الله الراعى وخزى الأصنام
(1) بركات الروح القدس (ع1-5):
1 «وَالآنَ اسْمَعْ يَا يَعْقُوبُ عَبْدِي، وَإِسْرَائِيلُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ. 2 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ صَانِعُكَ وَجَابِلُكَ مِنَ الرَّحِمِ، مُعِينُكَ: لاَ تَخَفْ يَا عَبْدِي يَعْقُوبُ، وَيَا يَشُورُونُ الَّذِي اخْتَرْتُهُ. 3 لأَنِّي أَسْكُبُ مَاءً عَلَى الْعَطْشَانِ، وَسُيُولًا عَلَى الْيَابِسَةِ. أَسْكُبُ رُوحِي عَلَى نَسْلِكَ وَبَرَكَتِي عَلَى ذُرِّيَّتِكَ. 4 فَيَنْبُتُونَ بَيْنَ الْعُشْبِ مِثْلَ الصَّفْصَافِ عَلَى مَجَارِي الْمِيَاهِ. 5 هذَا يَقُولُ: أَنَا لِلرَّبِّ، وَهذَا يُكَنِّي بِاسْمِ يَعْقُوبَ، وَهذَا يَكْتُبُ بِيَدِهِ: لِلرَّبِّ، وَبِاسْمِ إِسْرَائِيلَ يُلَقِّبُ».
ع1، 2: جابلك : خالقك.
يشورون : المستقيم.
ينادى الله شعبه المؤمن به، نسل يعقوب عبده، الذى ينتسب إلى الله، ولا يستعبد لأحد إلا لله الذى يحنو عليه، ويحبه ويرعاه. وهو أيضاً تسمى باسم إسرائيل الذى جاهد مع الله وغلب عندما ظهر له الله. ويقول له أنت مختارى، فأنا اخترتك لأجل محبتك وتمسكك بى، الذى ظهر فى صراعك معى (تك32: 28).
يلقب الله نفسه بأنه صانع وخالق شعبه، لكى يتذكر الشعب أن بدايته من الله؛ ليحيا له، بالإضافة إلى أن الله يرعى شعبه، ويعينه فى كل ضيقاته. وهو أيضاً خالقه من الرحم،
ويقصد الله بالرحم، يوم اختتن شعبه، وصار شعب الله، والختان رمز للمعمودية فى العهد الجديد، فالإنسان يولد ولادة جديدة من جرن المعمودية، وينال طبيعة جديدة تميل للحياة مع الله فى نقاوة.
يطمئن الله شعبه حتى لا يخاف من أى تهديدات، أو مشاكل حوله من الممالك التى تحكم العالم، مثل آشور وبابل، لأن شعب الله يسلك بالاستقامة، ويتمسك بوصاياه، لذا يؤكد الله أنه مختار من الله لأجل إيمانه ومحبته واستقامته فى طريق الله، لأن كلمة يشورون التى تعنى المستقيم، تكررت فى الكتاب المقدس أربع مرات، بل قيلت عن الله نفسه فى سفر التثنية (تث33: 5).
ع3: ذريتك : أولادك.
تظهر رعاية الله لشعبه، ليس فى إعطائه بركات، أو حماية، ولكنه يعطيه نفسه، أى يعطيه روحه القدوس، وهو مصدر جميع البركات، فالإنسان العطشان إلى البر يسقيه الروح القدس، أى يشبعه ويحييه، ويفرحه.
والأرض اليابسة أيضاً يسقيها الروح القدس بماء غزير كالسيول، فترويها، حينئذ تثمر، وتتحول إلى بستان؛ وها هى النفس المحرومة من بركات الله، تمتلئ أيضاً ببركات لا نهاية لها.
وهكذا يسكب الله روحه القدوس على نسل يعقوب، أى شعب الله، ويشبع كل احتياجاته المادية والروحية، وهذا ما أوضحه المسيح عند كلامه عن الروح القدس فى إنجيل يوحنا (يو7: 37).
ع4: الصفصاف : شجرة ضخمة مرتفعة، ورقها كثير، وتنبت عند مجارى المياه، إذ تحتاج إلى مياه كثيرة، وتعطى ظلاً فى الحر.
