مقارنة بين الأشرار والأبرار
(1) خطايا الأشرار (ع1-11):
1- قَلْبُ الْمَلِكِ فِي يَدِ الرَّبِّ كَجَدَاوِلِ مِيَاهٍ، حَيْثُمَا شَاءَ يُمِيلُهُ. 2- كُلُّ طُرُقِ الإِنْسَانِ مُسْتَقِيمَةٌ فِي عَيْنَيْهِ، وَالرَّبُّ وَازِنُ الْقُلُوبِ. 3- فِعْلُ الْعَدْلِ وَالْحَقِّ أَفْضَلُ عِنْدَ الرَّبِّ مِنَ الذَّبِيحَةِ.
4- طُمُوحُ الْعَيْنَيْنِ وَانْتِفَاخُ الْقَلْبِ، نُورُ الأَشْرَارِ خَطِيَّةٌ. 5- أَفْكَارُ الْمُجْتَهِدِ إِنَّمَا هِيَ لِلْخِصْبِ، وَكُلُّ عَجُول إِنَّمَا هُوَ لِلْعَوَزِ. 6- جَمْعُ الْكُنُوزِ بِلِسَانٍ كَاذِبٍ، هُوَ بُخَارٌ مَطْرُودٌ لِطَالِبِي الْمَوْتِ.
7- اِغْتِصَابُ الأَشْرَارِ يَجْرُفُهُمْ، لأَنَّهُمْ أَبَوْا إِجْرَاءَ الْعَدْلِ. 8- طَرِيقُ رَجُل مَوْزُورٍ هِيَ مُلْتَوِيَةٌ، أَمَّا الزَّكِيُّ فَعَمَلُهُ مُسْتَقِيمٌ. 9- اَلسُّكْنَى فِي زَاوِيَةِ السَّطْحِ، خَيْرٌ مِنِ امْرَأَةٍ مُخَاصِمَةٍ وَبَيْتٍ مُشْتَرِكٍ.
10- نَفْسُ الشِّرِّيرِ تَشْتَهِي الشَّرَّ. قَرِيبُهُ لاَ يَجِدُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ. 11- بِمُعَاقَبَةِ الْمُسْتَهْزِئِ يَصِيرُ الأَحْمَقُ حَكِيمًا، وَالْحَكِيمُ بِالإِرْشَادِ يَقْبَلُ مَعْرِفَةً.
ع1: جداول المياه : أنهار صغيرة، أو قنوات تتفرع من النهر.
توضح هذه الآية قوة الله ضابط الكل الذى يوجه كل البشر، وخاصة الملوك والرؤساء لمصلحة شعبه، وأولاده الأبرار. فقلب الملك، أى مشاعره في يد الله يوجهها لخير أولاده، كما يتحكم المزارع في رى الحقول، فيفتح طريقاً للماء في أحد الجداول، أو القنوات، ويسد الجداول الأخرى، ثم يسد الأول ويفتح الثانى وهكذا…
فالله يسمح بالبركات، أو الضيقات لأولاده بحساب دقيق، ويوجه الملك لتنفيذ هذه الأمور.
فكما قسى الله قلب فرعون، ورفض الخضوع لله في كل الضربات العشر، وأنقذ شعبه، وأخرجهم من أرض مصر، هكذا أيضاً أعطى نعمة لشعبه فى عينى كورش الملك الفارسى، فأعاد شعبه من السبى ليبنى الهيكل، وأعطى نعمة لأستير في عينى أحشويروش، فأنقذ شعبه من يد هامان الظالم، وأعطى نعمة لنحميا في عينى الملك أرتحشستا الفارسى فبنى سور أورشليم، ونظمها، ونادى الشعب بإتباع الشريعة.
ع2: يبرر الإنسان أعماله مهما كانت الأخطاء، ولكن الله فاحص القلوب والكلى يعرف، ويزن كل شئ صحيحاً، ولذا فالإنسان العاقل لا يتمادى في تبرير نفسه، بل يراجع خطاياه، ويعترف بها أمام الله حتى يسامحه عن خطاياه، وعن خطية التبرير، التى هى نوع من الكبرياء في معظم الأحيان.
فتبرير أدم وحواء لنفسيهما حرمهما من التوبة، وطردا من الجنة (تك3: 12، 13). وكذا تبرير قايين لنفسه لم ينفعه بشئ عندما قتل هابيل (تك4: 9).
