رفض الشر ووعود الحياة الجديدة
(1) غضب الله على الأشرار وبركته لمحبيه (ع1-16):
1 «أَصْغَيْتُ إِلَى الَّذِينَ لَمْ يَسْأَلُوا. وُجِدْتُ مِنَ الَّذِينَ لَمْ يَطْلُبُونِي. قُلْتُ: هأَنَذَا، هأَنَذَا. لأُمَّةٍ لَمْ تُسَمَّ بِاسْمِي. 2 بَسَطْتُ يَدَيَّ طُولَ النَّهَارِ إِلَى شَعْبٍ مُتَمَرِّدٍ سَائِرٍ فِي طَرِيق غَيْرِ صَالِحٍ وَرَاءَ أَفْكَارِهِ. 3 شَعْبٍ يُغِيظُنِي بِوَجْهِي. دَائِمًا يَذْبَحُ فِي الْجَنَّاتِ، وَيُبَخِّرُ عَلَى الآجُرِّ. 4 يَجْلِسُ فِي الْقُبُورِ، وَيَبِيتُ فِي الْمَدَافِنِ. يَأْكُلُ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، وَفِي آنِيَتِهِ مَرَقُ لُحُومٍ نَجِسَةٍ. 5 يَقُولُ: قِفْ عِنْدَكَ. لاَ تَدْنُ مِنِّي لأَنِّي أَقْدَسُ مِنْكَ. هؤُلاَءِ دُخَانٌ فِي أَنْفِي، نَارٌ مُتَّقِدَةٌ كُلَّ النَّهَارِ. 6 هَا قَدْ كُتِبَ أَمَامِي. لاَ أَسْكُتُ بَلْ أُجَازِي. أُجَازِي فِي حِضْنِهِمْ، 7 آثَامَكُمْ وَآثَامَ آبَائِكُمْ مَعًا قَالَ الرَّبُّ، الَّذِينَ بَخَّرُوا عَلَى الْجِبَالِ، وَعَيَّرُونِي عَلَى الآكَامِ، فَأَكِيلُ عَمَلَهُمُ الأَوَّلَ فِي حِضْنِهِمْ». 8 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «كَمَا أَنَّ السُّلاَفَ يُوجَدُ فِي الْعُنْقُودِ، فَيَقُولُ قَائِلٌ: لاَ تُهْلِكْهُ لأَنَّ فِيهِ بَرَكَةً. هكَذَا أَعْمَلُ لأَجْلِ عَبِيدِي حَتَّى لاَ أُهْلِكَ الْكُلَّ. 9 بَلْ أُخْرِجُ مِنْ يَعْقُوبَ نَسْلًا وَمِنْ يَهُوذَا وَارِثًا لِجِبَالِي، فَيَرِثُهَا مُخْتَارِيَّ، وَتَسْكُنُ عَبِيدِي هُنَاكَ. 10 فَيَكُونُ شَارُونُ مَرْعَى غَنَمٍ، وَوَادِي عَخُورَ مَرْبِضَ بَقَرٍ، لِشَعْبِي الَّذِينَ طَلَبُونِي. 11 «أَمَّا أَنْتُمُ الَّذِينَ تَرَكُوا الرَّبَّ وَنَسُوا جَبَلَ قُدْسِي، وَرَتَّبُوا لِلسَّعْدِ الأَكْبَرِ مَائِدَةً، وَمَلأُوا لِلسَّعْدِ الأَصْغَرِ خَمْرًا مَمْزُوجَةً، 12 فَإِنِّي أُعَيِّنُكُمْ لِلسَّيْفِ، وَتَجْثُونَ كُلُّكُمْ لِلذَّبْحِ، لأَنِّي دَعَوْتُ فَلَمْ تُجِيبُوا، تَكَلَّمْتُ فَلَمْ تَسْمَعُوا، بَلْ عَمِلْتُمُ الشَّرَّ فِي عَيْنَيَّ، وَاخْتَرْتُمْ مَا لَمْ أُسَرَّ بِهِ. 13 لِذلِكَ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هُوَذَا عَبِيدِي يَأْكُلُونَ وَأَنْتُمْ تَجُوعُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَشْرَبُونَ وَأَنْتُمْ تَعْطَشُونَ. هُوَذَا عَبِيدِي يَفْرَحُونَ وَأَنْتُمْ تَخْزَوْنَ. 