أورشليم الجديدة
يبدأ إشعياء النبى في هذا الأصحاح، وحتى نهاية السفر، الكلام عن أورشليم الجديدة التى هى كنيسة العهد الجديد، ويمتد بها إلى أورشليم السماوية التى يكمل فيها العمل الإلهى بخلاص المؤمنين، وتمجيد اسم الله القدوس.
1 «قُومِي اسْتَنِيرِي لأَنَّهُ قَدْ جَاءَ نُورُكِ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَشْرَقَ عَلَيْكِ. 2 لأَنَّهُ هَا هِيَ الظُّلْمَةُ تُغَطِّي الأَرْضَ وَالظَّلاَمُ الدَّامِسُ الأُمَمَ. أَمَّا عَلَيْكِ فَيُشْرِقُ الرَّبُّ، وَمَجْدُهُ عَلَيْكِ يُرَى. 3 فَتَسِيرُ الأُمَمُ فِي نُورِكِ، وَالْمُلُوكُ فِي ضِيَاءِ إِشْرَاقِكِ. 4 «اِرْفَعِي عَيْنَيْكِ حَوَالَيْكِ وَانْظُرِي. قَدِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ. جَاءُوا إِلَيْكِ. يَأْتِي بَنُوكِ مِنْ بَعِيدٍ وَتُحْمَلُ بَنَاتُكِ عَلَى الأَيْدِي. 5 حِينَئِذٍ تَنْظُرِينَ وَتُنِيرِينَ وَيَخْفُقُ قَلْبُكِ وَيَتَّسِعُ، لأَنَّهُ تَتَحَوَّلُ إِلَيْكِ ثَرْوَةُ الْبَحْرِ، وَيَأْتِي إِلَيْكِ غِنَى الأُمَمِ. 6 تُغَطِّيكِ كَثْرَةُ الْجِمَالِ، بُكْرَانُ مِدْيَانَ وَعِيفَةَ كُلُّهَا تَأْتِي مِنْ شَبَا. تَحْمِلُ ذَهَبًا وَلُبَانًا، وَتُبَشِّرُ بِتَسَابِيحِ الرَّبِّ. 7 كُلُّ غَنَمِ قِيدَارَ تَجْتَمِعُ إِلَيْكِ. كِبَاشُ نَبَايُوتَ تَخْدِمُكِ. تَصْعَدُ مَقْبُولَةً عَلَى مَذْبَحِي، وَأُزَيِّنُ بَيْتَ جَمَالِي. 8 مَنْ هؤُلاَءِ الطَّائِرُونَ كَسَحَابٍ وَكَالْحَمَامِ إِلَى بُيُوتِهَا؟ 9 إِنَّ الْجَزَائِرَ تَنْتَظِرُنِي، وَسُفُنَ تَرْشِيشَ فِي الأَوَّلِ، لِتَأْتِيَ بِبَنِيكِ مِنْ بَعِيدٍ
وَفِضَّتُهُمْ وَذَهَبُهُمْ مَعَهُمْ، لاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكِ وَقُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّهُ قَدْ مَجَّدَكِ. 10 «وَبَنُو الْغَرِيبِ يَبْنُونَ أَسْوَارَكِ، وَمُلُوكُهُمْ يَخْدِمُونَكِ. لأَنِّي بِغَضَبِي ضَرَبْتُكِ، وَبِرِضْوَانِي رَحِمْتُكِ. 11 وَتَنْفَتِحُ أَبْوَابُكِ دَائِمًا. نَهَارًا وَلَيْلًا لاَ تُغْلَقُ. لِيُؤْتَى إِلَيْكِ بِغِنَى الأُمَمِ، وَتُقَادَ مُلُوكُهُمْ. 12 لأَنَّ الأُمَّةَ وَالْمَمْلَكَةَ الَّتِي
