الزواج والزنى
(1) صفات الزانية (ع1-6):
1- يَا ابْنِي، أَصْغِ إِلَى حِكْمَتِي. أَمِلْ أُذُنَكَ إِلَى فَهْمِي، 2- لِحِفْظِ التَّدَابِيرِ، وَلْتَحْفَظَ شَفَتَاكَ مَعْرِفَةً. 3- لأَنَّ شَفَتَيِ الْمَرْأَةِ الأَجْنَبِيَّةِ تَقْطُرَانِ عَسَلاً، وَحَنَكُهَا أَنْعَمُ مِنَ الزَّيْتِ، 4- لكِنَّ عَاقِبَتَهَا مُرَّةٌ كَالأَفْسَنْتِينِ، حَادَّةٌ كَسَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ. 5- قَدَمَاهَا تَنْحَدِرَانِ إِلَى الْمَوْتِ. خَطَوَاتُهَا تَتَمَسَّكُ بِالْهَاوِيَةِ.
6- لِئَلاَّ تَتَأَمَّلَ طَرِيقَ الْحَيَاةِ، تَمَايَلَتْ خَطَوَاتُهَا وَلاَ تَشْعُرُ.
ع1، 2: أشار سليمان إلى خطية الزنى فى (ص2: 16-19)، ولكن يخصص هنا كل هذا الأصحاح ليتحدث عن الزنى وعلاجه. ولخطورة هذه الخطية يطلب من محب الحكمة أن يصغى، ليس بأذنيه الخارجيتين، بل الداخليتين؛ ليعرف الحكمة والفهم والتدبير الحسن والمعرفة الحقيقة، أى يعرف الحق الذى هو الله، ليبتعد عن الشر الذى هو الزنى. فمن ينقصه إحدى هذه الصفات الأربعة سيهتز أمام الزنى، ويعرض نفسه للسقوط فيه.
وعلى قدر ما يتضع الإنسان، أى يميل أذنه، ويسمع صوت الله، وهو الحكمة، والفهم يعرف التدبير الحسن، بل وينطق فمه بالمعرفة الحسنة، ليس لنفسه فقط، بل أيضاً يعلم آخرين.
ع3، 4: الأفسنتين : نبات مر وسام يوجد فى فلسطين.
المرأة الأجنبية هى الغريبة عن شعب بنى إسرائيل، وأتت وسكنت بجواره. والمقصود بها المرأة الزانية، ولم يقل الزانية من شعب الله؛ لأن الشريعة تأمر برجمها.
كلام هذه المرأة لذيذ كالعسل، وناعم ولين مثل الزيت، فتستطيع بكلامها المخادع، المملوء بالعاطفة ويثير الشهوة، أن تسقط الكثيرين. ويحذر سليمان هنا منها، ويشبهها بالأفسنتين المر والسام، والسيف الحاد الذى يقطع ويقتل كل من يقترب إليه. فهو ينبه محبى الحكمة؛ ليبتعدوا عنها، ويقاطعونها تماماً؛ لأن الشهوة اللذيذة كالعسل تخلف وراءها، أو بعد السقوط فيها مرارة وهلاك، وتنخس ضمير الساقط فيها، وتجلب عليه غضب. والسيف ليس فقط نخس الضمير، بل أيضاً الأمراض التناسلية، وكل المشاكل التى تنتج عن الزنى. وسمح الله بهذه الأمراض، ليعلن لمحب الشهوة خطورة وضخامة خطية الزنى؛ ليبتعد عنها.
ع5، 6: يعلن سليمان نهاية العلاقة مع الزانية، بأنها تؤدى إلى الانحدار فى الشر، حتى الهلاك؛ لأنها لا تنظر إلى الحياة مع الله. ولذا فهى تخادع الناس بتمايلها يميناً ويساراً، أى تُظهر العلاقة أنها حسنة أحياناً، ثم تسقط من تستطيع فى الشر، فعاقبة هذه العلاقة هى الموت، والهاوية. كل هذا يجعل الإنسان الحكيم يرفض التعامل مع الزانية.
والخلاصة أن هذه الآيات تعلن صفات الزانية وهى :
- كلامها لذيذ (ع3).
- كلامها لين (ع3).
- لا تنظر إلى هدفها وهو الأبدية (ع6).
- مخادعة وغير ثابتة فتبدو حسنة، ثم سيئة (ع6).
احترس من إغراء الشهوات الشريرة بالنظر، أو السمع. ابتعد عن كل ما يعثرك؛ حتى لو كان من أحد المقربين. فلا تقامر بخلاص نفسك، وأبديتك، بل أعلن لله محبتك، ونقاوتك برفض الشر، وشبه الشر، ومقاطعة أصغر شئ يؤدى إلى السقوط.
