الرب المخلص يتمم مشيئته بكورش
(1) بركات الله لكورش (ع1-14):
1 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَمًا، وَأَحْقَاءَ مُلُوكٍ أَحُلُّ، لأَفْتَحَ أَمَامَهُ الْمِصْرَاعَيْنِ، وَالأَبْوَابُ لاَ تُغْلَقُ: 2 «أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَالْهِضَابَ أُمَهِّدُ. أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ النُّحَاسِ، وَمَغَالِيقَ الْحَدِيدِ أَقْصِفُ. 3 وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ الظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ الْمَخَابِئِ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ، إِلهُ إِسْرَائِيلَ. 4 لأَجْلِ عَبْدِي يَعْقُوبَ، وَإِسْرَائِيلَ مُخْتَارِي، دَعَوْتُكَ بِاسْمِكَ. لَقَّبْتُكَ وَأَنْتَ لَسْتَ تَعْرِفُنِي. 5 أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. لاَ إِلهَ سِوَايَ. نَطَّقْتُكَ وَأَنْتَ لَمْ تَعْرِفْنِي. 6 لِكَيْ يَعْلَمُوا مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ وَمِنْ مَغْرِبِهَا أَنْ لَيْسَ غَيْرِي. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. 7 مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ. أَنَا الرَّبُّ صَانِعُ كُلِّ هذِهِ. 8 اُقْطُرِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ مِنْ فَوْقُ، وَلْيُنْزِلُ الْجَوُّ بِرًّا. لِتَنْفَتِحِ الأَرْضُ فَيُثْمِرَ الْخَلاَصُ، وَلْتُنْبِتْ بِرًّا مَعًا. أَنَا الرَّبَّ قَدْ خَلَقْتُهُ. 9 «وَيْلٌ لِمَنْ يُخَاصِمُ جَابِلَهُ. خَزَفٌ بَيْنَ أَخْزَافِ الأَرْضِ. هَلْ يَقُولُ الطِّينُ لِجَابِلِهِ: مَاذَا تَصْنَعُ؟ أَوْ يَقُولُ: عَمَلُكَ لَيْسَ لَهُ يَدَانِ؟ 10 وَيْلٌ لِلَّذِي يَقُولُ لأَبِيهِ: مَاذَا تَلِدُ؟ وَلِلْمَرْأَةِ: مَاذَا تَلِدِينَ؟». 11 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ وَجَابِلُهُ: «اِسْأَلُونِي عَنِ الآتِيَاتِ! مِنْ جِهَةِ بَنِيَّ وَمِنْ جِهَةِ عَمَلِ يَدِي أَوْصُونِي! 12 أَنَا صَنَعْتُ الأَرْضَ وَخَلَقْتُ الإِنْسَانَ عَلَيْهَا. يَدَايَ أَنَا نَشَرَتَا السَّمَاوَاتِ، وَكُلَّ جُنْدِهَا أَنَا أَمَرْتُ. 13 أَنَا قَدْ أَنْهَضْتُهُ بِالنَّصْرِ، وَكُلَّ طُرُقِهِ أُسَهِّلُ. هُوَ يَبْنِي مَدِينَتِي وَيُطْلِقُ سَبْيِي، لاَ بِثَمَنٍ وَلاَ بِهَدِيَّةٍ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ». 14 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «تَعَبُ مِصْرَ وَتِجَارَةُ كُوشٍ وَالسَّبَئِيُّونَ ذَوُو الْقَامَةِ إِلَيْكِ يَعْبُرُونَ وَلَكِ يَكُونُونَ. خَلْفَكِ يَمْشُونَ. بِالْقُيُودِ يَمُرُّونَ وَلَكِ يَسْجُدُونَ. إِلَيْكِ يَتَضَرَّعُونَ قَائِلِينَ: فِيكِ وَحْدَكِ اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. لَيْسَ إِلهٌ».
ع1: المصراعين : درفتى الباب الكبير.
يلقب الله كورش بأنه مسيحه، وهذا هو الملك الوحيد الأممى الذى يدعى مسيح الرب، فالله اختاره، وعينه لتنفيذ مشيئته. والله أمسك بيمين كورش كما يمسك الأب بيد ابنه ليقوده فى الطريق، فكورش أداة لإتمام مشيئة الله. واليمين ترمز للقوة، أى أن قوة كورش فى يد الله الذى يحركه كما يشاء، دون أن يدرى كورش.
