كيف تشبهون الله بالأصنام؟
(1) الأصنام إهانة لله (ع1-7):
1 قَدْ جَثَا بِيلُ، انْحَنَى نَبُو. صَارَتْ تَمَاثِيلُهُمَا عَلَى الْحَيَوَانَاتِ وَالْبَهَائِمِ. مَحْمُولاَتُكُمْ مُحَمَّلَةٌ حِمْلًا لِلْمُعْيِي. 2 قَدِ انْحَنَتْ. جَثَتْ مَعًا. لَمْ تَقْدِرْ أَنْ تُنَجِّيَ الْحِمْلَ، وَهِيَ نَفْسُهَا قَدْ مَضَتْ فِي
السَّبْيِ. 3 «اِسْمَعُوا لِي يَا بَيْتَ يَعْقُوبَ وَكُلَّ بَقِيَّةِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ، الْمُحَمَّلِينَ عَلَيَّ مِنَ الْبَطْنِ، الْمَحْمُولِينَ مِنَ الرَّحِمِ. 4 وَإِلَى الشَّيْخُوخَةِ أَنَا هُوَ، وَإِلَى الشَّيْبَةِ أَنَا أَحْمِلُ. قَدْ فَعَلْتُ، وَأَنَا أَرْفَعُ، وَأَنَا أَحْمِلُ
وَأُنَجِّي. 5 بِمَنْ تُشَبِّهُونَنِي وَتُسَوُّونَنِي وَتُمَثِّلُونَنِي لِنَتَشَابَهَ؟ 6 «اَلَّذِينَ يُفْرِغُونَ الذَّهَبَ مِنَ الْكِيسِ، وَالْفِضَّةَ بِالْمِيزَانِ يَزِنُونَ. يَسْتَأْجِرُونَ صَائِغًا لِيَصْنَعَهَا إِلهًا، يَخُرُّونَ وَيَسْجُدُونَ! 7 يَرْفَعُونَهُ عَلَى الْكَتِفِ. يَحْمِلُونَهُ وَيَضَعُونَهُ فِي مَكَانِهِ لِيَقِفَ. مِنْ مَوْضِعِهِ لاَ يَبْرَحُ. يَزْعَقُ أَحَدٌ إِلَيْهِ فَلاَ يُجِيبُ. مِنْ شِدَّتِهِ
لاَ يُخَلِّصُهُ.
ع، 21: جثا : ركع.
المعى: المتعب.
عندما هجم الملك كورش الفارسى على بابل، وكان يؤمن بأن هناك إلهاً واحداً، أراد تحطيم كل الآلهة الموجودة في بابل، أو الاستيلاء عليها كغنائم، لما فيها من فضة وذهب وأحجار كريمة. وحاول البابليون تخبئتها والهرب بها، ولكن جنود كورش استولوا عليها.
وهكذا أصبح البابليون في مذلة شديدة، وآلهتم أيضًا أصبحت ضعيفة؛ لذا يقول :
“جثا بيل” و”انحنى نبو”، أى ذهبت عنهم كرامتهما.
وبيل يُسمى أيضاً الإله بال وهو المذكور في (دا 14 : 3) وهى تتمة سفر دانيال،
ويُسمى أيضاً عند بنى إسرائيل : بالإله بعل، وهو إله الشمس والربيع. أما الإله نبو، فهو إله العلم والمعرفة، وكانوا يتسمون به، مثل الملك نبوخذ نصر. والإله بيل أيضا كانوا يتسمون به مثل الملك بيلشاصر.
وحمل الفرس هذه التماثيل الثقيلة على ظهور الحيوانات، فكانت متعبة للحيوانات التى تحملها.
وهذه الحيوانات تعبت من الحمل، ولم تستطع هذه الآلهة المزعومة، أى التماثيل، أن تنجى أصحابها الذين عبدوها، بل صارت متعبة وثقيلة على حيواناتهم. ومضت هذه الآلهة كغنائم استولى عليها الفرس، وذهبت إلي السبى مع البابليين الذين خضعوا للمملكة الفارسية.
ع3، 4: بعد ما أظهر الله ضعف الآلهة الوثنية التى يعبدها البابليون، العاجزة عن الحركة، والتى صارت ثقيلة على حيوانات كل من البابليين والفرس، الآن يكلم شعبه الخاص المؤمن به، وهو نسل يعقوب، أى إسرائيل، الذين بقوا أحياءً، وذهبوا إلي السبى بعد قتل إخوتهم أثناء الهجوم البابلى. ويقول لهم: إني حملتكم منذ كنتم أجنة في بطون أمهاتكم، أى في الرحم والبطن، فأنا أحبكم وأعتنى بكم من قبل أن تولدوا.