لاَ تَخْدِمُكِ تَبِيدُ، وَخَرَابًا تُخْرَبُ الأُمَمُ. 13 مَجْدُ لُبْنَانَ إِلَيْكِ يَأْتِي. السَّرْوُ وَالسِّنْدِيَانُ وَالشَّرْبِينُ مَعًا لِزِينَةِ مَكَانِ مَقْدِسِي، وَأُمَجِّدُ مَوْضِعَ رِجْلَيَّ. 14 «وَبَنُو الَّذِينَ قَهَرُوكِ يَسِيرُونَ إِلَيْكِ خَاضِعِينَ، وَكُلُّ الَّذِينَ أَهَانُوكِ يَسْجُدُونَ لَدَى بَاطِنِ قَدَمَيْكِ، وَيَدْعُونَكِ: مَدِينَةَ الرَّبِّ، «صِهْيَوْنَ قُدُّوسِ إِسْرَائِيلَ. 15 عِوَضًا عَنْ كَوْنِكِ مَهْجُورَةً وَمُبْغَضَةً بِلاَ عَابِرٍ بِكِ، أَجْعَلُكِ فَخْرًا أَبَدِيًّا فَرَحَ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. 16 وَتَرْضَعِينَ لَبَنَ الأُمَمِ، وَتَرْضَعِينَ ثُدِيَّ مُلُوكٍ، وَتَعْرِفِينَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ مُخَلِّصُكِ وَوَلِيُّكِ عَزِيزُ يَعْقُوبَ. 17 عِوَضًا عَنِ النُّحَاسِ آتِي بِالذَّهَبِ، وَعِوَضًا عَنِ الْحَدِيدِ آتِي بِالْفِضَّةِ، وَعِوَضًا عَنِ الْخَشَبِ بِالنُّحَاسِ، وعِوَضًا عَنِ الْحِجَارَةِ بِالْحَدِيدِ، وَأَجْعَلُ وُكَلاَءَكِ سَلاَمًا وَوُلاَتَكِ بِرًّا. 18 «لاَ يُسْمَعُ بَعْدُ ظُلْمٌ فِي أَرْضِكِ، وَلاَ خَرَابٌ أَوْ سَحْقٌ فِي تُخُومِكِ، بَلْ تُسَمِّينَ أَسْوَارَكِ: خَلاَصًا وَأَبْوَابَكِ: تَسْبِيحًا. 19 لاَ تَكُونُ لَكِ بَعْدُ الشَّمْسُ نُورًا فِي النَّهَارِ، وَلاَ الْقَمَرُ يُنِيرُ لَكِ مُضِيئًا، بَلِ الرَّبُّ يَكُونُ لَكِ نُورًا أَبَدِيًّا وَإِلهُكِ زِينَتَكِ. 20 لاَ تَغِيبُ بَعْدُ شَمْسُكِ، وَقَمَرُكِ لاَ يَنْقُصُ، لأَنَّ الرَّبَّ يَكُونُ لَكِ نُورًا أَبَدِيًّا، وَتُكْمَلُ أَيَّامُ نَوْحِكِ. 21 وَشَعْبُكِ كُلُّهُمْ أَبْرَارٌ. إِلَى الأَبَدِ يَرِثُونَ الأَرْضَ، غُصْنُ غَرْسِي عَمَلُ يَدَيَّ لأَتَمَجَّدَ. 22 اَلصَّغِيرُ يَصِيرُ أَلْفًا وَالْحَقِيرُ أُمَّةً قَوِيَّةً. أَنَا الرَّبُّ فِي وَقْتِهِ أُسْرِعُ بِهِ».
ع1: ينادى الله أورشليم لتقوم من ضعفها وخطاياها، وتستنير بنور المسيح المتجسد لفدائها، وليعطيها أسراره المقدسة، وأولها المعمودية، حيث تستنير وتولد من جديد بالطبيعة الجديدة المائلة للتشبه بالله.
فالمسيح أشرق عليها، وبهذا حصلت على نورها، و استعادت بنوتها لله؛ لتعيش معه الحياة الجديدة، بسلوك روحى مستنير، طاهر ونقى، بعيداً عن الخطية.
ع2: الدامس : الظلام الشديد.
إن كانت الأمم تغطيها ظلمة الخطية، والشهوات الردية، لكنك يا مدينة الله التى هى الكنيسة، يضىء عليك نور الله، ومجده يظهر لكل من حولك، فيجذب النفوس البعيدة عن الله، والأمم الغارقة في الشر، ليستنيروا بنور إلهك، أى يؤمنوا بالمسيح.
ع3: وهكذا تصبحين يا كنيسة الله نوراً لكل الأمم؛ لتستنير بك، وتؤمن بالمسيح، وتحيا بأولادها كأبناء لك.
