الحكمة حياة معاشة
(1) بركات الحكمة (ع1-12):
1- يَا ابْنِي، لاَ تَنْسَ شَرِيعَتِي، بَلْ لِيَحْفَظْ قَلْبُكَ وَصَايَايَ. 2- فَإِنَّهَا تَزِيدُكَ طُولَ أَيَّامٍ، وَسِنِي حَيَاةٍ وَسَلاَمَةً. 3- لاَ تَدَعِ الرَّحْمَةَ وَالْحَقَّ يَتْرُكَانِكَ. تَقَلَّدْهُمَا عَلَى عُنُقِكَ. اُكْتُبْهُمَا عَلَى لَوْحِ قَلْبِكَ، 4- فَتَجِدَ نِعْمَةً وَفِطْنَةً صَالِحَةً فِي أَعْيُنِ اللهِ وَالنَّاسِ. 5- تَوَكَّلْ عَلَى الرَّبِّ بِكُلِّ قَلْبِكَ، وَعَلَى فَهْمِكَ لاَ تَعْتَمِدْ. 6- فِي كُلِّ طُرُقِكَ اعْرِفْهُ، وَهُوَ يُقَوِّمُ سُبُلَكَ. 7- لاَ تَكُنْ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِكَ. اتَّقِ الرَّبَّ وَابْعُدْ عَنِ الشَّرِّ، 8- فَيَكُونَ شِفَاءً لِسُرَّتِكَ، وَسَقَاءً لِعِظَامِكَ. 9- أَكْرِمِ الرَّبَّ مِنْ مَالِكَ وَمِنْ كُلِّ بَاكُورَاتِ غَلَّتِكَ، 10- فَتَمْتَلِئَ خَزَائِنُكَ شِبْعًا، وَتَفِيضَ مَعَاصِرُكَ مِسْطَارًا. 11- يَا ابْنِي، لاَ تَحْتَقِرْ تَأْدِيبَ الرَّبِّ وَلاَ تَكْرَهْ تَوْبِيخَهُ، 12- لأَنَّ الَّذِي يُحِبُّهُ الرَّبُّ يُؤَدِّبُهُ، وَكَأَبٍ بِابْنٍ يُسَرُّ بِهِ.
ع1، 2: يوصى سليمان محبى الحكمة أن يهتموا بالشريعة والوصايا. وسليمان يرمز للمسيح أقنوم الحكمة، الذى يوصينا نحن أولاده بحفظ شريعته ووصاياه، والحياة بها (يو14: 23).
ويعدنا بطول الأيام وسنى الحياة، والمقصود، طول الأيام التى نحياها مع الله، ونتمتع فيها بعشرته على الأرض. ويعدنا أيضاً بالسلام، وهو السلام الداخلى الذى يولد الفرح والسعادة، أكثر من السلام الخارجى. ثم ترمز سنو الحياة إلى الأبدية التى تطول إلى ما لا نهاية فى تمتع دائم بالله.
وحفظ الوصايا فى القلب يعنى ليس فقط حفظها بالذهن، أو ترديدها باللسان، ولكن أكثر من هذا الإحساس بها وتطبيقها فى الحياة. وبهذا ينال الإنسان البركة الأولى للحكمة فى هذا الأصحاح، وهى السلام وعشرة الله.
ع3: تقلدهما : إلبسهما على عنقك مثل القلادة؛ أى العقد.
يوصى سليمان طالبى الحكمة بأن يتمسكوا بالرحمة، إذ أن كل البشر تحت الضعف، ويحتاجون لرحمة الله التى تظهر فى أولاده الحكماء. ولا تنفصل الرحمة عن الحق، الذى هو العدل؛ حتى يكون للرحمة عمل كامل يقود الناس إلى خلاص أنفسهم، فيتوبوا عن خطاياهم، وليست الرحمة التى تدللهم، فيفسدوا.