أولاد الله ينبتون بعد أن نزلت المياه على الأرض اليابسة، ويصيرون أشجاراً عالية، مملوءة بالأوراق الخضراء، أما أهل العالم فيكونون كالعشب الذى يزول سريعاً. والأشجار مثل الصفصاف، تكون ظلاً فى الحر، فتحمى وتساند الآخرين. والشرط لنمو أشجار الصفصاف أن تكون بالقرب من الماء، فهى تحتاج لمياه كثيرة، أى عمل الروح القدس الدائم. والروح القدس غير محدود، ويعطى حسبما يرغب الإنسان.
ع5: يكنى : ينتسب.
إذ تظهر بركات الروح القدس على شعب الله، يرى ذلك غير المؤمنين، فيؤمنون، ويقول بعضهم : “أنا للرب”، والبعض الآخر يسعى أن ينتسب لشعب الله، الذى يُذكر هنا باسم يعقوب. وآخرون يكتبون بيدهم للرب، أى يتعهدون أن يحيوا لله لا للعالم. أما البعض فيسعون أن يتسموا ويلقبوا بإسرائيل، والمقصود به لقب المؤمن المسيحى، أو الإنسان التابع لله، ومؤمن به.
كل هذا معناه أن الروح القدس بعطاياه، ومواهبه المجانية، سيجذب نفوس كثيرة للإيمان والحياة مع الله.
الله مستعد أن يعطيك حسبما تحتاج، أى يعطيك بسخاء، ولكن المهم أن تكون أنت محباً لله، وتطلبه، فيعطيك على قدر ما تهتم بالصلاة، أو قراءة الكتاب المقدس، فتزداد البركات التى تأخذها منه.
(2) خزى عبادة الأصنام (ع6-20):
6 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ وَفَادِيهِ، رَبُّ الْجُنُودِ: «أَنَا الأَوَّلُ وَأَنَا الآخِرُ، وَلاَ إِلهَ غَيْرِي. 7 وَمَنْ مِثْلِي؟ يُنَادِي، فَلْيُخْبِرْ بِهِ وَيَعْرِضْهُ لِي مُنْذُ وَضَعْتُ الشَّعْبَ الْقَدِيمَ. وَالْمُسْتَقْبِلاَتُ وَمَا سَيَأْتِي لِيُخْبِرُوهُمْ بِهَا. 8 لاَ تَرْتَعِبُوا وَلاَ تَرْتَاعُوا. أَمَا أَعْلَمْتُكَ مُنْذُ الْقَدِيمِ وَأَخْبَرْتُكَ؟ فَأَنْتُمْ شُهُودِي. هَلْ يُوجَدُ إِلهٌ غَيْرِي؟ وَلاَ صَخْرَةَ لاَ أَعْلَمُ بِهَا؟» 9 الَّذِينَ يُصَوِّرُونَ صَنَمًا كُلُّهُمْ بَاطِلٌ، وَمُشْتَهَيَاتُهُمْ لاَ تَنْفَعُ، وَشُهُودُهُمْ هِيَ. لاَ تُبْصِرُ وَلاَ تَعْرِفُ حَتَّى تَخْزَى. 10 مَنْ صَوَّرَ إِلهًا وَسَبَكَ صَنَمًا لِغَيْرِ نَفْعٍ؟ 11 هَا كُلُّ أَصْحَابِهِ يَخْزَوْنَ وَالصُّنَّاعُ هُمْ مِنَ النَّاسِ. يَجْتَمِعُونَ كُلُّهُمْ، يَقِفُونَ يَرْتَعِبُونَ وَيَخْزَوْنَ مَعًا. 12 طَبَعَ الْحَدِيدَ قَدُومًا، وَعَمِلَ فِي الْفَحْمِ، وَبِالْمَطَارِقِ يُصَوِّرُهُ فَيَصْنَعُهُ بِذِرَاعِ قُوَّتِهِ. يَجُوعُ أَيْضًا فَلَيْسَ لَهُ قُوَّةٌ. لَمْ يَشْرَبْ مَاءً وَقَدْ تَعِبَ. 