14 هُوَذَا عَبِيدِي يَتَرَنَّمُونَ مِنْ طِيبَةِ الْقَلْبِ وَأَنْتُمْ تَصْرُخُونَ مِنْ كآبَةِ الْقَلْبِ، وَمِنِ انْكِسَارِ الرُّوحِ تُوَلْوِلُونَ. 15 وَتُخْلِفُونَ اسْمَكُمْ لَعْنَةً لِمُخْتَارِيَّ، فَيُمِيتُكَ السَّيِّدُ الرَّبُّ وَيُسَمِّي عَبِيدَهُ اسْمًا آخَرَ. 16 فَالَّذِي يَتَبَرَّكُ فِي الأَرْضِ يَتَبَرَّكُ بِإِلهِ الْحَقِّ، وَالَّذِي يَحْلِفُ فِي الأَرْضِ يَحْلِفُ بِإِلهِ الْحَقِّ، لأَنَّ الضِّيقَاتِ الأُولَى قَدْ نُسِيَتْ، وَلأَنَّهَا اسْتَتَرَتْ عَنْ عَيْنَيَّ.
ع1، 2: بسطت : فتحت ومددت.
يعلن الله أنه استمع لأناس لم يسألوه، ولم يطلبوه، وهم الأمم الذين لا يعرفونه، فكيف يسألونه، أو يطلبونه، وهم لا يعرفونه ؟ ظهر الله لهم، ففرحوا وآمنوا به.
أما شعب الله اليهود، فقد بسط الله إليهم يده بواسطة الآباء والأنبياء والوصايا والشريعة، على مدى حياتهم، واعتنى بهم في كل احتياجاتهم (طول النهار)، ولكنهم للأسف تمردوا عليه، وقاوموه، وساروا وراء أفكارهم الشريرة في طريق غير صالح، أى في شهوات ردية، وعبادة أوثان.
هذا يظهر رحمة الله، واهتمامه بكل البشر؛ لأنه خالقهم، ويحبهم. وإن كان قد اعتنى بشعب خاص له، فليس لأنه يميزهم عن باقى البشر لشىء صالح فيهم، ولكن ليكونوا مثالاً للعالم كله؛ حتى يؤمن العالم ويأتى إليه. وهذا ما أكده بولس الرسول (رو10: 20، 21)، وما أعلنه أيضاً موسى النبى في (تث32: 21). ولذا امتلأت الكنيسة في العهد الجديد من كل البشر الذين آمنوا؛ سواء من أصل أممى، أو يهودى. ومازال الله حتى الآن يقبل بعيدين يرجعون إليه، ويرفضه القريبون من أولاده ويتمردون عليه. ولذا أعلن المسيح أن “آخرون يكونون أولين، وأولون يكونون آخرين” (لو13: 30).
ع3: الآجُرَّ : الطوب الأحمر.
الجنات : الحدائق.
إن شعب الله يغيظه في وجهه، أى بوقاحة وتحدى، فلا يهمل فقط عبادة الله في هيكله، بل يعبد الأصنام في الحدائق تحت الأشجار، وعلى مذابح من الطوب، أو على أسطح البيوت. من هذه الآية يعدد الله لشعبه خطاياهم؛ ليتوب عنها. فهنا نجد الخطية الأولى وهى عبادة الأصنام.
ع4: الجلوس في القبور، والمبيت في المدافن بغرض سؤال الموتى، أو انتظار ظهور أرواح يسألونها، وهى بالطبع أرواح الشياطين، فهم يسألون الشياطين ولا يسألون الله؛ هذه خطيتهم الثانية، والله ينبههم ليبتعدوا عنها.