والله استخدم كورش ليدوس أمماً كثيرة، فقد استولى كورش على 17 مملكة، وامتدت مملكته حوالى 2000 ميلاً، وقد اتسعت أكثر من مملكتى آشور وبابل اللتين سبقتاه.
وانتصر على ملوك كثيرين، فقد استطاع أن يحل أحقاء ملوك كثيرين، فالأحقاء يوضع عليها حزام يرمز لتشدد وقوة من يلبسه، والمقصود، أنه أضعف هؤلاء الملوك، وصاروا خاضعين له، فقد قتل بيلشاصر ملك بابل، الذى ذكر عنه عندما رأى رؤيا اليد التى تكتب على الحائط أنه انحلت خرز حقويه (دا5: 6).
وفتح الله أبواب المدن الكبيرة أمامه، فدخلها واستولى عليها، ولم تستطع كل هذه البلاد أن تغلق أبوابها فى وجهه.
ع2: أمهد : اجعل أرضها مستوية ويسهل السير عليها.
أقصف : أكسر وأدمر.
مغاليق : أقفال.
الله يعلن لكورش أنه يسير أمامه، وبالتالى لا يستطيع أحد أن يقف أمامه؛ لأنه سيقف أمام الله، الذى له السلطان الكامل على كل البشر.
وإن كانت هناك عقبات فى طريق استيلائه على الدول مثل الهضاب، أو أى قوى مرتفعة وسلطات قوية، فالله يخضعها، فيجعل طريقه سهلاً للاستيلاء عليها.
والله يكسر أمامه الأبواب الكبيرة للمدن، ويدمر أقفالها، أى يفتح أمامه كل المدن ليستولى عليها. وكانت مدينة بابل التى تحكم العالم، لها مائة باب من النحاس، ومغاليقها من الحديد؛ هذه كلها تكسرت وانفتحت أمام كورش.
والمسيح فتح الأبواب المغلقة، أبواب الفردوس، وأدخل أولاده المؤمنين به بعد صلبه. وانفتح أيضاً باب الجحيم، وأصعد آدم وبنيه إلى الفردوس. وكورش كان رمزاً للمسيح الذى سيأتى فى ملء الزمان، ويخضع الشيطان الذى ترمز إليه بابل، ويقيده.
كلمة “أنا” التى يقولها الرب عن نفسه المذكورة فى هذه الآية، تكررت فى هذا الأصحاح 14 مرة؛ ليؤكد الرب أنه هو المخلص وحده لأولاده، ولكل من يؤمن به، وهو العامل بكورش؛ لتنفيذ المشيئة الإلهية، فلا يلتفت أحد إلى الأوثان، وأعمال الشياطين.
ع3: ذخائر الظلمة : الثروات المخبأة فى أماكن مظلمة.
كنوز المخابئ : الكنوز المدفونة فى أماكن سرية.
استولت المملكة البابلية على أموال وكنوز كثيرة من الدول التى استولت عليها، وخبأتها فى أماكن سرية، فلما انتصر كورش على بابل استولى على هذه الكنوز، وكأن الله يباركه، ويكافئه بها؛ لأنه أعطى الحرية لشعبه؛ ليعود إلى بلاده، ويبنى الهيكل فى أورشليم.
ويؤكد الله أنه هو الذى دعى كورش، وهو محركه، والعاطى له هذه الكنوز.
ع4: دعى كورش باسمه (ع3) لأجل تخليص شعبه -الذى هو نسل يعقوب، أو إسرائيل- من العبودية، وإعادته إلى بلاده. فالله دعى كورش، ولقبه براعىَّ (ص44: 28) ومسيحى، (ع1) مع أنه لا يعرف الله، لكنه سيعرف الله عندما يرى اسمه مكتوباً فى الأسفار المقدسة لشعبه بنى إسرائيل.
والله يؤكد انتساب شعبه إليه، عندما يقول عن يعقوب : “عبدى”، وعن إسرائيل : “مختارى”. فالله يعتز، ويهتم بخلاص شعبه؛ لأنه يؤمن بالله.
ع5: نطقتك : ألبستك منطقة، وهى مثل الحزام الذى يلبس على الوسط.
يعلن الله أنه هو الله وحده، وليس هناك إله غيره فى العالم؛ لأن كل آلهة الأمم شياطين، وبلا نفع.
