الخلاص للمتعبين
(1) بركات الله للمساكين (ع1-9):
1 رُوحُ السَّيِّدِ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّ الرَّبَّ مَسَحَنِي لأُبَشِّرَ الْمَسَاكِينَ، أَرْسَلَنِي لأَعْصِبَ مُنْكَسِرِي الْقَلْبِ، لأُنَادِيَ لِلْمَسْبِيِّينَ بِالْعِتْقِ، وَلِلْمَأْسُورِينَ بِالإِطْلاَقِ. 2 لأُنَادِيَ بِسَنَةٍ مَقْبُولَةٍ لِلرَّبِّ، وَبِيَوْمِ انْتِقَامٍ لإِلَهِنَا. لأُعَزِّيَ كُلَّ النَّائِحِينَ. 3 لأَجْعَلَ لِنَائِحِي صِهْيَوْنَ، لأُعْطِيَهُمْ جَمَالًا عِوَضًا عَنِ الرَّمَادِ، وَدُهْنَ فَرَحٍ عِوَضًا عَنِ النَّوْحِ، وَرِدَاءَ تَسْبِيحٍ عِوَضًا عَنِ الرُّوحِ الْيَائِسَةِ، فَيُدْعَوْنَ أَشْجَارَ الْبِرِّ، غَرْسَ الرَّبِّ لِلتَّمْجِيدِ. 4 وَيَبْنُونَ الْخِرَبَ الْقَدِيمَةَ. يُقِيمُونَ الْمُوحِشَاتِ الأُوَلَ، وَيُجَدِّدُونَ الْمُدُنَ الْخَرِبَةَ، مُوحِشَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 5 وَيَقِفُ الأَجَانِبُ وَيَرْعَوْنَ غَنَمَكُمْ، وَيَكُونُ بَنُو الْغَرِيبِ حَرَّاثِيكُمْ وَكَرَّامِيكُمْ. 6 أَمَّا أَنْتُمْ فَتُدْعَوْنَ كَهَنَةَ الرَّبِّ، تُسَمَّوْنَ خُدَّامَ إِلهِنَا. تَأْكُلُونَ ثَرْوَةَ الأُمَمِ، وَعَلَى مَجْدِهِمْ تَتَأَمَّرُونَ. 7 عِوَضًا عَنْ خِزْيِكُمْ ضِعْفَانِ، وَعِوَضًا عَنِ الْخَجَلِ يَبْتَهِجُونَ بِنَصِيبِهِمْ. لِذلِكَ يَرِثُونَ فِي أَرْضِهِمْ ضِعْفَيْنِ. بَهْجَةٌ أَبَدِيَّةٌ تَكُونُ لَهُمْ. 8 «لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُحِبُّ الْعَدْلِ، مُبْغِضُ الْمُخْتَلِسِ بِالظُّلْمِ. وَأَجْعَلُ أُجْرَتَهُمْ أَمِينَةً، وَأَقْطَعُ لَهُمْ عَهْدًا أَبَدِيًّا. 9 وَيُعْرَفُ بَيْنَ الأُمَمِ نَسْلُهُمْ، وَذُرِّيَّتُهُمْ فِي وَسَطِ الشُّعُوبِ. كُلُّ الَّذِينَ يَرَوْنَهُمْ يَعْرِفُونَهُمْ أَنَّهُمْ نَسْلٌ بَارَكَهُ الرَّبُّ».
ع1: أعصب : أربط.
العتق : التحرير.
هذه الآية تنطبق على المسيح، والذى عندما دخل المجمع قرأ هذه الآية، وقال : أن هذا المكتوب قد تم اليوم (لو4: 17-19).
والروح القدس حل على العذراء لتستطيع أن تحبل وتلد المسيح، وظهر حلوله على المسيح في يوم عماده بشكل حمامة، ولذا يسمى عيد الظهور الإلهى (مت3: 16).
ونرى الثالوث القدوس في بداية هذه الآية، فالآب هو الرب، والروح هو الروح القدس، والمتكلم هو الابن.
