ وَلَمْ يَعْرِفْ، وَأَحْرَقَتْهُ وَلَمْ يَضَعْ فِي قَلْبِهِ.
ع10-13: قيدار : بلاد العرب.
سالع : عاصمة بلاد آدوم.
الجزائر : الأمم البعيدة.
ينهض غيرته : يقوم بقوة ليعلن مجده، ويبيد الشر.
إنه نداء لتقديم أغنية جديدة لله، وتسبيحاً جديداً من كل المؤمنين فى الأرض حتى أقصائها (الجزائر)، ومن المسافرين فى البحر إلى كل مكان فى العالم.
فيسبح الله كل الساكنين فى مدن العالم، المذكورين فى الآية السابقة، وأيضاً الذين فى البرية، مثل العرب الساكنين فى شبه الجزيرة العربية، وكذلك الساكنين فى الأماكن المرتفعة على الجبال، مثل الآدوميين.
كل المؤمنين فى العالم يسبحون الله فى الأماكن القريبة والبعيدة، وذلك فى حدثين فى غاية الأهمية :
- المسيح الذى أتى وتجسد وفدى البشرية، وقدم الخلاص لكل من يؤمن به فى العالم كله؛ لذا يسبحه المؤمنون فى كل مكان ويمجدونه.
- يوم الدينونة، عندما يظهر المسيح فى مجيئه الثانى ويدين العالم، فيسبحه المؤمنون به؛ لأنه يأخذهم إلى ملكوته؛ ليفرحوا معه إلى الأبد.
هنا يظهر الله القائم من الأموات كجبار، ورجل حروب، بعد انتصاره على الشيطان بموته على الصليب، وهو يعطى الحرية لأولاده؛ ليحيوا معه، ثم ينقلهم إلى الفردوس. ثم يظهر جبروته فى مجيئه الثانى فى يوم الدينونة، عندما يلقى الشيطان وكل أتباعه فى العذاب الأبدى، ويكلل أولاده المؤمنين، بالمجد فى ملكوته السماوى. وهذا ما أعلنه سفر الرؤيا فى تسبيح المؤمنين من كل العالم لله (رؤ7: 9، 10؛ 19: 1).
ع14: تجلدت : صبرت.
أنخر : أنفخ بصوت من أنفى.
الله صبر على شر الإنسان من بداية خلقته، ولكن الإنسان مستمر فى شروره، فالله يعبر عن كثرة الإثم بقوله : إنى كالوالدة التى اقترب ميعاد ولادتها، تحتمل، وتتجلد، وتصرخ؛ هكذا الله يشعر بكل خطايانا، ويشتاق أن نتركها ويرفعها عنا بنعمته. وهذا ما سيتم فى ملء الزمان بفداء المسيح.
ع15: الآكام : التلال.
الآجام : برك الماء.
والله الذى يريد خلاص الجميع، يكسر كبرياء الأمم، التى يرمز لها هنا بالجبال والآكام، ويخربها، وأيضاً يجفف النباتات التى فى أرضها، فيحدث جوع، لعل الناس يتوبون.
وينشف الأنهار والبرك، فيعطش الإنسان، أى يُحرم من الطعام والشراب؛ لعله ينتبه ويرجع إلى الله، ويترك الآلهة الوثنية. وقد حدث هذا عن طريق الإمبراطوريات التى ظهرت، مثل آشور وبابل، وبعدها فارس، ثم اليونانيين الذين خربوا مدناً كثيرة، وأحدثوا جوعاً وعطشاً فى كثير من بلدان العالم التى اكتسحوها. كل هذا إعداد ودعوة للأمم؛ ليرجعوا إلى الله، ويستعدوا لقبول الإيمان بالمسيح فى ملء الزمان.
ع16: العمى هم البشر البعيدون عن الله؛ سواء من الأمم، أو من شعب الله الذين يعبدون الأوثان، ومنغمسين فى الشهوات الردية، عندما يتوبون ويرجعون إلى الله، يجعلهم قادرين على السير فى طرق لم يعرفوها، ولكن نعمة الله تهديهم وترشدهم، وينير الطريق لهم، ويجعل الطرق المعوجة مستقيمة، أى يسلكون فى الطريق الصالح؛ طريق الله، وهذا حدث فيما يلى :
- توبة شعب الله المسبيين، وإرجاع كورش لهم إلى بلادهم، حيث بنوا الهيكل، وعبدوا الله.
- فى ملء الزمان، عندما تجسد المسيح، وفدانا على الصليب، وقدم الخلاص للمؤمنين به من اليهود والأمم، فساروا فى طريق الله، وحفظوا وصاياه.
ع17: المسبوكات : الأصنام المغشاة بالفضة، أو الذهب
عابدو الأوثان قد ارتدوا إلى الوراء فى الحرب، وفى كل أعمالهم، ولم تنفعهم آلهتهم الوثنية التى هى الأصنام. فعندما التجأوا إليها، لم تنقذهم من مشاكلهم، فغطاهم الخزى، لكن يا ليتهم كانوا قد رجعوا إلى الله، وفهموا أن ليس إله غيره.
