بركات الحكمة
(1) طلب الحكمة (ع1-4):
1- يَا ابْنِي، إِنْ قَبِلْتَ كَلاَمِي وَخَبَّأْتَ وَصَايَايَ عِنْدَكَ، 2- حَتَّى تُمِيلَ أُذْنَكَ إِلَى الْحِكْمَةِ، وَتُعَطِّفَ قَلْبَكَ عَلَى الْفَهْمِ، 3- إِنْ دَعَوْتَ الْمَعْرِفَةَ، وَرَفَعْتَ صَوْتَكَ إِلَى الْفَهْمِ، 4- إِنْ طَلَبْتَهَا كَالْفِضَّةِ، وَبَحَثْتَ عَنْهَا كَالْكُنُوزِ،
ع1: يقدم سليمان إلى سامعيه شرطين لطلب الحكمة هما :
- قبول كلام الله الذى أعلنه سليمان، وهذا معناه أن الإنسان ممكن أن يرفض، أو يقبل كلام الله. فأول خطوة فى التجاوب مع الله أن تقبل كلامه باهتمام ورضا.
- تخبئة الوصايا : وهى وصايا الله التى أعلنها سليمان، فيخبئها السامع فى قلبه، أى يفهمها، ثم يشعر بها ويتأملها، فينتج عن ذلك أن يحيا بها. وبهذا يشتاق أن يعرف عنها المزيد، ويطلبها ليتتلمذ عليها، ويشبع بها. وتخبئة الوصايا تجعلها كنزاً له، يخرج منه كل يوم ما يفيده، وتحميه أيضاً من أفكار إبليس وشكوكه.
ع2: تعطف : تميل.
إذا تحرك قلب الإنسان مع الحكمة، وطلبها، فيظهر منه أمران :
- يميل أذنه : أى يطلب الحكمة باتضاع، ويسعى إليها.
- يعطف قلبه : أى يميل بقلبه أيضاً. وهذا معناه اشتياقه لسماع الحكمة، وتطبيقها فى حياته، فينمو فى معرفة الحكمة والحياة بها.
ع3: لكيما ينال الإنسان الحكمة لابد أن يطلبها. وإذ يعلن احتياجه لها، يفيض عليه بها. فيصلى إلى الله طالباً المعرفة والفهم. وهكذا يطلبها الإنسان بكل إمكانياته باستماعه إليها بأذنيه وبقلبه (ع2)، ثم أيضاً يطلبها بلسانه (ع3). ويزداد طلب الإنسان للحكمة إذا سمعها وخبأها فى قلبه، فيتلذذ بها، ويلح فى طلبها (ع3، 4).
ع4: من ينال الحكمة هو من يطلبها ويبحث عنها باهتمام واجتهاد كبير، كمن يبحث عن الكنوز فى باطن الأرض، فيحفر ويعمق الحفر؛ حتى يجد الكنز.
ويلزم أيضاً أن يشعر بقيمة الحكمة أنها مثل أغلى ما فى العالم، وهو الفضة أو الكنوز، فيسعى بمثابرة حتى يجدها. فالجدية شرط لنوال الحكمة.
ليتك تطلب الحكمة من الله قبل كل عمل ليرشدك ماذا تصنع، أو كيف تتكلم، وحينئذ تسلك بنجاح مطمئناً، وتحقق ما يريده الله لك.
(2) الحكمة من الله (ع5-9):
5- فَحِينَئِذٍ تَفْهَمُ مَخَافَةَ الرَّبِّ، وَتَجِدُ مَعْرِفَةَ اللهِ. 6- لأَنَّ الرَّبَّ يُعْطِي حِكْمَةً. مِنْ فَمِهِ الْمَعْرِفَةُ وَالْفَهْمُ. 7- يَذْخَرُ مَعُونَةً لِلْمُسْتَقِيمِينَ. هُوَ مِجَنٌّ لِلسَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ، 8- لِنَصْرِ مَسَالِكِ الْحَقِّ وَحِفْظِ طَرِيقِ أَتْقِيَائِهِ. 9- حِينَئِذٍ تَفْهَمُ الْعَدْلَ وَالْحَقَّ وَالاسْتِقَامَةَ، كُلَّ سَبِيل صَالِحٍ.