وأنا أظل أحملكم طوال حياتكم على الأرض حتى نهاية سن الشيخوخة، أى طوال عمركم، وهذا لا يفعله أحد إلا الله، لأن الأم تحمل أطفالها في بطنها، ثم تلدهم وتهتم برضاعتهم حتى يكبروا فلا تعود تحملهم، ولكن الله يستمر يحمل ويعتنى بأولاده طوال حياتهم.
وأنا أعتنى بكم بوسائل متعددة، فأنا الذي فعلت وسمحت أن تذهبوا إلي السبى الآشوري، ثم البابلى حتى تتأدبوا وتتوبوا، وترجعوا إلي. وعندما تتوبون، أرجعكم من السبى، أى أرفع وأحمل وأنجى، فأرفع عنكم العبودية، وأحملكم بعناية شديدة، وأنجيكم من السبى، وأرجعكم إلي بلادكم لتعبدوا، وتفرحوا في مدينتكم أورشليم، وكل ما حولها من بلاد اليهودية.
ع5: يتعجب الله ويتساءل كيف تقولون أن عمل الآلهة الوثنية يشبه، أو يساوى عمل الله، فهذه الآلهة لا تعمل شيئًا لمن يتعبد لها، وأنا أعمل كل شىء، وأحمل أولادى طوال حياتهم، فلا مجال للتشابه بينى وبين هذه الآلهة، فأنا أسمى وأعظم من جميع الآلهة.
ع6: يخرون: يركعون
يندهش الله من عابدى الأوثان الذين يحضرون ذهبًا كثيرًا في أكياسهم، وفضة موزونة يستأجرون بها صائغًا للمعادن؛ ليعمل لهم تمثالاً ذهبيًا إلهًا لهم، ثم يسجدون له.
إنه شىء غريبٌ أن يتعبد الإنسان لما يصنعه.
ع7: لا يبرح : لا يتحرك من مكانه.
إن عابدى الأوثان يرفعون هذا التمثال الذهبى، ويضعونه في مكان خاص به في المعبد، ويظل هذا التمثال واقفًا في مكانه لا يتحرك منه، وعندما يدخل إليه من يعتبرونه إلهًا، أو يصرخون إليه؛ لينجيهم من ضيقاتهم، لا يجيبهم، ولا ينقذهم لأنه مجرد تمثال وليس إلهًا.
إحترس يا أخى أن تنشغل بإغراءات المال، أو المركز، أو القوة، أو الجمال … فهذه كلها زائلة، فكيف تتعلق بها، وتستعبد نفسك لها؟ الله خلقك حرًا لتحيا معه، ويمتعك بعشرته في الأرض وفي السماء، فلا تبيع نفسك لعبادة أى شىء على الأرض، بل إرفع عينيك إلي السماء، واستعد بالتوبة والصلاة؛ ليكون لك مكان في الأبدية.
[2] الله المخبر بالمستقبل (ع8-13)
8 «اُذْكُرُوا هذَا وَكُونُوا رِجَالًا. رَدِّدُوهُ فِي قُلُوبِكُمْ أَيُّهَا الْعُصَاةُ. 9 اُذْكُرُوا الأَوَّلِيَّاتِ مُنْذُ الْقَدِيمِ، لأَنِّي أَنَا اللهُ وَلَيْسَ آخَرُ. الإِلهُ وَلَيْسَ مِثْلِي. 10 مُخْبِرٌ مُنْذُ الْبَدْءِ بِالأَخِيرِ، وَمُنْذُ الْقَدِيمِ بِمَا لَمْ يُفْعَلْ، قَائِلًا: رَأْيِي يَقُومُ وَأَفْعَلُ كُلَّ مَسَرَّتِي. 11 دَاعٍ مِنَ الْمَشْرِقِ الْكَاسِرَ، مِنْ أَرْضٍ بَعِيدَةٍ رَجُلَ مَشُورَتِي. قَدْ تَكَلَّمْتُ فَأُجْرِيهِ. قَضَيْتُ فَأَفْعَلُهُ. 12 «اِسْمَعُوا لِي يَا أَشِدَّاءَ الْقُلُوبِ الْبَعِيدِينَ عَنِ الْبِرِّ. 13 قَدْ قَرَّبْتُ بِرِّي، لاَ يَبْعُدُ. وَخَلاَصِي لاَ يَتَأَخَّرُ. وَأَجْعَلُ فِي صِهْيَوْنَ خَلاَصًا، لإِسْرَائِيلَ جَلاَلِي.