ع3: إن كانت الذبائح تقدمة حب لله ترضيه وتفرحه، لكنها لابد أن تكون مصحوبة بقلب نقى لا يظلم الآخرين. فيلزم أن يتمسك الإنسان بالعدل والحق، هذا أفضل من تقديم الذبائح، لأنه إن تمسك الإنسان بالعدل والحق، وقصر في تقديم محبته لله في شكل الذبائح، أفضل من أن يقدم ذبائح وهو يظلم غيره.
ع4: طموح العينين : تشامخ العينين والنظرة المتعالية.
انتفاخ القلب : تكبر القلب.
الإنسان المتكبر بمشاعره ونظراته، وحواسه المختلفة، هو إنسان منفصل عن الله، وفاقد لكل نعمة، ولا يعمل إلا لمجد ذاته، ويحتقر الآخرين، ويعاملهم معاملة سيئة.
هذا الإنسان إن عمل عملاً صالحاً في مظهره يعتبر خطية؛ لأن العمل الصالح ممتزج بالكبرياء، وليس هدفه إرضاء الله، بل إرضاء الذات، كما قلنا، فهو مرفوض من الله، وكذا من الناس عندما يكتشفون حقيقة أمره.
ع5: عجول : متعجل ومتسرع.
العوز : الفقر.
تمتدح هذه الآية الاجتهاد والنشاط. فمن يفكر في العمل باجتهاد، وينفذ هذا، يربح مكاسب كثيرة وخصوبة لأرضه، ونجاح في كل ما تمتد إليه يداه.
وعلى العكس، كل من يتعجل الوصول إلى المكاسب، إما سيفشل ويفتقر ويحتاج، أو سيستخدم وسائل غير سليمة، فينجح مؤقتاً، ثم يفشل فيفتقر أيضاً، ليس فقط في هذه الحياة، ولكن بالأكثر في الحياة الأخرى، أى لا يجد له مكاناً في ملكوت السموات.
ع6: بخار مطرود : خيال باطل.
لطالبى الموت : المحتضرون ، أى القريبون من الموت.
تستنكر هذه الآية السعى لتحقيق المكاسب والحصول على الكنوز عن طريق الكذب والخداع، وتعلن أن هذا السعى لا يصل إلى شئ، وتشبه نتيجته بالبخار المطرود، أى خيال باطل لمن يعانى من متاعب شديدة، ويقترب من الموت، فهذه الوسائل الباطلة لا تشبعه ولا تنقذه، كما شبه ذلك أحد المفسرين لهذا الجزء من الآية بقصة إنسان يحتضر جوعاً في الصحراء، ثم وجد حقيبة عندما فتحها وجد بها جواهر ولآلئ، فألقاها بعيداً عنه إذ ليس فيها طعام وشراب، فهى بلا قيمة وباطلة بالنسبة له.
والخلاصة، تدعو هذه الآية أولاد الله للسلوك المستقيم في طلب الرزق والمكسب.
ع7: أبوا : رفضوا.
يجرفهم : يلقيهم بعيداً.
الأشرار يظلمون غيرهم ويغتصبون أموالهم بالقوة، ولكن هذا الشر يأتى على رؤوسهم لماذا؟
- الله يغضب عليهم، فيتخلى عنهم، ويتعرضون لتجارب ومصائب كثيرة.
- يتضايق منهم الناس، ويغيرون منهم، وقد يطمعون فيهم، ويحاولون الاستيلاء على أموالهم بطرق غير مشروعة.
- يصرخ المظلومون منهم بسبب فقرهم وضيقهم، ويطلبون من الرب أن ينتقم منهم.
والخلاصة، لا يحبهم أحد، فيشعرون بالعزلة مهما حققوا من شهوات ويفقدون البركة، والسعادة، والسلام في حياتهم.
ع8: موزور : من يرتكب أوزاراً وهى الآثام والخطايا.
من يستبيح الخطايا يسلك باعوجاج في كذب وخداع بعيداً عن الله، أما الذكى وهو الحكيم فطريقه، ووسائله مستقيمة؛ لأنه يخاف الله.
ومن الأمثلة الواضحة للسلوك بالخطية، آخاب الملك الشرير وزوجته إيزابل، ويقابله إيليا النبى المستقيم في طريقه لأنه يعبد الله، فيدعو الشعب لعبادته والسلوك بوصاياه (1مل18: 21).
