المعاملات الصالحة
(1) حلاوة الصداقة (ع1-10) :
1- لاَ تَفْتَخِرْ بِالْغَدِ لأَنَّكَ لاَ تَعْلَمُ مَاذَا يَلِدُهُ يَوْمٌ. 2- لِيَمْدَحْكَ الْغَرِيبُ لاَ فَمُكَ، الأَجْنَبِيُّ لاَ شَفَتَاكَ. 3- اَلْحَجَرُ ثَقِيلٌ وَالرَّمْلُ ثَقِيلٌ، وَغَضَبُ الْجَاهِلِ أَثْقَلُ مِنْهُمَا كِلَيْهِمَا. 4- اَلْغَضَبُ قَسَاوَةٌ وَالسَّخَطُ جُرَافٌ، وَمَنْ يَقِفُ قُدَّامَ الْحَسَدِ؟ 5- اَلتَّوْبِيخُ الظَّاهِرُ خَيْرٌ مِنَ الْحُبِّ الْمُسْتَتِرِ. 6- أَمِينَةٌ هِيَ جُرُوحُ الْمُحِبِّ، وَغَاشَّةٌ هِيَ قُبْلاَتُ الْعَدُوِّ. 7- اَلنَّفْسُ الشَّبْعَانَةُ تَدُوسُ الْعَسَلَ، وَلِلنَّفْسِ الْجَائِعَةِ كُلُّ مُرّ حُلْوٌ. 8- مِثْلُ الْعُصْفُورِ التَّائِهِ مِنْ عُشِّهِ، هكَذَا الرَّجُلُ التَّائِهُ مِنْ مَكَانِهِ. 9- اَلدُّهْنُ وَالْبَخُورُ يُفَرِّحَانِ الْقَلْبَ، وَحَلاَوَةُ الصَّدِيقِ مِنْ مَشُورَةِ النَّفْسِ. 10- لاَ تَتْرُكْ صَدِيقَكَ وَصَدِيقَ أَبِيكَ، وَلاَ تَدْخُلْ بَيْتَ أَخِيكَ فِي يَوْمِ بَلِيَّتِكَ. الْجَارُ الْقَرِيبُ خَيْرٌ مِنَ الأَخِ الْبَعِيدِ.
ع1: الإنسان لا يضمن إلا يومه، أما المستقبل والغد فقد يوجد، أو لا يوجد، إذ قد تطلب نفس الإنسان فى نفس اليوم الذى يحيا فيه (لو12: 20). واليوم تستطيع أن تتوب، لكنك لا تضمن أن تتوب فى الغد، إذ قد توجد حروب كثيرة من الشياطين.
لا تفتخر بما ستحققه فى الغد؛ لأن الغد ليس مضموناً ولا تعرف هل اليوم سيليه غد، أم لا ؟(مت6: 34؛ يع4: 13-15) بل افتخر بالرب، واشكره على ما عمله معك فى الماضى، واستغل اليوم، لتقترب إلى الله بالصلاة والتوبة وعمل الخير.
ع2: لا يصح أن يسعى الإنسان نحو مديح الناس له؛ لأن مدح الناس قد يكون مجاملة وليس الحقيقة، وقد يكون موجود اليوم، وينقلب غداً إلى عكسه. وإن كان مدحاً حقيقياً فقد يسقط الإنسان فى الكبرياء. والأفضل إن مدحنا الناس أن نشكر الله الذى أعطانا ما نمدح عليه، ونوجه الأنظار نحو الآخرين، أى ننسب الفضل لمن حولنا، الذين ساعدونا.
ولكن الأخطر أن يمدح الإنسان نفسه؛ سواء بالكلام عن نفسه وأعماله، أو يحرك الآخرين ليمدحوه، فهذا يعنى كبرياء، وتعلق بالمديح.
والخلاصة، لا تمدح نفسك، وإن مدحك الآخرون حول الفضل لله، وللآخرين الذين ساعدوك. والله عندما يريد سيمدحك ويمجدك فتشكره (يو8: 54).
ع3: الغضب خطية لا ترضى الله، ولكن غضب الجاهل يكون شديداً وثقيلاً، تشبهه الآية بثقل الحجر والرمل. وذلك لما يلى :
- الغضب فى حد ذاته خطية مزعجة تسىء للآخرين.
- الجاهل إنسان بعيد عن الله، أى لا يخاف الله، فيكون مندفعاً، وإساءاته ليس لها حدود، وتصل إلى قتل الآخر. هذا ما حاوله شاول الملك ليقتل داود مرات كثيرة، وهذا ما حاوله اليهود حتى صلبوا المسيح.
- الجاهل أنانى يفكر فى نفسه فقط، وبالتالى فى غضبه مستعد أن يدوس الآخرين، ويحطمهم.
- الجاهل متكبر، فيرى تصرفاته سليمة، ويميل إلى إدانة الناس، فيغضب غضباً ثقيلاً.
وبالتالى ليس من الصواب الرد على الجاهل فى غضبه، فإنه لا يفهم، وقد يزداد اشتعالاً، والحل هو الصمت والاحتمال والصلاة؛ لينقذنا الله، كما فعل حزقيا مع تهديدات ربشاقى، الذى كان يظن أنه سيهدم أورشليم، ولكن الله أنقذ مدينته، من أجل اتضاع وصلوات حزقيا وشعبه، وقتل جيش آشور (2مل 19: 35-37).
ع4: السخط : الغضب الشديد.
جراف : هو الذى يجرف، أى يكتسح أى شئ فى طريقه.
الغضب : قاسى لأنه يؤذى الآخرين، إذ وراءه كبرياء وأنانية وكراهية، كما ذكرنا.
