تهديدات آشور لأورشليم
تتكلم الإصحاحات الأربعة (ص36-39) من هذا السفر عن أحداث تاريخية هامة تخص الملك الصالح حزقيا، الذى هو رمز للمسيح، فتتكلم عن عمل الله فى إنقاذ شعبه من سنحاريب الملك الآشورى، وشفاء حزقيا من مرضه، وهذه الأحداث مذكورة تقريباً بالنص فى (2مل18: 17 – نهاية 2مل20)، وموجودة أيضاً في (2أى32)، ويمكنك أيها القارئ الرجوع إلى تفسير هذه الشواهد فى الموسوعة الكنسية، الجزئين السادس والسابع. مع هذا، سنقدم هنا شرح تفصيلى لهذه الإصحاحات الأربعة، ونبين الاختلافات عما هو مذكور فى سفرى الملوك الثانى، وأخبار الأيام الثانى.
(1) آشور تستولى على مدن يهوذا (ع1):
1 وَكَانَ فِي السَّنَةِ الرَّابِعَةِ عَشَرَةَ لِلْمَلِكِ حَزَقِيَّا أَنَّ سَنْحَارِيبَ مَلِكَ أَشُّورَ صَعِدَ عَلَى كُلِّ مُدُنِ يَهُوذَا الْحَصِينَةِ وَأَخَذَهَا.
ع1: ملك حزقيا وعمره خمس وعشرون عاماً، ورغم أن أبيه آحاز الملك كان شريراً، عابداً للأوثان، لكن حزقيا كان رجلاً صالحاً، متمسكاً بعبادة الله، وأميناً فى خدمته لله ولشعبه. وعمل الفصح بعد غياب شعب الله عن عمله سنيناً طويلة، ودعا أسباط إسرائيل فى المملكة الشمالية، ليشتركوا فيه. وحدثت أحداث هامة من آشور هى :
- هجم سنحاريب الملك الآشورى على مدن يهوذا الحصينة، واستولى عليها، وهو ابن الملك سرجون، وقد ملك ما بين عامى 704-682 ق.م تقريباً.
- خاف حزقيا الملك من أن يهجم عليه سنحاريب، فأعلن له استعداده أن يدفع الجزية التى يطلبها، فطلب سنحاريب جزية كبيرة جداً، وهى ثلاث مئة وزنة من الفضة وثلاثين وزنة من الذهب (2مل18: 14). ولم يذكر إشعياء هذا الحدث؛ لأنه لا يقصد التاريخ، ولكن كان يركز على عمل الله الذى يخلص شعبه من سنحاريب.
- شعر حزقيا أن سنحاريب لم يثبت فى عهده معه بعد أخذه الجزية الكبيرة، وأنه ينوى الهجوم على أورشليم، فاستعد للحرب، معتمداً على الرب، فطم (ردم) عيون الماء التى خارج أورشليم، وبنى سور أورشليم المنهدم، وبنى سوراً آخر خارجاً، وحصن القلعة، مدينة داود، وعمل سلاحاً بكثرة (2أى32: 5).
- هجم فعلاً سنحاريب بجيوشه وحاصر أورشليم، وهدد مندوبه ربشاقى حزقيا الملك وقال له : لم يقف أحد أمام سنحاريب، فلا تتكل على إلهك، وسلم المدينة قبل أن يُذل شعبك، ولا يجد طعاماً، أو شراباً (2مل18: 17-35؛ اش36: 2-10).
- ذهب مندوبو حزقيا إليه وثيابهم ممزقة، وأعلموه بتهديدات سنحاريب، فمزق ثيابه هو أيضاً، وأرسل مندوبيه إلى إشعياء ليصلى إلى الله، فطمأنه إشعياء أن سنحاريب سيرجع عن أورشليم (2مل19: 6، 7؛ اش37: 6، 7).
- ترك ربشاقى حصار أورشليم، ورجع إلى سنحاريب الذى كان يحارب مدينة لبنة، وسمع عن ترهاقه ملك مصر وكوش أنه يريد محاربة سنحاريب، فخاف سنحاريب، وطلب من ربشاقى أن يحاول إنهاء مشكلة أورشليم بالتفاوض؛ حتى يتفرغ لمحاربة ترهاقه (2مل19: 8، 9؛ اش37: 8، 9).
- عاد ربشاقى لمحاصرة أورشليم، وكلم حزقيا باللين؛ ليستسلم لسنحاريب ملك آشور (2مل19: 10-13، اش37: 10-13)، وأرسل إليه رسائل تهديد، ولكن أكثر ليونة.