الرحمة والحق تلاقيا، وتكاملا فى المسيح، فيوصينا سليمان ألا نتركهما، أو بمعنى آخر لا نترك المسيح. وأكثر من هذا يقول أن الرحمة والحق لا يتركانك؛ إذ هما الله يسوع المسيح، فلا تدعه يتركك، وذلك بأمرين :
- تقلدهما على عنقك : فيكونا تذكرة دائمة لك، إذ تشاهدهما كل حين، ويكونا كرامة لك، وتعتز بهما؛ لتحيا بموجبهما. خاصة أن العنق يرمز للإيمان، لأن العنق يربط بين الرأس الذى هوالمسيح، والجسد الذى هو الكنيسة، فيكون إيمانك متصفاً بالرحمة والحق.
- اكتبهما على لوح قلبك : وهذا معناه أن تحفظهما فى مشاعرك، لتتأمل فيهما، وتشعر بهما، فتحيا وتتمتع بعملهما فى حياتك.
- والتمسك بالرحمة والحق اللتين هما صفتى الله، يجعل الإنسان يحيا إلهياً، أو يحيا الله فيه، فيسمو الإنسان متشبهاً بالله.
ع4: فطنة : فهم وتمييز.
يقدم سليمان وعداً وبركة ثانية لمن يتمسك بالرحمة والحق اللذين هما الحكمة الحقيقية. وهذا الوعد يشتمل على أمرين :
- نعمة : من الله تساند الإنسان ليسلك بالرحمة والحق.
- فطنة صالحة : أى فهم وتمييز صالح يقود الإنسان للحياة مع الله، وعمل الخير، فيفرح قلب الله والناس.
ع5، 6: من صفات الحكماء أيضاً التوكل على الله، وإن كانوا يستخدمون عقولهم، ولكنهم يسلمون حياتهم لله، ويضعون كل أفكارهم بين يديه، ويلقون كل همومهم عليه، فهو قائدهم الوحيد. وحتى لا يفقدوا الاتكال على الله يعرفوه كل حين من خلال الصلاة، أى يكون دائماً أمام عيونهم، فيتكلوا عليه، وحينئذ ينالون البركة الثالثة للحكمة، وهى تقويم سبل الحكيم، فيبتعد عن كل انحراف، ويسلك فى الطريق المستقيم، وإن كان قد حدث أى اعوجاج فى السلوك يصلحه الله، ليحيا باستقامة أمامه.
ع7، 8: سقاء : رى، أو ارتواء.
من صفات الحكيم الاتضاع، والبعد عن الكبرياء التى هى رؤية الإنسان نفسه حكيماً. وعلى العكس يخاف الإنسان الله، فيبتعد عن الشر لئلا يغضب الرب، فينال البركة الرابعة للحكمة وهى أمرين :
- شفاء لسرتك : أى شفاء لأمراض الجسد. ويقول السرة لأنها مصدر غذاء الجنين الوحيد وبدونها لا يعيش. فالحكمة هى مصدر شبع الإنسان وشفائه من كل أمراضه الروحية والنفسية، بل وأيضاً الجسدية.
- سقاء لعظامك : فتمتلئ العظام بالنخاع الحى، أى تتجدد خلايا النخاع، فتعطى صحة وقوة للإنسان، والمقصود الشبع الداخلى للإنسان.
وهكذا نرى البركة الرابعة للحكمة وهى الشبع. وهذه البركة ناتجة عن الاتضاع ومخافة الله التى تبعد الإنسان عن الشر.
ع9، 10: مسطاراً : خمراً.
بكورات غلتك : الباكورة هى أول ما يجمعه الفلاح من زرعه. والغلة هى محصول الأرض الذى يجمعه الفلاح من الحبوب وخلافه. وكانت الباكورات تقدم لله فى عيد الخمسين بحسب شريعة موسى.
لكى تنال البركة الخامسة للحكمة وهى الشبع والفرح، يلزمك أن تقدم لله من مالك، ومن باكورات غلتك، لأن هذا العطاء يعنى :
- محبة لله وإكرام له، خاصة وأنه هو المعطى الإنسان المال، والمقتنيات. فالإنسان يعطى الله مما وهبه له.
