خطوات المجد
(1) الحكم العادل ( ع1- 14):
1- اَلْكَثِيرُ التَّوَبُّخِ، الْمُقَسِّي عُنُقَهُ، بَغْتَةً يُكَسَّرُ وَلاَ شِفَاءَ. 2- إِذَا سَادَ الصِّدِّيقُونَ فَرِحَ الشَّعْبُ، وَإِذَا تَسَلَّطَ الشِّرِّيرُ يَئِنُّ الشَّعْبُ. 3- مَنْ يُحِبُّ الْحِكْمَةَ يُفَرِّحُ أَبَاهُ، وَرَفِيقُ الزَّوَانِي يُبَدِّدُ مَالاً.
4- اَلْمَلِكُ بِالْعَدْلِ يُثَبِّتُ الأَرْضَ، وَالْقَابِلُ الْهَدَايَا يُدَمِّرُهَا. 5- اَلرَّجُلُ الَّذِي يُطْرِي صَاحِبَهُ يَبْسُطُ شَبَكَةً لِرِجْلَيْهِ. 6- فِي مَعْصِيَةِ رَجُل شِرِّيرٍ شَرَكٌ، أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَتَرَنَّمُ وَيَفْرَحُ. 7- الصِّدِّيقُ يَعْرِفُ دَعْوَى الْفُقَرَاءِ، أَمَّا الشِّرِّيرُ فَلاَ يَفْهَمُ مَعْرِفَةً. 8- اَلنَّاسُ الْمُسْتَهْزِئُونَ يَفْتِنُونَ الْمَدِينَةَ، أَمَّا الْحُكَمَاءُ فَيَصْرِفُونَ الْغَضَبَ. 9- رَجُلٌ حَكِيمٌ إِنْ حَاكَمَ رَجُلاً أَحْمَقَ، فَإِنْ غَضِبَ وَإِنْ ضَحِكَ فَلاَ رَاحَةَ.
10- أَهْلُ الدِّمَاءِ يُبْغِضُونَ الْكَامِلَ، أَمَّا الْمُسْتَقِيمُونَ فَيَسْأَلُونَ عَنْ نَفْسِهِ. 11- اَلْجَاهِلُ يُظْهِرُ كُلَّ غَيْظِهِ، وَالْحَكِيمُ يُسَكِّنُهُ أَخِيرًا. 12- اَلْحَاكِمُ الْمُصْغِي إِلَى كَلاَمِ كَذِبٍ كُلُّ خُدَّامِهِ أَشْرَارٌ.
13- اَلْفَقِيرُ وَالْمُرْبِي يَتَلاَقَيَانِ. الرَّبُّ يُنَوِّرُ أَعْيُنَ كِلَيْهِمَا. 14- اَلْمَلِكُ الْحَاكِمُ بِالْحَقِّ لِلْفُقَرَاءِ يُثَبَّتُ كُرْسِيُّهُ إِلَى الأَبَدِ.
ع1: بغتة : فجأة.
الإنسان الذى يخطئ كثيرا، ويرسل له الله مَن يوبخه ليتوب ، أى كثير التوبيخ ، ولكنه يرفض العتاب والتوبيخ والإرشاد، فهذا الإنسان قاسى القلب، يقسى عنقه، مثل الحيوان المعاند الذى يرفض حمل خشبة النير على عنقه.
هذه هى النتيجة الحتمية للمعاند، لأنه رفض كل إنذارات الله وتوبيخاته، سواء على فم من حوله، أو المرشدين، أو ضميره، ولم ينتفع من الضيقات والتجارب، فلابد أن يهلك.
مثال لهذا المعاند فرعون مصر أيام موسى، الذى لم يقبل الضربات العشر، ولا كل كلام موسى ، فغرق فى البحر الأحمر هو وكل جيشه (خر 14 : 28). ومثل قورح ، وداثان، وأبيرام المتمردين على الكهنوت، الذين ابتلعتهم الأرض (عد 16 : 32 ، 33)، ومثل آخاب وإيزابل اللذين هلكا بسب شرهما (1 مل 21 : 19 ؛ 2 مل 9 : 33 -37).
