الحق والاجتهاد مجد الصديقين
(1) مجد الصديقين وهوان الأشرار (ع1-9):
1- مَنْ يُحِبُّ التَّأْدِيبَ يُحِبُّ الْمَعْرِفَةَ، وَمَنْ يُبْغِضُ التَّوْبِيخَ فَهُوَ بَلِيدٌ. 2- الصَّالِحُ يَنَالُ رِضًى مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ، أَمَّا رَجُلُ الْمَكَايِدِ فَيَحْكُمُ عَلَيْهِ. 3- لاَ يُثَبَّتُ الإِنْسَانُ بِالشَّرِّ، أَمَّا أَصْلُ الصِّدِّيقِينَ فَلاَ يَتَقَلْقَلُ. 4- اَلْمَرْأَةُ الْفَاضِلَةُ تَاجٌ لِبَعْلِهَا، أَمَّا الْمُخْزِيَةُ فَكَنَخْرٍ فِي عِظَامِهِ. 5- أَفْكَارُ الصِّدِّيقِينَ عَدْلٌ. تَدَابِيرُ الأَشْرَارِ غِشٌّ. 6- كَلاَمُ الأَشْرَارِ كُمُونٌ لِلدَّمِ، أَمَّا فَمُ الْمُسْتَقِيمِينَ فَيُنَجِّيهِمْ. 7- تَنْقَلِبُ الأَشْرَارُ وَلاَ يَكُونُونَ، أَمَّا بَيْتُ الصِّدِّيقِينَ فَيَثْبُتُ. 8- بِحَسَبِ فِطْنَتِهِ يُحْمَدُ الإِنْسَانُ، أَمَّا الْمُلْتَوِي الْقَلْبِ فَيَكُونُ لِلْهَوَانِ. 8- اَلْحَقِيرُ وَلَهُ عَبْدٌ خَيْرٌ مِنَ الْمُتَمَجِّدِ وَيُعْوِزُهُ الْخُبْزُ.
ع1 : الذي يحب التعلم والتلمذة هو إنسان محب للمعرفة، وهو حكيم، ولأنه يقبل التعلم يقبل أيضاً التوبيخ والتأديب؛ لأن محبته للتعلم تعطيه إتضاعاً، إذ يشعر باحتياجه وضعفه، فيجلس عند أقدام المعلمين.
أما الإنسان البليد الجاهل فهو يكره التوبيخ، لأنه متكبر، ولا يسعى بالتالي إلى التلمذة، بل قد يدعي العلم والمعرفة لكبريائه، فيتباعد تدريجياً عن التعلم، فيزداد جهلاً وابتعاداً عن الله.
ع2 ، 3 : المكايد : جمع مكيدة، وهو تدبير واختراع الشر
يتقلقل : يهتز ويتزعزع
الإنسان الصالح يحفظ وصايا الله، وبهذا ينال رضاه، ويثبت في حياة روحية تؤهله لملكوت السموات، الذي يدوم إلى الأبد.
أما الشرير الذي لا يحفظ وصايا الله، بل على العكس يتمادى في شره، ويدبر تدابير شريرة للإساءة إلى الآخرين، فالله يدينه، ويحكم عليه، ولا يثبت في مكانه مهما نال من قوة، أو عظمة على الأرض؛ لأن بيته مبني على الرمل، وفي النهاية لا ينتظره إلا الهلاك الأبدي.
ع4 : فكنخر : مثل نخر، أي حفر وتآكل داخلي، ويسمى تسوس العظام.
المرأة الفاضلة التي تحفظ وصايا الله، وتهتم باقتناء الفضائل في سلوكها وكلامها، يفتخر بها رجلها، بل تصير كتاج على رأسه، فيقولون في المثل : “وراء كل عظيم امرأة”، فهي تساند زوجها، وتكون سبباً في مجده وعظمته، مثل سارة المطيعة لأبينا إبراهيم (ا بط3 : 6).