- محبة للمحتاجين، إذ يشعر المعطى بارتباطه مع باقى البشر المحيطين به، فيتألم لآلامهم، ويهتم بسد احتياجاتهم.
- الإيمان ببركة الله، فالجزء الباقى بعد العطاء الله يباركه، فيكفى المعطى ويزيد.
- الزهد فى الماديات، وعدم التعلق بها لأنها كلها فانية تنتهى مع هذا العالم، ولا يبقى إلا الله والحياة الأبدية.
وبركة الله هنا يعبر عنها بامتلاء المخازن، التى تخزن فيها الحبوب، وكل ما يجمع من الحقل. وكذلك معاصر العنب يكون فيها عنب كثير، فتمتلئ من الخمر؛ وهذا يمثل شبع الإنسان لكثرة ممتلكاته. ويرمز هذا إلى الشبع الروحى؛ أى يشبع قلبه بمحبة الله ورعايته (المخازن) ويفرح أيضاً فى كل حين (المسطار).
ع11، 12: لا تحتقر : لا تتذمر.
البركة السادسة للحكمة هى قبول التأديب الإلهى. ويطلب سليمان من محبى الحكمة ألا يتذمروا من التأديب؛ لأنه نافع لإصلاح أخطائهم، بل هو عطية من الله كأب لأولاده. وعدم قبولها معناه رفض البنوة لله.
إذا رفض الإنسان التأديب وتذمر عليه، يعامله الله بشدة أكثر، فيوبخه؛ ليشعره بشئ من عقاب خطيته، أى يجعل الإنسان يواجه خطيته؛ ليتوب. فإذا رجع إلى الله يستطيع أن يصلح أخطاءه، ويسلك مستقيماً.
وإذا قبل الإنسان التأديب، أو التوبيخ، فإن الله يحبه، ويسر به ويظهر له محبته، وفرحه به ببركات كثيرة مادية، وروحية.
وقد اقتبس بولس الرسول هاتين الآيتين لأهميتهما فى (عب12: 5، 6) مع اختلاف بسيط فى الترجمة.
إذا قبلت تأديب الله يكشف لك أسراره، ولماذا سمح بتأديبك ؟ وما هى البركات التى أعدها لك؟ فيمتعك بمعرفته، وينميك في محبته.
(2) مدح الحكمة (ع13-20):
13- طُوبَى لِلإِنْسَانِ الَّذِي يَجِدُ الْحِكْمَةَ، وَلِلرَّجُلِ الَّذِي يَنَالُ الْفَهْمَ، 14- لأَنَّ تِجَارَتَهَا خَيْرٌ مِنْ تِجَارَةِ الْفِضَّةِ، وَرِبْحَهَا خَيْرٌ مِنَ الذَّهَبِ الْخَالِصِ. 15- هِيَ أَثْمَنُ مِنَ الَّلآلِئِ، وَكُلُّ جَوَاهِرِكَ لاَ تُسَاوِيهَا. 16- فِي يَمِينِهَا طُولُ أَيَّامٍ، وَفِي يَسَارِهَا الْغِنَى وَالْمَجْدُ. 17- طُرُقُهَا طُرُقُ نِعَمٍ، وَكُلُّ مَسَالِكِهَا سَلاَمٌ. 18- هِيَ شَجَرَةُ حَيَاةٍ لِمُمْسِكِيهَا، وَالْمُتَمَسِّكُ بِهَا مَغْبُوطٌ. 19- الرَّبُّ بِالْحِكْمَةِ أَسَّسَ الأَرْضَ. أَثْبَتَ السَّمَاوَاتِ بِالْفَهْمِ. 20- بِعِلْمِهِ انْشَقَّتِ اللُّجَجُ، وَتَقْطُرُ السَّحَابُ نَدًى.