عمل المسيح الفادى يظهر فيما يلى :
- أبشر المساكين، وهم المتضعين، فهو يبشرهم ببشرى الخلاص التى هى الإنجيل؛ لينالوا الخلاص بفداء المسيح.
- أعصب منكسرى القلب : والذين انكسرت قلوبهم هم الذين سقطوا في الخطايا بإغراءات إبليس، فالمسيح يعصبهم ويسندهم ويعيد إليهم قوتهم.
- أنادى للمسبيين بالعتق : و المسبيين هم الذين سباهم إبليس؛ لأنهم تحت الخطية والدينونة، و المسيح بصليبه أعتقهم من عبوديتهم للخطية.
- وللمأسورين بالإطلاق : المأسورين هم الذين أسرهم إبليس لسقوطهم في الخطايا، والمسيح حررهم وأطلقهم بفدائه.
ع2: يستكمل المسيح كلامه فيقول :
- أنادى بسنة مقبولة للرب : هذه السنة المقبولة هى سنة اليوبيل التى يتحرر فيها العبيد في العهد القديم كشريعة موسى، وهى السنة التى بدأ المسيح فيها كرازته. هذه السنة ليست اثنى عشر شهراً، ولكن هى مدة مفتوحة من بداية تبشير المسيح وصلبه وفدائه، وتستمر حتى المجىء الثانى؛ لأنها فرصة للتوبة، فيقبلهم الله، وينالوا الخلاص.
ويلاحظ أن المسيح بعد هذه الكلمة، طوى السفر، عندما كان في المجمع، وبدأ يعظ السامعين؛ لأن كل ما سبق من بداية الآية السابقة، حتى هذا الجزء من الآية الثانية، قد تم فعلاً بتجسد المسيح وتبشيره، وسيكمل بفدائه على الصليب.
- وبيوم انتقام لإلهنا : المقصود بيوم الانتقام هو يوم الدينونة في مجىء المسيح الثانى، حيث يلقى المسيح إبليس وجنوده في العذاب الأبدى. فالمسيح بصليبه قيد الشيطان، أما يوم الانتقام فهو يوم الدينونة، عندما يبطل كل سلطان لإبليس، بإلقائه في النار الأبدية.
- لأعزى كل النائحين : من هم النائحون إلا التائبين عن خطاياهم، ويقول : تحل لأنه يقصد اليهود والأمم، وأيضاً يقصد جميع الذين يتوبون، حتى مجىء المسيح الثانى.
ع3: يفسر الله في هذه الآية تعزياته التى يعطيها للنائحين، أى التائبين المذكورين في نهاية الآية السابقة. وهذه التعزيات يلخصها فيما يلى :
أ – جمالاً عوضاً عن الرماد :
فبدلاً من الرماد الذى وضعوه على رؤوسهم أثناء توبتهم، يهبهم الله جمالاً بروحه القدوس، وهو جمال داخلى، أى تكون أرواحهم جميلة، وتظهر على وجوههم، وكلماتهم، وأفعالهم.
ب- دهن فرح عوضاً عن النوح :
الدهن هو مسحة الروح القدس التى تفرح قلوب التائبين الباكين، فبدلاً من بكائهم الشديد (النوح) ينالون فرحاً عجيباً ، يسمو عن كل أفراح العالم؛ لأنه فرح روحى يدوم في داخلهم، فلا ينزعجون من ضيقات الحياة.
ج- رداء تسبيح عوضاً عن الروح اليائسة :
إن كانت قلوبهم قد حاربها إبليس بأفكار اليأس لكثرة خطاياهم، وضيقاتهم، فالله بروحه القدوس يعطيهم أن يعبروا عن أفراحهم الروحية بتسبيح اسمه القدوس.
د – فيدعون أشجار البر :
بهذه البركات الثلاثة السابقة، يصير المؤمنون أشجاراً للبر، غرسها الله بنفسه، وتمجد اسمه القدوس، بل يراها الناس، فيمجدوا الله. وشبههم بأشجار لأجل ثباتها في الأرض، ونموها الدائم، فالمؤمنون سيحيون في البر، ويزدادون فيه كل يوم، فيتمجد الله فيهم.
