صلاة عن كيفية اقتناء الحكمة
(1) خلاص الله للمؤمنين به (ع1-16):
1 «اِسْمَعُوا لِي أَيُّهَا التَّابِعُونَ الْبِرَّ الطَّالِبُونَ الرَّبَّ: انْظُرُوا إِلَى الصَّخْرِ الَّذِي مِنْهُ قُطِعْتُمْ، وَإِلَى نُقْرَةِ الْجُبِّ الَّتِي مِنْهَا حُفِرْتُمُ. 2 انْظُرُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَبِيكُمْ، وَإِلَى سَارَةَ الَّتِي وَلَدَتْكُمْ. لأَنِّي دَعَوْتُهُ وَهُوَ وَاحِدٌ وَبَارَكْتُهُ وَأَكْثَرْتُهُ. 3 فَإِنَّ الرَّبَّ قَدْ عَزَّى صِهْيَوْنَ. عَزَّى كُلَّ خِرَبِهَا، وَيَجْعَلُ بَرِّيَّتَهَا كَعَدْنٍ، وَبَادِيَتَهَا كَجَنَّةِ الرَّبِّ. الْفَرَحُ وَالابْتِهَاجُ يُوجَدَانِ فِيهَا. الْحَمْدُ وَصَوْتُ التَّرَنُّمِ. 4 «اُنْصُتُوا إِلَيَّ يَا شَعْبِي، وَيَا أُمَّتِي اصْغِي إِلَيَّ: لأَنَّ شَرِيعَةً مِنْ عِنْدِي تَخْرُجُ، وَحَقِّي أُثَبِّتُهُ نُورًا لِلشُّعُوبِ. 5 قَرِيبٌ بِرِّي. قَدْ بَرَزَ خَلاَصِي، وَذِرَاعَايَ يَقْضِيَانِ لِلشُّعُوبِ. إِيَّايَ تَرْجُو الْجَزَائِرُ وَتَنْتَظِرُ ذِرَاعِي. 6 «اِرْفَعُوا إِلَى السَّمَاوَاتِ عُيُونَكُمْ، وَانْظُرُوا إِلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ. فَإِنَّ السَّمَاوَاتِ كَالدُّخَانِ تَضْمَحِلُّ، وَالأَرْضَ كَالثَّوْبِ تَبْلَى، وَسُكَّانَهَا كَالْبَعُوضِ يَمُوتُونَ. أَمَّا خَلاَصِي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ وَبِرِّي لاَ يُنْقَضُ. 7 اِسْمَعُوا لِي يَا عَارِفِي الْبِرِّ، الشَّعْبَ الَّذِي شَرِيعَتِي فِي قَلْبِهِ: لاَ تَخَافُوا مِنْ تَعْيِيرِ النَّاسِ، وَمِنْ شَتَائِمِهِمْ لاَ تَرْتَاعُوا، 8 لأَنَّهُ كَالثَّوْبِ يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ، وَكَالصُّوفِ يَأْكُلُهُمُ السُّوسُ. أَمَّا بِرِّي فَإِلَى الأَبَدِ يَكُونُ، وَخَلاَصِي إِلَى دَوْرِ الأَدْوَارِ». 9 اِسْتَيْقِظِي، اسْتَيْقِظِي! الْبَسِي قُوَّةً يَا ذِرَاعَ الرَّبِّ! اسْتَيْقِظِي كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ، كَمَا فِي الأَدْوَارِ الْقَدِيمَةِ. أَلَسْتِ أَنْتِ الْقَاطِعَةَ رَهَبَ، الطَّاعِنَةَ التِّنِّينَ؟ 10 أَلَسْتِ أَنْتِ هِيَ الْمُنَشِّفَةَ الْبَحْرَ، مِيَاهَ الْغَمْرِ الْعَظِيمِ، الْجَاعِلَةَ أَعْمَاقَ الْبَحْرِ طَرِيقًا لِعُبُورِ الْمَفْدِيِّينَ؟ 11 وَمَفْدِيُّو الرَّبِّ يَرْجِعُونَ وَيَأْتُونَ إِلَى صِهْيَوْنَ بِالتَّرَنُّمِ، وَعَلَى رُؤُوسِهِمْ فَرَحٌ أَبَدِيٌّ. ابْتِهَاجٌ وَفَرَحٌ يُدْرِكَانِهِمْ. يَهْرُبُ الْحُزْنُ وَالتَّنَهُّدُ. 12 «أَنَا أَنَا هُوَ مُعَزِّيكُمْ. مَنْ أَنْتِ حَتَّى تَخَافِي مِنْ إِنْسَانٍ يَمُوتُ، وَمِنِ ابْنِ الإِنْسَانِ الَّذِي يُجْعَلُ كَالْعُشْبِ؟ 