ع13-15: يمتدح سليمان هنا من يجد الحكمة، أى يظهر سعادة وفرح كل من يسعى ويبحث عن الحكمة، لأن كلمة “يجد” فى الأصل العبرى تعنى التنقيب والحفر فى الأرض للوصول إلى الحكمة، أى جهاد كثير للحصول على الحكمة لأهميتها العظمى. ويصف المتاجرة بها، أى استخدام الحكمة فى الحياة، بأنه أفضل من تجارة الفضة والذهب. لأن بالفضة والذهب ينال الإنسان ممتلكات العالم، ولكن بالحكمة ينال الإنسان خلاص نفسه، وخلاص الآخرين وهو أعظم من أى شئ. ويصف أيضاً تجارة الحكمة بأنها أثمن من كل مقتنيات الإنسان، مثل اللآلئ وكل الجواهر.
إن من يسعى لاقتناء الحكمة يقتنى الله نفسه فى داخله؛ لأن الله هو الحكمة، وبالتالى فهو يقتنى من سيعطيه كل شئ.
ع16: يمتدح سليمان الحكمة بصفات كثيرة، فبعد أن أظهر الصفة الأولى للحكمة وهى أن تجارتها تفوق كل تجارة فى العالم، يعلن الصفة الثانية للحكمة بأن فى يمينها طول الأيام. واليمين ترمز للقوة، أى أن الحكمة سوف تعطيه بسخاء طول الأيام، والمقصود الأيام السعيدة التى يتمتع فيها بعشرة الله. وأيضاً تمتد هذه الأيام إلى الأبدية؛ ليجد السعادة الكاملة. وهذا هو أهم مطلب واحتياج للإنسان؛ الوجود مع الله.
أما الصفة الثالثة للحكمة فهى أن تعطيه بيسارها الغنى والمجد. ويسارها يرمز للعطايا المادية، وأهمها الغنى والمجد، فيجد الحكيم كل احتياجاته المادية، وما يفيض عنه أيضاً؛ ليعطى الآخرين. وكذلك المجد، أى يعطيه نعمة فى أعين الكل وشرف وكرامة. كل هذا يساعده أن يخدم الآخرين ويجذبهم للحياة الأبدية.
ع17: الصفة الرابعة للحكمة أن طرقها طرق نعم، أى مملوءة ببركات الله. فالحكمة تشبه أم تحتضن كل محبيها، وتهبهم نعم كثيرة فى كل مجالات حياتهم؛ فى الفكر والكلام والتصرف، وتسندهم فى طريق الله.
والصفة الخامسة للحكمة هى أنها تعطى محبيها سلاماً. هذا السلام داخلى فى أعماقهم، فيمنحهم الهدوء والطمأنينة؛ كل هذا فى أحضان الحكمة، ويساعدهم على السلوك المستقيم باتزان، وعدم انزعاج من أية تقلبات فى العالم.
ع18: مغبوط : مسرور.
الصفة السادسة للحكمة هى أنها شجرة حياة لمن يتمسك بها، فتعطيه حياة صالحة على الأرض مع الله، ثم حياة أبدية. كما كانت فى الفردوس الأول شجرة حياة من يأكل منها يحيا إلى الأبد، هكذا أيضاً الحكمة هى شجرة الحياة التى تهب محبيها إحساساً وحماساً فى كل ممارساتهم الروحية، وكل أعمالهم. ولكن ينبغى أن يمسكوا بها؛ لأن الكسالى لن يقوموا ليقطفوا ثمارها، فيحرموا من بركاتها، أما من يجاهد، ويتمسك بالحكمة مهما تعب، فهو ينال حياته فيها. وشجرة الحياة هى المسيح أقنوم الحكمة الذى كل من يتمسك به يناله فى كنيسته من خلال الأسرار المقدسة، ووسائط النعمة، وكل بركة.
أما الصفة السابعة للحكمة فهى الفرح؛ لأن كل من يمسك بها يفرح بمعية الله وعشرته، ويسر أيضاً بكل ثمار الحكمة، وهى الفضائل.
ع19، 20: اللجج : المياه الكثيرة.
تقطر : تنزل قطرات.