ع2: الملك ، أو الرئيس الصديق يخاف الله، ويعمل بوصاياه ، لذلك يفرح الشعب به، لأنه يحكم بالعدل.
أما الرئيس الشرير إذا تسلط على الشعب يئن الشعب منه، ويعانى من ظلمه، واستغلاله، وطمعه.
ومثال للرئيس الصديق داود وحزقيا، ومثال للملوك الأشرار يواقيم وصدقيا ملوك يهوذا قبل خراب أورشيلم.
ع3: من يحب الحكمة يحب الله مصدر الحكمة، فيسعى نحو الحكمة يطلبها، ويتعلم، ويتتلمذ على أيدى الحكماء، فيقتنى الحكمة. ويظهر هذا فى سلوكه، ويباركه الله. وبالتالى يفرح به أبوه الذى ولده، إذ يرى أن له إبن عاقل متزن، ناجح فى حياته.
على العكس من يهمل وصايا الله ، ويرافق، ويلتصق بالزوانى، ليشبع شهوته، فهو إنسان جاهل، إذ يخسر الله، وكذلك يبدد أمواله على الزوانى، فيفتقر حتى أنه لا يجد طعامه، واحتياجاته الضرورية.
الإبن الذى أحب الحكمة مثاله طوبيا الإبن الذى رافق رئيس الملائكة رافائيل، وأطاعه، فنال بركات كثيرة، وفرح به أبوه. أما الإبن الجاهل الذى بدد معيشته بعيش مسرف، فهو الإبن الضال (لو 15).
ع4: الملك الذى يتمسك بالعدل فى قيادة شعبه يثبت مملكته، ويفرح شعبه، كما ملك داود وقضى بالعدل فاتسعت مملكته ، وبارك لله شعبه.
أما الملك الذى يقبل الهدايا كرشوة، ويعوج القضاء، فإنه يدمر مملكته، ويفسدها، ويشجع الأشرار على الشر، ويختفى الآبرار من وجهه. كما كان يفعل آخاب وإيزابل امرأته.
ع5: يطرى : يمدح.
مدح الآخرين لتشيجعهم أمر جميل، والله يفعله مع أولاده، ولكن مدح الأشرار يدفعهم للتمادى فى شرهم. فمن يمدح الخاطئ يسقطه فى شبكة، لأن الخاطئ يتكبر، ويستمر فى شره، ويزيد عليه شرا، والسبب هو هذا المنافق الذى مدحه.
من أمثله المنافقين الذين يمدحون الأشرار الأنبياء الكذبة، الذين مدحوا آخاب الملك ، وهو خارج للحرب. أما ميخا بن يملة نبى الله فأعلن له الحقيقة (1 مل 22).
ع6: شرك : فخ.
عندما يخطئ الشرير تجذبه خطيته إلى خطايا أخرى، ولا يحاول التوبة، بل يتمادى فى الشر، وتتنوع وتزداد خطاياه.
أما الصديق فيسلك بوصايا الله ، فيترنم ويفرح مسبحاً الله، الذى يباركه. وإن أخطأ الصديق يسرع إلى التوبة، فيغفر له الله، فيترنم ويفرح أيضا.
ع7: الصديق هو الإنسان الذى يحب الله، ويستطيع أن يحب الناس، ويشعر بهم. وإذا قابل فى حياته فقيرا يستمع إليه باهتمام ، ويساعده على قدر طاقته. فيبارك الله الصديق ، وحينئذ يشكره الصديق ويزداد أحساسا ، وإحسانا على الفقراء، إذ يزداد إحساسه ومشاركته لهم، فيباركه الله ، وهكذا يزداد كل يوم بركة من الله، ومحبة للفقراء والمحتاجين.