13 وَتَنْسَى الرَّبَّ صَانِعَكَ، بَاسِطَ السَّمَاوَاتِ وَمُؤَسِّسَ الأَرْضِ، وَتَفْزَعُ دَائِمًا كُلَّ يَوْمٍ مِنْ غَضَبِ الْمُضَايِقِ عِنْدَمَا هَيَّأَ لِلإِهْلاَكِ. وَأَيْنَ غَضَبُ الْمُضَايِقِ؟ 14 سَرِيعًا يُطْلَقُ الْمُنْحَنِي، وَلاَ يَمُوتُ فِي الْجُبِّ وَلاَ يُعْدَمُ خُبْزُهُ. 15 وَأَنَا الرَّبُّ إِلهُكَ مُزْعِجُ الْبَحْرِ فَتَعِجُّ لُجَجُهُ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ. 16 وَقَدْ جَعَلْتُ أَقْوَالِي فِي فَمِكَ، وَبِظِلِّ يَدِي سَتَرْتُكَ لِغَرْسِ السَّمَاوَاتِ وَتَأْسِيسِ الأَرْضِ، وَلِتَقُولَ لِصِهْيَوْنَ: أَنْتِ شَعْبِي».
ع1: ينادى الله كل إنسان يريد أن يحيا بالبر، ويطيع وصايا الله، أن يتذكر أصله، أنه قطع من الصخر؛ لأن آدم خُلق من التراب، والذى أتى من نقرة الجب، أى الحفرة التى فى الأرض، فأصله تراب، فيكون متضعاً، وفى نفس الوقت، يثق أن الله قادر أن يصنع منه شيئاً عظيماً، كما خلق آدم من التراب، وإبراهيم كان يعيش وسط العالم الوثنى، ودعاه الله؛ ليحيا معه بعيداً عن الشعوب، فأطاعه، لأن قلبه يريد أن يتبع البر.
وإن كنت ساقطاً فى خطايا كأنك فى الطين والتراب، فالله قادر أن يخلصك من خطاياك، ويصنع بك شيئاً عظيماً، فتكون ابناً له، وتحيا فى القداسة.
ويُلاحظ أن الله ينادى: “إسمعوا”، فمن سيهتم بسماع صوت الله، هو الذى يقدر بمعونة الله أن يطيع وصاياه. أما من يرفض أن يسمع الله، ويهمل كلامه، فبالطبع سيغلق على نفسه فى طريق الهلاك. والمسيح وُلد بمعجزة، أى بحلول الروح القدس على العذراء مريم، وبالتالى الله قادر أن يخلق بطريقة معجزية فى نفسك أيها الخاطئ التائب حياة جديدة، عندما تؤمن به وتطيعه.
ع2: يؤكد الله على شعبه؛ ليس فقط الإنصات لكلامه، بل أيضاً النظر والتدقيق فى أعمال الله، فيقول : أنظروا إلى أبيكم إبراهيم، وأمكم سارة، اللذين آمنا بالله، وأطاعا دعوته، فخرجا من مدينتهما، وعاشا فى البرية، فباركهما، وأكثرهما، فصارا شعباً عظيماً.
وبالتالى نفهم أن الله قادر أن يجعلك شعباً عظيماً، ويبارك حياتك فوق ما تتخيل، حتى لو كنت تبدو ضعيفاً، وفى ظروف صعبة، مثل البرية، فيبارك حياتك، ويكثر بركاته لك، المهم أن تؤمن بالله القادر على كل شىء، ولا تتكل على قدرتك الشخصية، أى تتضع وتطلب الله، فيصنع معك المعجزة، كما عمل بإبراهيم وسارة.
ع3: أورشليم المرموز إليها هنا بصهيون، وهو أهم التلال التى بنيت عليها أورشليم؛ هذه المدينة التى سيخربها البابليون، والله سيعزيها، ويعيد بناءها، بيد أولادها. والله سيحول أرضها التى تُشبه البرية إلى جنة، مثل جنة عدن، التى عاش فيها آدم وحواء. وبادية أورشليم، أى صحراءها، يجعلها مثل الجنة، ويشعر سكانها بالفرح والابتهاج، ويسبحون ويرنمون الرب الذى يعبدونه فى هيكله المقدس، الذى سيبنونه من جديد.