13 نَجَّرَ خَشَبًا. مَدَّ الْخَيْطَ. بِالْمِخْرَزِ يُعَلِّمُهُ، يَصْنَعُهُ بِالأَزَامِيلِ، وَبِالدَّوَّارَةِ يَرْسُمُهُ. فَيَصْنَعُهُ كَشَبَهِ رَجُل، كَجَمَالِ إِنْسَانٍ، لِيَسْكُنَ فِي الْبَيْتِ! 14 قَطَعَ لِنَفْسِهِ أَرْزًا وَأَخَذَ سِنْدِيَانًا وَبَلُّوطًا، وَاخْتَارَ لِنَفْسِهِ مِنْ أَشْجَارِ الْوَعْرِ. غَرَسَ سَنُوبَرًا وَالْمَطَرُ يُنْمِيهِ. 15 فَيَصِيرُ لِلنَّاسِ لِلإِيقَادِ. وَيَأْخُذُ مِنْهُ وَيَتَدَفَّأُ. يُشْعِلُ أَيْضًا وَيَخْبِزُ خُبْزًا، ثُمَّ يَصْنَعُ إِلهًا فَيَسْجُدُ! قَدْ صَنَعَهُ صَنَمًا وَخَرَّ لَهُ. 16 نِصْفُهُ أَحْرَقَهُ بِالنَّارِ. عَلَى نِصْفِهِ يَأْكُلُ لَحْمًا. يَشْوِي مَشْوِيًّا وَيَشْبَعُ! يَتَدَفَّأُ أَيْضًا وَيَقُولُ: «بَخْ! قَدْ تَدَفَّأْتُ. رَأَيْتُ نَارًا». 17 وَبَقِيَّتُهُ قَدْ صَنَعَهَا إِلهًا، صَنَمًا لِنَفْسِهِ! يَخُرُّ لَهُ وَيَسْجُدُ، وَيُصَلِّي إِلَيْهِ وَيَقُولُ: «نَجِّنِي لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهِي». 18 لاَ يَعْرِفُونَ وَلاَ يَفْهَمُونَ لأَنَّهُ قَدْ طُمِسَتْ عُيُونُهُمْ عَنِ الإِبْصَارِ، وَقُلُوبُهُمْ عَنِ التَّعَقُّلِ. 19 وَلاَ يُرَدِّدُ فِي قَلْبِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَعْرِفَةٌ وَلاَ فَهْمٌ حَتَّى يَقُولَ: «نِصْفَهُ قَدْ أَحْرَقْتُ بِالنَّارِ، وَخَبَزْتُ أَيْضًا عَلَى جَمْرِهِ خُبْزًا، شَوَيْتُ لَحْمًا وَأَكَلْتُ. أَفَأَصْنَعُ بَقِيَّتَهُ رِجْسًا، وَلِسَاقِ شَجَرَةٍ أَخُرُّ؟» 20 يَرْعَى رَمَادًا. قَلْبٌ مَخْدُوعٌ قَدْ أَضَلَّهُ فَلاَ يُنَجِّي نَفْسَهُ وَلاَ يَقُولُ: «أَلَيْسَ كَذِبٌ فِي يَمِينِي؟».
ع6: يصف الله نفسه بأنه :
- ملك إسرائيل وفاديه، فهو الذى يملك على شعبه منذ اختاره وإلى الأبد. وهو فاديه إذ أنقذه من عبودية مصر، وأنقذه من أعدائه الكثيرين، مثل عماليق فى سيناء، وكثير من الأعداء فى أرض كنعان. وسيظل فاديه، فيرجعه من السبى، وسيفديه على الصليب فى ملء الزمان.
- رب الجنود، أى القوى والقادر على كل شىء، فبالمقارنة بالأصنام التى هى بلا قوة، يلزم أن يعبده شعبه، ولا يعبدوا الآلهة الوثنية.
- أنا الأول وأنا الآخر، فهو الأزلى والأبدى، وهذه هى صفة يهوه، والتى قالها المسيح عن نفسه فى (رؤ1: 11)، وأمام هذه الآية يظهر أن المسيح هو يهوة، ولذا يحتار شهود يهوة أمام هذه الآية التى هى ضد معتقداتهم.