أما الشرير فهو أنانى يفكر فى نفسه فقط، فلا يستطيع أن يشعر بالمحتاجين الذين حوله، ولا يفهم قصد الله الذى وضعهم فى طريقه، فلا يحبهم ولا يساعدهم.
ع8: يفتنون: يصنعون فتنة ، أى مشاكل واضطرابات.
الناس المستهزئون هم رافضو وصايا الله ، والمستهزئون بكلامه، وينشغلون بشهوات العالم والكبرياء. هؤلاء يسرعون إلى خلق المشاكل دفاعاً عن مصالحهم، ويضايقون من حولهم. كما حدث من ديمتريوس صائغ تماثيل أرطاميس بأفسس ، الذى أهاج المدينة، عندما سمع بتبشير بولس (أع 19 : 23-41).
أعمال المستهزئين تثير غضب الله، أما الحكماء فيحفظون وصايا الله، ويصلون باتضاع أمامه، فيتحنن الله على الأرض، ويسامح المخطئين، وينصرف غضبه.
ع9: من الصعب جداً التفاهم مع الإنسان الأحمق، وهو الجاهل البعيد عن الله، لأن الأحمق لا يستمع ولا يفهم، ولا يقبل الإرشاد. فإن كلمه إنسان حكيم برفق وكلام لطيف وابتسامة، فإنه لا يقبل تغيير حماقته، وإن كلمه الحكيم بتوبيخ وصياح ليبعده عن الشر والحماقة، فلا يقبل إيضا، إذ أن الأحمق مصر ومتمادى فى شره وحماقته.
والمقصود أن القاضى، أو الرئيس، أو أى إنسان عاقل يريد إصلاح الأحمق لا يجد فائدة من الكلام معه، وبالتالى يتوقف عن إرشاده لأنغماسه فى الحماقة.
ع10: أهل الدماء هم الأشرار قساة القلوب، الذين يرون فى سلوك الشخص الكامل فضح لشرهم، وتوبيخ لهم دون أن يتكلم، ولذا فهم يبغضونه. أما الأبرار المستقيمون فى حياتهم، فيحبون الإنسان الذى يسلك فى الكمال، ويسألون عنه ليقتربوا إليه، ويتعلموا منه. فهم يحبونه، لأنه نور للعالم ، وقدوة له.
قايين مثال واضح لكراهية الكامل، وهو أخيه هابيل. فبدلا من أن يتعلم من كماله حقد عليه وقتله (1 يو 3 : 12).
أهل الدماء هم أيضا الشياطين، الذين يبغضون الأبرار، ويحاولون محاربتهم لإبعادهم عن الله. أما الملائكة والقديسون، فيحبون الأبرار، ويساندونهم. والكامل هو المسيح الذى أبغضه الأشرار واليهود قساة القلب بلا سبب، إلا أنه بار. وحاولوا قتلة مرات كثيرة، وفى النهاية صلبوه، مع أنه مخلص العالم كله، ومحب البشر.
ع11: الجاهل لا يستطيع أن يضبط نفسه، فإذا حدث أمامه ما يثيره ينزعج جدا، ويثور، ويصنع شروراً، بل يكاد يقتل من هو أمامه. أما الحكيم فإنه يضبط نفسه، حتى وإن اضطرب داخليا قليلا، يسكن غضبه ولا يظهر أية ثورة خارجية.
وإن قام الجاهل على إنسان حكيم بغضب وثورة ، فالحكيم يحتمله، ويحتويه ، ويسكن غضبه.
عندما انتصر جدعون على المديانيين ، وحرر بنى إسرائيل من احتلالهم ، واستغلالهم للشعب ، ثار سبط إفرايم ، لأنه لم يدعهم لمشاركته فى الحرب، أما جدعون فاحتملهم وسكن غضبهم عندما تكلم معهم باتضاع (قض 8 : 2).