ولا يقتصر تأثيرك وجاذبيتك على شعوب الأرض، بل على الملوك والرؤساء الذين يقودون شعوبهم، فهؤلاء يستضيئون بإشراق نورك، ويؤمنون، ويساعدون بلادهم على الإيمان بك. كما حدث مع قسطنطين الملك، الذى شجع كل البلاد الخاضعة له؛ لتحيا في الإيمان، وتبنى فيها الكنائس.
ع4: ينادى الله مدينته المقدسة أورشليم بأن ترفع عينيها، وتنظر؛ ويقصد برفع عينيها، أى ترفع عينيها نحو السماء؛ لترى عمل الله العظيم معها، الذى يظهر فيما يلى :
- يأتى إليك ويجتمع أبناء كثيرون، مؤمنون بالله، من كل بلاد العالم، ويقصد إيمان الأمم بالمسيح، ويصيرون أعضاءً في الكنيسة.
- يأتى هؤلاء البنون من بعيد، أى من بلاد بعيدة عنك، لكنها آمنت بالمسيح، فينضمون إلى الكنيسة؛ لأن كلام الله هنا عن أورشليم الجديدة، أى الكنيسة.
- وبناتك، أى المؤمنات بالمسيح يكرمن، فيحملن على الأيدى، وهذا حدث في رجوع بنى إسرائيل من السبى بكرامة، وأيضاً في الإيمان بالمسيح في العهد الجديد.
ع5: عندما تنظرين يا أورشليم الجديدة إلى عمل الله الآتى إليك، تنيرين بعمله فيك؛ لأن أولادك سيكونون مستنيرين بالروح القدس، فتصبحين أنت منيرة – ككنيسة – لكل من حولك، ويفرح قلبك ويتحرك، أى يخفق، ويتسع؛ ليحوى الأبناء الكثيرين الآتين من العالم كله، أى من الأمم؛ ليؤمنوا بالمسيح وينضموا إليك.
تتحول إليك ثروة البحر، وغنى الأمم، الذين سينبهرون بقوة الله التى فيك، كما حدث مع كورش الفارسى، الذى أعطى آنية بيت الرب لزربابل، وداريوس الذى أعطى أموالاً وعطايا متنوعة لبيت الرب (عز6: 5-9). وكذلك ارتحشستا الملك الفارسى الذى أعطى لبيت الرب أموالاً وعطايا كثيرة (عز7: 20-23، نح2: 8).
ع6: بكران : جمع بكرة وهو الجمل الصغير.
وسيأتى إليكِ، أى إلى أورشليم الجديدة، وهى الكنيسة، الجمال الكبيرة والصغيرة، وتحمل هدايا؛ ذهباً، ولباناً، مثل ما قدم المجوس للمسيح؛ كل هذه العطايا تعلن إيمان الأمم، ومحبتهم للكنيسة، فيقدمون احتياجاتها في شكل الذهب، أما اللبان فيستخدم للبخور والصلوات. وهم مقبلون إلى الكنيسة يبشرون وينادون بتسابيح للرب، أى يعلنون إيمانهم، وفرحهم بعضويتهم في الكنيسة.
ومديان وعيفة وشبا هم قبائل العرب التى اشتهرت بالذهب واللبان والثروات المختلفة وهم أولاد إبراهيم من قطورة (تك25: 2-4)، فهى مثال للأمم التى آمنت وأتت للكنيسة.
ع7: قيدار ونبايوت: أبناء إسماعيل الذين سكنوا في شبه الجزيرة العربية (تك25: 13).
ستقدم قبائل قيدار ونبايوت عطايا للكنيسة، غنم وكباش؛ هذه ستقدم على مذبح الله، وهى ترمز للنفوس التى استشهدت من أجل المسيح وعاشت في القداسة، واحتملت أتعاباً كثيرة لأجل اسمه القدوس، فكانوا كذبائح حية مقدمة لله.
وإن كان سليمان قد زين بيت الرب بحجارة كريمة وأخشاب، فكنيسة العهد الجديد يزينها الله بنفوس أولاده الشهداء والقديسين والخدام. والزينة الكبرى للكنيسة، هى المسيح نفسه الذى يقدم جسده ودمه على المذبح كل يوم، وإذ يتناول أولاده منها يصيرون هم أيضاً زينة لبيته.