والله يقول لكورش أنا الذى نطقتك، أى شددتك، وجعلتك شجاعاً وقوياً، وأنت لست تعرفنى، ولكنك ستعرفنى، ولعلك تؤمن حينئذ وتعرف بطلان كل الآلهة الوثنية.
ع6: بعد أن أعلن الله سبب اختياره لكورش، أولاً تخليص شعبه (ع4)، والسبب الثانى أن يعرف كورش نفسه أن محركه، والذى اختاره هو الله (ع5)، كذلك يعلن فى هذه الآية السبب الثالث فى اختيار كورش؛ ليملك على العالم؛ حتى تعرف جميع الأمم من مشرق الشمس إلى مغاربها أنه ليس إله فى الأرض إلا الله وحده، وليست آلهة الأمم الوثنية الباطلة.
ع7: يعلن الله لكورش وللعالم كله أنه هو الله وحده، وليس إله آخر غيره. الفرس الذين منهم كورش يظنون أنه هناك إله للخير وإله للشر، فالله يعلن أنه هو إله كل شىء.
فهو الذى خلق النور، وخلق الظلمة التى هى عكس النور، فعدم وجود نور يسمى ظلمة. ويسمح الله بهذا ليستريح الإنسان فى الليل، ويعمل بنشاط أكبر فى النهار. وهو إله الخير وإله الشر، أى يسمح بالشر؛ لأن الإنسان خلقه الله حراً يختار ما يريد؛ الخير أو الشر. والشر معناه عدم وجود خير، فمن يقترب من الله يتمتع بالخير، ومن يبتعد عنه يُحرم منه، ويتعرض للشر. والخير يصاحبه السلام، وعكس السلام الاضطراب الذى يصاحب الشر؛ كل هذا مصدره الله، أى أن الله هو الذى يعطى الخير والسلام والنور، ويسمح بالشر عندما يصنعه الإنسان بحريته، ويدعوه للرجوع إليه بالتوبة. وفى الوقت المحدد يوم الدينونة يملأ الملكوت بأولاده؛ ليحيوا معه فى خير وسلام، وأما صانعو الشر المنغمسون فيه، يلقيهم فى العذاب الأبد، فالله هو صانع كل شىء وضابط الكل.
ولأن تعبير أن الله خالق الشر قد يثير جدلاً (لأنه غير مجرب بالشرور (يع1: 3))، يوضح القديس يوحنا ذهبى الفم في تفسيره بأن هناك شراً هو بالحقيقة شراً كالزنا والدعارة والقتل وهذا لم يخلقه الله فهو كسر للوصية يستحق التوبيخ والعقوبة. ويوجد شرٌ ليس في جوهره شراً بل نتيجة لشر الإنسان كالمجاعة والكوارث والأوبئة يصنعها الإنسان شراً بالرغم من أنها أموراً تؤدبنا وتقودنا إلى التوبة وتصبح مصدراً لخيرنا. فالإنسان يطلق عليها شروراً ولكنها تأديبات إلهية.
ع8: أقطرى : أنزلى قطرات.
الله هو صانع الخيرات، فهو يعطى من السماء البر، أى يُنزل قطرات المطر على الأرض، وحينئذ تنبت الأرض، وتعطى ثمراً يفرح به الإنسان. وهذا معناه، أن نعمة الله تنزل من السماء، فيتجاوب معها الإنسان بجهاده الروحى، فينال ثماراً كثيرة؛ ليس فقط ثماراً مادية، بل بالأولى أيضاً ثماراً روحية.
وهذه الآية ترمز للتجسد الإلهى، حيث نزل الله من السماء متجسداً، فأنبتت الأرض، وأعطت ثماراً، بل وملأ الأرض خيراً، إذ كان يجول فى كل مكان يصنع خيراً. ويعبر المزمور عن تجسد المسيح، فيقول : “الحق من الأرض ينبت والبر من السماء يطلع (مز85: 11)، ويقول أيضاً : “طأطأ السموات ونزل وضباب تحت رجليه” (مز18: 9).
ع9: يحذر الله شعبه من السقوط فى التذمر على الله؛ لأن الله هو الذى خلقه، ويتساءل الله : هل يستطيع الخزف، أى الطين أن يتذمر على خالقه ؟! أو يقول الخزف لصانعه ماذا تصنع ؟ ولماذا لم تصنع للتمثال، أو الإناء يدين ؟ بالطبع الطين لا يطلب، أو يفكر فى هذا؛ لأنه مجرد صنعة من مصنوعات الخزاف، يشكلها كيفما يرى، فبالأولى لا يصح أبداً أن يتذمر إنسان على الله خالقه.