(2) عاقبة الزنى (ع7-14):
7- وَالآنَ أَيُّهَا الْبَنُونَ اسْمَعُوا لِي، وَلاَ تَرْتَدُّوا عَنْ كَلِمَاتِ فَمِي. 8- أَبْعِدْ طَرِيقَكَ عَنْهَا، وَلاَ تَقْرَبْ إِلَى بَابِ بَيْتِهَا، 9- لِئَلاَّ تُعْطِيَ زَهْرَكَ لآخَرِينَ، وَسِنِينَكَ لِلْقَاسِي. 10- لِئَلاَّ تَشْبَعَ الأَجَانِبُ مِنْ قُوَّتِكَ، وَتَكُونَ أَتْعَابُكَ فِي بَيْتِ غَرِيبٍ. 11- فَتَنُوحَ فِي أَوَاخِرِكَ، عِنْدَ فَنَاءِ لَحْمِكَ وَجِسْمِكَ،
12- فَتَقُولَ: «كَيْفَ أَنِّي أَبْغَضْتُ الأَدَبَ، وَرَذَلَ قَلْبِي التَّوْبِبيخَ! 13- وَلَمْ أَسْمَعْ لِصَوْتِ مُرْشِدِيَّ، وَلَمْ أَمِلْ أُذُنِي إِلَى مُعَلِّمِيَّ. 14- لَوْلاَ قَلِيلٌ لَكُنْتُ فِي كُلِّ شَرّ، فِي وَسَطِ الزُّمْرَةِ وَالْجَمَاعَةِ».
ع7-10: ينبه سليمان طالبى الحكمة لينصتوا لكلماته وإرشاداته؛ لأنها مهمة جداً بسبب خطورة الزنى. ويعلن صراحة أمر محدد، وهو الابتعاد عن الطريق المؤدى إلى الزانية، وإلى بيتها وبابه، والمقصود كل علاقة وظروف تؤدى إلى الارتباط بالزانية بأى شكل من الأشكال؛ حتى لو بدا فى البداية سليماً، أى معاملات تجارية، أو خدمة، لكنه يمكن أن يؤدى إلى السقوط فى الخطية.
وإن لم تسمع لإرشادات سليمان، وارتبطت بالزانية، ستسقط فى شباكها، وتعطى قوتك، وشبابك، وحيويتك لمن هو غريب عنك. بل أنت بالحقيقة تسلم أيامك وسنينك المملوءة حيوية للشيطان القاسى، فبدلاً من أن تذكر الله فى أيام شبابك تستعبد نفسك للشيطان وشهواته، فيذلك، ويستخدم فى هذا كل وسائله، فيثير عليك زوج، أو والد هذه الزانية، وتنفق أموالك عليها، ويحتقرك الناس. وهكذا تضيع كل ما عندك، وتعطيه للأشرار.
ع11-14: الزمرة : مجموعة الأصدقاء.
إذا انخدع الإنسان، وسار فى طريق الزنى، وضيع شبابه، وقوته، وكرامته، وأمواله، عندما يكبر فى السن، ويشعر بضعفه، وضياع كل ما عنده يبكى فى شيخوخته، بعد أن صار عاجزاً، ليس فقط عن الزنى، بل عن القيام بأعباء ومسئوليات الحياة. ويندم لأنه رفض المرشدين، وكل الأحباء الذين وبخوه، وحاولوا إرجاعه للطهارة والنقاوة.
ولكنه يشكر الله الذى نبهه فى شيخوخته، فتاب لأنه كان معرضاً – لو استمر فى الشر والشهوة – للهلاك مع هؤلاء الأشرار.
إهتم بسماع الإرشاد، وطاعة من يحبونك، المخلصين لك؛ حتى لو كان ضد رغباتك. فهم صوت الله لك لإنقاذك من الهلاك؛ لتعود إلى أحضان الله، وتستريح بين يديه.
(3) بركات الزواج (ع15-23):
15- اِشْرَبْ مِيَاهًا مِنْ جُبِّكَ، وَمِيَاهًا جَارِيَةً مِنْ بِئْرِكَ. 16- لاَ تَفِضْ يَنَابِيعُكَ إِلَى الْخَارِجِ، سَوَاقِيَ مِيَاهٍ فِي الشَّوَارِعِ. 17- لِتَكُنْ لَكَ وَحْدَكَ، وَلَيْسَ لأَجَانِبَ مَعَكَ. 18- لِيَكُنْ يَنْبُوعُكَ مُبَارَكًا، وَافْرَحْ بِامْرَأَةِ شَبَابِكَ، 19- الظَّبْيَةِ الْمَحْبُوبَةِ وَالْوَعْلَةِ الزَّهِيَّةِ. لِيُرْوِكَ ثَدْيَاهَا فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَبِمَحَبَّتِهَا اسْكَرْ دَائِمًا. 20- فَلِمَ تُفْتَنُ يَا ابْنِي بِأَجْنَبِيَّةٍ، وَتَحْتَضِنُ غَرِيبَةً؟ 21- لأَنَّ طُرُقَ الإِنْسَانِ أَمَامَ عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَهُوَ يَزِنُ كُلَّ سُبُلِهِ. 22- الشِّرِّيرُ تَأْخُذُهُ آثَامُهُ وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ. 23- إِنَّهُ يَمُوتُ مِنْ عَدَمِ الأَدَبِ، وَبِفَرْطِ حُمْقِهِ يَتَهَوَّرُ.