ع12: الحاكم الشرير يجمع حوله مشيرين كلهم أشرار، فلا يكلمونه بالحق، بل يخدعونه، ويتملقونه بكلام كذب، فيساعدونه على الازدياد فى الشر.
فالحاكم أخطأ بجعل مشيريه أشرار، وهم يخطئون بدفع حاكمهم للشر. والعكس صحيح، فالحاكم العادل يجمع حوله مشيرين أتقياء صادقين، فيساعدونه على الحكم بالعدل. فلا يختار الحاكم من يتملقه، بل من يعلن له الحق، فيظل هذا الحاكم ناجحاً.
فرحبعام الملك استمع لمشورة الشباب الذين أثاروه ضد الشعب بحماقة، فوبخ الشعب، وكان قاسيا معهم، فانقسموا عليهم ، ورفضوه، وقسموا مملكته، إذ انفصلوا بعشرة أسباط بعيدا عنه (2 أى 10 : 10-11).
ع13: المربى: أى المرابى، وهو من يقرض الفقير، ويأخذ فوائد منه، مع علمه ان فقير.
المرابى هو شخص قاسى القلب، عندما يأتيه الفقير ليقترض منه، يقرضه بالربا، ويأخذ فوائد كثيرة منه، رغم علمه بأن الفقير ليس عنده، وسيضطر أن يبيع حاجاته الضرورية، وينسى هذا المرابى الظالم أن من خلقه هو والفقير واحد، وهو الله الذى أعطاه نور الحياة هو والفقير، وسيحاسب كل منهما فى النهاية، ويعاقب من يظلم غيره ولا يشفق عليه.
ع14: الملك العادل الذى يقضى بالعدل للفقراء، ويعطيهم حقوقهم، ولا يظلمهم محاباة للأغنياء، الله يفرح به، ويباركه، ويثبت مملكته ، ليس فقط على الأرض، بل وأيضا فى السماء إلى الأبد، أى يعطيه أن يملك فى ملكوت السموات. وهذا الحاكم العادل يشبه المسيح العادل، فيثبت ملكه، ويحيا إلى الأبد مع المسيح.
لا تتسرع فى أحكامك، بل اطلب الله، وافحص الأمر بدون تحيز، واسمع كل الأطراف، ليكون حكمك عادلا. لا تخشى قوة أو مركز أحد ، بل خف الله فتحيا مطمئنا، وتكون عادلا، وتنال بركات لا نهاية لها من الله.
(2) بركات التأديب ( ع15-21 ):
15- اَلْعَصَا وَالتَّوْبِيخُ يُعْطِيَانِ حِكْمَةً، وَالصَّبِيُّ الْمُطْلَقُ إِلَى هَوَاهُ يُخْجِلُ أُمَّهُ. 16- إِذَا سَادَ الأَشْرَارُ كَثُرَتِ الْمَعَاصِي، أَمَّا الصِّدِّيقُونَ فَيَنْظُرُونَ سُقُوطَهُمْ. 17- أَدِّبِ ابْنَكَ فَيُرِيحَكَ وَيُعْطِيَ نَفْسَكَ لَذَّاتٍ. 18- بِلاَ رُؤْيَا يَجْمَحُ الشَّعْبُ، أَمَّا حَافِظُ الشَّرِيعَةِ فَطُوبَاهُ. 19- بِالْكَلاَمِ لاَ يُؤَدَّبُ الْعَبْدُ، لأَنَّهُ يَفْهَمُ وَلاَ يُعْنَى. 20- أَرَأَيْتَ إِنْسَانًا عَجُولاً فِي كَلاَمِهِ؟ الرَّجَاءُ بِالْجَاهِلِ أَكْثَرُ مِنَ الرَّجَاءِ بِهِ. 21- مَنْ فَتَّقَ عَبْدَهُ مِنْ حَدَاثَتِهِ، فَفِي آخِرَتِهِ يَصِيرُ مَنُونًا.