ع8: يرمز السحاب إلى العبرانيين العائدين بنعمة الله من السبى إلى بلادهم، فهم في خفة كالسحاب، مسرعون باشتياق لبناء هيكل الله وعبادته. وهم أيضاً يشبهون الحمام الذى يتميز بالبراءة والبساطة، ويسرع إلى بيته الذى هو هيكل الله، وأورشليم مدينة الله.
ويتساءل الرب ويقول : من هؤلاء الطائرون كسحاب؟ إنه يتكلم عن الذين آمنوا في العالم كله بالمسيح، فعاشوا في قداسة، وارتفعوا إلى السماء بسلوكهم الروحى، إذ لم يعودوا مثقلين بشهوات العالم، بل في خفة كالسحاب يرتفعون إلى فوق.
ويشبههم أيضاً – الذين آمنوا من الأمم بالمسيح – بأنهم كالحمام العائد إلى بيوته. والحمامة ترمز للروح القدس، فهم أناس روحانيون، دعاهم الروح القدس للحياة مع الله، ويعودون إلى بيوتهم، التى هى كنائسهم، التى ارتبطوا بها، وأحبوها، فصارت بيتاً لهم قبل بيوتهم الخاصة، يستريحون في هذه الكنائس؛ لأنها بيوت الله.
ع9: الجزائر ترمز للأمم التى تعيش وسط البحر، الذى هو العالم، هؤلاء ينتظرون المسيح مخلص العالم، فعندما يسمعون به، يؤمنون، ويشتاقون للحياة في الكنيسة.
وترشيش ترمز إلى الساكنين في أقصى الأرض، تنقلهم السفن مهما كانوا بعيدين، وهم يقفون في الأول، أى المقدمة لاشتياقهم الشديد للإيمان.
“وبنوك يأتون من بعيد”، أى يؤمنون مهما كانوا في أقصى الأرض، ويأتون للكنيسة ويقدمون هداياهم؛ ذهباً وفضة لتسديد احتياجاتك؛ كل هذا لأجل إيمانهم بالله قدوس إسرائيل، الساكن فيك، وبهذا يمجدك الله في نظر العالم كله.
والذهب في الكتاب المقدس يرمز إلى السماء، والفضة إلى كلمة الله، فهؤلاء الآتون آمنوا بكلمة الله، وبدأوا يحيون حياة سماوية روحية، وهم على الأرض.
ع10: رضوانى : المقصود رضا الله.
الله غضب على شعبه لعبادته الأوثان، وانغماسه في الشهوات الردية، فتم سبيه بواسطة آشور وبابل. ولكن رضا الله ورحمته على شعبه، جعلته يقبل توبته، ويعيده من السبى إلى بلاده؛ ليبنى هيكل الله، ومدينته المقدسة أورشليم، وأسوارها، وأبوابها، وذلك بأوامر ملوك فارس، كورش وداريوس، وارتحشستا، الذين لم يأمروا فقط، بل ساهموا في بناء المدينة وأسوارها بالذهب والفضة والاخشاب. والمقصود ببنى الغريب، الفرس وملوكهم الذين ذكرناهم كورش وداريوس وارتحشستا.
ع11: تنفتح أبواب الكنيسة نهاراً وليلاً؛ لقبول التائبين المؤمنين، الراجعين إلى الكنيسة من العبادة الوثنية.
وبعمل الروح القدس تقاد ملوكهم، أى يحرك الله قلوب ملوك وثنيين كثيرين، ورؤساء، فيؤمنوا بالمسيح، أو يقتادهم الروح القدس، ليكونوا أعضاء في الكنيسة، مثل قسطنطين الملك.
والأمم الذين يؤمنون بك، وملوكهم، يحملون هدايا إليك، أى عطايا كثيرة، ولكن الأهم، أن يأتى إليك غنى الأمم، الذى هو نفوس الكثيرين الوثنيين، الذين يؤمنون ويأتون إليك.
وفتح أبواب الكنيسة نهاراً وليلاً يرمز إلى الأمان الذى تحيا فيه، وعدم وجود حرب، أو اعتداءات في بعض الأوقات، لتشجيع الناس على الإيمان.
وانفتاح أبواب الكنيسة نهاراً وليلاً، يرمز إلى أورشليم السماوية، التى يخبرنا سفر الرؤيا أنها مفتوحة على الدوام (رؤ21: 25).