هذا الأمر نبوة واضحة قالها إشعياء النبى، ستتم فى أورشليم. وفى نفس الوقت الله قادر أن يتممها فى كل إنسان مهما تخربت حياته بسبب الخطية، فإن آمن بالله، وتاب عن خطاياه، يحول الله حياته إلى جنة مملوءة بالفضائل، ويمتلئ قلبه بالفرح، ويعبد الله بابتهاج، ويسبحه فى عبادة مقدسة. هذا هو عمل الروح القدس، الذى يروى برية الإنسان بماء النعمة، فيحول حياته إلى بستان مبهج، مملوء بالحياة مع الله والفضائل الكثيرة.
ع4: ينادى الله شعبه بنى إسرائيل، وأمته، أى الأمة اليهودية، بأن تصغى وتنصت إلى كلامه، وشريعته؛ لتطيعها، وتحيا بها.
ثم يضيف إلى كلامه فى العهد القديم نبوة عن شريعة جديدة، تخرج من عنده، ويقصد بها شريعة العهد الجديد، التى تعطى تفاصيل، وتكمل كلامه لشعبه، ليتعمقوا فى معرفته، ويحيوا معه بدقة، واهتمام.
ثم يدعو شعبه إلى إعلان حقه، وشريعته لكل الشعوب، فتكون لهم نوراً ينير حياتهم، ويبتعدوا عن عبادة الأوثان. فأمر الله هذا، هو فى نفس الوقت نبوة عن إيمان الأمم فى العهد الجديد بالمسيح، والانضمام إلى الكنيسة.
ع5: يعلن الله فى هذه الآية أن بره وخلاصه قريبان، أى سيأتى المسيح المخلص، ويقدم الخلاص للعالم كله.
ويبين الله أن ذراعيه ستقضيان للشعوب، وهذه نبوة عن تجسده وفدائه حين ارتفعت ذراعاه على الصليب لتوفى العدل الإلهى، وتقدم خلاصاً لكل من يؤمن من شعوب العالم. والجزائر ترمز إلى البلاد التى وسط البحر، أى المنغمسة فى العالم وبعيدة عن الله، وهذا تأكيد على دعوة كل الأمم لنوال خلاص المسيح بالإيمان به. فالعالم كله ينتظر ذراعى الله، أى صليبه وفداءه؛ لأن العالم قبل مجىء المسيح، أعلن حاجته إلى خالقه؛ ليصلح مساره، ويريح البشرية المتألمة؛ هكذا نادى فلاسفة العالم، مثل أرسطو وأفلاطون.
ع6: تضمحل : تزول.
البعوض : الناموس.
ينبهنا الله للنظر إلى السموات التى فوقنا، والأرض التى تحتنا، وهى تمثل أكثر الأمور ثباتاً فى أعيننا، ويعلن لنا أن السماء ستزول كالدخان، والأرض ستبلى، مثل الثوب الذى يبلى، ويلقى لعدم فائدته. إذاً فكل ما فى العالم سواء على الأرض، أو فى السماء سيزول، فالبشر، وكل الحيوانات التى تمشى على الأرض بأنواعها المختلفة سيموتون، كما تموت الحشرات، مثل البعوض.
لكن خلاص الله وبره، الذى سيتممه على الصليب، فتأثيره مستمر ودائم إلى الأبد فى أولاده المؤمنين، وبالتالى لا ينبغى التعلق بالأمور المادية الزائلة فى العالم، فكل شهوات العالم، ومغرياته ستبيد، ويتبقى فقط البر والصلاحِ، وكل عمل الخير.
ع7، 8: دور الأدوار : من جيل إلى جيل.
السوس : حشرة تصيب الحبوب و الصوف والأخشاب.
ثم ينادى الله على المؤمنين به، الذين يعرفون البر وشريعة الله، ويحيون بها، ويشعرون بها فى قلوبهم. فيخبرهم: ألا يخافوا من الناس الأشرار، ولا ينزعجوا من سلطانهم وتهديداتهم وشتائمهم، فهى مؤقتة وزائلة، إذ أن هؤلاء الناس الأشرار يشبهون الثوب الذى يأكله العث، والصوف الذى يأكله السوس.