ع15: تبين هذه الآية أهمية التأديب للأبناء، فاستخدام العصا والعقاب مع الأبناء لإصلاح سلوكهم يعطيهم حكمة، لأن التدليل يفسد الأبناء.
فالصبى المنطلق فى أهوائه ومزاجه بدون ضوابط، أى المدلل، سيكون سلوكه سيئاً، خاصة عندما يكبر، فيكون والده فى خزى من تصرفاته السيئة.
كما حدث مع إبنى عالى الكاهن، اللذان كانا يزنيان مع النساء الآتيات لعبادة الله، وكذلك كانا سارقين يستوليان على اللحوم التى يطبخها الناس ، ليأكلوها أمام بيت الرب (1 صم 2 : 12-17).
ع16: إذا وصل الأشرار إلى الحكم، أو التسلط على الشعب، فهذا يزيد الشر بين الشعب، لأن أفعال هؤلاء السادة الأشرار، تشجع الشعب على فعل الشر، والتمادى فيه، فتمتلئ المملكة من الشرور.
أما الصديقون، فيتمسكون بالله، وقد يختفون من وجه الأشرار، ولكن يثقون بأن للشر نهاية، والله حتما سيتدخل. فينظرون بعد هذا سقوط الأشرار ونهايتهم المخزية، فيثبت إيمانهم بالله، ويزدادون فى البر.
فداود احتمل ظلما كثيرا من شاول الملك الشرير، الذى تسلط على المملكة ، وانتشرت المعاصى فيها، وصبر داود على مطاردة شاول له، وظلمه ، وقسوته. وفى النهاية هلك شاول، وملك داود على بنى إسرائيل.
ع17: يؤكد أيضا سليمان فى هذه الآية أهمية التأديب، ويبشر الأب الذى يؤدب ابنه إذا أخطأ حتى لا يعود إلى خطأه، بأن ابنه هذا سيسلك سلوكا مستقيما، ويريح أباه فيما بعد من السلوك الخاطئ، بل وأيضا سيعمل أعمالا عظيمة تفرح قلب الأب ، وتلذذه فى حياته.
ع18: الرؤيا هى ما يعطيها الله للأنبياء، أو الاستنارة الروحية التى يهبها الله لأولاده المتمسكين بوصاياه، فينالوا حكمة وفهماً حسنا.
فالقائد الذى يحفظ وصايا الله يعطيه الله استنارة، وقد يؤيده بنبى ينال رؤى من الله. هذا القائد يستطيع أن يقود شعبه، ويضبطه فى الطريق المستقيم. ولكن بدون قيادة مستنيرة سيجنح الشعب، أى ينطلق فى شرور كثيرة بعيدا عن الله، لأنهم أهملوا وصايا الله، مثل قائدهم.
فعندما ملك شاول انطلق الشعب فى شرور مختلفة، ولكن بملك داود عاد الشعب لله، وتمسكوا بوصاياه.
ع19: لا يعنى : لا يعينه الأمر ولا يهتم ولا يبالى.
إن كان السيد يبدأ بالكلام وشرح ما يريده من العبد، لكنه قد يلاحظ أن العبد عنيد. فحتى لو فهم المطلوب، وأهميته وخطورته، لكنه لا يهتم ولا يبالى. وهنا سيحتاج الأمر إلى تدخل السيد بطريقة شديدة، فيعاقبه بالوسيلة التى يفهمها، أو يهدده حتى يخضع ويطيع.
وأنت أيها الإبن الذى وهبك الله أبوته، إن سمعت كلامه، وأطعته فى الحال تنال بركات كثيرة، ولكن إن عاندت الله، فأنت تضطره أن يسمح لك بضيقات، ويؤدبك حتى يصلح حالك، وتتوب وترجع إليه، وتطيعه. تذكر دائما أن من صفات البنوة طاعة الأب، فلا تخالف وصاياه.