والخطية الثالثة لشعب الله هى أكل اللحوم التى حرمتها شريعة الله، مثل الخنزير، أو أية حيوانات منعه الله من أكلها. فقد تمرد على الله وأكل لحم الخنزير، ولحوم أخرى نجسة لحيوانات محرمة، فكان في آنيته مرق (شوربة) هذه اللحوم. وهذا أيضاً تحدى لشريعة الله.
ع5: تدن : تقترب.
الخطية الرابعة التى سقط فيها شعب الله، هى أنه تكبر، وظن أنه أقدس ممن حوله، فيقول لكل واحد من الأمم : قف عندك لا تقترب منى، ونسى خطاياه التى تغضب الله. فشعب الله مرائى، له مظهر التقوى لكنه بعيد عنها، وهم مثل الكتبة الفريسيين أيام المسيح. وخطية الرياء هذه، والكبرياء تضايق الله جداً، فتصير مثل دخان في أنفه، وليست رائحة بخور ذكية. إنهم يوقدون ناراً، ويقدمون ذبائح؛ لكنها مرفوضة من أجل كبريائهم وعبادتهم السطحية، وفى نفس الوقت قلوبهم بعيدة عن الله، إذ يعبدون الأوثان، ويعملون شهواتهم الردية.
ع6: الله يظهر ضيقه وغضبه من شعبه من أجل هذه الخطايا التى ذكرها، فيقول : إن كل هذه الخطايا كتبت أمامى، وأنه لن يسكت على هذه الخطايا، بل سيعاقب عليها في حضن شعبه، أى سيحرق ويهلك من يصر على الخطية. وهذا يبين عدل الله، فرحمته الواسعة لكل من يتوب، أما المتمادى والمستبيح للخطية، فلابد أن يعاقبه الله.
ع7: الآكام : التلال.
الله العادل لن يغفر آثام شعبه ولا آثام آبائه التى فعلها على الجبال والآكام، أى عبادته للأصنام، وتبخيره لها، فبهذه العبادة عيروا، وأهانوا الله، إذ لم يؤمنوا أنه الإله الوحيد، بل وضعوا الأصنام في مقام مثله، وعبدوها.
فالله سيكيل لهم، أى يعاقبهم على خطاياهم كلها من أولها لآخرها؛ لأن الله كامل في عدله، كما هو كامل في رحمته. فمن يصر على خطيته، ولا يريد أن يتوب لابد أن ينال عقابه.
ع8: سلاف : عصير العنب الذى يسيل على حباته قبل جمعها على عنقودها.
تظهر رحمة الله في اهتمامه بشعبه، إذ يقول كما يسيل بعض عصير العنب على بعض الحبات من العنقود، فتعلن أن في العنقود حبات تستطيع أن تعطى عصيراً جيداً؛ هكذا أيضاً شعب الله فيه بعض أفراد يؤمنون بالله، ويعبدونه بأمانة، فيكونوا بركة وسط شعب الله، ومن أجل هذه البقية، الله يتدخل وينقذ شعبه كله، فلعل الباقين يتوبون أيضاً.
ع9: برحمة الله هذه، يُخرج من شعبه أفراداً أنقياء، يتميزون بما يلى :
- “نسلاً”، أى بنون للآباء المكرمين إبراهيم واسحق ويعقوب.
- “وارثاً” من شعب الله، أى يهوذا؛ ليرث جبال الله، فينال بركات في الأرض، وفى السماء، مرتفعة وعالية، مثل الجبال.
- مختارىَّ : هؤلاء الأتقياء هم مختارون من الله؛ لأجل برهم ونقاوتهم.
- عبيدى : هم الذين يعبدون الله بأمانة، فيسكنوا في دياره إلى الأبد، أى يتمتعون بمعية الله على الأرض وفى السماء.