ع9: يظهر سليمان شناعة الزوجة المخاصمة، أى التى تغضب ولا تتكلم مع زوجها. وإن تكلمت فكلامها شرير، يغيظ زوجها. فهى بعيدة عن وصايا الله.
ويعلن أن زوجها مسكين ويفضل أن يسكن في حجرة علوية على السطح، من أن يسكن معها في بيت عظيم؛ لأنه عاجز عن مشاركتها لسلوكها السئ.
ونلاحظ أن سليمان لم يقل لهذا الزوج أن يطلقها، أو يرد على إساءاتها بإساءات أخرى، ولكن يحتملها قدر ما يستطيع.
ع10: تظهر هذه الآية فظاعة الشر الذى يملأ قلب الشرير، فهو لا يسلك فقط في الشر، بل يحبه ويشتهيه.
وأيضاً يفعل هذا الشر مع كل الناس، ليس فقط مع أعدائه، بل مع أقربائه ومحبيه، إذ صارت طبيعته الميل إلى الشر، وذلك بالطبع لابتعاده عن الله.
هذا الشرير نظرته شريرة، فيميل إلى التفسير الشرير لكل حدث، فيرى الخير شراً. هكذا فعل حانون ملك بنى عمون، عندما أرسل إليه داود رسلاً يهنئونه بتملكه بعد أبيه، فظن الرسل جواسيس، فحلق نصف لحاهم، وشق ثيابهم من ظهورهم (2صم10: 4).
ع11: الإنسان الشرير عندما يتمادى في شره يستهزئ بالبار، ويقاوم الخير؛ لأنه يحب الشر. هذا المتمرد المتمادى في الشر لابد من معاقبته؛ حتى يتوقف عن شره، وبهذا تضع حدوداً لشره. وفى نفس الوقت عندما يرى الأحمق ذلك يخاف هو أيضاً فيبتعد عن الشر. كما عاقب بولس عليم الساحر الذى قاوم كرازة بولس، فصلى إلى الله وفقد عليم بصره، فآمن الوالى، وخاف الله كل الذين كانوا يسيرون وراء عليم الساحر (أع13: 8-12).
من ناحية أخرى، الحكيم إن أخطأ يحتاج فقط إلى إرشاد وعتاب، فيرجع عن خطأه سريعاً، كما فعل بولس مع بطرس في أمر مخالطة المسيحيين من أصل أممى (غل2: 11).
عندما تسقط في أى خطأ لا تتمادى فيه، وابتعد لتصلى وتراجع نفسك فتتوب، وتكشف حيل إبليس، فترجع إلى الله، وتحيا معه مطمئناً.
(2) أعمال الأشرار والأبرار (ع12-31):
12- اَلْبَارُّ يَتَأَمَّلُ بَيْتَ الشِّرِّيرِ وَيَقْلِبُ الأَشْرَارَ فِي الشَّرِّ. 13- مَنْ يَسُدُّ أُذُنَيْهِ عَنْ صُرَاخِ الْمِسْكِينِ، فَهُوَ أَيْضًا يَصْرُخُ وَلاَ يُسْتَجَابُ. 14- اَلْهَدِيَّةُ فِي الْخَفَاءِ تَفْثَأُ الْغَضَبَ، وَالرَّشْوَةُ فِي الْحِضْنِ تَفْثَأُ السَّخَطَ الشَّدِيدَ. 15- إِجْرَاءُ الْحَقِّ فَرَحٌ لِلصِّدِّيقِ، وَالْهَلاَكُ لِفَاعِلِي الإِثْمِ. 16- اَلرَّجُلُ الضَّالُّ عَنْ طَرِيقِ الْمَعْرِفَةِ يَسْكُنُ بَيْنَ جَمَاعَةِ الأَخِيلَةِ. 17- مُحِبُّ الْفَرَحِ إِنْسَانٌ مُعْوِزٌ. مُحِبُّ الْخَمْرِ وَالدُّهْنِ لاَ يَسْتَغْنِي. 18- اَلشِّرِّيرُ فِدْيَةُ الصِّدِّيقِ، وَمَكَانَ الْمُسْتَقِيمِينَ الْغَادِرُ. 19- اَلسُّكْنَى فِي أَرْضٍ بَرِّيَّةٍ خَيْرٌ مِنِ امْرَأَةٍ مُخَاصِمَةٍ حَرِدَةٍ. 20- كَنْزٌ مُشْتَهًى وَزَيْتٌ فِي بَيْتِ الْحَكِيمِ، أَمَّا الرَّجُلُ الْجَاهِلُ فَيُتْلِفُهُ.