ع5: إن طلب الإنسان الحكمة كما شرح سليمان فى الأربع آيات السابقة، فسيحصل عليها من خلال أمرين :
- مخافة الرب : أى تشعر بوجوده، وقداسته، فتبتعد عن كل شر، وتعمل كل شئ بأمانة؛ لترضى اسمه القدوس.
- معرفة الله : وليس المقصود المعرفة النظرية فقط، بل المعرفة التى تولد إيمان فى النفس، وحياة معه وفيه.
ع6: يوضح هنا أن مصدر الحكمة والمعرفة والفهم هو كلام الله الخارج من فمه. وبالتالى من يقرأ ويفهم، ويحيا بكلام الله ينال الحكمة. والله يعطى فهماً متميزاً لأولاده للتصرف فى كل المواقف، بل لمعرفة الله وأعماقه التى لا يمكن أن يدركها العقل البشرى (مت11: 25)؛ كما أعطى لبطرس الإيمان أن المسيح هو ابن الله (مت16: 16).
ع7-9: يذخر : يكنز.
مجن : هو الترس الكبير الذى يدافع به الجندى عن نفسه ضد سهام العدو. والترس هو قطعة خشبية لها عروة خلفية، يدخل فيها الجندى يده، ويحرك هذه الخشبة أمام رأسه وجسده؛ ليصد بها السهام فلا تصيبه.
يبين هنا سليمان بركات الحكمة الإلهية التى يهبها الله لأولاده الذين يطلبونها، وهذه البركات هى :
- معونة للمستقيمين (ع7) : معونة تعطى لطالبى الحكمة السالكين باستقامة بحسب وصايا الله. وهذه المعونة يخبئها الله ككنز، ويعطيها للمستقيمين فقط عندما يحتاجون إليها.
- مجن للسالكين بالكمال (ع7) : حماية ودفاع عن كل من يسعى للسلوك بالكمال بحسب كلام الله.
- نصر مسالك الحق (ع8) : نصرة لمن يسلكون بالحق، فيتغلبون على أعدائهم الشياطين، وكل من يتبعهم من الأشرار.
- حفظ طريق أتقيائه (ع8) : الحفاظ على أولاد الله فى كل طرقهم، لأنهم يخافونه، ويسلكون بما يرضيه.
- تفهم الحق والعدل والاستقامة (ع9) : فيعطى الله القدرة على التمييز والإفراز لاختيار الحق والخير، ورفض الباطل والشر، وإقرار العدل فى أحكامنا. كما فعل سليمان فى قضية الإبن الحى والميت (1مل3: 16-28)، وكما تصرفت أبيجايل مع داود (1صم25: 18-32).
اقرأ كلمات الكتاب المقدس كل يوم بتأنى لتجد رسالة شخصية لك ومعونة تسندك طوال اليوم، فتحيا بكلمة الله المرسلة لك، وتحفظك فى كل خطواتك.