ع10: تظهر بركات الله في الأماكن التى يحيا فيها شعبه، فيمتد الخير والخصب من شارون، التى تقع في لبنان الحالية بجوار البحر الأبيض، نواحى جبل الكرمل ومدينة يافا، إلى نواحى الشرق حيث نهر الأردن؛ هناك يكون وادى عخور، إشارة إلى عاخان بن كرمى، وهو بجوار مدينة أريحا. والخلاصة، أن بركة الله، والخصب، والزراعة، تمتد من الغرب إلى الشرق، وتصير هذه الأماكن مرعى للغنم والبقر.
ع11: السعد الأكبر : كوكب يُعرف باسم المشترى كان يعبده البابليون.
السعد الأصغر : كوكب يُعرف باسم الزهرة كان يعبده الفينيقيون.
كثير من شعب الله نسوه، وتركوا عبادته في جبل قدسه، الذى في أورشليم، وانشغلوا بعبادة الآلهة الوثنية، فعبدوا النجوم، مثل الذين عبدوا كوكباً يسمى السعد الأكبر، وآخرون عبدوا كوكباً آخر يسمى السعد الأصغر، وذلك للتفاؤل بهما وطلب الحظ السعيد.
وكانوا يقدمون لهذه الآلهة الوثنية موائد، يقدم عليها ذبائح لهذه الآلهة، ويشربون أيضاً خمراً، ويسكرون، معتقدين أن هذا يرضى الآلهة، وهى في الحقيقة عبادة شياطين، وإهمال لله الإله الوحيد الحقيقى.
ع12: تجثون : تسجدون.
العقاب الذى يحدده العدل الإلهى لهؤلاء الأشرار من شعبه، الذين عبدوا الآلهة الوثنية، مثل نجوم السماء، هو أن يموتوا بالسيف، وهم ساجدون لهذه الآلهة الوثنية.
وذلك العقاب بسبب رفضهم سماع كلام الله في وصاياه وشريعته، والتى كملت في كنيسة العهد الجديد بتعاليم المسيح كلمة الله، ولم يكتفوا برفض كلام الله، بل عملوا الشر بعبادة الأوثان، والانغماس في شهوات الطعام والشراب، وهذا كله يُغضب الرب.
ع13، 14: يعقد الله مقارنة ما بين حال عبيده المؤمنين به، والأشرار من شعبه الذين رفضوه؛ كيف أن حال المؤمنين سعادة، أما حال الأشرار فتكون تعاسة.
فالمؤمنون من شعب الله يتمتعون بالأكل والشرب والفرح والترنيم بقلوب طيبة مملوءة بالسعادة.
أما الأشرار من شعب الله، فنجدهم يقاسون من الجوع والعطش، وأيضاً الخزى والذل، والصراخ من الاكتئاب الشديد، بل أيضاً يبكون وينوحون بقلوب منكسرة في يأس شديد.
ونستنتج من هذا، أن من يضبط نفسه على الأرض، وينشغل بمحبة الله وعبادته، يحيا في فرح وتنتظره سعادة أبدية، كما يعلن سفر الرؤيا أنه لا يكون حزن ولا صراخ”
(رؤ21: 4).
أما من ينهمك في شهوات هذه الحياة، فلا ينتظره إلا الخزى والذل، ومعاناة كل تعب في الأرض، عندما يخلو الإنسان مع نفسه، ثم في الحياة الأخرى عذاب أبدى، هذا ما قاله المسيح، أنه ينتظرهم البكاء وصرير الأسنان (مت8: 12).
ع15: إن الأشرار بعد موتهم لا يتركون وراءهم إلا اسماً ملعوناً، بسبب كل الشر الذى عملوه.
أما عبيد الرب المؤمنون به، والذين يعبدونه، فينالون اسماً آخر جديداً. ويتمتعون باسم جديد، وهو أنهم يدعون مسيحيين، ويحيون فرحين بعضويتهم في الكنيسة وعمل الروح القدس فيهم، ثم ينتظرهم اسمٌ جديدٌ في السموات، أى حالة من الفرح لا يعرفها إلا كل من ينالها؛ لأنها تفوق العقل، وهذا ما أعلنه سفر الرؤيا (رؤ2: 17).