ثم يؤكد الله أن خلاصه وبره يدومان إلى الأبد، ولذا ينبغى التعلق بهما؛ لأنهما يفرحان القلب، ويدوم فرح الإنسان إلى الأبد. وهذا الخلاص الذى تم على الصليب، والذى يمنح للمؤمنين فى كل الأجيال، يثبت فيهم على الدوام، فيحيوا مطمئنين مع الله على الأرض وفى السماء.
ع9، 10: رهب : لقب لمصر.
التنين : يشير إلى حيوان ضخم، ويقصد به فرعون مصر بكل قوته.
الغمر : المياه العميقة.
ينادى إشعياء النبى ذراع الرب لتستيقظ، وتلبس قوة، وتقوم لإتمام خلاص الإنسان. والمقصود بذراع الرب، تجسد المسيح المخلص الفادى.
ويذكر الله بقوته التى خلصت شعبه قديماً من عبودية مصر، فأخرج شعبه إلى البرية، بعد أن شق أمامهم البحر الأحمر، وعبر الشعب على الأرض اليابسة، ثم عندما تجاسر فرعون وكل جيشه، ودخل وراء شعب الله، أغرقهم الله فى البحر الأحمر، وهكذا مات التنين فرعون، وكل جيشه.
ع11: مفديو الرب وهم بنو إسرائيل المسبيون، يرجعون إلى أورشليم (صهيون)، وهم فى فرح وتهليل، يرنمون، ويسبحون الله، وكل تفكيرهم هو فى بناء الهيكل، والتمتع بعبادة الله طوال حياتهم، بل وإلى الأبد؛ هذا هو إكليل الفرح الذى على رؤوسهم. وبهذا تنتهى كل أحزان السبى والعبودية التى قاسوها سنيناً طويلة.
وهذه الآية تنطبق على الوثنيين الراجعين للإيمان بالمسيح، بالدخول فى كنيسة العهد الجديد، فيفرحون، وتنتهى كل أحزان العبادة الوثنية.
وأيضاً المؤمنون هم مفديو الرب الذين احتملوا تجارب الحياة، وتمسكوا بالمسيح طوال حياتهم، يرتفعون إلى أمجاد السماء الأبدية، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم، أى يزيل أحزانهم السابقة على الأرض.
وهذه الآية أيضاً تنطبق على كل الراجعين بالتوبة إلى الله من المؤمنين الذين فى الكنيسة، فيتمتع هؤلاء المفديون بسرى الاعتراف والتناول، فتمحى خطاياهم، ويتمتعوا بعمل الروح القدس المفرح فى قلوبهم، والذى يدوم معهم إلى الأبد.
ع12، 13: يطمئن الله شعبه، فيكرر كلمة أنا مرتين، معلناً قوة لاهوته، القادر على تعزيته وسط كل أتعاب عبودية السبى، أو آلام الحياة على الأرض. فهو قادر أن يعطى أولاده سلاماً وسط الضيقات، فلا يخافون من الأشرار الذين يهددونهم، فهم مجرد بشر سيموتون سريعاً مثل العشب، أما الله فيبقى إلى الأبد، ويحفظ أولاده.
لا تنسى يا أمتى المؤمنة بى أنك ابنتى التى أحفظها، بل وأفرح قلبها؛ لذا فأنا أذكرك وأقول لك : “من أنت”. وأقول لك أيضاً : لا تنسى الله صانعك وصانع السموات والأرض، فأنا أحميك؛ لذا لا تنزعجى ممن يضايقك، ويهددك بإهلاكك، فأنا أخلصك منه، وأحميك من كل مضايقاته، فتفرحى معى.
فأثناء استعباد بابل لبنى إسرائيل، كان شعب الله فى خوف من بابل، ولكن الله يطمئنهم بأنه سيخلصهم من بابل ويحطم بابل بيد كورش.
ع14: يبشر الله شعبه المسبى، وهو المنحنى من ذل العبودية، بأنه سيطلق من سبيه سريعاً، أى قريباً، ولن يموت فى الجب، أى الأسر، ولا يعدم خبزه، ومعناه أنه سينال طعامه وشرابه براحة ووفرة. ويقول الله هذا قبل أن يأتى السبى البابلى، وقبل أن يعانى الشعب ذل السبى، فهو يطمئن شعبه قبل أن تأتى الأحداث بزمن طويل؛ حتى يعرفوا أن الضيقة التى ستمر بهم بسبب خطاياهم محدودة، وستنتهى سريعاً.