أما الزوجة الشريرة البعيدة عن الله، فهي خزي لزوجها، ولكل أسرتها من أجل أفعالها وكلامها الشرير، وتسبب أحزاناً لزوجها يتعبه في أعماق نفسه. ويعبر سليمان هنا عن مدى إساءتها إلى رجلها، بأنها تصبح نخر في عظامه، والعظام هي أقوى ما في جسد الإنسان، فهي تصبح كسوس يأكل العظام، فيضعف جسد الرجل ويتعرض للانهيار بسبب زوجته المخزية، مثلما عاني أيوب من امرأته التي كانت تدفعه لليأس والكفر بالله (أي 2 : 9).
ع5: الصديقون يفكرون أفكاراً مستقيمة ترضي الله العادل، فيباركهم، ويكافئهم، ويحول أفكارهم إلى سلوك مستقيم.
أما الأشرار فلأن قلوبهم مملوءة بأفكار ردية، فهم يدبرون بالغش تدابير شريرة تؤذي من حولهم، وهي بالطبع تدابير تغضب الله، فيعاقبهم لأجل شرورهم. ومثال واضح لأفكار العدل، داود النبي الذي كان يعمل الخير مع الجميع حتى لنسل شاول، الذي حاول قتله مرات كثيرة طوال حياته. أما مثال الأشرار فهو أبشالوم، الذي أخذ يدبر لمدة سنتين خداعاً وشروراً؛ ليجمع الناس حوله ضد أبيه؛ حتى قام عليه وطرده من مملكته، وحاول قتله، فنجاه الله وقتل أبشالوم.
ع6 : كمون للدم : اختباء لأجل تحين الفرصة ليؤذي غيره ويهلكه.
الأشرار عندما يتكلمون فهم يخادعون من حولهم ليصطادوهم بكلمة، أو يسيئوا إليهم، كما كان اليهود يحاولون اصطياد المسيح بكلمة، أو إيقاعه في خطأ.
أما الصديقون الذين يسندهم الله يتكلمون بكلمات من الله قوية وواضحة تعطيهم مهابة في أعين الآخرين، وتنجيهم من شرورهم، بل يسكت أمامها الأشرار؛ لأن كلمات الصديق مملوءة حكمة، كما كان المسيح يتكلم مع اليهود.
ع7: إن تعاظم الأشرار بخداعهم، ووسائلهم الملتوية، فهذا يكون إلى حين، ولكن ينقلبون، ويفقدون كل ما حققوه، كما حدث مع هامان مضطهد اليهود، الذي لم يفقد فقط مكانته، بل هلك على الخشبة التي أعدها لقتل مردخاي (أس 7 : 10).
أما الصديقون السالكون بحسب وصايا الله، فالله يباركهم، ويثبتهم. كما بارك الله القابلتين المصريتين، لأنهما خافتا الله، ولم يقتلا ذكور العبرانيات، فأحسن الله إليهما، وصنع لهما بيوتاً (خر 1 : 21).
ع8 : فطنته : حكمته
قدر ما يكون الإنسان حكيماً يعجب به الناس، ويمدحوه، وهذه الحكمة ينالها من الله إذا عاش معه، واتكل عليه.
أما الإنسان الشرير الذي لا يسلك بالاستقامة، بل بالالتواء، ويعوج كلام الله، فإنه يسقط في نتائج الأعمال الشريرة. فيكون في خزي وهوان جزئياً في هذه الحياة، ثم الهوان الكامل في الحياة الأخرى.
والالتواء يمكن أن يسقط فيه أي إنسان؛ لأن الشيطان يحارب الكل حتى الصديقين، خاصة من يقبلون أفكار الكبرياء، فيزدادون في مظاهر الخير؛ ليمجدهم الناس، فينحرفون عن الله، ويسقطون في الخزي.
ع9 : الإنسان المتضع الذي يبدو صغيراً، أو حقيراً في نظر الناس، الله يباركه، ويكون له عبيداً يخدمونه، ويعطيه احتياجاته كلها، فيشكر الله الذي لا يتركه يحتاج أبداً.