ع12: تبيد : تهلك.
أما الذين يرفضون الإيمان، فإن الله يتخلى عنهم، ولا يتمتعون بنعمته، فتخرب بلادهم، هنا على الأرض. أما في الحياة الأخرى فلا ينتظرهم إلا الخراب الشامل، وهو الهلاك الأبدى.
ع13: السرو والسنديان والشربين : أشجار عظيمة تنمو في لبنان وأخشابها لا تسوس، ومرتفعة، ومستديمة الخضرة، واستخدمها سليمان في بناء هيكله.
مجد لبنان، أى أشجاره العظيمة، تأتى إلى الكنيسة، والمقصود بهذه الأشجار، البشر الذين سيؤمنون من العالم، ويتركون الوثنية، ويؤمنون بالمسيح، ويأتون ويزينون مكان قدس الرب، وموضع قدميه، الذى هو هيكله، أى الكنيسة.
ع14: الذين قهروك هم آشور وبابل، وبعد هذا تقوم دولة مادى وفارس، وتذل البابليين والأشوريين، فيصبحون تحت أقدامك، إذ صار البابليون عبيداً لبنى إسرائيل بعد قيام مملكة فارس.
والذين قهروك أيضاً هم الرومانيون، الذين اضطهدوا الكنيسة، واستشهد على أيديهم الكثير من المسيحيين؛ هؤلاء الرومانيون، بنوهم وأحفادهم آمنوا بالمسيح؛ هؤلاء الذين آباؤهم أهانوك يسجدون عند باطن قدميك، ويدعونك مدينة الرب صهيون قدوس إسرائيل، أى خضعوا للكنيسة التى آمنوا بها، وسجدوا في هذه الكنيسة وخضعوا لله، ومجدوا قدوس إسرائيل.
ع15: كانت أورشليم مهجورة بعد أن خربها البابليون، وأخذوا بنيها إلى السبى، ولكن، عندما أعادهم الله بأمر كورش الفارسى، عمروا أورشليم، وبنوا الهيكل، وتحولت من مدينة مهجورة ومبغضة لا يعبر فيها أحد، إلى فخر لكل من فيها، أى كنيسة العهد الجديد، التى امتلأت بالمؤمنين يمجدون الله. وهؤلاء عاشوا على الأرض فرحين، وانتقلوا إلى الفردوس؛ ليحيوا إلى الأبد في فرح مع المسيح.
وهذه الآية نبوة واضحة عن خلود الكنيسة إلى الأبد، التى هى أورشليم السماوية، حيث الفخر لكل بنيها بالمسيح والفرح الدائم إلى الأبد.
ع16: يواصل الله وعوده لشعبه، أو أمته اليهودية، فيقول لها أنها سترضع لبن الأمم، أى أنها ستستفيد من غنى الأمم، بل وترضع من خيرات الملوك. وهذا حدث فعلاً – كما ذكرنا- من التقدمات التى قدمها الملوك الفارسيون؛ كورش أيام زربابل، وارتحشستا أيام نحميا، فأعطوا من خزائن الملك، وأخشاب جنات من حدائق الملك؛ كل هذا لبناء أورشليم وهيكلها وأسوارها.
بهذه البركات يعرف شعب الله أن الله هو وحده مخلصه من العبودية، وأن الله هو وليه العظيم أى المسئول عنه، ويهتم بكل احتياجاته.
ع17: الله سيغنى أمته وشعبه وكنيسته، فبدلاً من المعادن الرخيصة يعطيها أغلى المعادن، مثل الذهب والفضة، وبدلاً من الأحجار والخشب يعطيها معادن، أى أن بركته تكون عظيمة لأولاده، بل ويعطيهم أكثر مما يطلبون ويفتكرون (اف3: 20)، فإذا طلبوا نحاساً يعطيهم ذهباً. ويجعل الله أيضاً رؤساء شعبه، أى الوكلاء والولاة مملوئين سلاماً وبراً، أى قديسين وأبراراً يقودون باقى الشعب في طريق البر والصلاح. هذا ليس فقط للراجعين من السبى، بل في كنيسة العهد الجديد بالأولى.
