خلاص الله رغم فساد القادة
الله يعلن محبته لكل البشر؛ يهود وأمم، وأيضاً الضعفاء، والحالات الخاصة؛ كلهم مدعوون لنوال الخلاص مع التزامهم بشروط الخلاص، أما من لا يلتزم بهذه الشروط، فيحرم من الخلاص؛ حتى لو كان من الرعاة والقادة.
(1) من ينال الخلاص ؟ (ع1-8):
1 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: «احْفَظُوا الْحَقَّ وَأَجْرُوا الْعَدْلَ. لأَنَّهُ قَرِيبٌ مَجِيءُ خَلاَصِي وَاسْتِعْلاَنُ بِرِّي. 2 طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَعْمَلُ هذَا، وَلابْنِ الإِنْسَانِ الَّذِي يَتَمَسَّكُ بِهِ، الْحَافِظِ السَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسَهُ، وَالْحَافِظِ يَدَهُ مِنْ كُلِّ عَمَلِ شَرّ». 3 فَلاَ يَتَكَلَّمِ ابْنُ الْغَرِيبِ الَّذِي اقْتَرَنَ بِالرَّبِّ قَائِلًا: «إِفْرَازًا أَفْرَزَنِي الرَّبُّ مِنْ شَعْبِهِ». وَلاَ يَقُلِ الْخَصِيُّ: «هَا أَنَا شَجَرَةٌ يَابِسَةٌ». 4 لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ الرَّبُّ لِلْخِصْيَانِ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ سُبُوتِي، وَيَخْتَارُونَ مَا يَسُرُّنِي، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي: 5 «إِنِّي أُعْطِيهِمْ فِي بَيْتِي وَفِي أَسْوَارِي نُصُبًا وَاسْمًا أَفْضَلَ مِنَ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ. أُعْطِيهِمِ اسْمًا أَبَدِيًّا لاَ يَنْقَطِعُ. 6 وَأَبْنَاءُ الْغَرِيبِ الَّذِينَ يَقْتَرِنُونَ بِالرَّبِّ لِيَخْدِمُوهُ وَلِيُحِبُّوا اسْمَ الرَّبِّ لِيَكُونُوا لَهُ عَبِيدًا، كُلُّ الَّذِينَ يَحْفَظُونَ السَّبْتَ لِئَلاَّ يُنَجِّسُوهُ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِعَهْدِي، 7 آتِي بِهِمْ إِلَى جَبَلِ قُدْسِي، وَأُفَرِّحُهُمْ فِي بَيْتِ صَلاَتِي، وَتَكُونُ مُحْرَقَاتُهُمْ وَذَبَائِحُهُمْ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، لأَنَّ بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى لِكُلِّ الشُّعُوبِ». 8 يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ جَامِعُ مَنْفِيِّي إِسْرَائِيلَ: «أَجْمَعُ بَعْدُ إِلَيْهِ، إِلَى مَجْمُوعِيهِ».
ع1: اجروا : اعملوا.
يطلب الله من المؤمنين به أن يحفظوا الحق، أى يقبلوا وصاياه، يحفظوها فى قلوبهم.
ثم يطلب منهم أن يجروا العدل، أى يحيوا بوصاياه، ويتحول كلام الله إلى تطبيق عملى فى حياتهم.
وينبغى أن نعمل هذا بسرعة؛ لأن خلاص الله قريب، وسيعلن بره. ما معنى هذا ؟
- إن خلاص الله قريب، إذ سيعيد أولاده المسبيين إلى أورشليم واليهودية بلادهم، ويبنون هيكله، ويعبدونه فيه.
- إن خلاص الله قريب؛ لأن الله نفسه قريب من المؤمنين به، ويساعدهم فى تنفيذ وصاياه، ويهبهم بره، ويفرحهم بعشرته، ثم ينقلهم إلى السماء.
- خلاص الله قريب؛ لأن المسيا المنتظر سيأتى، فينبغى أن تستعد كل البشرية، وترجع عن خطاياها، ولا يظلم أحد الآخر؛ لأن المسيح سيتجسد، ويهب البر للمؤمنين به.