- وضع حزقيا رسائل سنحاريب التهديدية على مذبح الله وصلى، وسأل إشعياء النبى، فطمأنه أن الله يحميه، فلا يخاف من سنحاريب (2مل19: 14-35؛ اش37: 14-35).
- أرسل الله ملاكه بعد هذا مباشرة، وقتل 185.000 جندياً من جيش سنحاريب، وهرب الباقون (2مل19: 35؛ اش37: 35).
- هرب سنحاريب وذهب إلى إلهه نسروخ فى معبده؛ ليشتكى له ما حدث، فدخل على سنحاريب ابناه وقتلاه (2مل19: 37؛ اش37: 38).
[2] تشكيكات ربشاقى لحزقيا (ع2-10) :
2 وَأَرْسَلَ مَلِكُ أَشُّورَ رَبْشَاقَى مِنْ لاَخِيشَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى الْمَلِكِ حَزَقِيَّا بِجَيْشٍ عَظِيمٍ، فَوَقَفَ عِنْدَ قَنَاةِ الْبِرْكَةِ الْعُلْيَا فِي طَرِيقِ حَقْلِ الْقَصَّارِ.3 فَخَرَجَ إِلَيْهِ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ، وَشَبْنَةُ الْكَاتِبُ، وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ.4 فَقَالَ لَهُمْ رَبْشَاقَى: «قُولُوا لِحَزَقِيَّا: هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ الْعَظِيمُ مَلِكُ أَشُّورَ: مَا هُوَ هذَا الاتِّكَالُ الَّذِي اتَّكَلْتَهُ؟5 أَقُولُ إِنَّمَا كَلاَمُ الشَّفَتَيْنِ هُوَ مَشُورَةٌ وَبَأْسٌ لِلْحَرْبِ. وَالآنَ عَلَى مَنِ اتَّكَلْتَ حَتَّى عَصَيْتَ عَلَيَّ؟ 6 إِنَّكَ قَدِ اتَّكَلْتَ عَلَى عُكَّازِ هذِهِ الْقَصَبَةِ الْمَرْضُوضَةِ، عَلَى مِصْرَ، الَّتِي إِذَا تَوَكَّأَ أَحَدٌ عَلَيْهَا دَخَلَتْ فِي كَفِّهِ وَثَقَبَتْهَا. هكَذَا فِرْعَوْنُ مَلِكُ مِصْرَ لِجَمِيعِ الْمُتَوَكِّلِينَ عَلَيْهِ. 7 وَإِذَا قُلْتَ لِي: عَلَى الرَّبِّ إِلهِنَا اتَّكَلْنَا، أَفَلَيْسَ هُوَ الَّذِي أَزَالَ حَزَقِيَّا مُرْتَفَعَاتِهِ وَمَذَابِحَهُ، وَقَالَ لِيَهُوذَا وَلأُورُشَلِيمَ: أَمَامَ هذَا الْمَذْبَحِ تَسْجُدُونَ. 8 فَالآنَ رَاهِنْ سَيِّدِي مَلِكَ أَشُّورَ، فَأُعْطِيكَ أَلْفَيْ فَرَسٍ إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَجْعَلَ عَلَيْهَا رَاكِبِينَ! 9 فَكَيْفَ تَرُدُّ وَجْهَ وَال وَاحِدٍ مِنْ عَبِيدِ سَيِّدِي الصِّغَارِ، وَتَتَّكِلُ عَلَى مِصْرَ لأَجْلِ مَرْكَبَاتٍ وَفُرْسَانٍ؟ 10 وَالآنَ هَلْ بِدُونِ الرَّبِّ صَعِدْتُ عَلَى هذِهِ الأَرْضِ لأُخْرِبَهَا؟ الرَّبُّ قَالَ لِي: اصْعَدْ إِلَى هذِهِ الأَرْضِ وَاخْرِبْهَا».
ع2 : لا تنسى أيها القارئ أن هذا الجزء مذكور بالنص فى (2مل18: 17-25) مع حذف أجزاء صغيرة جداً ذكرت فى سفر الملوك الثانى.
ع2، 3: وقف ربشاقى مندوب سنحاريب ملك آشور عند قناة البركة العليا (ذكر فى سفر الملوك الثانى إثنان آخران من عبيد الملك سنحاريب كانا مع ربشاقى).
هذه البركة العليا هى قناة خارج أورشليم، تصب فى بركة داخل المدينة، وكان ربشاقى واقفاً عند حقل القصار (الصباغ) الذى يبيض، ويصبغ الملابس.