ع4: الموحشات : الأماكن المهجورة التى لا يسكن فيها أحد.
بركة جديدة من بركات المسيح الفادى، وهى البركة الثامنة :
- يبنون الخرب : وهذا تم بالمسيح بموت الإنسان العتيق في المعمودية، وولادة طبيعة جديدة. ويعنى أيضاً البناء الروحى لكل إنسان مؤمن بالمسيح، ويسكن فيه الروح القدس سكنى دائمة. و الأماكن المهجورة، وهى الصحارى، عمرها الرهبان في العهد الجديد بالصلوات والأصوام، فتركتها الشياطين التى كانت فيها.
وتنطبق هذه الآية أيضاً على أورشليم التى كانت مهدمة، وبرجوع بنى إسرائيل من السبى عمروها ورمموا بيوتها، وأسوارها وكل ما فيها.
والموحشات تعمر دور فدور، أى يظل الروح القدس يعمر النفوس التى تؤمن وتتوب، ويملأها، ويستمر أيضاً تعمير الأماكن المهجورة بالرهبان محبى حياة الوحدة.
ع5، 6: حراثيكم : من يقومون بحراثة الأرض.
كراميكم : العاملون في الكروم، أى حقول العنب.
البركة التاسعة هى :
- ويقف الأجانب ويرعون غنمكم :
الأجانب هم بنو الأمم الذين يؤمنون بإله إسرائيل، بل يصيرون خداماً في الكنيسة، عاملين في رعاية النفوس التى هى الكروم، والأرض المزروعة. وتصيرون كلكم، كمؤمنين بالمسيح، كهنة الرب، وتسمون خدام إلهنا، والمقصود ليس الكهنة الذين يصلون على المذبح، ولكن الكهنة الذين يرفعون ذبائح الشفاه من صلوات وتسابيح، بالإضافة إلى ذبائح الأعمال الحسنة في الخدمة.
وبهذا ينضم للكنيسة كثيرون من الأمم، يصبحون مسيحيين، فيكونوا هم أنفسهم ثروة للكنيسة، بانضمامهم إليها، ويكونوا سبب مجد للكنيسة تتباهى به (تتآمر).
ع7: البركة العاشرة هى :
- عوضاً عن خزيكم ضعفان :
فبدلاً من ذل الخطية والسبى ننال بركات مضاعفة ما هى :
أ – التحرر من السبى البابلى، وأيضاً التحرر من الخطية، بالإيمان بالمسيح، ونوال الحياة الجديدة. ونوال ضعفين هو نصيب البكر، أى أصبحنا في المسيح كلنا أبكار، تنال بركات مضاعفة، كما نال أيوب بعد شفائه بركات مضاعفة من الله (أى42).
ب- البركة المضاعفة أيضاً هى القيامة من الخطية بالمسيح، ثم القيامة الأخيرة، أى الأبدية؛ هذه هى البهجة الأبدية، التى ينالها أولاد الله.
ج- البركات المضاعفة هى البركات الكثيرة التى لا تعد من كثرتها، ويهبها الروح القدس كما للمؤمنين في العهد الجديد.
ع8: يعلن الله أنه محب العدل، ويبغض الشيطان المختلس بالظلم نفوس أولاد الله الذين أسقطهم بالخطية. فالله العادل بفدائه على الصليب يعيد أولاده إليه بالإيمان؛ ليكونوا أعضاء في كنيسته المقدسة.
ويجعل الله أجرة أولاده المؤمنين أجرة أمينة، أى كاملة، أى أعطاهم الله إياها بأمانة؛ ليحيوا معه فرحين على الأرض، بعمل روحه القدوس فيهم، ثم ينتقلوا إلى السماء؛ لأن لهم عهداً أبدياً من الله، إذا ما عاشوا معه بأمانة على الأرض، يتمتعون بنعيم الفردوس، ثم أمجاد الملكوت.