الصفة الثامنة للحكمة هى أنها خالقة كل الموجودات، فهى التى أسست الأرض كأنها على أعمدة، كما كان يظن الأقدمين. والسموات بكل ما تحمل فيها من مياه تثبتها الحكمة فى مكانها لئلا تغرق الأرض. وشق الله بحكمته مياه البحر الأحمر العميقة، فعبر وسطها شعبه، وهكذا أيضاً شق مياه نهر الأردن فعبر شعبه إلى أرض كنعان. بالإضافة إلى أنه يسقى الأرض من الأمطار التى تقطر من السماء، أى أن الله خالق الطبيعة كلها. ووضع لها أيضاً قوانين طبيعية لتحكمها، وفى نفس الوقت يستطيع أن يغير هذه القوانين لأجل أولاده، فيشق البحار والأنهار أمامهم.
من كل هذا نفهم أن الحكمة هى الله خالق كل شئ، أو هى بالتدقيق الإبن الذى به خلق العالمين.
ابحث عن الحكمة في كلام الله، فتجد حياتك. إتعب في قراءة الكتاب المقدس والتأمل فيه، فتفيض عليك بركات الحكمة، وتحفظك في كل طرقك.
(3) الحكمة والطمأنينة (ع21-26):
21- يَا ابْنِي، لاَ تَبْرَحْ هذِهِ مِنْ عَيْنَيْكَ. احْفَظِ الرَّأْيَ وَالتَّدْبِيرَ، 22- فَيَكُونَا حَيَاةً لِنَفْسِكَ، وَنِعْمَةً لِعُنُقِكَ. 23- حِينَئِذٍ تَسْلُكُ فِي طَرِيقِكَ آمِنًا، وَلاَ تَعْثُرُ رِجْلُكَ. 24- إِذَا اضْطَجَعْتَ فَلاَ تَخَافُ، بَلْ تَضْطَجعُ وَيَلُذُّ نَوْمُكَ. 25- لاَ تَخْشَى مِنْ خَوْفٍ بَاغِتٍ، وَلاَ مِنْ خَرَابِ الأَشْرَارِ إِذَا جَاءَ.
26- لأَنَّ الرَّبَّ يَكُونُ مُعْتَمَدَكَ، وَيَصُونُ رِجْلَكَ مِنْ أَنْ تُؤْخَذَ.
ع21، 22: ينصح سليمان محبى الحكمة ألا يتركوا هذه الحكمة، ويضعونها أمام أعينهم دائماً فى شكليها :
- الرِأى : وهو مشورة الحكمة والإرشاد.
- التدبير : أى تطبيق إرشاد الحكمة فى الحياة، وترتيبها معاً لتصل إلى هدفها وهو الله.
فإذا اهتم محبو الحكمة وأطاعوا ما سبق ينالون :
- حياة لنفسك : فتتمتع نفوسهم بالحياة مع الله، بل والحياة الأبدية.
- نعمة لعنقك : أى تحل بركات الحكمة عليك بشكل ظاهر، كما يلبس العقد على العنق، وإذ يرى الناس بركات الحكمة فيك، تكون نوراً لهم، وتجذبهم لله مصدر الحكمة.
ع23: إذا وضع الإنسان الحكمة أمام عينيه، يجد الأمان فى سلوكه وتصرفاته، فيتكلم بثقة، ويعمل بثبات مطمئناً ليد الله المساندة له، ولا ينزعج، أو يعثر من تقلبات الحياة، وأخطاء الآخرين. لكن يظل ثابتاً فى الله، وقدوة لمن حوله.
ع24: إذا نام الإنسان الحكيم ورقد على فراشه ينام مطمئناً، ويتلذذ بنومه، أى ينام بلا قلق، أو أحلام مزعجة، ولكن نوماً هادئاً؛ لأنه يشعر أنه بين يدى الله الذى أحبه واتكل عليه، فلا يخاف من أى شئ يؤذيه.
ع25، 26: باغت : مفاجئ.