21- اَلتَّابعُ الْعَدْلَ وَالرَّحْمَةَ يَجِدُ حَيَاةً، حَظًّا وَكَرَامَةً. 22- اَلْحَكِيمُ يَتَسَوَّرُ مَدِينَةَ الْجَبَابِرَةِ، وَيُسْقِطُ قُوَّةَ مُعْتَمَدِهَا. 23- مَنْ يَحْفَظُ فَمَهُ وَلِسَانَهُ، يَحْفَظُ مِنَ الضِّيقَاتِ نَفْسَهُ. 24- اَلْمُنْتَفِخُ الْمُتَكَبِّرُ اسْمُهُ «مُسْتَهْزِئٌ»، عَامِلٌ بِفَيَضَانِ الْكِبْرِيَاءِ. 25- شَهْوَةُ الْكَسْلاَنِ تَقْتُلُهُ، لأَنَّ يَدَيْهِ تَأْبَيَانِ الشُّغْلَ.
26- اَلْيَوْمَ كُلَّهُ يَشْتَهِي شَهْوَةً، أَمَّا الصِّدِّيقُ فَيُعْطِي وَلاَ يُمْسِكُ. 27- ذَبِيحَةُ الشِّرِّيرِ مَكْرَهَةٌ، فَكَمْ بِالْحَرِيِّ حِينَ يُقَدِّمُهَا بِغِشٍّ! 28- شَاهِدُ الزُّورِ يَهْلِكُ، وَالرَّجُلُ السَّامِعُ لِلْحَقِّ يَتَكَلَّمُ.
29- اَلشِّرِّيرُ يُوقِحُ وَجْهَهُ، أَمَّا الْمُسْتَقِيمُ فَيُثَبِّتُ طُرُقَهُ. 30- لَيْسَ حِكْمَةٌ وَلاَ فِطْنَةٌ وَلاَ مَشُورَةٌ تُجَاهَ الرَّبِّ. 31- اَلْفَرَسُ مُعَدٌّ لِيَوْمِ الْحَرْبِ، أَمَّا النُّصْرَةُ فَمِنَ الرَّبِّ.
ع12: البار هو أحد ثلاث شخصيات هى :
- الله : هو يراقب بيت الشرير، فإن لم يتب، ينبهه ليتوب، وإن تمادى في شره، يقلب شره على رأسه في يوم الدينونة، ويلقيه في العذاب الأبدى.
- القاضى العادل : يفحص قضية الشرير، وأهل بيته الأشرار، فإن ثبتت التهمة عليه يحكم عليهم بالعقوبة، أى يأتى شرهم على رؤوسهم.
- الإنسان البار : يتأمل بيت الشرير، ويبتعد عن شره. والشرير من ناحية أخرى، إن أصر على شره، ولم يستفد من حياة البار، فإنها في يوم الدينونة تدين الشرير، ويعاقبه الله بالهلاك الأبدى.
ع13: يعلن الله على لسان سليمان أن من يهمل صراخ المسكين والفقير، والمحتاج، ولا يعطف عليه، أو يسد احتياجه، فإنه إن وقع في ضيقة وصرخ إلى الله، فالله لا يستجيب له لتأديبه حتى يتوب، وحينئذ يعود فيستجيب له.
ولكن الأصعب، أنه في يوم الدينونة إن صرخ هذا القاسى القلب إلى الله ليعطف عليه، فإنه لا يستجيب له، ويهمل صراخه، ويلقيه في العذاب الأبدى. كما قال المسيح في المثل للذين عن يساره : “بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر فبى لم تفعلوا” (مت25: 45). فمن لم يستعمل الرحمة مع المحتاجين، لا يجد رحمة في يوم الدينونة.
والغنى الذى لم يشعر باحتياج لعازر الفقير، لم يجد قطرة ماء يبل بها لسانه في الجحيم (لو16: 24، 25). وعلى العكس السامرى الصالح الذى فعل خيراً مع الملقى على الطريق (لو10: 33)، يكافئه الله في الحياة الأبدية.
ع14: تفثأ : تخمد ثورته وحدته.