أما المتمجد في عيني نفسه، أي المتكبر، والذي يمجد نفسه، فيفقد إمكانياته؛ لأن الله يتخلى عنه حتى يحتاج إلى الطعام ولا يجده. كما حدث مع الابن الضال الذي فقد كل أمواله، وكاد يموت جوعاً، إذ لم يجد حتى طعام الخنازير.
ليتك يا أخي تسعى إلى تنفيذ وصايا الله التي تعطيك سلاماً، وبركة من الله، فتكون ممجداً في عينيه، وتخدمك الملائكة، ولا تحتاج لشيء طوال حياتك.
(2) الحق والغش (ع 10 – 22):
10- الصِّدِّيقُ يُرَاعِي نَفْسَ بَهِيمَتِهِ، أَمَّا مَرَاحِمُ الأَشْرَارِ فَقَاسِيَةٌ. 11- مَنْ يَشْتَغِلُ بِحَقْلِهِ يَشْبَعُ خُبْزًا، أَمَّا تَابعُ الْبَطَّالِينَ فَهُوَ عَدِيمُ الْفَهْمِ. 12- اِشْتَهَى الشِّرِّيرُ صَيْدَ الأَشْرَارِ، وَأَصْلُ الصِّدِّيقِينَ يُجْدِي.
13- فِي مَعْصِيَةِ الشَّفَتَيْنِ شَرَكُ الشِّرِّيرِ، أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيَخْرُجُ مِنَ الضِّيقِ. 14- الإِنْسَانُ يَشْبَعُ خَيْرًا مِنْ ثَمَرِ فَمِهِ، وَمُكَافَأَةُ يَدَيِ الإِنْسَانِ تُرَدُّ لَهُ. 15- طَرِيقُ الْجَاهِلِ مُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيْهِ، أَمَّا سَامِعُ الْمَشُورَةِ فَهُوَ حَكِيمٌ. 16- غَضَبُ الْجَاهِلِ يُعْرَفُ فِي يَوْمِهِ، أَمَّا سَاتِرُ الْهَوَانِ فَهُوَ ذَكِيٌّ. 17- مَنْ يَتَفَوَّهْ بِالْحَقِّ يُظْهِرِ الْعَدْلَ، وَالشَّاهِدُ الْكَاذِبُ يُظْهِرُ غِشًّا. 18- يُوجَدُ مَنْ يَهْذُرُ مِثْلَ طَعْنِ السَّيْفِ، أَمَّا لِسَانُ الْحُكَمَاءِ فَشِفَاءٌ. 19- شَفَةُ الصِّدْقِ تَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ،، وَلِسَانُ الْكَذِبِ إِنَّمَا هُوَ إِلَى طَرْفَةِ الْعَيْنِ.
20- اَلْغِشُّ فِي قَلْبِ الَّذِينَ يُفَكِّرُونَ فِي الشَّرِّ، أَمَّا الْمُشِيرُونَ بِالسَّلاَمِ فَلَهُمْ فَرَحٌ. 21- لاَ يُصِيبُ الصِّدِّيقَ شَرٌّ، أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَمْتَلِئُونَ سُوءًا. 22- كَرَاهَةُ الرَّبِّ شَفَتَا كَذِبٍ، أَمَّا الْعَامِلُونَ بِالصِّدْقِ فَرِضَاهُ.
ع 10 : الصديق الذي يحب الله ويتمتع بمراحمه، يكون رحيماً على أحبائه، وكل البشر المحيطين به. بل تمتد رحمته إلى الحيوانات أيضاً، فيشفق على البهائم التي يستخدمها في عمليه. فالبداية أن يشفق على البشر، فلا يدينهم إن أخطأوا، أو أهملوا، بل يلتمس لهم الأعذار، ويوجههم بمحبته، وحينئذ يستطيع أن يكون رحيماً على الحيوانات.