ع20: الإنسان العجول هو الذى يتكلم بسرعة، ويقاطع غيره، أو لا يعطى الأخر فرصة أن يتكلم ، ويتكلم كلمات كثيرة فى وقت قليل، حتى يكاد المستمع لا يعى كل ما يقال.
هذا العجول فى الكلام غالبا متكبر، يرى نفسه يفهم أكثر من غيره، ولا يسمع الآخرين ، ولا يعطى فرصة لنفسه أن يفكر بهدوء، ولا يصلى أو يطلب إرشاد الله، ولا يقبل التوجيه بسهولة لأجل كبريائه، وبالتالى يصعب التفاهم معه، أو تغيير أى خطأ يسقط فيه. فيتمادى فى أخطائه، ولا يتوب.
تضيف الآية وتقول أن الرجاء فى إصلاحه ضعيف جدا، حتى أن الرجاء بالجاهل أفضل من الرجاء فيه، لعناده وإصراره على أسلوبه وتفكيره.
أما الكتاب المقدس فيدعونا إلى التريث والإبطاء فى الكلام، حتى ننال حكمة، ونخلص من خطايا كثيرة. فيقول معلمنا يعقوب الرسول : “ليكن كل إنسان مسرعاً فى الاستماع، مبطئا فى التكلم، مبطئا فى الغضب” (يع 1 : 19).
وقد تسرع كثيرون فأخطأوا أخطاءًا شنيعة، فيخبرنا الكتاب المقدس أن يفتاح تسرع فى نذره، فقتل ابنته (قض 11 : 30-35). وتسرع هيرودس فى وعده لإبنة هيروديا فقتل يوحنا المعمدان إيفاء لوعده (مت 14 : 8-11). وتسرع شاول الملك فكاد يقتل ابنه العظيم يوناثان، لولا تدخل الشعب، فأنقذوه من الموت (1 صم : 14).
ع21: فنق: دلل وعامل بلطف.
يصير منونا: أى كثير الإمتنان، والمقصود أن السيد يلتزم بمعاملة عبده برفق وتدليل.
تحذر هذه الآية من تدليل العبد فى طفولته، فإن عامله السيد بلطف شديد كابنه، فعندما يكبر يريد، ويطلب من السيد أن يظل يعامله بنفس المعاملة من التدليل، فيكون ثقلا للسيد، ومتعبا له. فإن كان السيد يعفى العبد فى طفولته من كثير من المسئوليات، فعندما يكبر، ويشيخ أيضا لا يتحمل المسئوليات المطلوبة.
يفهم من هذا أن ينبغى على السيد أن يعامل عبده برفق، وفى نفس الوقت يضع عليه المسئوليات المطلوبة منه، ويؤدبه بحزم إن أخطأ، أو أهمل ، أى أن المعاملة المتزنة فى اللطف والحزم تجعل العبد خاضعاً مطيعا يؤدى واجباته.
ويلزم التفريق بين معاملة العبد، ومعاملة الإبن، إذ أن معاملة العبد تحمله مسئوليات غير الإبن، والإبن أيضا له حرية أكثر من العبد. فإبراهيم رغم محبته لعبده ألعازر الدمشقى، لم يستطع أن يستغنى عن وجود ابن له يعامله معاملة الإبن وليست معاملة العبد، فيرثه، مع ان إبراهيم كان يحب ألعازر، ويهتم به، ويثق فيه كثيرا (تك 15 : 2).
ونحن عبيد لله، ولكنه بمحبته رفعنا إلى مستوى البنوة، ولكننا باتضاع نقول له : إن فعلنا كل البر أننا عبيد بطالون (لو 17 : 10). والله رفع عبيدا كثيرين من أولاده إلى مستويات عالية جدا، فرفع يوسف العبد والسجين ليكون رئيسا لمصر كلها، ورفع دانيال العبد، فسجد له نبوخذ نصر وصار رئيسا على بابل (دا 2: 46).
