شكر وتضرع للمسيح المخلص
(1) المسيا الآتى وبركاته (ع1-5):
1 لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! مِنْ حَضْرَتِكَ تَتَزَلْزَلُ الْجِبَالُ. 2 كَمَا تُشْعِلُ النَّارُ الْهَشِيمَ، وَتَجْعَلُ النَّارُ الْمِيَاهَ تَغْلِي، لِتُعَرِّفَ أَعْدَاءَكَ اسْمَكَ، لِتَرْتَعِدَ الأُمَمُ مِنْ حَضْرَتِكَ. 3 حِينَ صَنَعْتَ مَخَاوِفَ لَمْ نَنْتَظِرْهَا، نَزَلْتَ، تَزَلْزَلَتِ الْجِبَالُ مِنْ حَضْرَتِكَ. 4 وَمُنْذُ الأَزَلِ لَمْ يَسْمَعُوا وَلَمْ يَصْغَوْا. لَمْ تَرَ عَيْنٌ إِلهًا غَيْرَكَ يَصْنَعُ لِمَنْ يَنْتَظِرُهُ. 5 تُلاَقِي الْفَرِحَ الصَّانِعَ الْبِرَّ. الَّذِينَ يَذْكُرُونَكَ فِي طُرُقِكَ. هَا أَنْتَ سَخِطْتَ إِذْ أَخْطَأْنَا. هِيَ إِلَى الأَبَدِ فَنَخْلُصُ.
ع1: بدأ إشعياء، في نهاية الإصحاح السابق (ص63: 15-19)، يطلب رحمة الله، ويستكمل هنا صراخه إلى الله؛ لينزل من السماء؛ ليخلص شعبه. لأن خطايا الشعب قد حجبت الله عنه، فيصرخ إشعياء إلى الله أن يشق السماوات وينزل، وبهذا الصراخ يطلب إشعياء تجسد المسيا لخلاص شعبه.
وعندما ينزل المسيا يزلزل الجبال. وما هى الجبال القوية التى لا تتحرك إلا الخطايا الكثيرة، والأشرار المعاندين، مثل فرعون مصر أيام موسى؛ وسنحاريب ملك آشور أيام حزقيا، وكل قوات الشياطين، التى كانت تعمل بحرية في العهد القديم؛ كل هذا يتزلزل أمام قوة المسيا الآتى بهدوء ووداعة؛ ليخلص شعبه، كما حدثت الزلزلة على جبل سيناء؛ ليستلم موسى وصايا الله وشريعته، أى كلمة الله التى هى المسيح.
ع2، 3: الهشيم : القش والحطب والأغصان الجافة الضعيفة والقابلة للاشتعال بسهولة.
ويطلب إشعياء من الله أن يعلن قوته ضد مقاوميه من الأشرار، فيشعل الهشيم، ويجعل المياه الباردة تغلى، فيعرف العالم كله قوة الله القادرة على كل شىء.
والهشيم يرمز إلى خطايانا وضعفاتنا التى يحرقها الله بناره. والماء البارد يرمز إلى برودة حياتنا الروحية، فيشعلها الله بروحه القدوس، فتكون في حرارة عظيمة (تغلى).
إن قوتك هذه يا رب تجعل الأمم البعيدة تؤمن بك، والأشرار المقاومين، الذين يُرمز إليهم بالجبال، يرتعدون خوفاً منك، كما حدث مع هيرودس الذى خاف جداً من ولادة المسيح، واضطربت أورشليم كلها معه (مت2 : 3).
ع4: إن ما حدث في تجسد المسيح لم يره، أو يستوعبه أحد منذ بدء الخليقة. وما حدث مع شعب الله قديماً، وحتى اليوم يفوق كل عقل، فأعمال الله المعجزية، وحفظه لأولاده، وإنقاذهم من الأخطار، وعمل الروح القدس فيهم، يفوق إدراك الإنسان، فيشكر الله كل حين على محبته ورعايته.
ع5: سخطت : غضبت بشدة.
البركات التى يعطيها الله لأولاده، بدأت في الآية السابقة، ويكمل هنا الفئات التى تنال هذه البركات وهى :
- الإنسان الذى يتمتع بالفرح؛ لأنه يصنع البر، يلاقيه الله، فيتمتع برؤيته وصحبته.
- ويلاقى الله الذين يذكرون اسمه القدوس، وهم يسيرون في طرقه. وطرق الله هى وصاياه، ووسائط النعمة، فمن يصلى ويصوم ويقرأ الكتاب المقدس، ويتمتع بأسرار الله، يلاقيه الله بالحب، فيحيا في سعادة لا يعبر عنها.
- من يعترف بخطاياه، ويقبل غضب الله وتأديبه له، يباركه الله، ويعيده من السبى، ويعطيه بركات العهد الجديد في كنيسته.
إن بركات الله هذه، المذكورة، تستمر مع أولاد الله، ليس فقط طوال عمرهم، بل إلى الأبد، وهذا هو الخلاص الذى يتمتعون به.
يا رب إننا فى احتياج لتدخلك فى كل أمور حياتنا، فتشق السموات، وتنزل إلينا كل يوم؛ لتنقذنا من متاعبنا، وتغفر خطايانا، وترشدنا فى كل شىء؛ لنحيا معك ونمجد اسمك القدوس.
