تحذيرات للأبناء
(1) آداب حضور الولائم (ع1-11):
1- إِذَا جَلَسْتَ تَأْكُلُ مَعَ مُتَسَلِّطٍ، فَتَأَمَّلْ مَا هُوَ أَمَامَكَ تَأَمُّلاً، 2- وَضَعْ سِكِّينًا لِحَنْجَرَتِكَ إِنْ كُنْتَ شَرِهًا. 3- لاَ تَشْتَهِ أَطَايِبَهُ لأَنَّهَا خُبْزُ أَكَاذِيبَ. 4- لاَ تَتْعَبْ لِكَيْ تَصِيرَ غَنِيًّا. كُفَّ عَنْ فِطْنَتِكَ.
5- هَلْ تُطَيِّرُ عَيْنَيْكَ نَحْوَهُ وَلَيْسَ هُوَ؟ لأَنَّهُ إِنَّمَا يَصْنَعُ لِنَفْسِهِ أَجْنِحَةً. كَالنَّسْرِ يَطِيرُ نَحْوَ السَّمَاءِ.
6- لاَ تَأْكُلْ خُبْزَ ذِي عَيْنٍ شِرِّيرَةٍ، وَلاَ تَشْتَهِ أَطَايِبَهُ، 7- لأَنَّهُ كَمَا شَعَرَ فِي نَفْسِهِ هكَذَا هُوَ. يَقُولُ لَكَ: «كُلْ وَاشْرَبْ» وَقَلْبُهُ لَيْسَ مَعَكَ. 8- اللُّقْمَةُ الَّتِي أَكَلْتَهَا تَتَقَيَّأُهَا، وَتَخْسَرُ كَلِمَاتِكَ الْحُلْوَةَ.
9- فِي أُذُنَيْ جَاهِل لاَ تَتَكَلَّمْ لأَنَّهُ يَحْتَقِرُ حِكْمَةَ كَلاَمِكَ. 10- لاَ تَنْقُلِ التُّخُمَ الْقَدِيمَ، وَلاَ تَدْخُلْ حُقُولَ الأَيْتَامِ، 11- لأَنَّ وَلِيَّهُمْ قَوِيٌّ. هُوَ يُقِيمُ دَعْوَاهُمْ عَلَيْكَ.
ع1-3: شرها : محب ومكثر من الأكل.
تدعونا هذه الآيات لعدم الاندفاع فى الأكل عند حضور الولائم مع المتسلطين، ويقصد الحكام والرؤساء، وذوى المراكز الكبيرة، فينظر إليها الإنسان، ويتأملها بهدوء، ويأكل منها قليلاً، وهذا هو المقصود بوضع سكين للحنجرة، أى ضبطها فلا يأكل كثيراً.
ولا تظن أنك أصبحت صديقاً للمتسلط، فتندفع بشهوتك لتأكل كثيراً، فأنت مجرد مدعو إلى هذه الوليمة مهما أكرموك، فهى مائدة أكاذيب بالنسبة لك.
ولا تشتهى ويتعلق قلبك بالأطعمة اللذيذة، وهى الأطايب الموضوعة على المائدة، فهى أكاذيب؛ لأن المتسلط ينظر إليك ويغضب إن كنت شرها، بالإضافة إلى أن الإنسان يحتاج فقط لما يقوته من الطعام، ولكن إن زاد أكله، فهذا يجعله كسولاً، ويضعف ميله الروحى ونشاطه عموماً.
وإذا اقتربت إلى أعظم مائدة، وهى المذبح الذى عليه جسد الرب ودمه، فى وجود أعظم متسلط وهو الله، فتأمل هذا الطعام العظيم، واشترك فى الصلوات؛ حتى تستحق أن تنال سر الأفخارستيا، الذى يفوق كل طعام وكل أطايب الرؤساء الذين فى العالم، بل يعتبر هذا الطعام الشهى أكاذيب بالقياس بوليمة جسد الرب ودمه.
وإذا جلست أمام الكتاب المقدس فى وجود الله المتسلط، تأمل كلماته لتشبع بها، واضبط حنجرتك عن الاهتمام بأطعمة العالم، فهى أكاذيب إذا ما قورنت بكلمته.
يتألق دانيال والثلاثة فتية فى هذا الأمر، عندما رفضوا أطايب الملك ومشروبه المقدم لهم يومياً لمدة ثلاث سنوات، وفضلوا عليه القطانى، وهو نوع من البقول لأجل الله، فباركهم إلههم وأعطاهم تفوقاً عن كل زملائهم عشرة أضعاف (دا 1 : 8-20).