- لا إله غيرى؛ وهذا اللقب يؤكد ضرورة رفض عبادة الأوثان.
ع7: يقول الرب : من مثلى من الآلهة الوثنية ؟ وإن كان أحد يعتقد بها، أو يعبدها فلينادى ويعرض قوة هذه الآلهة الى هى لا شىء أمامى.
فأنا الذى وضعت وخلقت الإنسان والشعب القديم منذ آدم وحتى الآن. وأنا الذى تنبأت على لسان أنبيائى بالمستقبلات التى حدثت وتحدث الآن، فلا يستطيع أى إله وثنى أن يخلق وينظم الكون، منذ خلقت آدم، ولا يستطيع أيضاً أن يتنبأ بالمستقبل (المستقبلات). ومن الذى يستطيع من الآلهة الوثنية أن يخبر بما سيأتى فليعلنها للناس.
وهكذا يظهر الله قوته أمام شعبه، وضعف وخزى الآلهة الوثنية؛ حتى يعبدوه بإيمان كامل، ويرفضوا عبادة الأوثان.
ع8: يطمئن الله شعبه ويقول لهم : لا تنزعجوا وتخافوا من الأصنام التى تعبدها الأمم مهما عملوا من أصنام كبيرة، أو كثيرة، فكلها حجارة وأخشاب، أو آية مادة يسبكونها ويصنعون منها صنماً، فكلها بلا قيمة.
ويقول الله لشعبه : أنا أعلمتكم بكل شىء منذ القديم، وأنتم شهود لى أنى أنا الإله الخالق والعارف بكل ما فى العالم، ولا توجد صخرة صغيرة، أو كبيرة لا أعلم عنها شيئاً، فلا يوجد أى شىء فى العالم لا أعرفه، بل أنا هو صخر الدهور الذى لا يتزعزع، وتنهار أمامه كل قوى العالم والآلهة الوثنية. فأنا عملت معكم أعمالاً عظيمة ومعجزات كثيرة، وأنتم تشهدون بهذا، فهذا كافى لتثبيت إيمانكم بى.
ع9: أما الذين يصنعون الأصنام فكل أعمالهم باطلة، وما يشتهونه، ويتمنونه من هذه الآلهة لا يتحقق، إذ لا فائدة منها.
وهذه الأصنام التى يصنعونها لا تستطيع أن تشهد على شىء، لأنها لا تبصر، ولا تستطيع أن تعرف شيئاً، بل هى خزى لمن صنعها، ولمن يتعبد لها.
ع10، 11: سبك : صنع وشكل تمثالاً من المعادن.
يتعجب الله أن يصنع الإنسان بيديه تمثالاً لا يستطيع أن يرى، أو يسمع، أو يتحرك بنفسه، بل هو باطل وضعيف، ثم يتعبد له كإله.
هذا الصانع للتمثال، وكل أصحابه المعجبين بتمثاله، لا ينتظرهم إلا الخزى؛ لأن هذا التمثال ليس إلهاً، وإن ظنوا أنه إله، فهو لا يدافع عنهم؛ لأنه بلا قوة.
والصناع الذين يصنعون هذه التماثيل هم بشر مثلنا، فكيف يصنعون تمثالاً، ويسمونه إلهاً، ويجتمعون حوله، ويعبدونه، برغم أنه لا يرد على كلامهم؛ لأنه باطل، عاجز عن عمل أى شئ، فيكونوا جميعاً فى خزى وخجل من هذا التمثال الحقير الذى يسجدون له، وهؤلاء يعيشون فى الخيال، فيصيحون أن هذا إله، ويتصارعون مع من لا يعترف أنه إله، كما هيج صناع أرطاميس مدينة أفسس، وخرجوا يصيحون، ولكن هذا لم يغير من ضعف هذه الآلهة، أى التماثيل الصماء (أع19: 24-35).
ع12: طبع : صنع، أو شكل.
قدوماً : مطرقة، أو شاكوش من الحديد.
