الخلاص المقدم للخطاة
(1) الله المخلص (ع1-3):
1 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «أَيْنَ كِتَابُ طَلاَقِ أُمِّكُمُ الَّتِي طَلَّقْتُهَا، أَوْ مَنْ هُوَ مِنْ غُرَمَائِي الَّذِي بِعْتُهُ إِيَّاكُمْ؟ هُوَذَا مِنْ أَجْلِ آثَامِكُمْ قَدْ بُعْتُمْ، وَمِنْ أَجْلِ ذُنُوبِكُمْ طُلِّقَتْ أُمُّكُمْ. 2 لِمَاذَا جِئْتُ وَلَيْسَ إِنْسَانٌ، نَادَيْتُ وَلَيْسَ مُجِيبٌ؟ هَلْ قَصَرَتْ يَدِي عَنِ الْفِدَاءِ؟ وَهَلْ لَيْسَ فِيَّ قُدْرَةٌ لِلإِنْقَاذِ؟ هُوَذَا بِزَجْرَتِي أُنَشِّفُ الْبَحْرَ. أَجْعَلُ الأَنْهَارَ قَفْرًا. يُنْتِنُ سَمَكُهَا مِنْ عَدَمِ الْمَاءِ، وَيَمُوتُ بِالْعَطَشِ. 3 أُلْبِسُ السَّمَاوَاتِ ظَلاَمًا، وَأَجْعَلُ الْمِسْحَ غِطَاءَهَا».
ع1: غرمائي: جمع غريم، وهو من له أو عليه دين.
يعلن الله أنه لم يطلق الأمة اليهودية، التى هي أم لكل اليهود، ولم يبعها لأحد غرمائه؛ لأن عليه دين لا يستطيع أن يوفيه؛ لأنه من يدين الله، والله في نفس الوقت غنى بلا حدود، ويستطيع أن يوفى أي دين استدانته عروسه، وهي الأمة اليهودية؛ لأنه كان قديمًا، الرجل اليهودي، إذا ضاقت به المعيشة، يمكن أن يبيع إمرأته، أو أولاده، أما الله، فلم يفعل شيئًا من هذا.
الحقيقة هى أن الأمة اليهودية باعت نفسها للخطية، وعبادة الأصنام، والله لم يطلق الأمة اليهودية بأن أعطاها كتاب طلاق مكتوب فيه أسباب الطلاق، كما أوصى موسى، ولكنه طلقها بمعنى أنه تخلى عنها لفترة؛ حتى تتوب وترجع إليه، عندما تقاسى ذل العبودية. وهذا ما حدث فعلاً، إنه عندما ذهب الشعب للسبى البابلي، وشعر بالذل، صرخ إلى الله، فاستجاب له، وأرجعه إلي بلاده على يد كورش. فالله طلق الأمة اليهودية لفترة قصيرة، كما عاقب مريم أخت موسى عندما أخطأت في حق الله وموسى، لمدة أسبوع (عد12: 1-15).
الله لم يبع عروسه الأمة اليهودية رغم كثرة خطاياها، الذى يعتبر زنى روحى كافى كسبب لأن يطلقها، ولكنها هي التى قامت عليه وصلبته وقتلته، فهى المخطئة في شرورها، ثم المنتقمة من عريسها، أما هو فسامحها، ومات لأجلها، وقام ليقيمها فيه. هل يوجد حب أعظم من هذا؟!
ع2: بزجرتى : بانتهاري.
الله عندما رأى خطايا الأمة اليهودية أتى إليها بنفسه؛ لتستقبله بالتوبة والدموع، لكنها لم تقبله، ولم تستجب له؛ لانغماسها في الخطية، أو ليأسها.
ويسأل الله عروسه الأمة اليهودية؛ ليزيل عنها كل إحباط ويأس، فيقول لها: هل أنا عاجز عن أن أخلصك، وأفديك؟ ألا تذكرين إنى انتهرت البحر فجف على يد موسى، حين عبر هو وكل الشعب في البحر الأحمر، وجعلت الأنهار ناشفة كالقفر، عندما عبر يشوع نهر الأردن، هو وكل الشعب، ومات السمك من العطش.
ع3: يضف الله إلى أعماله أنه “ألبس السموات ظلامًا”، كأنه وضع عليها مسحًا، أى غطاءً من الخيش أسود اللون، وذلك في الضربة الثامنة من الضربات التى ضرب بها أرض مصر، وهى ضربة الظلام (خر 10 : 21 – 23).
إذا مرت بك ضيقة، فلا تتذمر على الله، بل راجع نفسك؛ لتعرف ما هى الخطية التى سببت لك هذا الألم؛ لتتوب عنها، وتطلب معونة الله، فيسامحك ويرحمك.