ع4، 5: ما أخطر الجرى وراء الغنى، وغالباً ما يستخدم الإنسان فطنته وذكاءه كله ليصير غنياً، وهذا بالطبع يكون على حساب اهتمامه بخلاص نفسه وأبديته، بالإضافة إلى أنه قد يستخدم وسائل خاطئة ليصل إلى الغنى، فيغضب الله.
ومن يسعى إلى الغنى، يتمنى أن يرتفع ويطير كالطائر ليصل إلى الغنى بسرعة، ولكن الغنى يهرب منه كنسر ذى جناحين؛ لأن الأموال تتبدد وتزول. والغنى نفسه سيموت ولا يوجد.
إذن السعى نحو الغنى لا يوصل إلى شئ لماذا ؟
- المال يتبدد، وينفق ويزول مع الزمن.
- قد يسعى الإنسان نحو الغنى ولا يصل، فيصاب بخيبة أمل.
- قد يصل الساعى إلى الغنى أن يكون غنياً، ولكنه يموت ويترك وراءه هذه الأموال ولا يستفيد منها.
- إذا وصل إلى الغنى واتكل عليه يفاجأ أمام المشاكل بالعجز ولا تسنده أمواله، مثل الأمراض المستعصية، أو فقدان أحد الأحباء.
والخلاصة، كن مجتهداً، فإذا حصلت على أموال وصرت غنياً أشكر الله، واستخدمها بحكمة لمجد اسمه القدوس. وإن لم تصر غنياً فلا تتضايق، وتقارن نفسك بغيرك من الأغنياء، لأن السعادة ليست فى الغنى، بل فى سلام القلب الذى يهبه الله لأولاده.
ع6-8: يعود سليمان ثانية ليحدثنا عن الجلوس فى الولائم وآدابها، فيقول : إن دعيت إلى وليمة ذى عين شريرة، ويقصد به البخيل، فلا تشتهى طعامه اللذيذ، ويفضل ألا تقبل الدعوة إلى وليمته؛ لأنه ليس مخلصاً فى الترحيب بك، ولكنه يطلب منفعته ومصلحته منك، وليس إكرامك، فهو جشع، لا يريد إطعامك والاهتمام بك، بل يقول لك هذا فقط بلسانه، ويحسب عليك ما أكلته. وأنت إن شكرته كثيراً بكلمات حلوة، تعود فتخسر هذه الكلمات، بل وتتقيأ ما أكلته، أو تود أن تتقيأه؛ لأنك ستلاحظ نظراته وأفكاره الردية، وتقول يا ليتنى لم أقبل هذه الدعوة.
فهذه الآيات تحذير من قبول الدعوة لوليمة البخيل، أو الإنسان الشرير، ودعوة أيضاً للتعفف فى الولائم التى تدعى إليها.
ويلاحظ أن عبارة كما شعر فى نفسه هكذا هو” فى (ع7) تعنى أن مشاعره الشريرة نحوك هى فعلاً حقيقته وقلبه ليس معك، بل يقول مجاملات كاذبة لك.
يفهم من هذه الآية الحرص فى التعامل مع الأشرار، وعدم الخلطة الكبيرة معهم، فتكون خلطة فى أقل ما يمكن؛ حتى لا تخسر سلامك، أو تضايقهم، وتظل فى نقاوتك.
ع9: الجاهل، وهو البعيد عن الله لا يريد أن يسمع إرشادات، ونصائح فى الحياة، فيرفضها، بل ويحتقرها أيضاً، فهو يشبه الخنازير والكلاب التى تلقى أمامها المقدسات، فتدوسها بأرجلها (مت7: 6)، أى أن الجاهل يشوه الحقيقة، ويرفض الحكمة، وبالتالى يكفى الصلاة من أجله إلى أن ينتبه ويعود لله.
ع10، 11: تحذر هاتان الآيتان المالك أرض ألا يظلم جاره اليتيم، فينقل حدود أرضه، ويوسعها على حساب اليتيم، وغالباً هذا الإنسان هو العم، أو الخال، أو القريب الذى كان ينبغى أن يكون ولياً، ومسئولاً عن هذا اليتيم، لكنه أنانى يفكر فى توسيع ممتلكاته، مستغلاً فى ذلك ضعف اليتيم.