ع18: ينتقل الله من الكلام على الأمم، فيخاطب شعبه، ويقول لهم : أيها الصم اسمعوا، لماذا أغلقتم آذانكم ؟ فلم تسمعوا لصوتى ؟ ولماذا أغمضتم عيونكم، فلم تبصروا ؟ فيناديهم أن يفتحوا عيونهم الداخلية؛ ليروا الله إلههم، ويعرفوا وصاياه، ويحيوا بها فيخلصوا.
ع19: يواصل الله حديثه لشعبه، فيقول : من هو أعمى إلا عبدى، أى شعبى بنى إسرائيل. ومن هو أصم كرسولى الذى أرسله، لأن الله أقام شعبه، ليكون رسولاً للأمم، إذ يروا عمل الله فيه، ويسلك بحسب وصاياه، فيجذب الأمم للإيمان بالله، حتى دون كلام.
ويتساءل الله من هو أعمى كالكامل ؟ أى الذى كان ينبغى أن يكون كاملاً، متمسكاً بوصاياى. ثم يسأل ثانية من هو أعمى كعبد الرب؟ أى شعبه بنى إسرائيل. فالله يؤكد أن المقصود هو شعبه الذى لا يريد أن يخضع له، ويحيا فى الإيمان به، ولكنه انشغل بعبادة الأوثان والشهوات الردية، واكتفى بالعبادة الشكلية فى هيكل الرب.
ع20: ويضيف الله فى وصف شعبه، فيقول عنه : ناظراً كثيراً ولا تلاحظ، إن هذا شىء عجيب يتعجب له الله، أن يرى شعبه أعمال الله الكثيرة معه، ولا يلاحظ، أو يؤمن.
ويتساءل الله كيف تكون مفتوح الأذنين يا شعبى، ولا تسمع كلامى المكتوب فى وصاياى وشريعتى ؟!
وقد عاتب المسيح تلاميذه عندما أصابهم القلق؛ لأنهم لم يأخذوا خبزاً معهم، مع أنهم رأوا مباركته للخمس خبزات والسمكتين، والسبعة أرغفة وقليل من صغار السمك، فقال لهم: “ألكم أعين ولا تبصرون ولكم آذان ولا تسمعون ولا تذكرون” (مر8: 18).
ع21: ورغم ضلال شعب الله عن وصاياه وشريعته، الله بالطبع لم يهتز، وظل باراً ومصدر كل بر، وسُر أن يخلص شعبه، ويعظم شريعته، ويثبتها؛ لأنها أساس الحياة معه. أما شعبه، فسمح له بالضيقات؛ ليتوب ويرجع إليه، ثم يخلصه خلاصاً عظيماً فى ملء الزمان بفداء المسيح.
وواضح من هذا أن شريعة الله صحيحة وصادقة، ليس فيها عيب، ولكن العيب من انشغال شعب الله عنها بالشر، والاكتفاء بالعبادة الشكلية والسطحية.
ع22: الله سمح لشعبه أن يكون منهوباً ومسلوباً بواسطة الأمم التى هجمت عليه، مثل آشور وبابل، فقتلت منهم الكثيرين، وأخذت البعض سبايا، وتركت الضعفاء فى الأرض، فاصطيد شعب الله فى الحفرة بالقتل، وبسبى الكثيرين. أما الباقون الضعفاء، الباقون فى أرضهم فقد اختبأوا وحبسوا أنفسهم فى بيوتهم، خوفاً من الأعداء. وهكذا سُلب الشعب، ونهبت ثروته، ولم تنقذه الآلهة الوثنية التى عبدها، والله تخلى عنه ولم يرد أعداءه لأجل شره لعله يتوب.
ع23: يتساءل الله ويقول : من منكم يسمع أن شعب الله منهوب ومسلوب بواسطة أعدائه؟ فمن فهم هذا، فليصغِ لما يأتى فى الآيتين التاليتين.
ع24: ويتساءل إشعياء النبى : من دفع شعب الله إلى النهب والسلب ؟ أليس هو الله الذى أخطأنا فى حقه، ورفضنا أن نحفظ وصاياه، ونسلك فى طرقه المستقيمة !
ع25: بسبب رفض شعب الله أن يحفظ وصاياه، ويسلك فى طرقه، صب عليه الله غضبه الشديد، وسلط عليه أعداءه، الذين هجموا عليه وقتلوه وأذلوه.
واشتعلت النيران فى أورشليم المدينة المقدسة فى كل مكان، ولم يعرف شعب الله أن كل هذا بسبب خطاياه؛ ليتوب عنها ويرجع إلى الله، وظل مبتعداً عن الله، حتى بعد أن احترق بنار الحرب، أى أنه رفض التوبة والرجوع لله. عندما تحل بك ضيقة، لا تتذمر، أو ترتبك، ولكن ارجع إلى الله بالصلاة والتوبة، فيكشف لك الله صعوبة خطاياك، فترفضها، ويسامحك الله عنها، ويرفع عنك الضيقة، فتبدأ بنشاط وبحماس مع الله من جديد.