ع10: يحذر الله أيضاً أى إنسان يتذمر على أبيه، أو أمه، ويقول لأحدهما لماذا ولدتنى بهذا الشكل، أو بهذه الطباع؟ بل لابد أن يكون خاضعاً لهما، ويكرمهما. بالإضافة إلى أن تذمر الإنسان على أبيه، أو أمه هو فى نفس الوقت تذمر على الله الذى أنجبه من خلال الأب والأم.
والخلاصة، أن الله يحذر شعبه، بل وكل البشر من خطية التذمر، وطول أناة الله على المتذمرين، لا تعنى استمرارهم فى التذمر، بل انتهاز الفرصة والرجوع إلى الله بالتوبة، فيسامحهم.
ع11: يطمئن الله شعبه، ويقول له أنا خالقك، وأحبك، فاطمئن تماماً. بل يشجع أولاده أن يطلبوا منه أى أمور يتمنونها، فإن كانت لفائدتهم يعطيها لهم. والآيتان تشيران، ليس فقط للأمور المادية التى نحتاجها فى المستقبل، بل بالأولى إلى حياتنا الأبدية فى السماء مع الله، هذه ينبغى أن نطلبها والباقى، أى كل الماديات يدبرها الله لنا، كما أعلن المسيح هذا بوضوح فى العهد الجديد (مت6: 33).
ويشجع أولاده أن يطلبوا منه من جهة إخوتهم المحتاجين لأى شىء؛ لأن الله مهتم بكل أولاده، ويفرح بمحبة أولاده بعضهم لبعض؛ لأنهم عمل يديه.
ع12: الله يقول أنا الذى صنعت الأرض، وخلقت الإنسان ليعيش عليها. وأنا أيضاً خلقت السموات ونشرتها، لكى تكون مثل سقف فوق الأرض. وخلقت أيضاً كل جند السماء، أى الملائكة بأمرى، وبكلمة فمى، فهل يصعب على أن اهتم بأولادى وأعطيهم احتياجاتهم؟ بالطبع يمكن أن أعطيهم كل شىء؛ لأنى قادر على كل شىء، ولا يصعب على أمر، وبالتالى لا تفكروا فى الآلهة الوثنية، لأنها بلا قوة، وهى خداع من الشيطان.
ع13: أنهضته : أقمته.
يؤكد الله أنه هو الذى أقام كورش، وأعطاه النصرة على البلاد التى افتتحها، وانتصر عليها.
وجعل الله كورش يعيد بنى إسرائيل من السبى؛ ليبنوا هيكل الله فى أورشليم، دون أن يأخذ ثمناً لذلك؛ لأن الله قال ذلك له، أى شعر كورش أن مكسباً له أن يذهب بنو إسرائيل إلى أورشليم، ويبنوا هيكل الله، ويطلبوا من أجله، إذ أحب الله، الذى كتب اسمه فى أسفار أنبياء شعب الله.
وكورش يرمز للمسيح الذى انتصر على الشيطان بسهولة، وأطلق شعبه من عبودية الخطية، وساعده على بناء مدينة الله، والمقصود بيته، أى كنيسته؛ كل هذا بلا ثمن، بل أعطى المسيح الخلاص مجاناً لكل من يؤمن به، وهذه هى الصفة الأولى للخلاص، المقدم من الله لشعبه، أنه خلاصاً مجانياً.
ع14: كوش : الحبشة، أى أثيوبيا.
السبئيون : جنوب شبه الجزيرة العربية، أى اليمن.
ذو القامة : طوال القامة، وهذا كان مهماً فى الحرب قديماً؛ لأن الاعتماد كان على قوة الإنسان البدنية.
يبشر الله شعبه، بأن الأمم المعروفة بقوتها وتجارتها، مثل مصر وكوش والسبئيين وهى تمثل باقى الأمم التى ستؤمن بالله، يعبرون ويأتون لك، أى يكونوا خاضعين لك ومؤمنين. وهذه هى الصفة الثانية للخلاص الإلهى أن يكون مقدم للعالم كله.
وهذه الشعوب ستسير خلفك، أى تكون قائداً لها فى طريق الله، وتقتدى بك.