كن متزنا فى معاملة مرؤسيك، وامزج معاملتك باللطف والحزم، حتى تستطيع أن تقودهم لإنجاز المسئوليات والأعمال. كن حنونا عليهم، مشفقا على ظروفهم، ولكن فى نفس الوقت أدبهم ، حتى يستقيم العمل. وتذكر أن الله يراك فى كل أعمالك، ويرى أيضا أفكارك.
(3) خطورة الخطية ( ع22 -27):
22- اَلرَّجُلُ الْغَضُوبُ يُهَيِّجُ الْخِصَامَ، وَالرَّجُلُ السَّخُوطُ كَثِيرُ الْمَعَاصِي. 23- كِبْرِيَاءُ الإِنْسَانِ تَضَعُهُ، وَالْوَضِيعُ الرُّوحِ يَنَالُ مَجْدًا. 24- مَنْ يُقَاسِمْ سَارِقًا يُبْغِضْ نَفْسَهُ، يَسْمَعُ اللَّعْنَ وَلاَ يُقِرُّ.
25-خَشْيَةُ الإِنْسَانِ تَضَعُ شَرَكًا، وَالْمُتَّكِلُ عَلَى الرَّبِّ يُرْفَعُ. 26- كَثِيرُونَ يَطْلُبُونَ وَجْهَ الْمُتَسَلِّطِ، أَمَّا حَقُّ الإِنْسَانِ فَمِنَ الرَّبِّ. 27- اَلرَّجُلُ الظَّالِمُ مَكْرَهَةُ الصِّدِّيقِينَ، وَالْمُسْتَقِيمُ الطَّرِيقِ مَكْرَهَةُ الشِّرِّيرِ.
ع22: السخوط : الغضوب بشدة.
الغضوب هو كثير الغضب، والسخوط هو من يغضب بعنف و شدة، وكلاهما مزعج. فالغضوب كثير النقد والقسوة، فيثير انقسامات ، وتحزبات ، وخصومات بين الناس، ويهيجهم بعضهم ضد بعض بإثارة مشاكل صغيرة يضخمها، فينفعل الآخرون، ويسقطهم أيضا فى الغضب.
أما السخوط، فهو إلى جانب غضبه بعنف هو أيضا متكبر، ويحسد الآخرين، ويسقط فى خطايا، أو معاصى كثيرة، مثل الإدانة والحسد والغيرة. وقد تصل خطاياه إلى الكراهية والحقد والقتل.
هكذا وصف يعقوب أب الآباء إبنيه شمعون ولاوى، بأنهما غضوبان، يحدثان مشاكلاً كثيرة تزعج من حولهم (تك 49 : 5-7) ولكن الله نجى يعقوب من شرورهما.
ع23: الوضيع الروح: الوديع والمتضع.
الكبرياء خطية خطيرة، وهى أم لخطايا كثيرة، مثل الغضب. وإذا لم يتب عنها الإنسان فإنها تنحط به، وتذله ، ليس فقط فى الأرض، بل بالأكثر فى الآخرة، عندما يتعذب مع إبليس فى النار الأبدية.
وعلى العكس الإنسان الوديع الهادئ المتضع، يرفعه الله، ويمجده فى أعين من حوله على الأرض، ثم فى السماء ينال مجدا عظيما لا يعبر عنه. وقد أعلنت أمنا العذراء هذا المعنى فى تسبحتها، عندما قالت عن الله “أنزل الأعزاء عن الكراسى ورفع المتضعيـن ” (لو1: 52).
ع24: مقاسمة السارق ما سرقه معناه مشاركته فى جريمته، فهذا أمر مرفوض من الله، وتعاقـب عليه الشريعة. فكل من يخفى مسروقاته عنده يعاقب ، كما تنص شريعة موسى (لا5: 1).