(3) الحكمة تنقذ من الأشرار (ع10-22):
10- إِذَا دَخَلَتِ الْحِكْمَةُ قَلْبَكَ، وَلَذَّتِ الْمَعْرِفَةُ لِنَفْسِكَ، 11- فَالْعَقْلُ يَحْفَظُكَ، وَالْفَهْمُ يَنْصُرُكَ، 12- لإِنْقَاذِكَ مِنْ طَرِيقِ الشِّرِّيرِ، وَمِنَ الإِنْسَانِ الْمُتَكَلِّمِ بِالأَكَاذِيبِ، 13- التَّارِكِينَ سُبُلَ الاسْتِقَامَةِ لِلسُّلُوكِ فِي مَسَالِكِ الظُّلْمَةِ، 14- الْفَرِحِينَ بِفَعْلِ السُّوءِ، الْمُبْتَهِجِينَ بِأَكَاذِيبِ الشَّرِّ،
15- الَّذِينَ طُرُقُهُمْ مُعْوَجَّةٌ، وَهُمْ مُلْتَوُونَ فِي سُبُلِهِمْ. 16- لإِنْقَاذِكَ مِنَ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ، مِنَ الْغَرِيبَةِ الْمُتَمَلِّقَةِ بِكَلاَمِهَا، 17- التَّارِكَةِ أَلِيفَ صِبَاهَا، وَالنَّاسِيَةِ عَهْدَ إِلهِهَا. 18- لأَنَّ بَيْتَهَا يَسُوخُ إِلَى الْمَوْتِ، وَسُبُلُهَا إِلَى الأَخِيلَةِ. 19- كُلُّ مَنْ دَخَلَ إِلَيْهَا لاَ يَؤُوبُ، وَلاَ يَبْلُغُونَ سُبُلَ الْحَيَاةِ. 20- حَتَّى تَسْلُكَ فِي طَرِيقِ الصَّالِحِينَ وَتَحْفَظَ سُبُلَ الصِّدِّيقِينَ. 21- لأَنَّ الْمُسْتَقِيمِينَ يَسْكُنُونَ الأَرْضَ، وَالْكَامِلِينَ يَبْقَوْنَ فِيهَا. 22- أَمَّا الأَشْرَارُ فَيَنْقَرِضُونَ مِنَ الأَرْضِ، وَالْغَادِرُونَ يُسْتَأْصَلُونَ مِنْهَا.
ع10، 11: إن القلب والروح هما أعماق الإنسان، فإذا قبل الحكمة، وتمتع بها، تفيض على فكره، فيكون نقياً، وتحفظه الحكمة من كل فكر ردئ، بل وتعطيه أيضاً فهما، وتمييزاً بين الحق والباطل.
ع12-15: الحكمة لها بركات كثيرة، يركز هنا على حماية الحكمة لمن يتحلى بها، فتنقذه من الشرير، وكل ما يتصل به من صفات سيئة، وهى :
- المتكلم بالأكاذيب (ع12) : فالشرير يسهل عليه أن يكذب، فتحفظك الحكمة من أكاذيبه لتظل فى طريق الحق. ومن هذه الأكاذيب الهرطقات مهما كانت تبدو مقنعة، فيحفظك الله فى الإيمان المستقيم.
- السلوك فى مسالك الظلمة (ع13) : الأشرار يتركون السلوك المستقيم، ويسلكون فى الخطايا المتنوعة والشهوات الشريرة، فيبتعدون عن الله؛ وهذا هو طريق الظلمة.
- الفرحين بفعل السوء المبتهجين بأكاذيب الشر (ع14) : من صفات الأشرار ليس فقط السلوك فى الشر، بل تشجيع الأشرار حولهم، والفرح بفعل السوء والكذب أيضاً. وبهذا ينشرون الشر بين الجهلاء.
- ملتوون فى سبلهم (ع15) : الأشرار يحبون الإلتواء، والإعوجاج، الذى هو ابتعاد عن الطريق المستقيم والحق، فهم مخادعون حتى فى النهاية يصدقون أنفسهم أنهم صالحون، فيخدعون ليس فقط الناس، بل أنفسهم، ونهايتهم بالطبع هو الهلاك.
ع16-19: يسوخ : يغوص وينحدر.
الأخيلة : جمع خيال وهو الشبح.
يؤوب : يعود ويرجع.