أما الأشرار، فحتى لو مارسوا الرحمة، تكون رحمتهم قاسية. مثل بيلاطس، الذي اقتنع أن المسيح مظلوم، ومع هذا فكر أن يرحمه بأن يؤدبه، ثم يطلقه، فهو كان يريد أن يؤدبه رغم أنه برىء، وأراد أن يطلقه، وفعل هذا لخوفه من اليهود، واهتمامه بمركزه، فسلم المسيح لليهود ليصلبوه.
ع 11 : الذي يجتهد ويتعب في عمله، ينال أجرته وهي ثمار عمله. فمن يشتغل بحقله يحصد ثماره، أما من يهمل عمله، ويسير وراء الأصدقاء الكسالى المتهاونين، فهو لا يفهم، إذ أنه لن يحصد ثمراً؛ لأنه لم يشتغل، ويصير فقيراً.
والاجتهاد في العمل المادي، هو البداية للاهتمام بعده بالاجتهاد الروحي في التوبة، والصلاة، والاقتراب إلى الله، فيحصد الإنسان أهم شيء وهو خلاص نفسه، أما الذي يتبع أصدقاء السوء البطالين، ينغمس معهم في شهوات كثيرة تؤدي به إلى الهلاك.
ع 12 : يجدي : ينفع
الشرير يشتهي أن يعمل ما يعمله الأشرار أمثاله، مثل الشهوات الشريرة، والخطايا المتنوعة، فيسقط في الشر، ويتمادى فيه، متخيلاً أنه يحقق أهدافه ويفرح، ولكنه في الحقيقة ينتقل من خطية إلى خطية، ومن لذة شريرة إلى لذة شريرة.
أما الصديق فيشبه شجرة لها جذور عميقة، وأصل قوي، فتعطي ثماراً نافعة، فالصديق لأن له أصلاً وهو الإيمان بالله، فأعماله وكلامه نافع له، ولمن حوله.
ع 13 : شرك : فخ ومصيدة
الشرير يتكلم بكلمات خاطئة، مثل الكذب والشتيمة، وهذه تصير له فخاً، إذ يغضب منه الناس، وتسبب له مشاكل كثيرة. أما الصديق فيدقق في كلامه، ويهتم ألا يسىء إلى أحد، فيحفظه الله، وينجيه من ضيقات كثيرة، بل يعطيه نعمة في أعين الآخرين، فيساندونه في الضيقات التي يمر بها.
وكل كلمات الشرير التي قالها في حياته باستهانة فإنه يدان عليها، وتصير فخاً له في يوم الدينونة، فيلقى في الهلاك الأبدي بسببها. أما الصديق الذي حفظ وصايا الله، وكانت كلماته مرضية لله، فينجيه في الضيقة العظيمة، وهي يوم الدينونة، ويكون له مكان في ملكوت السموات.
ع 14 : كلام الإنسان الذي يرضى به الله، يكافأ عليه، بأن يحبه الناس، ويباركه الله في الأرض، ثم في السماء. فكلام الإنسان يشبه ببذور تلقى في الأرض، فتعطى ثماراً نافعة، وكذلك أعمال الإنسان الصالحة تأتي ثمارها الجيدة، فيتمتع بها صاحبها. فمن يحب الله، من الطبيعي أن يحب الناس، بالإضافة إلى أن الله يكافئه في الحياة الأبدية.
ع 15 : إن الجاهل هو إنسان شرير متكبر، يثق أن طريقه مستقيم، فلا يقبل توجيهاً، أو عتاباً، أو توبيخاً من أحد لأجل كبريائه، فيزداد شره يوماً فيوم.
أما الإنسان الحكيم، فهو متضع، فيقبل، بل ويسعى إلى التعلم والتلمذة، فيهتم بكل مشورة تقدم له ليستفيد منها، فيزداد تقدمه كل يوم.