ع16: استترت : اختبأت.
وبهذا كل من يريد أن ينال بركة يردد اسم إله الحق، أى المسيح، الذى قال عن نفسه أنه هو الطريق والحق والحياة (يو14: 6).
ويثبت كل إنسان كلامه بكلام المسيح، أى آيات الكتاب المقدس.
بهذا يتمتع أولاد الله، ليس فقط في الأرض، بل بالأكثر في السماء، هناك ينسون كل الضيقات التى مرَّت بهم؛ لأن الله يمسح كل دمعة من عيونهم (رؤ21: 4). وخطاياهم التى تابوا عنها أيضاً سترها دم المسيح، وسامحهم، فيتمتعوا بأفراح السماء، والوجود الدائم مع الله.
ليتك يا أخى تتمسك بوصايا الله، ولا تنسى هدفك وهو المسيح والحياة الأبدية، فتجاهد وتضبط نفسك فى كل شىء، وإن سقطت فى الخطية تسرع للتوبة، فتنتظرك بعد هذه الحياة على الأرض، حياة أفضل فى السماء، مملوءة بالفرح والسعادة.
(2) سموات جديدة وأرض جديدة (ع17-25):
17 «لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ سَمَاوَاتٍ جَدِيدَةً وَأَرْضًا جَدِيدَةً، فَلاَ تُذْكَرُ الأُولَى وَلاَ تَخْطُرُ عَلَى بَال. 18 بَلِ افْرَحُوا وَابْتَهِجُوا إِلَى الأَبَدِ فِي مَا أَنَا خَالِقٌ، لأَنِّي هأَنَذَا خَالِقٌ أُورُشَلِيمَ بَهْجَةً وَشَعْبَهَا
فَرَحًا. 19 فَأَبْتَهِجُ بِأُورُشَلِيمَ وَأَفْرَحُ بِشَعْبِي، وَلاَ يُسْمَعُ بَعْدُ فِيهَا صَوْتُ بُكَاءٍ وَلاَ صَوْتُ صُرَاخٍ.
20 لاَ يَكُونُ بَعْدُ هُنَاكَ طِفْلُ أَيَّامٍ، وَلاَ شَيْخٌ لَمْ يُكْمِلْ أَيَّامَهُ. لأَنَّ الصَّبِيَّ يَمُوتُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ،
وَالْخَاطِئُ يُلْعَنُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ. 21 وَيَبْنُونَ بُيُوتًا وَيَسْكُنُونَ فِيهَا، وَيَغْرِسُونَ كُرُومًا وَيَأْكُلُونَ أَثْمَارَهَا. 22 لاَ يَبْنُونَ وَآخَرُ يَسْكُنُ، وَلاَ يَغْرِسُونَ وَآخَرُ يَأْكُلُ. لأَنَّهُ كَأَيَّامِ شَجَرَةٍ أَيَّامُ شَعْبِي، وَيَسْتَعْمِلُ مُخْتَارِيَّ عَمَلَ أَيْدِيهِمْ. 23 لاَ يَتْعَبُونَ بَاطِلًا وَلاَ يَلِدُونَ لِلرُّعْبِ، لأَنَّهُمْ نَسْلُ مُبَارَكِي الرَّبِّ، وَذُرِّيَّتُهُمْ مَعَهُمْ. 24 وَيَكُونُ أَنِّي قَبْلَمَا يَدْعُونَ أَنَا أُجِيبُ، وَفِيمَا هُمْ يَتَكَلَّمُونَ بَعْدُ أَنَا أَسْمَعُ. 25 الذِّئْبُ وَالْحَمَلُ يَرْعَيَانِ مَعًا، وَالأَسَدُ يَأْكُلُ التِّبْنَ كَالْبَقَرِ. أَمَّا الْحَيَّةُ فَالتُّرَابُ طَعَامُهَا. لاَ يُؤْذُونَ وَلاَ يُهْلِكُونَ فِي كُلِّ
جَبَلِ قُدْسِي، قَالَ الرَّبُّ».