وتكون هذه الشعوب مقيدة فى تبعيتها لك، ليس بقيود حديد، أو نحاس، ولكن بقيود الحب الذى يجذب قلوبها، ويشغل أفكارها، فتعيش مع الله، وهى فى فرح، وتشكرك على كل ما تعلمته منك فى طريق الله.
ويسجدون لك، أى يخضعون لكل التعاليم التى تعلموها منك، بل يهتمون أن يتتلمذوا على يديك، فيسألوك كثيراً ليعرفوا منك كيف يسلكون فى حياتهم الجديدة.
تشعر هذه الشعوب بأنك نورٌ لهم، وقد وجدوا الله فيك، فى إيمانك العظيم، فيتضرعوا إليك أن تصلى لأجلهم، وتظل مرشداً دائماً لهم فى كل احتياجاتهم، ومشاكل حياتهم.
هذا كله يكمل، ليس فقط فى شعب الله العائد من السبى، ولكن بالأكثر فى أولاد الله فى العهد الجديد، المؤمنين بالمسيح، فيكونوا نوراً للعالم، وملحاً للأرض، وتنطبق عليهم كل هذه الوعود السابقة فى هذه الآية.
الله يريد أن يعمل فيك وبك، فامسك به، واخضع لوصاياه، ليشبعك، ويرشدك، بل ويجعلك دون أن تشعر مرشداً للآخرين، فيحبك الناس، ويتعلموا منك، فقط، اخضع واتكل على الله، وسلم حياتك له؛ لتتمتع بكل هذا.
(2) الرب وحده هو المخلص (ع15-25):
15 حَقًّا أَنْتَ إِلهٌ مُحْتَجِبٌ يَا إِلهَ إِسْرَائِيلَ الْمُخَلِّصَ. 16قَدْ خَزُوا وَخَجِلُوا كُلُّهُمْ. مَضَوْا بِالْخَجَلِ جَمِيعًا، الصَّانِعُونَ التَّمَاثِيلَ. 17 أَمَّا إِسْرَائِيلُ فَيَخْلُصُ بِالرَّبِّ خَلاَصًا أَبَدِيًّا. لاَ تَخْزَوْنَ وَلاَ تَخْجَلُونَ إِلَى دُهُورِ الأَبَدِ. 18 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «خَالِقُ السَّمَاوَاتِ هُوَ اللهُ. مُصَوِّرُ الأَرْضِ وَصَانِعُهَا. هُوَ قَرَّرَهَا. لَمْ يَخْلُقْهَا بَاطِلًا. لِلسَّكَنِ صَوَّرَهَا. أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. 19 لَمْ أَتَكَلَّمْ بِالْخِفَاءِ فِي مَكَانٍ مِنَ الأَرْضِ مُظْلِمٍ. لَمْ أَقُلْ لِنَسْلِ يَعْقُوبَ: بَاطِلًا اطْلُبُونِي. أَنَا الرَّبُّ مُتَكَلِّمٌ بِالصِّدْقِ، مُخْبِرٌ بِالاسْتِقَامَةِ. 20 «اِجْتَمِعُوا وَهَلُمُّوا تَقَدَّمُوا مَعًا أَيُّهَا النَّاجُونَ مِنَ الأُمَمِ. لاَ يَعْلَمُ الْحَامِلُونَ خَشَبَ صَنَمِهِمْ، وَالْمُصَلُّونَ إِلَى إِلهٍ لاَ يُخَلِّصُ. 21 أَخْبِرُوا. قَدِّمُوا. وَلْيَتَشَاوَرُوا مَعًا. مَنْ أَعْلَمَ بِهذِهِ مُنْذُ الْقَدِيمِ، أَخْبَرَ بِهَا مُنْذُ زَمَانٍ؟ أَلَيْسَ أَنَا الرَّبُّ وَلاَ إِلهَ آخَرَ غَيْرِي؟ إِلهٌ بَارٌّ وَمُخَلِّصٌ. لَيْسَ سِوَايَ. 22 اِلْتَفِتُوا إِلَيَّ وَاخْلُصُوا يَا جَمِيعَ أَقَاصِي الأَرْضِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرَ. 23 بِذَاتِي أَقْسَمْتُ، خَرَجَ مِنْ فَمِي الصِّدْقُ كَلِمَةٌ لاَ تَرْجعُ: إِنَّهُ لِي تَجْثُو كُلُّ رُكْبَةٍ، يَحْلِفُ كُلُّ لِسَانٍ. 24 قَالَ لِي: إِنَّمَا بِالرَّبِّ الْبِرُّ وَالْقُوَّةُ. إِلَيْهِ يَأْتِي، وَيَخْزَى جَمِيعُ الْمُغْتَاظِينَ عَلَيْهِ. 25 بِالرَّبِّ يَتَبَرَّرُ وَيَفْتَخِرُ كُلُّ نَسْلِ إِسْرَائِيلَ».