ع9: ويظهر سلوك أولاد الله ونسلهم عندما يحيون في العالم، وحولهم الأمم الذين لم يؤمنوا بعد، فيكونون ظاهرين كأنوار في العالم؛ لسمو سلوكهم وكلامهم عن سلوك أهل العالم.
ثم يعطى الله أولاده بركات من عنده، فيزداد نورهم وسط العالم، ويضيئون له، فيتأثر بنورهم كل من له استعداد للإيمان، والحياة مع الله.
والمقصود بالنسل ليس فقط الأبناء الجسديين الذين يشبهون آباءهم، بل أيضاً الأبناء الروحيين، الذين تتلمذوا على أيدى خدامهم ومرشديهم الروحيين.
والنسل أيضاً يرمز ليس فقط للأبناء الجسديين، بل أيضاً يرمز للأعمال الصالحة، وكل كلمة طيبة تخرج من أفواه أولاد الله، فتنير للعالم كله.
إن بركات الله كثيرة لأولاده، وعلى قدر محبتك وطاعتك لوصاياه يا أخى، تفيض عليك هذه البركات، فتشجعك على النمو الروحى وكل عمل صالح.
(1) الفرح والتسبيح (ع10، 11):
10 فَرَحًا أَفْرَحُ بِالرَّبِّ. تَبْتَهِجُ نَفْسِي بِإِلهِي، لأَنَّهُ قَدْ أَلْبَسَنِي ثِيَابَ الْخَلاَصِ. كَسَانِي رِدَاءَ الْبِرِّ، مِثْلَ عَرِيسٍ يَتَزَيَّنُ بِعِمَامَةٍ، وَمِثْلَ عَرُوسٍ تَتَزَيَّنُ بِحُلِيِّهَا. 11 لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الأَرْضَ تُخْرِجُ نَبَاتَهَا، وَكَمَا أَنَّ الْجَنَّةَ تُنْبِتُ مَزْرُوعَاتِهَا، هكَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُنْبِتُ بِرًّا وَتَسْبِيحًا أَمَامَ كُلِّ الأُمَمِ.
ع1: بعد أن رأت الكنيسة بركات الله المسيح الفادى لها في الآيات التسعة السابقة، تعلن مشاعرها له، فتقول :
- أنها في فرح عظيم، وسبب فرحها هو الله الفادى المخلص، الذى هو ربها وإلهها الشخصى، الذى أحبها، ووهبها هذا الخلاص، كعريس أعطى عروسه كل محبته على الصليب.
- تشكر المسيح الذى ألبسها ثياب الخلاص، وكساها برداء البر. ورداء الخلاص والبر هو المسيح نفسه الذى لبسته، وبهذا صارت في البر، كما قال بولس الرسول: “متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذى بيسوع المسيح” (رو3: 24) وأيضاً قوله : “لأن كلكم الذين اعتمدتم بالمسيح قد لبستم المسيح” (غل3: 27).
- تشعر الكنيسة أنها مثل عريس يتزين بعمامته في يوم عرسه، ومثل عروس في يوم عرسها تتزين بحليها. فالكنيسة تشعر أنها في فرح عظيم، وتشتاق إلى يوم عرسها، أى الأبدية، حيث تكون مزينة بفضائلها، وتتقدم نحو عريسها المسيح، وتفرح معه إلى الأبد.
ع11: تواصل الكنيسة كلامها فتقول : كما أن الأرض تخرج نباتاتها المتنوعة، وكذلك الجنة، أى الحدائق الجميلة تنبت مزروعاتها، هكذا الفضل كله يرجع للرب إلهى الذى ينبت فىَّ براً، فأسبح اسمه القدوس بمعونته، بل أظل في هذا البر والتسبيح كل أيامى على الأرض، وبعد ذلك في السماء.
ليتك يا أخى تشكر الله كل يوم على عطاياه، التى هى حياتك، فيزداد فرحك، وتستعد بهذا لأبديتك السعيدة، التى كلها شكر وتسبيح.