وتنذر هاتان الآيتان هذا الظالم بأن الله هو الولى الحقيقى لهذا اليتيم، خاصة بعد أن تنازل الإنسان الولى عن مسئولياته، بل وصار ظالماً لليتيم. فالله سيقف أمامه، ويحاسبه عن عدم قيامه بمسئولياته، وهى الدفاع عن اليتيم، ويحاسبه أيضاً عن ظلمه له. والله عندما يكون ولياً فهو أقوى شخص فى العالم، ولابد له أن يسترد حق اليتيم والضعيف، ويعاقب الظالم.
والمسيح هو ولينا الذى اشترانا بدمه على الصليب، ويدافع عنا فى أى ظلم يقع علينا إذا التجأنا إليه.
أنظر إلى الله لتشبع به بالتناول من أسراره المقدسة، والتأمل فى كلمات الكتاب المقدس، وأشكر الله على عطاياه. حينئذ تكون متعففاً عن الماديات والأطعمة، وكل الممتلكات. ولا تظلم غيرك، بل كن حنوناً على الكل، محباً للعطاء.
(2) تأديب وتعليم الإبن (ع12-28):
12- وَجِّهْ قَلْبَكَ إِلَى الأَدَبِ، وَأُذُنَيْكَ إِلَى كَلِمَاتِ الْمَعْرِفَةِ. 13- لاَ تَمْنَعِ التَّأْدِيبَ عَنِ الْوَلَدِ، لأَنَّكَ إِنْ ضَرَبْتَهُ بِعَصًا لاَ يَمُوتُ. 14- تَضْرِبُهُ أَنْتَ بِعَصًا فَتُنْقِذُ نَفْسَهُ مِنَ الْهَاوِيَةِ. 15- يَا ابْنِي، إِنْ كَانَ قَلْبُكَ حَكِيمًا يَفْرَحُ قَلْبِي أَنَا أَيْضًا، 16- وَتَبْتَهِجُ كِلْيَتَايَ إِذَا تَكَلَّمَتْ شَفَتَاكَ بِالْمُسْتَقِيمَاتِ.
17- لاَ يَحْسِدَنَّ قَلْبُكَ الْخَاطِئِينَ، بَلْ كُنْ فِي مَخَافَةِ الرَّبِّ الْيَوْمَ كُلَّهُ. 18- لأَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ ثَوَابٍ، وَرَجَاؤُكَ لاَ يَخِيبُ. 19- اِسْمَعْ أَنْتَ يَا ابْنِي، وَكُنْ حَكِيمًا، وَأَرْشِدْ قَلْبَكَ فِي الطَّرِيقِ.
20- لاَ تَكُنْ بَيْنَ شِرِّيبِي الْخَمْرِ، بَيْنَ الْمُتْلِفِينَ أَجْسَادَهُمْ، 21- لأَنَّ السِّكِّيرَ وَالْمُسْرِفَ يَفْتَقِرَانِ، وَالنَّوْمُ يَكْسُو الْخِرَقَ. 22- اِسْمَعْ لأَبِيكَ الَّذِي وَلَدَكَ، وَلاَ تَحْتَقِرْ أُمَّكَ إِذَا شَاخَتْ. 23- اِقْتَنِ الْحَقَّ وَلاَ تَبِعْهُ، وَالْحِكْمَةَ وَالأَدَبَ وَالْفَهْمَ. 24- أَبُو الصِّدِّيقِ يَبْتَهِجُ ابْتِهَاجًا، وَمَنْ وَلَدَ حَكِيمًا يُسَرُّ بِهِ.
25- يَفْرَحُ أَبُوكَ وَأُمُّكَ، وَتَبْتَهِجُ الَّتِي وَلَدَتْكَ. 26- يَا ابْنِي أَعْطِنِي قَلْبَكَ، وَلْتُلاَحِظْ عَيْنَاكَ طُرُقِي.
27- لأَنَّ الزَّانِيَةَ هُوَّةٌ عَمِيقَةٌ، وَالأَجْنَبِيَّةُ حُفْرَةٌ ضَيِّقَةٌ. 28- هِيَ أَيْضًا كَلِصٍّ تَكْمُنُ وَتَزِيدُ الْغَادِرِينَ بَيْنَ النَّاسِ.
ع12: توجيه القلب إلى الأدب يعنى الشعور بأهمية التأديب الإلهى الذى يسمح به الله لمنفعتنا، فنقبل التعب أو الضيق؛ لأجل إصلاح نفوسنا، ولا نتذمر.