ونادى ربشاقى على الملك حزقيا، فأرسل إليه على السور ثلاثة مندوبين عنه للتفاهم معه.
ع4-6: قال ربشاقى لحزقيا : أنك ضعيف، وليس عندك إلا مجرد كلام الشفتين، وهذا لا يعطيك قوة (بأس) فى الحرب، وعليك ألا تتكل على مصر، فإنها ضعيفة لا تحمى أحداً، وشبهها بقصبة ضعيفة تكاد تنكسر، وستنحرق يدك، ولا تفيدك. وهذا يبين كبرياء الآشوريين، واحتقارهم لحزقيا مثل احتقارهم لباقى ملوك العالم.
ع7-10: يواصل سنحاريب على فم ربشاقى تشكيك حزقيا، فبعد أن أظهر ضعف مصر، وعدم فائدة الاتكال عليها، يقول لحزقيا: كيف تتكل على الله، الذى أزلت مذابحه ؟ وهذا يبين عدم فهم سنحاريب لفكرة عبادة الله الواحد، فهو لا يفرق بين مذابح الأوثان، ومذبح الله.
ويشكك حزقيا أيضاً بأن ليس عنده فرسان يركبون الخيل، فإن أعطاه سنحاريب ألفى فرس، لن يجد من يركب عليها ويقودها.
وتشكيكاً آخر يقوله ربشاقى لحزقيا : أننى بأمر الرب صعدت لأحارب أورشليم، وهذا بالطبع كذب.
إحذر من أن تقبل أفكار التشكيك التى تأتى عليك، فهى من الشيطان، وليس من عقلك، فثق أن الله لا يأتى إليك بأفكار شك، وعقلك لاتتركه يزعجك بأفكار تضرك. ولكن اطلب من الله باتضاع، فيرفع عنك هذه الأفكار المزعجة الكاذبة، ولا تناقشها؛ لأنها أفكار شيطانية.
(3) تهديدات وإغراءات ربشاقى لسكان أورشليم (ع11-22):
11 فَقَالَ أَلِيَاقِيمُ وَشَبْنَةُ وَيُوآخُ لِرَبْشَاقَى: «كَلِّمْ عَبِيدَكَ بِالأَرَامِيِّ لأَنَّنَا نَفْهَمُهُ، وَلاَ تُكَلِّمْنَا بِالْيَهُودِيِّ فِي مَسَامِعِ الشَّعْبِ الَّذِينَ عَلَى السُّورِ». 12 فَقَالَ رَبْشَاقَى: «هَلْ إِلَى سَيِّدِكَ وَإِلَيْكَ أَرْسَلَنِي سَيِّدِي لِكَيْ أَتَكَلَّمَ بِهذَا الْكَلاَم؟ أَلَيْسَ إِلَى الرِّجَالِ الْجَالِسِينَ عَلَى السُّورِ، لِيَأْكُلُوا عَذِرَتَهُمْ وَيَشْرَبُوا بَوْلَهُمْ مَعَكُمْ؟». 13 ثُمَّ وَقَفَ رَبْشَاقَى وَنَادَى بِصَوْتٍ عَظِيمٍ بِالْيَهُودِيِّ وَقَالَ: «اسْمَعُوا كَلاَمَ الْمَلِكِ الْعَظِيمِ مَلِكِ أَشُّورَ. 14 هكَذَا يَقُولُ الْمَلِكُ: لاَ يَخْدَعْكُمْ حَزَقِيَّا لأَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يُنْقِذَكُمْ، 15 وَلاَ يَجْعَلْكُمْ حَزَقِيَّا تَتَّكِلُونَ عَلَى الرَّبِّ قَائِلًا: إِنْقَاذًا يُنْقِذُنَا الرَّبُّ. لاَ تُدْفَعُ هذِهِ الْمَدِينَةُ إِلَى يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ. 16 لاَ تَسْمَعُوا لِحَزَقِيَّا. لأَنَّهُ هكَذَا يَقُولُ مَلِكُ أَشُّورَ: اعْقِدُوا مَعِي صُلْحًا، وَاخْرُجُوا إِلَيَّ وَكُلُوا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَفْنَتِهِ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِينَتِهِ، وَاشْرَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ مَاءَ بِئْرِهِ 17 حَتَّى آتِيَ وَآخُذَكُمْ إِلَى أَرْضٍ مِثْلِ أَرْضِكُمْ، أَرْضِ حِنْطَةٍ وَخَمْرٍ، أَرْضِ خُبْزٍ وَكُرُومٍ. 