ع2: يمتدح الله الإنسان الذى يعمل هذا، والمقصود بهذا حفظ الحق، وإجراء العدل (ع1). ويلاحظ أنه يكرر الكلام، فيقول : الإنسان وابن الإنسان تأكيداً على أهمية التمسك بالحق والعدل.
وأيضاً يمتدح من يحفظ السبت، أى يوم الرب، لأنه يؤمن بالله، ويهتم بتنفيذ وصاياه، ويشعر بأهمية تخصيص يوم كامل للاهتمام بعبادة الله وخدمته. وبالطبع فى العهد الجديد فاق مجد الأحد على السبت؛ لأن السبت أكمل فيه خلقة العالم، أما الأحد فهو إعلان تجديد الخليقة بموت المسيح وقيامته.
ويمتدح كذلك من يدقق ويحفظ يده من أن تمتد بالشر، فهو حريص أن يحيا نقياً، طاهراً، متباعداً عن الخطية بكل طاقته.
ع3: إذا كان شخص غريب عن شعب الله، ولكنه أحب إله إسرائيل، فأراد أن يقترن بالشعب، أى يسير معه، ويسمع تعاليم الله، هذا لم يكن مسموحاً له أن يشترك فى الاحتفالات والأعياد المعروفة عند اليهود، ولكن فى العهد الجديد، سيكون الباب مفتوحاً لكل الأمم الغرباء عن شعب الله أن يؤمنوا بالمسيح ولا يصبحون غرباء.
وهكذا أيضاً الخصى لا يشعر أنه شجرة يابسة؛ لأنه لا يأتى بنسل لعجزه عن الزواج والإنجاب، فهذا الأمر كان معتبراً فى العهد القديم مع شعب الله. أما فى العهد الجديد، فالخصى يستطيع أن يؤمن، وينضم للكنيسة، كما حدث مع الخصى الحبشى الذى بشره فيلبس وعمده وصار مسيحياً (أع8: 36-38).
ع4، 5: نصباً : حائط أو عمود مكتوب عليه، والمقصود تذكار دائم.
يخاطب الله الخصيان، الذين يعيشون معه، ويظهر هذا فيما يلى :
- يحفظون سبوتى : فيقدسون يوماً فى الأسبوع لعبادتى، وهذا بالطبع يجعلهم طوال الأسبوع يذكروننى، أو يتمسكون بمحبتى.
- يختارون ما يسرنى : فيحبون كل عمل صالح، ويبتعدون عن الشر.
- يتمسكون بعهدى : فيشعرون أنهم أولادى، مرتبطون بى فى حياة مقدسة ترضينى، ويهتمون بوصاياى وشرائعى؛ لأنهم معى فى عهد ثابت لا ينقطع، بل هو أهم شىء فى حياتهم.
هؤلاء الخصيان الذين يفعلون هذا، يعدهم الرب بما يلى :
- يكون لهم مكان ثابت فى بيتى وداخل أسوارى، أى هم أبناء لى وأذكرهم على الدوام، وأباركهم.
- أعطيهم ميزة أكبر من البنين والبنات الذين معى فى بيتى؛ لأجل محبتهم لى، واهتمامهم بعبادتى.
- لا أتركهم أبداً، بل يكونون معى إلى الأبد فى ملكوتى.
هذه الوعود تنطبق بوضوح على أولاد الله الذين خصوا أنفسهم من أجل المسيح، أى عاشوا بتوليين؛ سواء فى شكل رهبان وراهبات منقطعين للصلاة، ويحيون حياة الوحدة فى الأديرة، أو يخدمونه فى العالم، وهم المكرسون لخدمته (مت19: 12).
ولأنهم أحبونى هذه المحبة، وتركوا الزواج، و أى انشغال أرضى من أجلى، أباركهم بركة خاصة أفضل من البنين والبنات، الذين يحيون معى فى قداسة، والذين يمارسون حياتهم الطبيعية فى الزواج وأعمال العالم.
إن الله يكرم البتولية التى يقدمها الإنسان لأجل الله، وليست العزوبية، فالغرض هو تكريس الحياة لمحبة الله وخدمته.