ونهتم بسماع كلمات المعرفة، أى معرفة الله؛ حتى نكتشف خطايانا فنتوب عنها، ونتحرك نحو الطريق المستقيم؛ لنحيا مع الله، ونعوض ما فاتنا.
هذه الآية تبين أهمية السعى والاهتمام لسماع كلمات أب الاعتراف، والمرشد الروحى، فكلماتها هى كلمات المعرفة التى يرسلها الله لنا لنحيا بها.
ع13، 14: التأديب أمر ضرورى لإصلاح حياة الإنسان، خاصة فى الصغر، فالضرب بالعصا، أو أى حرمان من أمور جسدية يعلم الصغار أهمية الانضباط. ولكن ينبغى أولاً أن يسبق التأديب الحب والحنان والتقدير؛ حتى يكون الإبن واثقاً من نفسه، ويقبل التأديب الذى فى حدود طاقة الإبن، فينفعه ويوجهه للخير، ويبعده عن الشر. وبهذا ننقذ حياة الإبن من مخاطر كثيرة.
ويلزم قبل التأديب التوجيه، والتعليم، ولا نبدأ بالتأديب.
والله يبدأ معنا بأعمال الرحمة والحب، فإن أهملنا محبته، وجذبنا الشيطان لخطايا متنوعة، نلزم الله أن يؤدبنا لينقذنا من الشر. فالتأديب غرضه الإصلاح، وليس الانتقام، ولا يكون صادراً عن غضب شديد، أو أنانية من يؤدب، بل يمتزج التأديب بالحب الأبوى، فلا يضر الذى يتأدب، بل ويعلم أن هذا لمصلحته، ثم نعود فنعطيه حناناً وتشجيعاً ليواصل حياته باستقرار.
ع15، 16: حكمة الأبناء، وحديثهم عن الأمور المستقيمة يفرح قلب والديهم، ويفرح أيضاً قلب الله؛ لأنهم قبلوا التأديب، فساروا فى الطريق المستقيم، وتعلموا الحكمة، وعاشوا بها، ونطقت بها ألسنتهم.
ع17، 18: لا تضطرب إذا رأيت نجاح الخطاة، فهو مؤقت، ولا تحسدهم على نجاحهم، ولكن تذكر مخافة الرب، فتبتعد عن الشر، والتعلق بالماديات، وتصلى لأجل الخطاة حتى يتوبوا، واثقاً فى بركات الله للمستقيمين، وعقابه للأشرار. فالله يطيل أناته على الكل ليتوبوا، ولكنه عادل ولابد أن يعطى كل إنسان حقه.
ع19-21: نجد هنا تحذيراً من أمرين :
- الخمر.
- الإسراف.
وكلاهما مفسد للإنسان، فمن عدم الحكمة، وعدم قبول الإرشاد أن يستسلم الإنسان للخمر، التى يصاحبها الإسراف، فيأتى الفقر. كل هذا لشرب الخمر، أو السقوط فى محبة اللذات المادية، والإسراف فى الحصول عليها، فيفتقر أيضاً الإنسان، وينام على الخرق، وهى الأقمشة البالية والممزقة.
فالحكمة والإرشاد تجعلان الإنسان منضبطاً فى استخدام الماديات، ومبتعداً عن الانشغال بالخمر والسكر.
ويلاحظ أن الانشغال بالخمر والإسراف فى اللذات المادية، يجعل الإنسان كسولاً، ويفقد نشاطه فى العمل، أو يترك عمله تماماً، ولا يجد احتياجاته الضرورية.
ع22: احترام الوالدين طوال حياتهما أمر هام؛ لأنهما مخلصان حتى لو شاخا، وضعفا جسدياً، ولكن حكمتهما، ومحبتهما، واخلاصهما ليس مثله.
والمسيح كان مطيعاً ليوسف النجار، وأمه العذراء؛ مع أنه خالقهما (لو2: 51).
ع23: الحق هو الله، واقتنائه، والتمسك به، وعدم بيعه أمام ضغوط الحياة، ودعوة الأشرار المحيطين بنا للخداع والإلتواء، يجعل الإنسان يحيا بالحق فيصير قوياً، والله يباركه. فمن يقتنى الحق يقتنى الله داخله.
وكذلك ينبغى أن يهتم الإنسان أن يتمسك بالحكمة، والأدب والفهم، فلا يهتز إذا وجد نجاح الأشرار، بل يظل متمسكاً بوصايا الله التى هى الحكمة. ولا يضطرب إذا أتت عليه تأديبات، ويسعى نحو الفهم الروحى والعمل به.