يستخدم الصانع القدوم فى تشكيل الحديد، أو المعادن التى يضعها على النار الخارجة من الفحم؛ حتى تلين، ويسهل تشكيلها، ويعمل منها تمثالاً. ويتعب الصانع كثيراً، ويجوع ويعطش من حرارة النار، ومجهود تشكيل المعادن، لأنه كان المعتاد ألا يأكل ولا يشرب حتى ينهى عمله؛ كل هذا المجهود لصنع تمثال لا يتحرك، ثم بعد هذا يتعبد له. كيف يتخيل الصانع وكل من حوله أن هذا التمثال أصبح إلهاً ؟!
ع13: نجر : صنع نجارة، أى عمل بآلات النجارة فى الخشب.
المخرز : إبرة كبيرة.
الأزاميل : جمع أزميل، وهو آلة حديدية أحد طرفيها حاد، وتستخدم لنقر الخشب والحجارة، وتستخدم لإزالة الزوائد الخشبية.
الدوارة : آلة تشبه البرجل وتستخدم لرسم الدائرة.
إن الصانع يستخدم آلات النجارة، مثل المنشار وغيره؛ ليقطع قطعاً من الخشب، ويستخدم المخراز والأزاميل والدوارة لتشكيل هذه القطعة، ويصنع منها تمثالاً لإنسان جميل، ثم يضعه فى البيت، إما فى المعبد، أو فى أى منزل، ويتعبد له.
ع14-17: أرز : شجر مرتفع دائم الخضرة، خشبه لا يسوس، ينمو على جبال لبنان.
سنديان : شجرة ضخمة مرتفعة ومعمرة تنمو في لبنان وبلاد أخرى كثيرة.
بلوطاً : شجر يشبه السنديان.
أشجار الوعر : أشجار تنمو فى الأماكن المقفرة غير المأهولة بالسكان.
سنوبراً : شجر مرتفع دائم الخضرة خشبه قوى.
بخ : صيحة تعبر عن الفرح.
يندهش الله من غباوة الإنسان الذى يذهب إلى الأشجار التى تنمو فى البلاد المختلفة، أو التى زرعها بنفسه وتنميها الأمطار؛ فيقطع منها أجزاءً يستخدمها فى :
- التدفئة، إذ يشعل جزءاً منها ويجلس بجوارها فى البرد.
- يشعل بعضها ويخبز عليه خبزاً ليأكله.
- يشوى على بعض هذه الأخشاب المشتعلة بالنار، ويأكل هذا اللحم المشوى ويفرح
به. - يأخذ بعضاً من هذه الأخشاب، ويصنع منها تماثيل آلهة، ويسجد لها، ويتعبد، ويطلب منها أن تنجيه من الأخطار.
هل توجد حماقة أكثر من هذا، أن الإله المصنوع من أخشاب تستخدم فى التدفئة، وطهى الطعام، يصير جزءاً منها إلهاً ؟! وينشغل الإنسان بها، ويترك الإله الحقيقى.
ع18: طمست : أعميت.
إن من يعبدون الأوثان لا يعرفون، ولا يفهمون؛ لأن عيونهم أصبحت عاجزة عن الرؤية، وعقولهم أيضاً عاجزة عن الفهم؛ لأنهم تعلقوا بالأصنام الباطلة، وشكلها الجميل، ونسوا أنها مجرد تماثيل.
ع19: جمره : فحم مشتعل.
رجساً : نجساً، والمقصود الأصنام.
أخر : أسجد.
إن من يعبد الأوثان لا يراجع نفسه، ويفكر فيما يفعله عندما يعبد التمثال الخشبى؛ لأنه قد فقد فهمه، إذ أنه يحرق نصف الأخشاب ليتدفأ عليها، ويخبز خبزه، ويشوى لحمه، ثم يصنع تمثالاً بالنصف الآخر، ويسجد له.
ع20: إن من يعبد الأوثان، يسجد لقطعة خشب يمكن أن يحرقها وتصبح رماداً، فهو يسجد لما سيتحول إلى رماد، وهو بهذا يخدع نفسه، ولا يريد ان يراجع تفكيره ويدرك أن ما يمسكه بيمينه هو تمثال خشبى، فهو إله كاذب. وهذا الإنسان يعيش فى خداع وكذب وضلال، وأعمال باطلة، فيبتعد عن الله الإله الحقيقى بهذه الأفكار الشيطانية.