ع17: يعلن الله أنه سيخلق سموات جديدة، وأرضاً جديدة تفوق السماء الأولى، والأرض الأولى التى نحيا عليها، تفوقاً كبيراً جداً، لدرجة أننا لا نذكر ولا ننشغل بالسماء الأولى والأرض الأولى. والمقصود بالسماء الجديدة والأرض الجديدة. ملكوت السموات، كما يذكر لنا سفر الرؤيا (رؤ21: 1)، التى سيشرح لنا الله في الآيات التالية صفاتها العظيمة.
وينطبق الكلام عن السموات الجديدة والأرض الجديدة جزئياً على العودة من السبى، حيث أعاد الله اليهود شعباً واحداً، وليس مملكتين كما كان في أيام سليمان؛ حتى السبى، ولم تكن هناك اصنام، بل عبادة لله في هيكله الجديد، الذى بناه أولاده المؤمنون به.
وينطبق أيضاً جزئياً معنى السموات والأرض الجديدة على الكنيسة في العهد الجديد، حيث عاش المؤمنون كأعضاء في جسد المسيح في محبة واحدة، والروح القدس يعمل فيهم، فتعلقوا بالسماء؛ لأن أباهم سماوى، كما يظهر في الصلاة الربانية، وسلكوا سلوكاً جديداً هو السلوك الروحى.
هذه هى الصفة الأولى في السماء الجديدة والأرض الجديدة أنها تنسينا كل أحزان ومشاكل الأرض، بل كل جمال وعظمة في السماء الأولى والأرض الأولى.
ع18، 19: الصفة الثانية في السموات الجديدة والأرض الجديدة هى الفرح، فيكون كل المؤمنين في فرح وابتهاج عظيم. والله هو خالق هذا الفرح الجديد، فهو فرح يفوق الفرح الذى نعرفه على الأرض.
بالإضافة، أن المؤمنين سيكونون في تسبيح دائم لله، وفى نقاوة، فيفرح الله بهم. والخلاصة، يعم الفرح على الكل، والله نفسه في وسط شعبه فرحاً بهم. وتكون هذه الأرض الجديدة والسماء الجديدة لا يسمع فيها بكاء ولا صوت صراخ، أى أن الفرح يكون كاملاً.
وينطبق هذا المعنى جزئياً على الكنيسة التى على أرضنا الآن، فكل عضو حى في الكنيسة قلبه منشغل بالله في فرح عظيم يجعله لا يحزن على أية خسارة مادية، كما قال بولس الرسول (فى3: 8).
والمسيح أعلن هذا بنفسه على الأرض، حينما وعد تلاميذه بأنه سيراهم فتفرح قلوبهم، ويثبت هذا الفرح فيهم إلى الأبد (يو16: 22)، وأكد سفر الرؤيا هذا المعنى أيضاً
(رؤ21: 4).
ع20: الصفة الثالثة في السموات الجديدة والأرض الجديدة، أن المؤمنين هناك يكونون في نضج روحى، وليس فيهم أى نقص أو عجز، فلا يكون هناك طفل عاجز لصغر سنه، ولا شيخ عاجز لضعفه بسبب سنه الكبير، بل الكل في حيوية وشبع ونشاط.
ويكون بهذا كل المؤمنين؛ سواء ماتوا في سن صغير، أو كبير في حياة كاملة. ومن ناحية أخرى، فإن الأشرار يلعنون لعناً كاملاً، إذ يتعذبون في النار الأبدية.
والخلاصة، أنه لن يوجد في السماء الجديدة شخص ينقصه شيئاً؛ سواء الذى مات طفلاً، أو شيخاً، بشرط أن يكون قضى حياته في الإيمان والسلوك المستقيم، فيحيا في الملكوت في سعادة كاملة، وعلى النقيض، الخاطئ الذى عاش على الأرض في الخطية بعيداً عن الله، يكون في عذاب إلى الأبد؛ هذه هى اللعنة الأبدية.