ع24، 25: من يسلك بالحكمة والبر يفرح قلب والديه، إذ يريا ثمر تربيتهما وتعبهما. فهذا يعطيهما سلاماً، وطمأنينة، فيشجعان أبناءهما على الحياة مع الله.
وكم يكون فرح الله، أبينا السماوى، عندما يرانا نحيا كصديقين وحكماء وسط العالم الشرير، متكلين عليه، وغير منزعجين من شر العالم، بل على العكس نصلى من أجل الخطاة، ونسعى لجذبهم نحو الله.
ع26: ينادى الله فى هذه الآية أولاده المؤمنين به فى كل مكان أن يعطوه قلوبهم؛ ليحفظها لهم فى مخافته ومحبته، لئلا يغويهم الشيطان، ويجذب مشاعرهم للشهوات الشريرة.
ويعطى الإنسان كل قلبه لله، وليس جزءً منه، كما قال المسيح : “تحب الرب إلهك من كل قلبك” (مت22: 37) لأنه ليس شركة للنور مع الظلمة (2كو6: 14)، فيلزم أن تكون كل مشاعرك لله، وحينئذ لا يستطيع الشر أن يقترب إليك، بل يخاف منك الشيطان.
وعندما تتعلق مشاعر الإنسان بالله، سيلاحظ طرقه، وهى وصاياه، وكل تعاليم الكنيسة، فيحيا ثابتاً فى الله، متمتعاً بعشرته.
ع27، 28: تكمن : تختبئ لتنقض على الفريسة.
الغادرين : الخائنين لزوجاتهم، ولله بزناهم.
إن كان الإنسان الذى يعطى قلبه لله، ويلاحظ طرقه يحيا فى عشرته، فعلى النقيض، الإنسان الذى يسعى للزنى مع الأجنبيات، فإنه يلقى بنفسه فى هوة عميقة، أو حفرة ضيقة لا يمكن الخروج منها بسهولة، لأن هذه الزانية ستغرى هذا الإنسان، وتكمن له؛ لتسقطه فى كل خطواته. بل وتجذب الآخرين من أصدقائه، فيزداد عدد الزناة والخونة لله، ولزوجاتهم؛ لأنهم ابتعدوا عن الله، وأعطوا قلوبهم وطرقهم للشر. من الأمثلة الواضحة على إذلال الزنى، شمشون العظيم الذى أذلته دليلة، وقصت شعره، فأفقدته قوته، وفقد عينيه وصار يعمل كالحيوان يجر الطاحونة فى المعبد الوثنى (قض16).
احترس من المناظر والأفكار الردية، وابتعد عن الأماكن الشريرة؛ لئلا تسقط فيها، وإذ تظن أنك قوى، تجد الشيطان يذلك ويدوس عليك. فإذا سقطت قم سريعاً، واطلب معونة الله لينجيك؛ لأنه قادر أن يطهرك، ويثبتك فيه، فتستعيد بنوتك، وترفع رأسك لتحيا مع أولاد الله فى قوة.
(3) عقاب أورشليم (ع29-35) :
29- لِمَنِ الْوَيْلُ؟ لِمَنِ الشَّقَاوَةُ؟ لِمَنِ الْمُخَاصَمَاتُ؟ لِمَنِ الْكَرْبُ؟ لِمَنِ الْجُرُوحُ بِلاَ سَبَبٍ؟ لِمَنِ ازْمِهْرَارُ الْعَيْنَيْنِ؟ 30- لِلَّذِينَ يُدْمِنُونَ الْخَمْرَ، الَّذِينَ يَدْخُلُونَ فِي طَلَبِ الشَّرَابِ الْمَمْزُوجِ. 31- لاَ تَنْظُرْ إِلَى الْخَمْرِ إِذَا احْمَرَّتْ حِينَ تُظْهِرُ حِبَابَهَا فِي الْكَأْسِ وَسَاغَتْ مُرَقْرِقَةً. 32- فِي الآخِرِ تَلْسَعُ كَالْحَيَّةِ وَتَلْدَغُ كَالأُفْعُوانِ. 33- عَيْنَاكَ تَنْظُرَانِ الأَجْنَبِيَّاتِ، وَقَلْبُكَ يَنْطِقُ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ. 34- وَتَكُونُ كَمُضْطَجعٍ فِي قَلْبِ الْبَحْرِ، أَوْ كَمُضْطَجعٍ عَلَى رَأْسِ سَارِيَةٍ. 35- يَقُولُ: «ضَرَبُونِي وَلَمْ أَتَوَجَّعْ! لَقَدْ لَكَأُونِي وَلَمْ أَعْرِفْ! مَتَى أَسْتَيْقِظُ؟ أَعُودُ أَطْلُبُهَا بَعْدُ!».