الخلاصة يظهرها سليمان فى هاتين الآيتين، أن الحكيم يحيا مطمئناً لا يخشى من أمر غامض يمكن أن يفاجئه ويصيبه، أو عدو يهجم عليه، أو يقع فى مصيبة، أو شبكة لا يستطيع الخروج منها. لأنه يؤمن بالله الذى معه، ويستطيع أن ينقذه من أى خطر، ويحفظه وسط جميع الضيقات، وبالتالى لا يضطرب من أية تهديدات، أو أخبار مزعجة، كما يعلن المزمور (مز91: 11، 12).
اتكل على الله في كل خطواتك، فتسلك مطمئناً في كل طرقك وتنام هادئاً، بل تستطيع أن تواجه كل الصعاب بقلب ثابت، وتنجح في كل ما تمتد إليه يداك.
(4) الحكمة والمحبة (ع27-30):
27- لاَ تَمْنَعِ الْخَيْرَ عَنْ أَهْلِهِ، حِينَ يَكُونُ فِي طَاقَةِ يَدِكَ أَنْ تَفْعَلَهُ. 28- لاَ تَقُلْ لِصَاحِبِكَ: «اذْهَبْ وَعُدْ فَأُعْطِيَكَ غَدًا» وَمَوْجُودٌ عِنْدَكَ. 29- لاَ تَخْتَرِعْ شَرًّا عَلَى صَاحِبِكَ، وَهُوَ سَاكِنٌ لَدَيْكَ آمِنًا. 30- لاَ تُخَاصِمْ إِنْسَانًا بِدُونِ سَبَبٍ، إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَنَعَ مَعَكَ شَرًّا.
ع27، 28: يدعونا سليمان لعمل الخير مع كل إنسان يحتاج، وهذا يعنى ما يلى :
- ضرورة عمل الخير، فلا يصح منعه.
- ممتلكاتنا أعطاها لنا الله لنعطيها لأهلها، فهى حق للآخرين المحتاجين، ونحن وكلاء على هذه الممتلكات، فينبغى أن نعطيها لهم، وأيضاً باتضاع، وبسخاء.
- هذه الوصية تشمل بالطبع دفع العشور والبكور، فهى حق الله الذى يُعطى لأولاده المحتاجين.
- هاتان الآيتان تتضمنان تسديد ما علينا من ديون للآخرين مع شكرهم على أنهم أعطونا هذه السلفيات (القروض).
- ضرورة الإسراع فى عمل الخير، وعدم تأجيله، مادام لك القدرة على عمله، فلا تتعب المحتاج.
- عدم تأجيل أجرة الأجير مادام عندك.
- التأجيل معناه خطية سرقة، فأنت تسلب حق المحتاج، أو الأجير. كما يفعل البعض ويستثمرون أموالهم قبل أن يعطوها لأصحابها. ومن ناحية أخرى من يؤجل الخير لا يضمن حياته، أو حياة المحتاج، فإذا مات أى منهما يكون قد ضاع حق المحتاج، أو الأجير. وقد أكد بولس ويعقوب الرسولان أهمية عمل الخير (رو13: 8؛ يع2: 16).
ع29: هذه الآية تعنى ما يلى :
- عدم تدبير شر، أو تلفيق تهمة كاذبة ضد إنسان برئ.
- هذا الشر هو خيانة لمن يسكن معك فى أمان واثقاً بك، فكيف تسئ إليه مع إنه لم يسئ إليك ؟ فهذا شر فظيع.
ع30: يدعونا سليمان ألا نخاصم، أو نتباعد عن إنسان يعاملنا معاملة طيبة، ولم يصنع معنا شراً. فقد كان العهد القديم يسمح بمجازاة الشر بشر، ولكن بمقدار الإساءة ولا يزيد عنه؛ ليضبط البشر، فلا يتمادى الناس فى الإساءة لمن أساء إليهم. أما فى العهد الجديد، فيطالبنا الله ألا نجازى عن شر بشر، بل نصنع محبة؛ حتى مع الأعداء والمسيئين ونكسبهم بالحب (لو6: 27؛ 1تس5: 15).
ما دمت تتمتع ببنوة الله، فاعمل عمله، وهو الخير مع كل إنسان، كما يشرق شمسه على الأبرار والأشرار، ويوزع بركاته على الجميع.