الهدية التى يقصدها صاحبها هى تقديم محبة لصاحبه الغضبان فى الخفاء، أى في هدوء، ولا يقصد بها أى مظاهر، أو مديح من الناس، بل يريد بها فقط أن يهدئ غضب الآخر ويكسب محبته؛ هذه تفيد. أما الرشوة هنا، فالمقصود بها محبة تقدم في الحضن لتهدئة الغضب بقصد كسب الآخر، وهذه الرشوة تختلف عن الرشوة بمعناها المعروف، وهى تغيير القضاء والعدل.
ونرى مثالاً جميلاً في تهدئة الغضب، هدايا يعقوب لأخيه عيسو، الذى خرج ومعه أربع مئة رجل للقائه، فهدأت الهدايا غضب عيسو، وقابل أخاه يعقوب بالأحضان، وترك التفكير في الانتقام من أخيه الذى سرق منه البركة والبكورية (تك32: 13)، وهدايا أبيجايل هدأت غضب داود الآتى للانتقام من نابال زوجها (1صم25: 18).
ع15: الصديق يفرح بالقانون الذى يطبق الحق، وتنفيذ الحق بالعقوبة؛ حتى لو أتت عليه يقبلها، فهى ضيقة مؤقتة، ولكن تطمئنه أن الحق يطبق، حتى ولو عليه، أو على أحد أقاربه، ويطبق بالتالى على كل الناس، فيعطيه طمأنينة وراحة؛ لأنه يخاف الله، ويهتم بتنفيذ وصاياه.
ولكن فاعل الإثم يتضايق جداً من إجراء الحق، وتطبيق القوانين؛ لأنه يعرف أنها حتماً ستأتى عليه، وتستمر العقوبات متوالية عليه، فهى هلاك بالنسبة له على الأرض، بالإضافة إلى الهلاك الأبدى.
والشرير فاعل الإثم يحاول بطرق ملتوية كثيرة أن يتهرب من تطبيق الحق عليه، ويستخدم الخداع والكذب. ومن الأمثلة الواضحة على فاعلى الإثم هامان الذى خدع الملك أحشويروش، ودبر إهلاك اليهود، والصديق هو مردخاى وأستير وكل اليهود المؤمنين بالله، الذى كان إجراء الحق نجاة لهم، وهلاك لهامان وكل أعداء اليهود (أس7، 8).
ع16: الرجل الضال هو من عرف الله وعاش معه، ثم ضل عنه. فهو ضل عن معرفة الله، فنهايته مع الأخيلة، التى هى الأرواح الشريرة، والمقصود الموتى، فنهايته من المحتم أن تكون الهلاك الأبدى والموت.
من الأمثلة الواضحة على هذا الضلال أخيتوفل مشير داود، الذى خانه، ودبر كيف يهلكه، ففشلت مشورته، وشنق نفسه (2صم17: 23). ويهوذا الإسخريوطى الذى تتلمذ على يدى المسيح، ثم خانه، وابتعد عنه، إذ أحب المال، وسلم المسيح لليهود وشنق نفسه (مت27: 5).
ع17: محب الفرح : محب اللذات.
لا يستغنى : لا يصير غنياً، أى يفتقر.
الذى يحب اللذات والشهوات المادية يصرف كل أمواله عليها، فيصير فقيراً معوزاً.
ومن ينغمس في هذه اللذات، أى يحب الخمر ويشرب منها كثيراً، ويتعطر بالدهن التى هى الأطياب، فإنه حتماً سيصير فقيراً لصرفه كافة أمواله على هذه الملذات.
هذا الإنسان سيفتقر للفرح الداخلى والسلام، بالإضافة للفقر المادى، ومثال لهذا؛ الإبن الضال (لو15: 11-32).
ع18: إن اُتُهم الصديق تهمة زور، فالعدل يبرئه، ويُقبض على الشرير بدلاً منه؛ ليعاقَب العقوبة التى يستحقها. كذلك الغادر الذى فعل شراً بالغدر، فهو يعاقب بدلاً من المستقيم الذى يحفظ وصايا الله، ويسلك بنقاوة.
ومن الأمثلة على هذا الأمر، نجاة مردخاى الصديق، وصلب هامان مكانه (أس7)، ورجم عخان بن كرمى الخائن ونجاة بنى إسرائيل الأبرار وانتصارهم على عاى (يش 7).
ولكن تظهر عظمة محبة المسيح وهو البار الذى مات ليفدى الأشرار المحكوم عليهم بالموت.