(2) توبة واستعطاف (ع6-12):
6 وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا. 7 وَلَيْسَ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِكَ أَوْ يَنْتَبِهُ لِيَتَمَسَّكَ بِكَ، لأَنَّكَ حَجَبْتَ وَجْهَكَ عَنَّا، وَأَذَبْتَنَا بِسَبَبِ آثَامِنَا. 8 وَالآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ. 9 لاَ تَسْخَطْ كُلَّ السَّخْطِ يَا رَبُّ، وَلاَ تَذْكُرِ الإِثْمَ إِلَى الأَبَدِ. هَا انْظُرْ. شَعْبُكَ كُلُّنَا. 10 مُدُنُ قُدْسِكَ صَارَتْ بَرِّيَّةً. صِهْيَوْنُ صَارَتْ بَرِّيَّةً، وَأُورُشَلِيمُ مُوحَشَةً. 11 بَيْتُ قُدْسِنَا وَجَمَالِنَا حَيْثُ سَبَّحَكَ آبَاؤُنَا، قَدْ صَارَ حَرِيقَ نَارٍ، وَكُلُّ مُشْتَهَيَاتِنَا صَارَتْ خَرَابًا. 12 أَلأَجْلِ هذِهِ تَتَجَلَّدُ يَا رَبُّ؟ أَتَسْكُتُ وَتُذِلُّنَا كُلَّ الذِّلِّ؟
ع6: ثوب عدة : ثوب نجس متسخ.
يعلن إشعياء، نيابة عن شعبه، ضعفه وعجزه عن تبرير نفسه؛ لأجل كثرة خطاياه، بل وأيضاً كل أعمال البر التى عملها تعتبر نجاسة أمام بر الله، وكورقة ذابلة ليس لها ماء، وهذه تطردها الريح بعيداً، فهى بلا قيمة.
والخلاصة، إشعياء يعلن توبته وحاجته لغفران الله وتبريره.
ع7: يخاطب إشعياء الله أيضاً أنه لم يعد هناك في شعبك من يصلى إليك، ويتمسك بك، أى يلح عليك في الصلاة، كما فعل يعقوب أب الآباء.
والسبب في هذا الضعف أنك يا رب حجبت وجهك عنا، وذلك بسبب آثامنا تخليت عنا، فنحن في ضعف شديد، ولا نستطيع أن نقوم إلا بمعونتك ورحمتك.
وأنت يا رب أذبتنا بسبب آثامنا، فبعد أن كنا متماسكين، وفى صلابة، صرنا كسائل ضعيف محتاج لقوتك ومساندتك، فليتك تتحنن علينا، وتعيد حياتنا إليك، فنصير أبناءك الأقوياء، السالكين في طريقك.
ع8: جابلنا : خالقنا.
تكلم إشعياء بروح النبوة، فينادى الله، ويدعوه “أبانا”، أى راعينا والمسئول عنا، بل يقول له : نحن الطين، وأنت خالقنا، فأنت القادر أن تعيد تشكيلنا، فنكون إناءً للكرامة – كما يفعل الخزاف – وليس إناءً للهوان، أى ليتك تقبل توبتنا، وتعيد لنا بنوتنا وطبيعتنا المائلة للحياة معك.
ع9: يترجى إشعياء الله ألا يواصل غضبه الشديد من أجل كثرة خطايا شعبه، ويذكر وعده أن يهتم بصهيون (اش62: 1). ويخاطب الله بأننا كلنا شعبك، وأنت لا يمكن أن تهمل شعبك الذى يستدر مراحمك، ويترجى غفرانك.
ع10: برية : صحراء لا يسكنها أحد.
يصف إشعياء حالة أورشليم واليهودية، وكيف أصبحت خربة من الهجوم البابلى عليها. وهو هنا يحنن قلب الله، فيقول : “مدن قدسك، وصهيون وأورشليم، أى مدينتك المقدسة المحتاجة إليك، ليتك تتدخل سريعاً؛ لتنزع عنها خرابها، وتعود وتصير مدينة عامرة، وكذلك هيكلك العظيم.
الشيطان يحارب الكنيسة، ويحاول تخريبها بمحاولة إسقاط أعضائها في الخطايا، ولكن إن كان الكاهن، أوالخادم يصلى، فقلب الله يتحنن، ويبعد عنها حروب إبليس، ويساعد أولاده على التوبة، فيبعد عنها كل خراب.
ع11: يؤكد إشعياء أن بيت قدسنا، وجمالنا، أى هيكل الله قد احترق بالنار، وكل ما حوله صار خرباً، فليتك يا رب تسرع وتنقذنا فنبنى الهيكل ونسبحك فيه، ونجد كل مشتهياتنا في عبادتك يا رب، وبهذا نستعيد هيكلك الذى سبحك فيه آباؤنا.
ع12: تتجلد : تصبر.
يلح إشعياء على الله حتى لا يصبر، ويصمت، وشعبه المحبوب مذلول كل هذا الذل، أى يطلب منه التدخل بسرعة لإعادة الحياة إلى هيكله ومدينته. إن قابلتك أية ضيقة، فالتجئ إلى الله وترجاه؛ ليتدخل وينقذك؛ لأنه أب حنون، ولا يحتمل اتضاعك، وتذللك أمامه، فيشفق عليك ببركات كثيرة جداً.