تنطبق هذه الآية أيضاً على كل من يعانى من أية ضيقات، فيطمئن أن إلهه سيرفع عنه ضيقته، وينطلق فى راحة وفرح.
ع15: يواصل الله طمأنة شعبه، فيقول له : تذكر إنى أنا الرب إلهك، الذى أزعجت البحر أيام موسى، وشققته، فعبر شعبى فى وسطه. والبحر يشير إلى كل ضيقة ستمر بشعب الله، مثل استعباد بابل له، فالله هو رب الجنود، أى الله القوى القادر على إنقاذ شعبه من كل ضيقة.
ع16: فى النهاية يبشر الله شعبه، فيخاطب المسيح المسيا المنتظر، ويقول له : “جعلت أقوالى فى فمك”؛ لأن المسيح هو كلمة الله. و”بظل يدى سترتك”؛ لأن لاهوت الإبن كان مخفياً فى جسده، فالمسيح هو الإله المتأنس.
وأنت أيها المسيح تغرس السموات، أى الكنيسة، التى هى أيقونة السماء، وتثبتها على الأرض، وتثبت الأرض بها، فيأتى إليها المؤمنون من كل العالم، وتجعل صهيون شعبك الجديد، عندما يؤمنون بك أيها المخلص الفادى بموتك على الصليب؛ لأجل خلاصهم.
إن الله معك يا أخى، فلا تنزعج من أية ضيقات تأتى عليك؛ لأنه قادر أن يخلصك منها، بل ويعطيك سلاماً أيضاً أثناء الضيقة.
[2] الله يرفع غضبه (ع17-23) :
17 اِنْهَضِي، انْهَضِي! قُومِي يَا أُورُشَلِيمُ الَّتِي شَرِبْتِ مِنْ يَدِ الرَّبِّ كَأْسَ غَضَبِهِ، ثُفْلَ كَأْسِ التَّرَنُّحِ شَرِبْتِ. مَصَصْتِ. 18 لَيْسَ لَهَا مَنْ يَقُودُهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَنِينَ الَّذِينَ وَلَدَتْهُمْ، وَلَيْسَ مَنْ يُمْسِكُ بِيَدِهَا مِنْ جَمِيعِ الْبَنِينَ الَّذِينَ رَبَّتْهُمْ. 19 اِثْنَانِ هُمَا مُلاَقِيَاكِ. مَنْ يَرْثِي لَكِ؟ الْخَرَابُ وَالانْسِحَاقُ وَالْجُوعُ وَالسَّيْفُ. بِمَنْ أُعَزِّيكِ؟ 20 بَنُوكِ قَدْ أَعْيَوْا. اضْطَجَعُوا فِي رَأْسِ كُلِّ زُقَاق كَالْوَعْلِ فِي شَبَكَةٍ. الْمَلآنُونَ مِنْ غَضَبِ الرَّبِّ، مِنْ زَجْرَةِ إِلهِكِ. 21 لِذلِكَ اسْمَعِي هذَا أَيَّتُهَا الْبَائِسَةُ وَالسَّكْرَى وَلَيْسَ بِالْخَمْرِ. 22 هكَذَا قَالَ سَيِّدُكِ الرَّبُّ، وَإِلهُكِ الَّذِي يُحَاكِمُ لِشَعْبِهِ: «هأَنَذَا قَدْ أَخَذْتُ مِنْ يَدِكِ كَأْسَ التَّرَنُّحِ، ثُفْلَ كَأْسِ غَضَبِي. لاَ تَعُودِينَ تَشْرَبِينَهَا فِي مَا بَعْدُ. 23 وَأَضَعُهَا فِي يَدِ مُعَذِّبِيكِ الَّذِينَ قَالُوا لِنَفْسِكِ: انْحَنِي لِنَعْبُرَ. فَوَضَعْتِ كَالأَرْضِ ظَهْرَكِ وَكَالزُّقَاقِ لِلْعَابِرِينَ».
ع17: ثفل : ما يتبقى فى قاع إناء الخمر، وهو ما يسمى بالتفل باللغة العامية.
الترنح : تمايل السكران من تأثير الخمر.
يبشر الله أمته اليهودية، فيقول لها : “انهضى انهضى”.