ع29، 30: الكرب : الضيق الشديد.
إزمهرار : إحمرار العينين وضعف البصر.
يعلن سليمان ستة أسئلة فى هاتين الآيتين، هى مجموعة من النكبات تأتى على رأس من يدمن الخمر. فهو يبين مدى خطورة الخمر وفظاعتها فى التأثير على المتعلقين بها، فهذا إنذار وتحذير لكل من يحبون الخمر؛ حتى يبتعدواعنها، ولا تذلهم بنكباتها، إذ تسقطهم فى الضعف، وتصنع إنشقاقات بين الناس، وخصومات وشقاء، ومتاعب وجروح لا حصر لها.
فلوط مثلاً الذى فقد اتزانه بشرب الخمر، أذله الشيطان بالزنى مع ابنتيه، وأنجب إبنين صارا شعبين معاديين لشعب الله طوال حياتهما.
ع31، 32: حبابها : فقاقيع تعلو فوق الخمر فى الكأس.
ساغت : سهل صبها فى الكأس.
مرقرقة : متلألئة لامعة.
الأفعوان: ذكر الثعبان السام.
أفخر أنواع الخمر فى كنعان هو النبيذ الأحمر. فيظهر سليمان فى هذه الآية أن الخمر تبدو جذابة بلونها الجميل الأحمر، وحين تصب فى الكأس تدعو من يراها ليشربها، ولكن عندما تدخل فى فمه وجوفه تلسعه، وتكون كسم الأفعوان فى داخله، فهو يحذرنا من الخمر الجذابة فى شكلها، ولكنها خطيرة جداً فى تأثيرها على الإنسان، وذلك، يفهم أنه ينبغى الاحتراس، والابتعاد عنها حتى لا يتلف الإنسان نفسه.
وبالتالى يحرص الإنسان ألا ينظر إلى الخمر ويتأملها، وإذا تذوقها فلا يشرب منها بحريته لئلا يسقط فى محبتها، بل ويسكر أيضاً. فالويل من الكأس الأولى؛ لأنها تجذب الإنسان إلى محبة الخمر فتدمره.
ع33-35: سارية : خشبة طويلة مثبتة فى الأرض.
لكأونى : ضروبنى.
إن من يشرب الخمر يتوه عقله، فيسهل سقوطه إذا نظر إلى امرأة غريبة فيشتهيها، بل يتفوه بكلمات شريرة وأكاذيب معها، ويسقط فى الزنى، وهو فى حالة من التيه وعدم الاتزان، كأنه نائم فى وسط البحر، وبالتالى حتماً سيغرق، أو نائم على رأس سارية، فبالتأكيد سيسقط ويموت ويصبح سخرية للجميع. فهو لا يدرك كل ما يمر به؛ لذا يقول ضربونى ولم أشعر بالألم، ولم أعرف أنهم ضربونى أم لا ! أى أنه فى حالة غياب جزئى عن الحياة.
وعندما يتخلص من تأثير الخمر ويستعيد إدراكه، يشعر بحاجته إلى الخمر التى تعودها، فيعود إلى شربها، ويفقد اتزانه مرة أخرى، ثم يتكرر سقوطه فى الزنى، ويستبيح كل شر، لأنه قد فقد وقاره، فأصبح من السهل على الشيطان أن يسقطه فى الخطية، وهكذا يبتعد تماماً عن الله، ويصبح فريسة خاضعة لإبليس. هذا هو تأثير الخمر على المساكين الذين تعلقوا بها.
ومن الأمثلة السيئة على شرب الخمر والسكر، نوح الذى شرب الخمر وسكر فتعرى (تك9: 21).
لا تترك الشيطان يغريك بالخمر، أو بأى شئ يفقدك اتزانك، أو يسيطر عليك عندما تتعوده، سواء كان شئ تأخذه بالفم، أو تنظره عيناك. المهم ألا تدمن شيئاً يبعدك عن الله.
كن حريصاً على أبديتك وخلاص نفسك لتخلص من كل فخاخ الشياطين. وإن سقطت قم سريعاً؛ لئلا يسيطر عليك الشيطان ويسلبك إرادتك، وثق أن الله يحبك، ومستعد أن يسندك، ويخرجك من المشكلة التى أسقطت نفسك فيها.