إنتبه يا أخى لئلا تكون عابداً للأصنام بانشغال قلبك وتعلقك بالمال، أو الجمال، أو المقتنيات، أو العلاقات، فكلها زائلة. إن قلبك الغالى لا يستحقه إلا الله الذى خلقك، فارجع إليه بالتوبة؛ لأن كل الأمور الأخرى زائلة.
(3) الله راعٍ لشعبه (ع21-28):
21 «اُذْكُرْ هذِهِ يَا يَعْقُوبُ، يَا إِسْرَائِيلُ، فَإِنَّكَ أَنْتَ عَبْدِي. قَدْ جَبَلْتُكَ. عَبْدٌ لِي أَنْتَ. يَا إِسْرَائِيلُ لاَ تُنْسَى مِنِّي. 22 قَدْ مَحَوْتُ كَغَيْمٍ ذُنُوبَكَ وَكَسَحَابَةٍ خَطَايَاكَ. اِرْجِعْ إِلَيَّ لأَنِّي فَدَيْتُكَ». 23 تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا السَّمَاوَاتُ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَعَلَ. اِهْتِفِي يَا أَسَافِلَ الأَرْضِ. أَشِيدِي أَيَّتُهَا الْجِبَالُ تَرَنُّمًا، الْوَعْرُ وَكُلُّ شَجَرَةٍ فِيهِ، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ فَدَى يَعْقُوبَ، وَفِي إِسْرَائِيلَ تَمَجَّدَ. 24 هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ فَادِيكَ وَجَابِلُكَ مِنَ الْبَطْنِ: «أَنَا الرَّبُّ صَانِعٌ كُلَّ شَيْءٍ، نَاشِرٌ السَّمَاوَاتِ وَحْدِي، بَاسِطٌ الأَرْضَ. مَنْ مَعِي؟ 25 مُبَطِّلٌ آيَاتِ الْمُخَادِعِينَ وَمُحَمِّقٌ الْعَرَّافِينَ. مُرَجِّعٌ الْحُكَمَاءَ إِلَى الْوَرَاءِ، وَمُجَهِّلٌ مَعْرِفَتَهُمْ. 26 مُقِيمٌ كَلِمَةَ عَبْدِهِ، وَمُتَمِّمٌ رَأْيَ رُسُلِهِ. الْقَائِلُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُعْمَرُ، وَلِمُدُنِ يَهُوذَا: سَتُبْنَيْنَ، وَخِرَبَهَا أُقِيمُ. 27 الْقَائِلُ لِلُّجَّةِ: انْشَفِي، وَأَنْهَارَكِ أُجَفِّفُ. 28 الْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ: رَاعِيَّ، فَكُلَّ مَسَرَّتِي يُتَمِّمُ. وَيَقُولُ عَنْ أُورُشَلِيمَ: سَتُبْنَى، وَلِلْهَيْكَلِ: سَتُؤَسَّسُ».
ع21: جبلتك : خلقتك.
يظهر فى هذه الآيات الله الذى يهتم ويرعى شعبه، ويطمئنه فى هذه الآية بأمرين هما:
- أنت عبد لى، أى شعب خاص اهتم به وأرعاه. وإن كنت قد تركتنى وانشغلت بعبادة الأوثان المخزية، تذكر أنك عبد لى ولابد أن أرعاك.
- لا تُنسى من : فاطمئن لن أنشغل عنك إن انشغلت عنى، لكنى سأظل مهتماً بك، طالما لم تتركنى.