ع15، 16: جبك : حفرة عميقة بداخلها ماء.
يتحول سليمان، فيتكلم عن عمل إيجابى بدلاً من الزنى والشر، ويطلب من الرجل الحكيم أن يشرب الماء من جبه، وبئره، والمقصود زوجته، ولا يضيع ينابيعه ومياهه، أى عواطفه وقدرته الجسدية وأمواله، فى الشوارع، التى هى الزوانى. وكما أن المياه أمر هام للحياة، خاصة فى الصحارى، كذلك فإن حياة الرجل هى فى بيته مع زوجته، فيعطيها كل عواطفه، ومحبته.
وأيضاً إذا سقط الزوج فى الزنى مع أجنبية، فإن هذا يتعب زوجته جداً، وقد يدفعها للزنى مع الآخرين لأجل احتياجها، وضيقها من زوجها (ع16).
ومن الناحية الرمزية، المياه تشير للروح القدس، فيشرب الإنسان من عمل الروح القدس فيه، ولا يضيعه بسبب الخطية، فيتبدد عمل الروح القدس فى الخارج، ولا يستفيد منه شيئاً.
وترمز أيضاً المياه للتعاليم الروحية، التى ينبغى أن يستفيد منها المعلم فى حياته الخاصة وأعماله، قبل أن يفيض بها على الآخرين، أى قبل أن يعلم الآخرين يعلم نفسه، هكذا قال القديس أمبروسيوس.
ع17-19: الظبية : أنثى الظبى وهو نوع من الغزلان ترمز للخفة والجمال.
الوعلة : أنثى الوعل وهو نوع من الغزلان تتميز بالرشاقة والسرعة.
يدعو سليمان الزوج؛ ليحيا مع زوجته وحدهما فى حب وعاطفة، وكل تعبير جسدى، فتكون له وحده، وليس كالأجنبية التى تزنى مع كل رجل. والله يحفظ زوجته فى طهارة ليفرحا معاً بعمل الله فيهما، ولا يمس أحد من الغرباء جسديهما. وبهذا يفرح الرجل بزوجته التى تزوجها منذ شبابه، ويستمر فى هذا الفرح طوال حياته، ويفرح أيضاً بأولاده الذين أنجبهم منها. فينبوعه هو علاقته بزوجته التى أنجب منها هؤلاء الأبناء والبنات، وهم بركة ونعمة من الله لهما. ويتمنى سليمان لهذا الزوج أن يتمتع بالحياة مع زوجته، التى يراها زوجها مثالاً للرقة واللطف والنشاط، فيشبع من ثدييها، أى حبها، بل من كثرة التمتع بحبها ينسى كل أتعاب الحياة كمن يسكر بالخمر.
ومن هذا نرى الفارق الكبير بين الراحة والاستقرار، والشبع، والفرح فى الزواج، عكس الإضطراب والجوع العاطفى، وعدم الاكتفاء الجسدى فى حالة الزنى، بالإضافة إلى الغضب الإلهى والهلاك المحزن.
ع20: تفتن : تعجب بشدة، والأصل العبرى للكلمة تعجب حتى تتعلق وتصير أسيراً لهذا الإعجاب.
إن كان للزواج كل هذه البركات السابقة، فيتساءل سليمان ويقول : لماذا يا ابنى تستعبد نفسك لحب مخادع، وتقع فى شباك المرأة الزانية، وتحتضنها متخيلاً أنك قد أشبعت شهوتك، وفى الحقيقة أنت تخسر علاقتك بالله، وزوجتك، وأولادك، وتسير بخطوات سريعة نحو الهلاك.
ع21-23: يواجه سليمان الشخص المندفع بشهوته نحو الزنى بأن الله يرى كل طرقه، وحياته، وحتى أفكاره ونيات قلبه، وبالتالى هو يثير غضب الله عليه، بأفعاله الشهوانية الخارجية، وأيضاً أفكاره الداخلية.
ثم ينذر هذا الإنسان الشرير بأن اندفاعه بغباء نحو الشهوة تهور فظيع يسقط به نفسه فى شبكة الخطية التى أعدها لنفسه، أى يستعبد نفسه للشهوة، فتتحكم فيه، وتذله، ويخسر علاقته مع الله، ومع أسرته، بل ويخسر أيضاً سلامه، ونجاحه فى الحياة. إنه تحذير ختامى من سليمان ليُرجع هذا الشهوانى بالتوبة لله. الله ينبهك بأشكال كثيرة لترجع عن خطاياك، فلا تهمل دعوته، بل قم واسرع إليه باتضاع، وهو يريد أن يغفر لك، ويسندك، ويخلصك من كل ما تفعله من شر.