ع 16 : صفة ثانية للجاهل، وهي سرعة الغضب. بعد أن ذكر في الآية السابقة كبرياءه، فهو يسرع للغضب. ويظهر غضبه في يومه، أي لا يضبط نفسه، وبالتالي يسبب مشاكل لنفسه، إذ يفقد سلامه، وللآخرين فيتضايقوا منه، وقد يردوا عليه، فتحدث مشاكل وانقسامات.
أما الحكيم الذكي؛ فيضبط نفسه إذا أساء إليه أحد، وبهذا يستر على من أخطأ في حقه، ويعطيه فرصة للتوبة والتراجع عن خطأه، فيكسبه، ويحتفظ بسلامه.
ع 17 : يتفوه : يتكلم
الإنسان الصديق يتكلم بكلام الله، وبالتالي فهو يظهر عدل الله، وهذا يكون تعليماً وتبشيراً لكل من يسمعه من أهل العالم. وعلى العكس، الإنسان الجاهل يتكلم بكلام باطل بعيد عن وصايا الله، فهو كلام كاذب ولا يعطي تعليماً سليماً لسامعيه، بل يغشهم بكلام غير سليم. فكل منهما الصديق والجاهل، بكلامه يظهر ما في قلبه؛ لأنه من فضلة القلب يتكلم اللسان، فلأن الصديق بار، والله يملأ قلبه يظهر عدل الله. أما الجاهل، فلأنه بعيد عن الله، فقلبه ممتلئ بالشر، وكلامه بالتالي كذب وغش يضل سامعيه. فهذه الآية تظهر أهمية الكلام الصادق الذي يتفوه به الأبرار، والكلام الكاذب الذي يقوله الأشرار.
ع 18 : يهذر : يمرح ، أو يقول كلاماً هزلياً
يواصل سليمان كلامه عن اللسان، فيظهر أهمية اللسان الرقيق، وخطورة اللسان الحاد، فيقول أن الجاهل البعيد عن الله، عندما يتكلم كلاماً هزلياً، فكلامه حاد كالسيف يجرح ويسىء لمن يسمعه. وعلى العكس فكلام الحكيم رقيق، ومملوء نعمة، حتى أن السامعين يفرحون بسماعه، وإن كانوا يعانون من متاعب، تشفي نفوسهم، ويُقبِلون إلى الله.
ع 19 : يتكلم سليمان هنا عن الكلام الثابت الذي يدوم عبر الزمان؛ هذا ما يتكلم به الإنسان الصادق؛ لأنه يتكلم بكلام الله. ولأن الله ثابت، فكلامه لا يزول، وينطق به أولاده الحكماء؛ لأنهم صادقون.
أما الأشرار الذين كلامهم كذب، وغش، أو كلام سطحي وتافه، فهو لا يدوم، بل يتبخر في الحال، ويعبر عنه هنا سليمان بأنه يزول في طرفة عين، فهو كلام بلا قيمة. لذا فإن كلام الأبرار الصادقين ينبغي أن نستمع إليه؛ لأنه من الله، ونافع طوال العمر.
من هذا نفهم أن أقوال الآباء القديسين؛ لأنها كلمات الله على شفاههم فهي دائمة التأثير على مر الأجيال، ونحتفظ بها لنتعلم منها طريق الله.
ع 20 ، 21 : الإنسان الجاهل قلبه ممتلئ بالغش، ولذا فعندما يتكلم، فكلامه شرير ويزيد الشر في داخله. أما الإنسان الحكيم الذي يتكلم بالسلام ويريح قلوب سامعيه بكلام الحق، فإن قلبه يكون ممتلئ بالفرح، ويزداد فرحاً كلما أعطى سلاماً، وفرحاً للآخرين.
من هذا نفهم أن كل واحد كلامه يؤثر فيه قبل أن يؤثر في سامعيه. فالحكيم يزداد سلاماً وفرحاً حتى أن الأشرار يعجزون عن مضايقته، أو نزع سلامه. أما الإنسان الجاهل فيزداد غشاً وشراً كلما تكلم بالشر.