(5) الحكماء والحمقى (ع31-35):
31 لاَ تَحْسِدِ الظَّالِمَ وَلاَ تَخْتَرْ شَيْئًا مِنْ طُرُقِهِ، 32 لأَنَّ الْمُلْتَوِيَ رَجْسٌ عِنْدَ الرَّبِّ، أَمَّا سِرُّهُ فَعِنْدَ الْمُسْتَقِيمِينَ. 33- لَعْنَةُ الرَّبِّ فِي بَيْتِ الشِّرِّيرِ، لكِنَّهُ يُبَارِكُ مَسْكَنَ الصِّدِّيقِينَ. 34- كَمَا أَنَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِالْمُسْتَهْزِئِينَ، هكَذَا يُعْطِي نِعْمَةً لِلْمُتَوَاضِعِينَ. 35- الْحُكَمَاءُ يَرِثُونَ مَجْدًا وَالْحَمْقَى يَحْمِلُونَ هَوَانًا.
ع31، 32: رجس : مكروه.
يحذر سليمان أولاد الله الذين يحبون الحكمة من الانبهار بما يحصل عليه الظالمون من أموال، أو قوة فى هذا العالم. وينبههم إلى عدم تقليدهم فى طرقهم الشريرة، بأنهم يستخدمون وسائل شريرة، ويظلمون غيرهم؛ ليحصلوا على ممتلكات هذا العالم. وإن سلك أولاد الله فى هذا الشر مع احتفاظهم بشكل بنوتهم لله يكونون ملتوين، منافقين، فيرفضهم الله، إذ هم رجسون فى نظره، ولكن بركته تكون للمستقيمين، الرافضين الشر. بل يعطى أيضاً المستقيمين أولاده أسراره، وهى بركات لا يعبر عنها، تشمل السلام، والسعادة، ومعرفة الله، والتمتع بعشرته.
ع33: الرب يريد أن يبارك كل البشر، ولكن الصديقين فقط، وهم المؤمنين باسمه والسالكين فى وصاياه، ينالون هذه البركات، أما الأشرار فيتخلى عنهم الله، ولا يعطيهم بركته. وحرمانهم من بركة الله هو التعب والشقاء، ويسمى لعنة الرب، ولكنه فى الحقيقة نتيجة شرهم ورفضهم لله، ولكن الله لا يلعن أحداً، ويسمى تخلى الله والحرمان من بركته لعنة.
ع34: أولاد الله محبو الحكمة يتصفون بالاتضاع؛ لذا يعطيهم الله نعمة وبركة. أما الأشرار فيستهزئون بوصايا الله، وبالآخرين المحيطين بهم، والأبرار أيضاً، أى يدينون كل من حولهم. لذا الله الديان يدينهم ويستهزئ بهم؛ حتى وإن حققوا أمجاداً أرضية مؤقتة، ولكن يشملهم الخزى والعار.
ع35: والخلاصة، أن الحكماء ينالون مجداً أمام الله على الأرض، وأمجاداً لا يعبر عنها أمام كل البشر فى السماء. أما الأشرار الحمقى فينالون هواناً وعاراً فى الحياة الأخرى إلى الأبد؛ حتى لو تلذذوا مؤقتاً بمباهج العالم الزائلة.
وهكذا نرى فى الآيات (32-35) مقارنة بين الأبرار والأشرار، فنرى أن الحكماء ينالون من الله :
- أسراره (ع32).
- بركاته (ع33).
- نعمته (ع34).
- ميراث المجد الأبدى (ع35).
وعلى العكس يصيب الحمقى ما يلى :
- يصيرون رجساً فى نظر الله (ع32).
- لعنة الرب (ع33).
- يستهزئ بهم الرب (ع34).
- الهوان فى الحياة الأخرى (ع35).
لا تلتفت إلى الأمجاد الزائلة التى للأشرار، فهى خداعة وتورثهم خزياً أبدياً. لكن تمسك أنت يا أخى بوصايا الله، فتصير حكيماً، وتنال سلاماً في هذه الحياة، وأمجاداً أبدية.