[2] صفات المخلص (ع4-9) :
4 أَعْطَانِي السَّيِّدُ الرَّبُّ لِسَانَ الْمُتَعَلِّمِينَ لأَعْرِفَ أَنْ أُغِيثَ الْمُعْيِيَ بِكَلِمَةٍ. يُوقِظُ كُلَّ صَبَاحٍ. يُوقِظُ لِي أُذُنًا، لأَسْمَعَ كَالْمُتَعَلِّمِينَ. 5 السَّيِّدُ الرَّبُّ فَتَحَ لِي أُذُنًا وَأَنَا لَمْ أُعَانِدْ. إِلَى الْوَرَاءِ لَمْ أَرْتَدَّ. 6 بَذَلْتُ ظَهْرِي لِلضَّارِبِينَ، وَخَدَّيَّ لِلنَّاتِفِينَ. وَجْهِي لَمْ أَسْتُرْ عَنِ الْعَارِ وَالْبَصْقِ. 7 وَالسَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي، لِذلِكَ لاَ أَخْجَلُ. لِذلِكَ جَعَلْتُ وَجْهِي كَالصَّوَّانِ وَعَرَفْتُ أَنِّي لاَ أَخْزَى. 8 قَرِيبٌ هُوَ الَّذِي يُبَرِّرُنِي. مَنْ يُخَاصِمُنِي؟ لِنَتَوَاقَفْ! مَنْ هُوَ صَاحِبُ دَعْوَى مَعِي؟ لِيَتَقَدَّمْ إِلَيَّ! 9 هُوَذَا السَّيِّدُ الرَّبُّ يُعِينُنِي. مَنْ هُوَ الَّذِي يَحْكُمُ عَلَيَّ؟ هُوَذَا كُلُّهُمْ كَالثَّوْبِ يَبْلَوْنَ. يَأْكُلُهُمُ الْعُثُّ.
ع4: أغيث: أعين وأنقذ.
المعي: المتعب.
تتكلم هذه الآية والتى تليها عن إشعياء النبى، ثم تنطبق أيضًا على المسيح، فتقول: أنه أخذ من السيد الرب، أى من الآب لسان المتعلمين؛ حتى يعلم الناس كلام الله، وحتى يستطيع أن يعين المتعبين والثقيلى الأحمال ويريحهم (مت11: 28).
والله يوقظ، أو ينبه، أو يضيف أذناً، ليست هى الأذن الخارجية التى عند كل إنسان، لكن أذنًا داخلية تميز الحق من الباطل، وهذا يتم كل صباح؛ ليؤكد لنا معنيين هما:
1- أن هذه نعمة من الله، وليست بمجهود إنسان، يهبها الله لأولاده المطيعين له.
2- أنها نعمة متجددة كل صباح بحسب احتياج المنعم عليه، واحتياج الآخرين الذين سيكلمهم.
وقد ظهر هذا في إشعياء النبي، الذي نبه، ووبخ الكل ليتوبوا، أما المسيح فكان يتكلم كمن له سلطان، وليس كالكتبة (مت7: 29) وكلامه ينفذ إلي قلوب السامعين بسهولة؛ لأن الله هو العارف بقلوب الناس.
ويظهر في المسيح عمل الآب مع الإبن، وتعلمه المستمر من الآب، كما ذكر هذا وقال: “أتكلم بهذا كما علمنى أبي” (يو 8 : 28) وهذه هى الصفة الأولى للمسيا المخلص وهي تعلميه للناس.
وهذا الكلام السابق يبين أن هناك حواراً بين الإبن والآب، فمعرفة الإبن هي معرفة الآب، ولكن هذا حديث داخلى بين الإبن والآب، كما يحدث الإنسان نفسه عندما يفكر مع نفسه. وتكرار كلمة السيد الرب أربع مرات في هذا الإصحاح تؤكد استمرار الحوار بين الآب والإبن.
ع5: هذا تأكيد لطاعة الإبن للآب، فما قاله الآب للإبن أطاعه في تعاليمه، ومعجزاته، وبالأخص في موته على الصليب. وهذه هي الصفة الثانية في المسيا المخلص، وهي الطاعة.
ع6: الصفة الثالثة للمسيا المخلص هي احتماله الآلام، والذي يظهر في:
1- الضرب بالسياط.
2- نتف شعر ذقنه.
3- البصق على وجهه، واحتمال الإهانة والعار في لطمه على وجهه، ووضع إكليل الشوك على رأسه، وضربه على رأسه؛ لينغرس الشوك فيه، وتسيل دماؤه، بالإضافة لكل العذابات التى احتملها على الصليب.
هذه العذابات التى تمت مع المسيح، كشفها له الله قبل سبعمائة عام من حدوثها؛ ليتأكد من يريد أن يؤمن أن هذا هو المسيح المخلص، عندما يرى هذه الأمور تحدث معه، فيؤمن به.
ع7: الصوان: حجر الجرانيت وهو أقوى حجر صلابة واحتمالاً.
يتكلم المسيح، فيقول : حيث أن السيد الرب، أى الآب يعيننى، لذلك لا أخجل، فصرت في قوة كبيرة، واحتمال لكل شئ. ويعبر عنه بأن وجهى كالصوان، فلا انزعج، ولا أخزي مهما كانت الآلام. هذا ما فعله المسيح باحتمال الآلام، ليس فقط الجسدية في آلام الصليب، أو النفسية بترك الكل له، بل أيضًا الروحية، التى يحمل فيها كل خطايا العالم، وهو البار القدوس. وهذه هي الصفة الرابعة في المسيا المخلص، وهى الاحتمال.