ع 22 : توضح هذه الآية موقف الله من كلام البشر، فالله يرضى ويفرح بكلام الصدق، ويتضايق ويكره كلام الكذب. وهذا معناه أن كلام البشر موجه لله، وليس فقط للبشر الذين حولنا. وإن كان الله يطيل أناته، فلكيما يزداد البار براً، وحتى يتوب الشرير عن شره وكلامه الردىء، وسيكافئ كل واحد بحسب كلامه وأعماله. كما قال في العهد الجديد أن كل كلمة بطالة سنعطي عنها حساباً يوم الدين (مت 12 : 36).
لا تسرع إلى الكلام، بل فكر أولاً فيما ستقوله، وليتك ترفع قلبك بصلاة قصيرة لمدة ثواني، فيخرج كلامك نافعاً لك، ولمن حولك. وإن أخطأت في الكلام، فتب سريعاً، وارجع إلى كلام الله النافع.
(3) الاجتهاد والرخاوة (ع23 – 28):
23- اَلرَّجُلُ الذَّكِيُّ يَسْتُرُ الْمَعْرِفَةَ، وَقَلْبُ الْجَاهِلِ يُنَادِي بِالْحَمَقِ. 24- يَدُ الْمُجْتَهِدِينَ تَسُودُ، أَمَّا الرَّخْوَةُ فَتَكُونُ تَحْتَ الْجِزْيَةِ. 25- الْغَمُّ فِي قَلْبِ الرَّجُلِ يُحْنِيهِ، وَالْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ تُفَرِّحُهُ.
26- الصِّدِّيقُ يَهْدِي صَاحِبَهُ، أَمَّا طَرِيقُ الأَشْرَارِ فَتُضِلُّهُمْ. 27- الرَّخَاوَةُ لاَ تَمْسِكُ صَيْدًا، أَمَّا ثَرْوَةُ الإِنْسَانِ الْكَرِيمَةُ فَهِيَ الاجْتِهَادُ. 28- فِي سَبِيلِ الْبِرِّ حَيَاةٌ، وَفِي طَرِيقِ مَسْلِكِهِ لاَ مَوْتَ.
ع 23 : الرجل الذكي، أي الحكيم لا يتكلم كثيراً عما يعرفه؛ لأنه حكيم فلا يتكلم عن نفسه، بل يتكلم فقط عندما تستدعي الظروف أن يتكلم عن الحق ويعلنه، أو يشعر باحتياج الناس للتعليم. فالمعرفة في نظره هي نعمة من الله، يعلنها بحسب إرشاد الله لمن يحتاجها.
أما الإنسان الجاهل فهو يتكلم كثيراً؛ لأن قلبه يحركه ليتكلم عن نفسه لأجل كبريائه، وكلامه بالتالي كلام أحمق يظهر ضعفه بكلامه عن نفسه، ولا يشعر باحتياجات من حوله؛ لأن قلبه بعيد عن الحق، أي الله، فهو لا يتكلم عن الحق، بل يدخل في مناقشات باطلة، وقد يرفع صوته، أو يحتد، ويخلق مشاكل؛ لأن قلبه فارغ من نعمة الله.
ع 24 : الإنسان المجتهد هو إنسان نشيط يعمل كثيراً ليحصل على نتائج طيبة، ويقتني شخصية قوية، بل ينال أيضاً أموالاً وسلطة، ويهبه الله أن يكون سيداً، ومدبراً لغيره لأجل نشاطه.
أما الإنسان الكسول ذو اليد المتراخية، فلأجل تباعده عن العمل، يفتقر ويزداد ضعفه، فيكون ذليلاً تحت يد المجتهد ذي السلطان، الذي يطالبه بدفع الجزية. وهكذا نجد أن المجتهد يزداد اجتهاداً ونشاطاً وقوة، أما المتراخي فيزداد كسلاً وضعفاً وذلاً.