ع15: إن الله إله محتجب لأنه يعمل من خلال البشر، مثل كورش، ومن خلال الطبيعة والأحداث؛ حتى يقرب معنى وجوده إلى أذهان البشر، ويشعروا به حولهم دائماً.
والله محتجب أيضاً، لأن أفكاره أسمى وأعلى من أفكار البشر، ولكن من يقترب إليه يساعده أن يحيا بوصاياه السامية العالية، وهذا ما أعلنه بولس الرسول أن “ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء” (رو11: 33).
وهو محتجب أيضاً؛ لأنه يسعى لخلاص البشر، أما هم فيسعون نحو لذاتهم المادية الزائلة، وهو يعرف المستقبل، ويدبر خلاصهم وهم لا يدرون. فإذا آمنوا به واتكلوا عليه سيتمتعون بكل تدابيره الحسنة لأجلهم.
ع16، 17: إن الذين يعبدون الأصنام، ويخجلون إذا التجأوا إلى آلهتهم الوثنية العاجزة عن تخليصهم من متاعبهم.
أما شعب الله إسرائيل، فينال خلاصاً حقيقياً وأبدياً. فالله ينقذهم من متاعبهم أثناء حياتهم، ثم يعطيهم سعادة أبدية معه فى السماء. وهذه هى الصفة الثالثة لخلاص الله، أنه خلاص أبدى. وهكذا لا يخزى أولاد الله إلى الأبد، فهم فى طمأنينة فى حياتهم على الأرض، وإلى الأبد فى ملكوت السموات.
ع18: قررها : جعلها مستقرة وثابتة.
الله خلق السموات والأرض؛ ليحيا الإنسان على الأرض، ويتمتع بكل ما فيها، ولكن عندما دخلت الخطية إلى العالم، أفسدت الأرض، وبالتوبة يرجع الإنسان إلى الله، فيتمتع بالسكن فى الأرض. فلا يظن شعب الله، عندما يحدث السبى، ويخرب الأعداء أرضه، أن الله يريد هذا الخراب، ولكنه حدث بسبب خطاياه، وعندما يتوب سيعيده من السبى؛ ليعمر أرضه. فهذه الآية وعد بالرجوع من السبى؛ لأن الله لم يخلق الأرض باطلاً، أى بلا فائدة ويريدها خربة.
هذه الآية تعلن أن الله هو الرب، وليس سواه؛ حتى يبتعد البشر عن عبادة الأوثان، ويؤمنوا بالله، فيحيوا فى الأرض، ويتمتعوا بخيراته.
ع19: الله تكلم مع شعبه علانية، فظهر لهم على الجبل فى سيناء، وأعطاهم الوصايا والشريعة، ورسم خيمة الاجتماع، وهو الذى ضرب أرض مصر بالضربات العشر، وشق البحر الأحمر، فهو أعلن نفسه مخلصاً لشعبه، ليس فقط من عبودية مصر، بل عالهم فى البرية أربعين سنة، ثم أسكنهم أرض كنعان. أما من يقودون عبادة الأوثان، فكانوا يتكلمون فى أماكن مظلمة بكلام غير مفهوم، ليوهموا الناس بعظمة شأنهم وقوة آلهتهم التى تخبرهم بالخفيات، مع أنها عاجزة عن كل شىء.
والله لم يقل باطلاً لشعبه أن يطلبوه، فيستجيب لهم؛ لأنه صنع معهم آيات كثيرة تُظهر قوته، أكثر من كل الآلهة الوثنية، التى يدعى من يعبدونها أنها قوية.
والله يتكلم دائماً بالصدق، وكلامه يدعو شعبه للحياة المستقيمة، التى ليس فيها شر، أو اعوجاج.
كل هذا كمل فى المسيح المتجسد فى ملء الزمان، والذى علم الناس علانية (يو18: 20)، وصلب على الصليب أمام الكل، وقام من الأموات، وظهر لكثيرين، وأرسل رسله ليبشروا العالم أجمع علانية بخلاصه. وهذه هى الصفة الرابعة لخلاص الله، وهو أنه معلن أمام الجميع.