الحكمة تحذر أيضاً، من يحيا بها، من المرأة الأجنبية الغريبة عن الحياة الروحية والسلوك مع الله. والمقصود هنا المرأة الأممية، أى الوثنية الزانية، وقد دعيت غريبة؛ لأنها غير مؤمنة بالله، وزوجة رجل آخر أممى غير التى تريد أن تزنى معه من شعب الله. فالحكمة تخلص صاحبها من هذه المرأة، وكل صفاتها الشريرة التى هى :
- المتملقة بكلامها (ع16) : إذ تخدع الناس بمدحهم والتودد إليهم؛ لتسقطهم معها فى الزنى.
- التاركة أليف صباها (ع17) : أى تاركة لزوجها الوثنى الذى تحيا معه، لتلتصق وتزنى مع رجل آخر، فهى خائنة تبحث عن شهواتها فقط.
- الناسية عهد إلهها (ع17) : والمقصود عهد زواجها، وقوانين بلادها، وما تعتقد أنه إله، وتعبده، فهى خائنة، وبلا مبادئ، أو عهد. والزواج عند أولاد الله هو مقدس، وعهد بين الزوجين والله. فهى تريد أن تحطم كل هذه المعانى، وتسقط أولاد الله، وتبعدهم عنه.
- بيتها يسوخ إلى الموت وسبلها إلى الأخيلة (ع18) : فطريقها يغوص بها فى الشر لتذهب إلى الهلاك، فهى فاسدة، وتفسد أيضاً الآخرين، وتجذبهم للشر. وبهذا تذهب إلى العذاب الأبدى، ومعها كثيرون ممن أسقطتهم.
- كل من دخل إليها لا يؤوب (ع19) : كل إنسان جاهل يتجاوب مع هذه الزانية، يبتعد عن الله، ويتعلق بشهواته، فيكون مصيره الهاوية، أى الهلاك الأبدى.
ع20، 21: بعد أن أعلن فى (ع10-19) أن الحكمة تحفظ من يحيا بها من الأشرار ومن المرأة الأجنبية، وهو الجانب السلبى. يضيف فى هذه الآيات الجانب الإيجابى، وهو السلوك بالصلاح مع الصالحين، بل وتثبت وتحفظ نفسك فى طريق الصديقين، وهم من يحيون فى القداسة. وكذلك تحيا حياة هادئة فى سلام قلبى هنا على الأرض، غير منزعج من تقلبات العالم، وتتمتع بالسلوك فى الكمال، أى النمو الروحى والاشتياق لله.
وفى العهد القديم كان الله يعطى بركات مادية كثيرة للأبرار على الأرض تعبيراً عن رضاه عنهم، مثلما أعطى إبراهيم ممتلكات من الماشية، وكذلك يعقوب (تك13: 2؛
31: 18).
أما مع اسحق فجعل الأرض التى زرعها فى جرار تعطيه مئة ضعف (تك26: 12). لكن فى العهد الجديد بدأ التركيز على الناحية الروحية، وبدأ النظر على الأرض الجديدة التى هى ملكوت السموات.
ع22: يختم الأصحاح بمقابلة بين الأبرار وعكسهم الأشرار. فبعد أن ذكر بركات الأبرار فى الآيات السابقة، يذكر هنا عقاب ونهاية الأشرار. فيعلن أنهم ينقرضون، أى يقلون عدداً، إذ ليس لهم بركة من الله. وكذلك يصف الأشرار بأنهم غادرون، إذ غدروا وخانوا الله، وتركوا وصاياه، وعاشوا فى الشر، فيبادون، ولا يكون لهم موضع على الأرض؛ لأنهم يُستأصلون لرفضهم الحياة المستقلة مع الله.
بركات الله كثيرة لكل من يسلك بالحكمة ويتمسك بعلاقته مع الله. فلا تنخدع يا أخى بإغراءات الشهوات، فهى مؤقتة وزائلة، بل هى تقضى عليك إن تماديت فى تهاونك. فارجع بالتوبة إلى الله لتجد حياتك وتطمئن بين يديه.