18 لاَ يَغُرَّكُمْ حَزَقِيَّا قَائِلًا: الرَّبُّ يُنْقِذُنَا. هَلْ أَنْقَذَ آلِهَةُ الأُمَمِ كُلُّ وَاحِدٍ أَرْضَهُ مِنْ يَدِ مَلِكِ أَشُّورَ؟ 19 أَيْنَ آلِهَةُ حَمَاةَ وَأَرْفَادَ؟ أَيْنَ آلِهَةُ سَفَرْوَايِمَ؟ هَلْ أَنْقَذُوا السَّامِرَةَ مِنْ يَدِي؟ 20 مَنْ مِنْ كُلِّ آلِهَةِ هذِهِ الأَرَاضِي أَنْقَذَ أَرْضَهُمْ مِنْ يَدِي، حَتَّى يُنْقِذَ الرَّبُّ أُورُشَلِيمَ مِنْ يَدِي؟». 21 فَسَكَتُوا وَلَمْ يُجِيبُوا بِكَلِمَةٍ لأَنَّ أَمْرَ الْمَلِكِ كَانَ قَائِلًا: «لاَ تُجِيبُوهُ». 22 فَجَاءَ أَلِيَاقِيمُ بْنُ حِلْقِيَّا الَّذِي عَلَى الْبَيْتِ وَشَبْنَةُ الْكَاتِبُ وَيُوآخُ بْنُ آسَافَ الْمُسَجِّلُ إِلَى حَزَقِيَّا وَثِيَابُهُمْ مُمَزَّقَةٌ، فَأَخْبَرُوهُ بِكَلاَمِ رَبْشَاقَى.
ع11-13: طلب نواب حزقيا الملك من ربشاقى أن يكلمهم بالآرامية، وهى لغة يجيدها الآشوريون، ويعرفها المتعلمون من اليهود، مثل نواب حزقيا. أما ربشاقى فأصر على أن يتكلم باليهودية، أى العبرية؛ لأن هذا هو حقيقة قصده؛ تشكيك وتهديد سكان أورشليم وجنودها، الذين يحاصرهم، وسيسقطون فى الجوع والعطش؛ حتى يأكلوا فضلاتهم (عذرتهم)، ويشربوا بولهم. وبكبرياء بدأ ربشاقى يشكك ويهدد الواقفين على السور.
ع14، 15: بدأ ربشاقى تشكيك جنود وسكان أورشليم، وقال لهم : لا تصدقوا كلام حزقيا، فهو لا يستطيع أن يحميكم، ولا إلهكم قادر على حمايتكم.
ع16، 17: دعى ربشاقى سكان أورشليم أن يستسلموا له، فيعيشوا فى سلام فى بلادهم ويأكلوا من كرومهم وتينهم، ويشربوا من مائهم، ووعدهم أن يأخذهم إلى بلاد مملوءة بالخير،
مثل بلادهم، وكل هذا بالطبع كذب؛ لأنه سيستعبدهم، ويسبيهم إلى أشور، وبلاد أخرى، ويذلهم، فهو مخادع مثل الشيطان.
ع18-20: شكك ربشاقى سكان أورشليم فى كلام حزقيا، أن إلههم قادر على حمايتهم. ويقدم ربشاقى الدليل على كلامه، بأن آلهة الأمم لم تستطع أن تقف أمام جيوش آشور، ويقصد بالطبع الآلهة الوثنية، لأنه لا يعرف بالطبع الله إله إسرائيل، القادر على كل شىء.
وكان خطأ بالطبع من سكان السامرة ومملكة إسرائيل أن يعبدوا الأوثان؛ لأنها عاجزة عن حمايتهم، فانتصر عليهم الأشوريون.
ع21، 22: لم يرد جنود وسكان أورشليم على ربشاقى؛ لأن حزقيا الملك أمرهم بهذا. وهذا يبين مهابة حزقيا، وطاعة الشعب له، ويبين أيضاً ضرورة عدم مناقشة أفكار التشكيك؛ لأنها شيطانية.
أما مندوبو الملك حزقيا فعادوا إليه، وثيابهم ممزقة من ضيقهم من كلام ربشاقى، وأخبروا الملك بكل ما قاله، وهذا يؤكد أن سكان أورشليم، ومندوبى الملك مؤمنون بالله، ولكن متضايقون من تعييرات الأشوريين.
إن إبليس كذاب، فلا تسمع تهديداته وإغراءاته، وثق أنك فى أعظم نعمة بكونك ابن لله يرعاك، فاشكره، وتمتع برعايته.