المفلوج الذي عند بركة بيت حسداً، كان له ثماني وثلاثون عاماً بجوار البركة يبحث عمن يلقيه فيها إذا تحرك الماء، ولم يفقد رجاءه وبحثه عمن يساعده لينزل في البركة. أما الغني في مثل الغنى ولعازر، ورغم إمكانياته الكثيرة كان متكاسلاً عن أي عمل صالح. وراعوث بسبب اجتهادها نالت احتياجاتها هي وحماتها، بل تزوجت بوعز، وصارت جدة للمسيح.
ع 25 : الغم يضايق الإنسان ويضغط على نفسيته، فيجعلها في ضيق، وتصير منحنية، أي ضعيفة ومنهكة. وهذا الغم يأتي من أسباب كثيرة أهمها الخطية، ثم المشاكل مع عدم الاتكال على الله …
أما الكلمة الطيبة التي هي كلمة الله، فتفرح قلب الإنسان، بل تعطي أيضاً قوة لجسده؛ لأن الخبر الطيب يسمن العظام (ص 15 : 30).
ع 26 : الصديق الذي هو الإنسان الحكيم الروحي يسير في طريق الله، ويحفظ وصاياه، فهو نور للعالم، ويهدي من حوله ممن يريدون السلوك في طريق الله، فإذا سقطوا في الخطية، أو انحرفوا لأي سبب، يهديهم ويعيدهم إلى طريق الله.
أما الأشرار، فهم بعيدون عن الله، وطريقهم ضد وصاياه، ولذا فأسلوبهم في الحياة يزيدهم ضلالاً وشراً، ويجذبون أصدقاءهم للشر، فيزداد ابتعادهم عن الله.
من هذه الآية تظهر أهمية الأصدقاء، فإن كانوا روحيين، يساعدون الإنسان على الاقتراب إلى الله، وإن كانوا أشراراً فإنهم يضلونه.
ع 27 : الإنسان المتراخي، أي الكسول لا يريد أن يتعب، وبالتالي لن يصبر حتى يصطاد شيئاً. فهو بميله إلى الراحة، يفتقر حتى لا يجد قوت يومه، واحتياجاته الضرورية، حتى لو كان له أموالاً كثيرة، فسينفقها وتنتهي، ويصبح فقيراً؛ لأنه لا يريد أن يعمل.
أما المجتهد فثروته الحقيقية ليست الأموال، أو المركز، بل نشاطه واجتهاده. فيظل طوال حياته يميل للعمل، ويعطيه الله احتياجاته، بل والغني أيضاً، ويحبه الناس؛ لأنه يساعدهم ويعمل معهم.
والإنسان المتراخي في الحياة الروحية لا يحصل على فضيلة، ولا يقتني خلاصه، أما المجتهد فيتعب في ممارساته الروحية، وخدمة الآخرين، وينال في النهاية الحياة الأبدية، عكس الكسول، مثل صاحب الوزنة التي دفنها في التراب لكسله، فتؤخذ منه، ويلقى في الهلاك الأبدي (مت 25 : 14 – 30).
ع 28 : أولاد الله الذين يحيون في البر، يتمتعون بعشرة الله، وهذه هي الحياة الحقيقية، فكل ما يعملونه يشعرون بيد الله معهم، فيفرحون ويتشجعون، ويستمرون في طريق البر، واثقين من نهايتهم السعيدة في ملكوت السموات، مما يدفعهم إلى احتمال متاعب الجهاد الروحي، حتى الموت الجسدي لا يفصلهم عن الله، بل ينقلهم إلى الحياة الكاملة في السماء.
افرح عندما تكون مسئولاً عن أعمال مفيدة، وكن نشطاً في كل خطواتك؛ لأنك تنال راحة نفسية وروحية، وتتقدم في علاقتك مع الله، وتنتظرك في النهاية الحياة الأبدية السعيدة. أحبب التعب لأجل الله لتنال الراحة الحقيقية.