ع20: يخاطب الله على لسان إشعياء، الأمم الذين آمنوا بالله ويحيون معه ويقول : أنكم قد نجوتم من عبادة الأوثان؛ وخلصتم من الحماقة التى يعملها اخوتكم، الذين يحملون أصنامهم الخشبية، ويعبدونها مع أنها عاجزة عن أن تحملهم، أو تسندهم فى أى شىء من احتياجاتهم، ولا تقدر أن تخلصهم مما يضايقهم.
وقد يقصد إشعياء شعب الله الذى ينجو بأمر كورش من السكن بين الأمم، أى البابليين، ويعود من السبى إلى أورشليم، ويخلص من أفكار عبادة الأوثان، إذ كان يرى من يعبدون الأوثان، يحملون أصنامهم الخشبية، وفى نفس الوقت يعبدونها، مع أنها عاجزة عن عمل أى شىء.
وهذه الآية نبوة عن الناجين من الأمم، الذين يؤمنون بالمسيح فى ملء الزمان، ويتركون عبادة الأوثان الخشبية، التى لا تنفع شيئاً، وهذا يبين أن خلاص المسيح يشمل الأمم أيضاً وليس فقط اليهود.
ع21: يناقش الله كل البشر، وخاصة الأمم الذين يعبدون الأوثان، فيقول لهم أخبرونى، وقدموا لى دليلاً على صدق الآلهة الوثنية، هل يوجد منها أحد تكلم مثل الله عن أمور آتية وحدثت فعلاً ؟ أنا وحدى الذى أخبر بالآتيات، مثل كلامى عن كورش، الذى أقمته، ليخلص شعبى، فهذا دليل على أنى أنا هو الله وحده، البار، والمخلص الوحيد لمن يؤمن به.
ع22: ينادى الله كل الأمم أن يلتفتوا إليه، ولا ينشغلوا بأوثانهم، أو شهواتهم، وحينئذ سيرون أن الله هو الإله الوحيد فى العالم. وهنا يبين الله أن من يخلص هو من يلتفت إلى الله، فيراه، ويؤمن به، أما من ينهمك فى العالم وشروره، فبالطبع لن يعرف الله.
ع23: تجثو : تسجد.
عندما يقسم الله يبين أهمية ما سيقوله، أنه صادق وهام جداً، فماذا يقول ؟
يقول الرب أن كل ركبة ستجثو له، ويحلف به كل لسان أى يقسم بالله، ولا يقسم بأى إله وثنى. هذا الكلام ينطبق على كل من يؤمن بالله، فى العهد القديم، أو يؤمن بالمسيح فى العهد الجديد، فيخلص بهذه العبادة والسجود، وهذا الإيمان الجديد بالله.
ومن لا يؤمن بالله طوال حياته، سيقف حتماً أمام الله فى يوم الدينونة، ويسجد له، ليس سجود العبادة بل الخوف، وسيعرف أنه لا إله غيره، ولكن لأسف، لن يكون له نصيب مع الله؛ لأنه رفضه فى حياته على الأرض، فيلقى فى العذاب الأبدى، كما يخبرنا سفر الرؤيا (رؤ6: 16، 17).
ع24، 25: يختم الله كلامه عن الخلاص الذى يقدمه للعالم كله فيقول لإشعياء النبى : إن الخلاص بالرب وحده، والذى يعطى المؤمنين به البر فى أفكارهم ومشاعرهم، وحياتهم، بل وأيضاً القوة فى كل أعمالهم وكلامهم. والمؤمنون بالله، أى نسل إسرائيل فى العهد القديم، والمسيحيون المؤمنون بالمسيح في العهد الجديد سينالون البر، ويفتخرون بالرب.
أما الأشرار الذين رفضوا الله، وتعلقوا بالأصنام، وشهوات العالم الشريرة، فيغتاظون عندما يشعرون أنهم قد فقدوا الخلاص، ويأتون أمام الله فى يوم الدينونة، ويخجلون، بل يكونون فى خزى عظيم، ولا ينتظرهم إلا العقاب الأبدى. الخلاص مقدم لك يا أخى، فانتهز فرصة هذا العمر؛ لترتبط بالكنيسة وأسرارها، فتتمتع بالتوبة، وتنال الله القوى فيك، فتفرح، ويكون لك مكان فى السماء.