ومن يقف أمام القضاء بعد أن شارك فى الجريمة، ويسأله القاضى بحزم، أو يطلب منه أن يحلف، ليعلن الحقيقة، ومع هذا ينكر معرفته بالسرقة ولا يقر بها، فإن الله يغضب عليه، ويستحق اللعن الأبدى، فهو وإن نجا من قضاء الأرض ، سيعاقب فى الآخرة بالعذاب الأبدى، لأنه سارق وينكر ذلك.
فهذه الآية تحذرنا من الاشتراك فى أية خطية، ولا نتحجج بأن غيرنا دفعنا لهذا ، أو كنا محرجين منه، سواء خطية إدانه، أو غضب ، أو سرقة..
وعخان بن كرمى الذى سرق وخالف أوامر الله هلك بعد اكتشافه (يش 7 : 1). وحنانيا وسفيرة أعلنا أمام الرسل أنهما لم يأخذا شيئا من ثمن الحقل، فماتا فى الحال لأنهما سرقا جزءً منه لنفسيهما وكذبا، مع أنه كان من حقهما أن يأخذا ، ويعلنا ذلك ، فلا يعاقبا (أع 5 : 3-5).
ع25: الخوف من الناس يسقط الإنسان فى خطايا مختلفة، مثل الكذب، كما أنكر بطرس أنه يعرف المسيح أمام الجارية (لو 22 : 57)، وكما كذب إبراهيم وقال عن سارة أنها أخته، حتى لا يقتلوه (تك 12 :13) مع أن السؤال كان واضحا، والنتيجة أيضا واضحة، إذ أخذوها منه، ليتزوجها فرعون، ولم يتكلم ، معتقداً أنها أخته من أبيه، وليست شقيقته، لكنه الخوف من البشر، الذى جعله يفرط فى زوجته (تك 12 : 19)
وعلى العكس مخافة الله والاتكال عليه تحمى الإنسان من خوف الناس، وبالتالى لا يعود الإنسان يضطرب من أجل شر الناس، وتهديداتهم، بل يرفعه الله فوق كل التهديدات، ويحتفظ بسلامه، لشعوره أن الله معه يحميه، ويحفظه. كما كان بطرس نائما فى السجن بلا اضطراب، رغم أن قرار إعدامه كان فى اليوم التالى (أع 12 : 5 ، 6).
ع26: هذه الآية تأكيد للآية السابقة، فتعلن أن كثير من الناس يخافون من البشر الذين هم فى مكان السلطة والرئاسة، ويتكلون على هؤلاء المتسلطين، وينسون أن، الله وحده هو القادر أن يعطى الإنسان حقه، أما البشر فهم متغيرون ، ومعرضون للموت فى آية لحظة، فلا نتكل عليهم، بل على الله.
وليس معنى عدم الاتكال على الرؤساء عدم إكرامهم، وتوقيرهم، بل ينبغى أن نعطى الإكرام لمن له الإكرام مع الاتكال بكل قلوبنا على الله (رو 13 : 7).
ع27: الصديقين يحبون البر، ويرفضون الظلم، فيكرهون ظلم الظالم للضعفاء، بل يصلون إلى الله ، لينقذهم من يديه.
كما صرخ بنو إسرائيل إلى الله لينقذهم من ظلم فرعون، فأرسل لهم موسى وأخرجهم من مصر بذراع رفيعة، وخلصهم من ظلمه.
من ناحية أخرى فالأشرار يكرهون المستقيمين فى طرقهم، لأنهم أبناء الله، ويسلكون بالاستقامة والحق ، فيكشفون دون أن يتكلموا شر الأشرار؛ لأن النور الذى فى المستقيمين يكشف ظلمة الأشرار ، ولا شركة للنور مع الظلمة ولا للمسيح مع بليعال (2 كو 6 : 14). تمسك بوصايا الله ، فتسلك فى طريقه، فتكون مستقيما فى كل كلامك، وأفكارك، وأعمالك. فيحبك الله، ويباركك، ويحفظك، ويرفعك فوق كل حسد الشياطين، والأشرار الذين يتبعونهم.