ع6، 7: يخاطب الله الغرباء عن شعبه، أى الأمم، وليس اليهود، والذين فعلوا ما يلى :
- يقترنون بالرب ليخدموه : أى أحبوا الله لدرجة ميلهم لخدمته والتعب من أجله.
- يحبون اسم الرب ليكونوا له عبيداً : أحبوا الرب لدرجة الخضوع له خضوعاً كاملاً كعبيد له.
- يحفظون السبت لئلا ينجسوه : يقدسون يوم الرب لعابدته والتمتع بعشرته.
- يتمسكون بعهدى : يشعرون أنهم فى معاهدة وميثاق مع الله، فلا يخرجون عن إيمانهم، وتمسكهم بوصاياه وشرائعه.
الذين يفعلون ما سبق يعدهم الله بما يلى :
- آتى بهم إلى جبل قدسى، وأفرحهم فى بيت صلاتى : يعطيهم الله نعمة الدخول إلى جبل قدسه أى بيته، ويهبهم أن يصلوا له، ويتحدثوا معه، فيكونوا فى فرح عظيم.
- تكون محرقاتهم وذبائحهم مقبولة على مذبحى : يقبل الله ذبائحهم، ومحرقاتهم، وصلواتهم، لأنها بإيمان ومحبة.
- يتمتعون على الدوام بالصلاة فى بيت الله : بعد أن كانوا محرومين من الدخول لبيت الرب، إذ كان قاصراً على اليهود.
هذه نبوة واضحة عن إيمان الأمم فى العهد الجديد، وانضمامهم كأعضاء حية فى كنيسة المسيح المقدسة، التى هى بيت الصلاة. وبهذا يصبح الأمميون ليسوا غرباءً، بل أعضاء حية فى كنيسة المسيح (أف2: 19). وهذا ينطبق على كل الأمميين الذين منهم المسيحيين فى مصر.
ع8: يختم الله كلامه فى هذه الفقرة، ويصف نفسه بأنه جامع منفى إسرائيل، والمقصود بالمنفيين ما يلى :
- المسبيين فى بابل الذين جمعهم الله إلى أورشليم بأمر كورش الملك، وضمهم إلى الفقراء الذين بقوا فى أورشليم واليهودية، وقام الجميع بقيادة زربابل ببناء هيكل الرب، وقدموا فيه ذبائحهم وصلواتهم.
- الأمم الذين نفاهم الشيطان، وربطهم بعبادة الأوثان، يعيدهم الله إلى الإيمان به، فى كنيسة العهد الجديد، وينضمون إلى اليهود الذين تنصروا، ويكونون بقلب واحد، وعبادة واحدة مقدسة.
- المنفيون هم الذين انشغلوا بالخطايا ثم تابوا وعادوا إلى الكنيسة بالروح القدس الذى بكتهم، وانضموا ثانية إلى إخوتهم أعضاء كنيسة السيد المسيح.
إن كنت يا أخى قد انشغلت بالعالم، وتغربت عن الله، فاعلم أن أحضانه مفتوحة لك، لتعود إليه فى توبة، وتحفظ وصاياه، وتحيا له، وتتمتع بعشرته، بل يدوم فرحك إلى الأبد معه.
[2] فساد الرعاة (ع9-12) :
9 يَا جَمِيعَ وُحُوشِ الْبَرِّ تَعَالَيْ لِلأَكْلِ. يَا جَمِيعَ الْوُحُوشِ الَّتِي فِي الْوَعْرِ. 10 مُرَاقِبُوهُ عُمْيٌ كُلُّهُمْ. لاَ يَعْرِفُونَ. كُلُّهُمْ كِلاَبٌ بُكْمٌ لاَ تَقْدِرُ أَنْ تَنْبَحَ. حَالِمُونَ مُضْطَجِعُونَ، مُحِبُّو النَّوْمِ. 11 وَالْكِلاَبُ شَرِهَةٌ لاَ تَعْرِفُ الشَّبَعَ. وَهُمْ رُعَاةٌ لاَ يَعْرِفُونَ الْفَهْمَ. الْتَفَتُوا جَمِيعًا إِلَى طُرُقِهِمْ، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى الرِّبْحِ عَنْ أَقْصَى. 12 «هَلُمُّوا آخُذُ خَمْرًا وَلْنَشْتَفَّ مُسْكِرًا، وَيَكُونُ الْغَدُ كَهذَا الْيَوْمِ عَظِيمًا بَلْ أَزْيَدَ جِدًّا».