ع22: يكمل الله البركات التى يهبها لشعبه، فهو لا يلقبه فقط بأنه عبد خاص لله وأنه ليس منسياً، ولكن يضيف فى هذه الآية :
- محو ذنوبه وخطاياه : فالله مستعد أن يغفر جميع خطايا شعبه إن رجع إليه وعاش له ولم يتركه، وهو يمحوها كالغيم، وهو السحاب الثقيل، أى يمحو الخطايا الثقيلة، وكسحابة، وهو الضباب الخفيف، ويرمز للخطايا الخفيفة، أى أن الله مستعد أن يغفر جميع الخطايا، ويشبه الله خطايا شعبه بالغيم والسحاب؛ لأنها تحجب الله عن الإنسان، فلا يراه، ويبتعد عن عبادته والاتكال عليه.
- فديتك : فالله فدى شعبه عندما أخرجه من مصر إلى البرية، وأغرق المصريين، وعندما قتل الوثنيين فى أرض كنعان، وأسكن شعبه بدلاً منه، وكذلك عندما قتل ملاك الله 185.000 من جيش سنحاريب، وحفظ أولاده داخل أورشليم.
والفداء الذى حدث مع شعب الله، يرمز للفداء الكامل الذى سيتم فى ملء الزمان بموت المسيح على الصليب، والذى فيه يمحو خطايا كل من يرجع إليه، ويؤمن به، فيصير شعبه الخاص، أى المسيحيين وهم إسرائيل الجديد.
ع23: أشيدى : امدحى وافتخرى.
يضيف الله إلى البركات التى سينالها شعبه، بركة جديدة، فيقول:
- ترنمى .. اهتفى .. اشيدى : أى ينال شعبه بركة تسبيح الله، وهذا التسبيح تشترك فيه السماء التى ترمز إلى روح الإنسان، وأسافل الأرض التى ترمز إلى جسد الإنسان، والجبال وأشجار الوعر الى ترمز إلى طاقات الإنسان، أى أن الإنسان كله يسبح الله ويمجده؛ لأنه فداه وأنقذه وحفظه.
ع24، 25: يعلن الرب بركة جديدة لشعبه، وهى :
- مبطل .. محمق .. مجهل : الله الذى خلق شعبه وأحبه قبل أن يولد، أى عندما كان فى بطن التاريخ، وهو الذى خلق كل شىء فى العالم، فهو خالق السموات والأرض وحده؛ هذا هو الله الذى يظهر بطلان حكماء العالم والعاملين مع الشياطين، مثل العرافين والمخادعين، فلا يبقى إلا الله وحده الذى ينبئ بالمستقبل، وهو الخالق والعامل فى خليقته، فلا يبقى أمام شعبه إلا أن يتمتع بعبادته.
ع26: يقدم الله بركة جديدة لشعبه، فيقول :
- تعمر .. تبنين : الله يتمم نبوات أنبيائه ورسله، مثل إشعياء وإرميا … فبعد أن تخرب بابل أورشليم، سيعيد الله أولاده من السبى، فيعمروا مدن يهوذا ويبنوا أورشليم مدينته المقدسة.
ع27، 28: اللجة : المياه العميقة.
يستكمل الله بركاته لشعبه، فيقول فيما يلى :
- تأسيس الهيكل : يستخدم الله كورش أول ملوك فارس لإتمام بركته لشعبه، فيجفف نهر الفرات أمامه، ويدخل بابل وينتصر عليها، ويأمر بإعادة شعبه إلى بلاده؛ ليبنى أورشليم واليهودية، ويبنى هيكل الله من جديد.
ويلقب الله كورش بلقب : “راعى” فالله أقامه ليرعى شعبه ويهتم بجمعه؛ لأنه كان مشتتاً فى أرجاء الأرض، فيعود ويبنى الهيكل، ويقدم عبادة لله. وكلمة كورش معناها بالآرامية: “راعى”. وكلام الله عن كورش، أعلنه الله قبل ميلاد كورش بأكثر من مائة عام، وبهذا يظهر أنه الإله الوحيد العارف بالمستقبل، أما الآلهة الوثنية فلا تعرف شيئاً. بركات الله لك يا أخى ليس لها نهاية، فلا تحرم نفسك منها، منشغلاً بإغراءات العالم، فكلها باطلة ولا تشبع حياتك، بل تبعدك عن الله، فتخسر أبديتك. ارجع إلى الله بالتوبة لتتمتع ببركاته على الأرض، ثم فى السماء.