ع18: البركة الجديدة لأولاد الله هى ابتعاد الظلم عنهم. وكذا أيضاً الخراب والسحق؛ لأن أولاد الله قلبهم مملوء بالسلام والمحبة، فلا يريد أحد أن يأخذ حق غيره، أو يخرب ممتلكات غيره، أو يسحقه بعنف؛ لتحطيمه؛ كل هذه أعمال الشيطان التى لا توجد؛ سواء في الراجعين من السبى ويحبون بعضهم بعضاً، ولا توجد بالأكثر في المؤمنين بالمسيح في العهد الجديد، حيث يسود العدل في الكنيسة، ويخضعون للرسل، ويعيشون في شركة حب قوية، متمتعين بالخلاص الذى نالوه في المسيح من خلال الأسرار المقدسة؛ ولذا ترتفع قلوبهم وألسنتهم بتسبيح الله.
ع19: يتكلم الله ليس عن الرجوع من السبى، أو كنيسة العهد الجديد، بل أورشليم السمائية التى يكون فيها المسيح هو النور الذى يفوق كل نور، فلا تحتاج إلى نور الشمس، أو القمر؛ لأنها مستضيئة بالمسيح النور الحقيقى.
هذا النور؛ نور المسيح، يظل إلى الأبد ينير لأولاده في ملكوت السموات، ويكون زينة كل أولاد الله، أى يتمتعون بفضائل كثيرة وفرح وراحة لا يعبر عنها. وهذا الأمر يؤكده سفر الرؤيا (رؤ22: 5).
ع20: تظل أورشليم السماوية مستنيرة إلى الأبد بنور يفوق الشمس والقمر، أى الشمس الجديدة التى هى المسيح. وتنتهى أيام النوح والبكاء التى احتملها أولاد الله في الأرض، فيتمتعون بدلاً منها في الملكوت بالنور والفرح الأبدى، كما يؤكد سفر الرؤيا هذا المعنى (رؤ21: 4).
ع21: في ملكوت السموات يكون شعب الله كلهم أبراراً ببر المسيح، الذى فاض عليهم؛ لأجل أمانتهم وإيمانهم، وحياتهم في الأرض المستقيمة مع الله.
وهؤلاء الأبرار يرثون الأرض الجديدة، أى ملكوت السموات، فهم أغصان غرسها الله بنفسه، وهم عمل يديه، أى نعمته التى ساعدت أولاده على الأرض؛ حتى وصلوا إلى السماء، ويظل يفرحهم، ويتمجد فيهم إلى الأبد.
وهم أبرار؛ لأنه لا يوجد في السماء غير البر، لأنه لا يوجد دنس أو نجس هناك (رؤ21: 27).
ع22: يتكلم الله في هذه الآية عن الكنيسة في العهد الجديد، فالصغير يصير ألفا، أى يبارك الله في الكنيسة التى عددها قليل، فيزداد عددها وتنتشر في العالم كله. بالإضافة إلى أن رقم 1000 يرمز للسماء و الأبدية. فالصغير هنا في العهد الجديد يحيا، ويسلك بالروح، أى يكون سماوياً.
والحقير في نظر العالم يصير أمة قوية عندما يؤمن ويباركه الله. وإن كان يبدو في مظهره حقيراً وحده، فعندما يؤمن بالمسيح، ويصير عضواً في الكنيسة، يصبح عظيماً وأمة قوية بعمل المسيح فيه. والحقير الذى كان بعيداً عن الإيمان بالمسيح، ساقطاً في الخطايا، ويتحكم فيه إبليس، عندما يؤمن بالمسيح ينتصر على الشيطان، ويترك خطاياه، ويصير قوياً كأمة قوية، ويمتلئ بالفضائل الروحية.
ويعلن الله في نهاية كل هذا الكلام أنه هو المتكلم، وسيسرع بإتمام كل ما ذكره في هذا الإصحاح؛ حتى يستعد الناس بسرعة؛ لأن مجيئه قريب، وهذا أعلنه أيضاً في سفر الرؤيا عندما قال : “ها أنا آتى سريعاً” (رؤ22: 20). إن كان الله قد أعد لك يا أخى كل هذه البركات، وسيأتى سريعاً، فلابد من أن نقوم ونستعد، تاركين خطايانا بالتوبة، ونلتصق بالمسيح؛ لنحيا له من الآن، فيكون لنا مكان فيه فى ملكوت السموات.