ع8: يعلن المسيا أن الذي يبرره، أي الآب، قريب منه ويقصد أنه معه، ويبرره، أى يعلن أنه بار، بلا خطية.
ويقول المسيا من يقف خصمًا أمامي، ويتهمنى بأية خطية، أو من له دعوى علىّ بأى شر عملته، ليتقدم ويواجهني. وبالطبع لا يوجد أحد يستطيع أن يمسك خطية عليه، ولذا قال المسيح في العهد الجديد : “من منكم يبكتني على خطية” (يو 8: 46)، وكذلك بيلاطس، عند محاكمته، شهد أنه لم يجد فيه علة (لو 23: 14) فالمسيح هو البر، ومصدره الذي يفيض ببره على المؤمنين به، كما يقول الكتاب المقدس : “مبررين الآن بدمه” (2كو 5: 21).
إذن فالصفة الخامسة في المسيا هي أنه بار وبلا خطية.
ع9: يبلون: يتهالكون.
العث: حشرة تأكل الملابس الصوفية (العتة).
يكرر المسيا، ويعلن أن السيد الرب، أى الآب يعينه، وبالتالي من الذي يستطيع أن يحكم على المسيا، فليس لأحد تحكم، أو سلطان على المسيح. بل على العكس، إن كل من قاوموه، وصلبوه، بادوا كالثوب الذي يبلى ويأكله العث، ومعنى هذا أن الصفة السادسة في المسيا هي الثبات.
إن كان المسيح وحده هو الذي له صفة الثبات، وليس عنده تغيير، أو ظل دوران؛ لذا يا أخى إن كنت تريد أن تحيا حياة مستقرة، فالتصق بالمسيح بالتوبة والصلاة والأسرار المقدسة.
[3] طاعة المخلص (ع10-11) :
10 مَنْ مِنْكُمْ خَائِفُ الرَّبِّ، سَامِعٌ لِصَوْتِ عَبْدِهِ؟ مَنِ الَّذِي يَسْلُكُ فِي الظُّلُمَاتِ وَلاَ نُورَ لَهُ؟ فَلْيَتَّكِلْ عَلَى اسْمِ الرَّبِّ وَيَسْتَنِدْ إِلَى إِلهِهِ. 11 يَا هؤُلاَءِ جَمِيعُكُمُ، الْقَادِحِينَ نَارًا، الْمُتَنَطِّقِينَ بِشَرَارٍ، اسْلُكُوا بِنُورِ نَارِكُمْ وَبِالشَّرَارِ الَّذِي أَوْقَدْتُمُوهُ. مِنْ يَدِي صَارَ لَكُمْ هذَا. فِي الْوَجَعِ تَضْطَجِعُونَ.
ع10: يمتدح الله الذي يخافه، فيسلك في البر، ويبتعد عن الخطية، وأيضًا من يسمع صوت عبده، والمقصود به المسيح، أى من يسمع ويطيع كلام المسيا المنتظر، فهذا حتى لوسلك في الظلمة، وليس له نور، أى إن مر في ضيقات كثيرة وآلام، فاتكاله على الله، واستناده عليه، يحفظه من كل شر، ويعبر به كل تجارب الحياة بسلام؛ لأنه يطيع وصاياه، حتى يصل إلى السعادة الأبدية.
والاتكال على اسم الرب، معناه الإيمان بالله، وترديد اسمه القدوس؛ لأن اسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع (أم 18 : 10). ولذا فمن يردد اسم الله يشغل ذهنه، ويقود نفسه إلي الاستناد على الله، مثل من يصلي صلاة يسوع، أو يصلى التسبحة التى تحوى إيصاليات يومية تتكلم عن اسم الرب يسوع؛ كل هذا يجعله يتمتع بمعية الله، ويفرح على الدوام.
ع11: القادحين: المخرجين نارًا من احتكاك حجرين ببعض، فتخرج منها شرارة.
المتنطقين: اللابسين.
من ناحية أخرى، يخاطب الله الأشرار، الرافضين الإيمان بالله، وطاعة وصاياه، المنشغلين بإشعال نار شهواتهم، والتلذذ بنور ولذة هذه الشهوات، التى تظهر قليلاً، ثم تضمحل. يستنكر الله ما يفعلونه، ويواجههم بصراحة، أن نهاية هذه الشهوات المؤقتة في الحياة الحاضرة، ستؤدى بهم إلي الإنطراح في الوجع، أى يرقدون في العذاب الابدي؛ وهذه هي نهاية من يرفضون وصايا الله. إن طاعة وصايا الله تعطيك سلامًا وفرحًا، فهى الطريق المستقيم الذي يفيدك في هذه الحياة، ثم الحياة الأخرى. فتمسك بقراءة الكتاب المقدس كل يوم، وطاعة صوت الله الذي يأتى إليك من هذه القراءة.