ع19: أرض برية : صحراء مقفرة.
حردة : سريعة الغضب.
المرأة الحردة هى الغضوب التى تخلق جو من الشجار والتعاسة فى بيتها، فالابتعاد عنها أفضل؛ حتى لو كان الإنسان سيسكن فى أرض قفر؛ حتى ينجى نفسه من المتاعب والمشاكل.
فهذه الآية دعوة واضحة للمرأة أن تكون هادئة فى بيتها، وتضبط أعصابها حتى لا تضايق كل من حولها. وقد سبق الإشارة إلى الزوجة الشريرة والابتعاد عنها فى (ع9).
ع20: الإنسان الحكيم يدخر لوقت الحاجة وببركة الله يكون له فى بيته كنز يكفيه، وأيضاً زيت، لأن الزيت يرمز إلى الخير والوفرة، فيحيا ببركة الله مطمئناً.
أما الجاهل فإنه مسرف، فينفق هذا الكنز ويبدده، أى يتلفه، ويحتاج ويفتقر.
نلاحظ فى هذه الآية حكمة الحكيم فى الإنفاق على بيته، وغباء الجاهل الذى يبدد أمواله، فيحتاج ولا يجد. ومن أمثلة الجهلاء الذين بددوا أموالهم الابن الضال (لو15: 11-31).
ع21: الإنسان الذى يحيا بالعدل والرحمة هو إنسان مؤمن بالله، ويحفظ وصاياه، فهذا ينال حظاً، أى بركة من الله، وكرامة ومجد من عنده، فهو يحيا بالبر والكرامة على الأرض، ثم فى السماء.
وتكمل هذه الآية فى المسيح يسوع، الذى جمع العدل والرحمة فى نفسه على الصليب، إذ أوفى ديون البشرية أمام الآب، فقدم رحمة لكل من يؤمن به، إذ ينال له الخلاص، بل وكرامة روحية فى الأرض وفى السماء. فالذى يتبع العدل والرحمة مقتدياً بالمسيح، ينتقل من الموت إلى الحياة.
كلمة حظ فى الترجمة الإنجليزية معناها بر، أى أن من يتبع العدل والرحمة ينال براً وكرامة.
ع22: الإنسان الحكيم يستطيع أن يقهر قوة الأعداء ويتسلق أسوار مدينته الحصينة، أو يخترقها، كما استطاعت مملكة مادى وفارس أن تخترق بابل الحصينة، التى بناها نبوخذنصر. فالأسوار والأبراج التى يعتمد عليها الأعداء تصير لا شئ أمام الحكماء.
ومن الناحية الروحية استطاع المسيح أقنوم الحكمة أن يقهر قوة الشيطان بالصليب، ويحرر الذين كانوا فى قبضته فى الجحيم، ويصعدهم إلى الفردوس، فقد تسور مدينته، أى الجحيم، وأخرج آدم وبنيه، وأصعدهم إلى الفردوس.
وأيضاً الحكيم وهو الإنسان الروحى، يستطيع أن يقهر الشيطان والأشرار وأصحاب البدع، مهما كانت قوتهم، بالحكمة المعطاة له من الله. وهذه النعمة الإلهية تتم فى كل جيل، كما وعد المسيح أن يعطى أولاده فماً وحكمة لا يستطيع جميع معانديهم أن يقاوموها أو يناقضوها (لو21: 15).
ع23: تظهر هذه الآية أهمية ضبط الفم واللسان، فهى تحفظ الإنسان من السقوط فى خطايا كثيرة، والتعرض لضيقات متنوعة؛ لأن كثرة الكلام لا تخلو من معصية (ص10: 19) ولذا طلب داود من الله قائلاً “اجعل يا رب حارساً لفمى. إحفظ باب شفتى” (مز141: 3).
ع24: المتكبر الذى ينتفخ على غيره، ويسخر منه، ويستهزئ به، يندفع فى كبريائه بكلمات ردية كأنها فيضان، فيجرح الذين حوله؛ لأنه مستعبد لذاته، وينحسر عن الآخرين. هكذا كان الفريسى فى صلاته يدين العشار (لو18: 11)، وهكذا أيضاً سنحاريب استهزأ ببنى إسرائيل، بكلمات تعيير كثيرة، أرسلها لحزقيا الملك، ولكن الله أرسل ملاكه وقتل 185.000 جندى من جنوده (اش37).