ع8: يخاطب الله بنى شعبه، ويطلب منهم أن يكونوا رجالاً، أى ثابتين في إيمانهم ومبادئهم، ولا يعصون الله بعبادتهم للآوثان. فعندما يردد الإنسان كلام الله، ويعرفه، تصغر أمامه كل الآلهة الوثنية، ويحتقرها. ويؤكد بولس الرسول نفس المعنى في (اكو 16 : 13).
ع9: يذكر الله أولاده بالأوليات، أى أعماله التى عملها في خطة العالم، وتدبير أمورهم منذ كان مع آبائهم إبراهيم واسحق ويعقوب، فهو الإله الوحيد، وكل الآلهة الوثنية باطلة، فليس غيره إله.
ع10: الله منذ القديم يخبر بالأمور الأخيرة التى سوف تحدث بعد زمن طويل. ويخبر الله أيضًا منذ القديم بما لم يفعل ويحدث في وقت كلامه، أى سيحدث بعد مدة. وتمر الأيام ويتحقق كلامه، كما أخبر موسى أنه سيخرج شعبه من مصر، ولكن فرعون سيقاوم، وفى النهاية، سيتم كلام الله. وقد حدث هذا فعلاً، فضرب الله مصر بعشر ضربات، وخضع فرعون، وأخرج شعب الله، ثم لما تقسى قلبه مرة أخرى، وطاردهم عند البحر، غرق هو وكل جيشه.
وهكذا نرى أن رأى الله هو الذي يقوم ويتم، ويفعل الله كل ما يفرح قلبه، ويفرح أولاده الذين يرعاهم، وبالتالي فلنؤمن بالله، ونتمسك به، فنحيا مطمئنين.
ع11: داع: أى يدعو، وينادى.
الكاسر: طائر من الجوارح، مثل النسر، يطير بسرعة وينقض على فريسته بقوة.
دعى الله كورش الذي يقيم في المشرق، إذ كانت بلاد مادى وفارس تقع في أقصى الشرق المعروف وقتذاك. وكورش كان يتميز بالسرعة في الحركة بجيوشه، وانقض على فريسته، أى بابل، وتغلب عليها، وكان يسمى فعلاً بالكاسر.
وهو رجل مشورة الله، أى الذي يتمم مشيئة الله ومشورته، بتأديب بابل المتكبرة، التى أذلت شعب الله سنينًا طويلة.
ويضيف الله فيقول: أنا قد تكلمت وقضيت وأمرت، فلا بد أن يتم ما قلته، وسيأتى كورش ويتمم مشيته الله؛ لأن هذا الكلام كان قبل ميلاد كورش بسنين طويلة.
وكورش يرمز للمسيح الذي سيأتى في ملء الزمان، وينقض بصليبه على فريسته، أى الشيطان، ويقيده. وسيأتى المسيح من أرض بعيدة، أى من السماء.
ع12، 13: أشداء القلوب: قساة القلوب.
جلالى: مجدى.
يخاطب الله شعبه، وكل شعوب العالم، وينبههم ليخرجوا من قساوة قلوبهم، وابتعادهم عن بر الله؛ ليروا البر والخلاص اللذين أصبحا قريبين. وهذان، البر والخلاص، سيخرجان من صهيون، أى أورشليم، أى يخرجان من شعب الله اسرائيل، في المسيح الآتى متجسدًا؛ لفداء كل من يؤمن به من اليهود، أو الأمم ويجتمع بهم في كنيسته؛ ويرون بره وخلاصه ومجده، بحلوله في وسطهم، معطيًا إياهم أسراره المقدسة.? إن كان الله هو وحده العارف المستقبل، بل حياتك يا أخى ومستقبلك في يده، فلماذا تقلق، وتبحث في العالم على شىء تستند عليه؟ أنظر إلى الله، وأطلبه فهو السند الوحيد، العارف بالمستقبل، والقادر وحده أن يسندك، ويساعدك؛ لتصل إلي الملكوت.