ع21-23: الصفة الرابعة هى الأمان، فيبنى المؤمنون بيوتاً ويسكنون فيها، ويغرسون كروماً ويأكلون ثمارها، أى لا يستطيع أحد أن يسلب منهم تعبهم وأعمالهم، كما كان يحدث في عصر القضاة، حين يبتعد الشعب عن الله، فيحتله الأعداء، ويستولون على بيوته وثماره، وكما حدث أيضاً عند الهجوم الآشورى، ثم البابلى.
وهذا البناء يتم على الأرض في العهد الجديد بالحياة الصالحة للمؤمنين، وأعمال الخير التى يعملونها، فهم بهذا يبنون بيوتاً لهم في السماء ، يسكنون فيها إلى الأبد، ويغرسون كروماً، ويأكلون من ثمارها إلى الأبد في السماء الجديدة والأرض الجديدة، ولا يوجد عدو يسلبها منهم؛ لأن الشيطان سيكون قد ألقى في العذاب الأبدى.
وبهذا، ينال المؤمنون نتائج وتعب أيديهم الذى عملوه على الأرض؛ ينالونه سلاماً في قلوبهم على الأرض، وبركات الروح القدس أيضاً فيهم في الكنيسة، ثم يتمتعون ببركات عملهم في السماء إلى الأبد.
وهذا يشبه أيام شجرة، حيث تستمر الشجرة التى زُرعت فتنمو وتعطى أوراقاً، وفروعاً، وثماراً، فتنال الشجرة تعبها، أى تعب الجذور التى تمتص من الأرض، والساق التى ترتفع إلى السماء، فتنال ثماراً جميلة في النهاية.
والخلاصة، أن المؤمنين لا يلدون للرعب، أى يتعبون وينالون ثمار تعبهم، ولا يستولى عليها الأعداء؛ لأنهم أولاد الرب المباركون، هم وأبناؤهم.
ع24: الصفة الخامسة هى استجابة الله، فالمؤمنون يكون لهم دالة؛ لأنهم أبناء الله، فالله يشعر باحتياجاتهم قبل أن يطلبوا. وعندما يطلبون، الله يسمع ويستجيب، بل يستجيب قبل أن يطلبوا؛ لأنه أبوهم الذى يحبهم، ويعطيهم كل احتياجاتهم.
ع25: الصفة السادسة هى الطبيعة الجديدة التى يهبها الله للمؤمنين به في كنيسته، حتى لو كان بعضهم وحشياً في سلوكه الماضى، ويؤذى غيره، فعندما يؤمن، يتحول من ذئب إلى حمل، ومن أسد إلى حيوان أليف، مثل البقر يأكل التبن، فيكون كل المؤمنين في الكنيسة بطبيعة جديدة تميل للحب وعمل الخير، بل يصيرون في وحدانية الحب، وهكذا يحيون إلى الأبد في ملكوت السموات بهذه الطبيعة الجديدة في براءة وحب إلى الأبد.
أما الحية التى تشير إلى الشيطان الذى دخل فيها، والمقصود الأشرار التابعون للشيطان لا يستطيعون أن يؤذوا، أو يهلكوا غيرهم من أولاد الله؛ لأن الشيطان يقيد، ويحمى الله أولاده، ويكون طعام الحية هو التراب، أى تكون في ذل، كما لعنها الله قديماً، أن تسعى على بطنها ويكون طعامها التراب، ولا يكون لهم سلطان في ملكوت السموات؛ لأن الله يلقى الشياطين والأشرار في العذاب الأبدى بعيداً عن الملكوت. ليتنا يا أخى نتمتع بالحياة الجديدة مع المسيح فى الكنيسة، فنحيا فى بساطة وحب، ونتلذذ بعلاقتنا بالمسيح، فنفرح؛ حتى ننطلق من هذا الجسد، ونتمتع بأفراح السماء.