ع25، 26: تأبيان : ترفضان.
الكسلان لا يريد أن يعمل، ويتمنى ويشتهى أموراً كثيرة، ولا يتعب للوصول إليها. وفى نفس الوقت يغير ويحسد المجتهدين، وغيرته تقتله.
أما الصديق، فإنه يعمل فيكفى احتياجاته، ويعطى أيضاً المحتاجين، فهو يتمثل بالمسيح الذى قـال : “أبـى يعمـل حتى الآن وأنا أعمل” (يو5: 17)، وهو أيضاً يعطى بسخاء ولا يعير (يع1: 5).
ع27: ذبيحة الشرير التى يقدمها إلى الله لا يقبلها منه الرب، ويكرهها؛ لأنها مقدمة من قلب شرير لا يحيا مع الله، أو يحفظ وصاياه، مثل تقدمة قايين (تك4: 5)، وصوم إيزابل (1مل21: 9)، ونذر أبشالوم (2صم15: 7، 8).
ولو قدم هذا الشرير ذبيحته بغش، أى ذبيحة معيبة، ليست حسب أمر الله، فهى مرفوضة تماماً من الله، كما قال ملاخى (ملا1: 10).
ع28، 29: شاهد الزور هو إنسان شرير لا يهمه الحق ولا إرضاء الله، فهو يتحدى الله بهذه الشهادة الكاذبة، ولذا فلابد أن يهلك هلاكاً أبدياً، بل وأيضاً فى هذه الحياة ينكشف كذبه بعد حين وتسوء سمعته.
أما الرجل الحكيم السامع للحق، فهو يتكلم بالحق، ويُقبل كلامه وشهادته؛ حتى لو قاومه الأشرار حيناً، ولكن الله يباركه ويسنده. واليهود الأشرار شهدوا زوراً على المسيح وهلكوا. أما المسيح الذى هو الحق فتكلم أقوى كلام بصليبه، الذى أعطى الخلاص للبشرية. وكلام المسيح خرج على أفواه الرسل والمبشرين للمسكونة كلها، ومازال حتى الآن.
وخلاصة القول أن الشرير شاهد الزور يتكلم بوقاحة وأكاذيب ضد الأبرار وضد الله. أما المستقيم فيتكلم بالحق ويثبت؛ لأن كلامه يرضى الله.
ع30: فطنة : ذكاء.
إن الحكمة والفطنة والمشورة التى يستقيها البشر من حكماء العالم، هى لا شئ أمام حكمة الله، فلا يمكن أن نتحدى الله بهذه المشورات والحكمة البشرية.
فهيرودس حاول أن يقتل المسيح الطفل، وقتل أطفال بيت لحم، ولكنه فشل فى الوصول إلى المسيح (مت2: 16). وشاول الطرسوسى حاول أن يقاوم المسيحية ففشل، بل حوله المسيح إلى كارز عظيم باسمه (أع9: 5).
ع31: كان الفرس قديماً من أقوى الأسلحة الحربية، ويعتبر الجيش قوياً بكثرة خيوله، ولكن كل هذا لا شئ أمام قوة الله، الذى يعطى النصرة لأولاده، مهما كانت قوة الأعداء، فاعتماد الإنسان على ذاته وأسلحته فقط هو سبب هزيمته. وهذا ما يصنعه الشيطان، إذ يعتمد على ذاته وقدراته، فيغلب المعتمدين على ذواتهم وقوتهم، ولكنه ينهزم أمام كل من يعتمد على الله.
وهذا يظهر واضحاً فى سفرى المكابيين فى انتصارات يهوذا المكابى وإخوته على جيوش اليونانيين. ويهوشافاط الملك انتصر بالصلاة والتسبيح على جيوش الحلفاء موآب وبنى عمون وآدوم (2أى20: 1-30).
وليس معنى الاتكال على الله التهاون، ولكن ينبغى إعداد كل شئ للحرب، والله سيبارك ويسند أولاده؛ ليس فقط فى الحروب المادية، بل بالأحرى فى الحروب الروحية ضد الشياطين. تمسك بالحق مهما كان الثمن، ولا تضطرب لأجل النجاح المؤقت للأشرار، فسينكشف شرهم، وسيهلكون حتماً فى الحياة الأخرى، أما أنت فستحيا فى سلام وبركة الله، وتنتظرك أمجاد الأبدية.