وتكرار الكلمة تأكيد للبشرية بأنها ستعتق من أسر العبودية. ويشبه ذل عبوديتها بأنها شربت، وترنحت من الخمر، ومصت أيضاً الثفل، الذى فى قاع إناء الخمر، أى شربت الذل حتى النهاية.
وهذه البشرى تنطبق على المتألمين فى الكنيسة أيضاً من تجارب الحياة، وكل من أصابته ضيقة، فسيقوم منها بقوة الله.
فإن كانت أورشليم تطلب أن تستيقظ ذراع الرب لتخلصها من عبودية السبى فى الآيات السابقة، فالآن يرد عليها الرب ويقول لها : انهضى وقومى؛ لأنك احتملت غضب الله عليك كتأديب لخطاياك، والآن انهضى بقوة ذراع الله القادرة أن تخلصك من كل آلامك.
ع18: عندما سيهجم البابليون على أورشليم، لن يوجد من أبناء أورشليم من يمسك بيدها، ويقودها، وينقذها من يد بابل؛ لأن الرؤساء أنفسهم إما سيقتلون، أو يقبض عليهم، فلن تجد لها معيناً إلا الله، وبالتالى الباب مفتوح لها بالتوبة والرجوع لله، فتزول خطاياها، والله الحنون سيسامحها.
ع19: يُظهر الله الحالة الصعبة التى ستصل إليها أورشليم عندما يهجم عليها البابليون، حتى أنه لن يوجد من يرثى لها، أو يعزيها.
ويقول لها أيضاً، سيلاقيك إثنان، هما أولاً الخراب، أى سيهدم كل ما فيك ويحرق، فتعانين من الانسحاق، أى الذل والعار والمهانة. والأمر الثانى هو موت أبنائها بالجوع، أو سيف الأعداء.
ع20: أعيوا : تعبوا تعباً شديداً.
زقاق : حارة ضيقة.
الوعل : ذكر الماعز الجبلى.
الملآنون من غضب الرب : الذين امتلأوا من غضب الرب الآتى عليهم.
زجرة : انتهار شديد.
يكمل الله كلامه مع صهيون، أى أورشليم بأن أبناءها، عند الهجوم البابلى، سيسقطون فى الشوارع والحارات الضيقة، وهم منهكون فى تعب شديد، مثل الوعل الذى سقط فى شبكة الصياد، ويحاول تخليص نفسه، فيزداد تعبه؛ حتى يفقد قدرته على المقاومة، ويسقط على الأرض أمام غضب الرب، لعله بعد كل هذا؛ يتوب أبناؤها، ويرجعون إلى الله.
ع21: ثم يختم الله كلامه مع أورشليم بكلمات مملوءة بالشفقة عليها، والرجاء أيضاً، فيقول لها : أنا أشعر بك، فأنتِ بائسة وحزينة، وأيضاً سكرى من الخطية، وليس الخمر، فأنتِ فى حالة صعبة، وأبشرك بما يلى فى الآيات التالية.
ع22: البشرى الأولى التى يقدمها الله لمدينته أورشليم، وكل سكانها بأنه سيحاكم لشعبه، أى يدافع عنه، فماذا سيفعل ؟.. سيأخذ منها كأس غضبه الذى ترنحت بسببه، والثُفل الذى فيه؛ حتى لا تعود تشربه، أى سيرفع عنها غضبه، عندما تتوب، فتتحرر من عبودية بابل، وترجع من السبى.
هذا يرمز لشفقة الله على شعبه، فتجسد وحمل خطاياه على الصليب، وقدم له الحرية من عبودية الخطية التى ترنح بسببها.
ع23: البشرى الثانية الى يقدمها الله لشعبه، هى أنه عندما يأخذ كأس غضبه من شعبه، يعطيها لأعدائه، أى سيهلك البابليون ويصير الباقون منهم عبيداً.
هؤلاء البابليون كانوا قد جعلوا أبناء أورشليم ينامون على الأرض بوجوههم، وعبروا فوقهم، فكأن شعب الله قد أصبح طريقاً يدوسه الأعداء؛ وهذا هو منتهى الذل الذى فعله البابليون مع سكان أورشليم؛ إذ كانت عادة قديمة عند انتصار جيش على أعدائه أن يدوس عليهم بالأقدام، إذلالاً لهم. الله مستعد يا أخى أن يرفع عنك كل ضيقاتك إذا رجعت إليه بالتوبة، ويفرح قلبك بتعزياته؛ حتى تنسى كل ما احتملته أثناء الضيقة.