ع9: البر : كل الأرض.
الوعر : الأماكن المهجورة.
هناك بعض الناس رفضوا الإيمان بالمسيح؛ سواء من اليهود أو الأمم؛ هؤلاء معرضون لهجمات الشيطان، التى يعبر عنها هنا بوحوش البر والوعر، أى كل الوحوش ستهاجم هؤلاء البعيدين عن الله، أما الذين آمنوا، فالله سيحميهم، ويرعاهم، ويحفظهم.
فالمؤمنون سيعيشون فى بيت الرب وداخل أسواره، تحيط بهم ملائكة الله، ويحيون فى سلام داخلى، أما الذين خارج البيت والأسوار، ستهاجمهم الشياطين بسهولة، ولا يجدون من يحميهم وينقذهم.
ع10: حالمون : نائمون ويحلمون أحلاماً.
يصف الله الرعاة الذين يرعون من رفضوا الإيمان والحياة مع الله، ويوجه إليهم الاتهام بأنهم سبب رئيسى لرفض هؤلاء الناس الإيمان بالله. وذلك لما يلى :
- يصف المراقبين بأنهم عميان، لا يرون الله ولا الحق، ولا يستطيعون بالتالى أن يرشدوا من يرعونهم ليحيوا مع الله؛ لأن الرعاة انشغلوا بالعالم، ولم يلتفتوا إلى الرعية، بل هم أنفسهم ابتعدوا عن الله، فكيف يرشدون الآخرين؛ ليعيشوا مع الله.
- الصفة الثانية فى هؤلاء الرعاة أنهم لا يعرفون الحق، وبالتالى عاجزون عن إرشاد الرعية.
- يشبه الرعاة بكلاب بكم لا يستطيعون أن ينبحوا لتنبيه من يحرسونهم، فهم عاجزون عن حراسة رعيتهم، وانسدت أفواههم لامتلائها بشهوات العالم.
- الصفة الرابعة لهؤلاء الرعاة هى الكسل ومحبة النوم، فيضطجعون كثيراً على أسرتهم، ويحلمون أحلاماً. فهم منشغلون بتكاسلهم عن الرعاية.
ع11: عن أقصى : لأبعد الحدود.
يواصل الله كلامه عن صفات هؤلاء الرعاة الفاسدين، فيقول :
- يصفهم أيضاً بأنهم كلاب شرهة لا تشبع من الأكل، أى أنهم منغمسون فى شهواتهم التى لا تنتهى، وتاركون رعاية رعيتهم.
- الصفة السادسة للرعاة الفاسدين هى محبة المال، واستخدموا طرق مختلفة لجمع المال إلى أقصى درجة ممكنة؛ سواء بطرق مشروعة، أو غير مشروعة؛ كل هذا على حساب رعيتهم التى أهملوها.
ع12: لنشتف : لنشرب الشراب كله.
يؤكد الله فى هذه الآية الصفة الخامسة لهؤلاء الرعاة الفاسدين، وهى الانغماس فى الشهوات، التى يعبر عنها بشرب الخمر المسكر إلى التمام، ويوهم هذا الراعى نفسه بأن هذا هو الفرح الذى يحيا فيه الآن، ويعلن أنه سيستمر فيه طوال حياته (الغد)، بل ويتزايد فى انغماسه جداً. إن كنت مسئولاً فى بيتك، أو كنيستك، أو بين أقاربك، فاحرص أن تكون مرشداً سليماً، لا تُضل من حولك. لتكن لك علاقة قوية مع الله، فتستطيع أن تساند، وتحتمل، وترشد كل محتاج.