السخط : جراف؛ لأنه أصعب من الغضب، فيدمر الذين أمامه بكل قسوة، ولذا يقولون الغضوب، وهو الكثير الغضب، نصف مجنون، فمن يسخط يوقف تفكيره إلى حد كبير، ويتصرف بعنف.
الحسد : وهو أصعب الكل لأنه ليس فقط قساوة، أو اكتساح للآخرين، لأن الغضب والسخط كالعاصفة مؤقت وينتهى، أما الحسد فإنه يستمر؛ بسبب خروجه من القلب، إذ أن مشاعر الحاسد مملوءة بالكبرياء والكراهية للآخرين، والأنانية. ولذا فإن إساءاته، ومشاعره خاضعة للشيطان، وتدوم فى الشر. ولكن الحسد ليس له قيمة أمام أولاد الله الذين يحتمون فيه، ولا يؤثر عليهم نهائياً.
هذه الثلاث درجات للغضب لا تؤذى الآخرين فقط، لكنها تؤذى أولاً صاحبها، فيكون مضطرباً وتعيساً، ومكتئباً، إذ لا يرى العالم حوله إلا سوءاً وشراً. وهو بعيد عن الله، أى فاقد لنعمته،ويستمر متألماً، ولا يريد أن يتوب، وليس له حل إلا الصلاة من أجله لعله ينتبه، فيرجع إلى الله.
والحاسد قد يبدو هادئاً من الخارج، ولكن غضبه داخلى، ومملوء غيرة من الآخرين، وشره يؤذيه كلما رأى خيراً قد أتى على الآخرين، فهو يدمر نفسه دون أن يؤذيه أحد.
فإخوة يوسف حسدوه؛ حتى أنهم حاولوا قتله، ولكن الله أنقذه، فاكتفوا ببيعه عبداً (تك37: 22، 28).
ع5، 6: إذا أحب إنسان آخر ينبغى عليه أن يظهر محبته له، وفى نفس الوقت إذا أخطأ يبين له خطأه ليرجع عنه؛ حتى إذا احتاج الأمر إلى عتاب، أو توبيخ؛ لأن المحبة المستترة، أى الموجودة فى القلب ولا يعبر عنها، مهما كان خطأ الآخر، فهى بلا قيمة؛ لأنها تعرض الآخر للهلاك. أما المحبة الحقيقية، فتعبر عن نفسها؛ حتى لو احتاج الأمر إلى توبيخ. هذا ما يصنعه الله معنا عندما يؤدبنا بالتجارب؛ لنرجع إليه، ونكشف خطايانا ونتوب عنها.
والطبيب الذى يستخدم الآلات الجراحية لإنقاذ المريض، هو يحبه ويسعى إلى راحته.
وأخطر شئ هى المحبة المزيفة الظاهرية، فعدونا الشيطان قد يظهر اهتمامه بنا؛ ليضلنا ويبعدنـا عن الله. كما كانت قبلة يهوذا غاشة، عندما قبل المسيح كعلامة للقبض عليه (مت26: 48).
ع7: عندما يأكل الإنسان ويشبع يكون مكتفياً ولا يميل للأكل فى هذا الوقت، بل حتى لو قدم له أشهى طعام، وأحلى أكل، مثل العسل، فهو يرفضه، ولكن الإنسان الجوعان لأجل احتياجه الشديد للطعام يقبل أى شئ؛ حتى لو كان مراً، أو طعمه غير مستساغ؛ لأنه يشعر بحلاوته، إذ ينقذه من الجوع.
من الناحية الروحية النفس الشبعانة بالله، ومنشغلة بالروحيات، تهمل ملذات العالم، مهما كانت حلوة مثل العسل. وهذا يأتى بالتدريج مع الجهاد الروحى، والاهتمام بالصلاة والقراءة والتأمل بمصاحبة الصوم، فيصل الإنسان فى النهاية إلى الاشتياق والشبع بكلام الله فوق كل احتياج. أما النفس الجائعة البعيدة عن الله، تصبح ملذات العالم المرة، المضرة لها، مهما امتلأت من النجاسة والشر، حلوة، فتقبل عليها، بل وتفتخر بحلاوتها التى تضل حياتها. الإبن الضال الذى ابتعد عن الله صار فى ذل، واشتاق للخرنوب، ولكنه لم يجده، وحينئذ فقط انتبه، وعاد إلى أبيه (لو15: 16).
ع8: إذا ابتعد الإنسان عن الكنيسة يتوه فى العالم بعيداً عن حضن الله، ويتعرض لحروب الشيطان، ويذله بخطايا كثيرة، وهو يشبه العصفور الذى خرج من عشه، وتاه بعيداً عنه، فلا يجد لنفسه راحة.
والإنسان التائه يحتاج لمن يصلى لأجله، ويرشده. وباستمرار الصلاة والتذكرة بمحبة الله بلطف، يعود هذا التائه لحضن الله، كما تاه أوغسطينوس سنوات طويلة بعيداً عن حضن الله، ولكن مثابرة أمه القديسة مونيكا فى الصلاة والإرشاد، أعاده إلى حضن الله.
والإنسان الذى يبتعد عن الله، ويهمل ممارساته الروحية، يبدأ فى الضلال، والتذمر، فيبحث عن راحته فى أمور العالم، أو أفكار غريبة، عن كنيسته. ولكبريائه يرفض الإرشاد، أو الخضوع لله فى الصلاة، فيزداد ضلاله، ولا يجد راحة أبداً؛ لأنه ليس فى مكانه الحقيقى، وهو حضن الله.
ع9: الصداقة مؤثرة جداً فى الإنسان. وحلاوة الصداقة الروحية تظهر فى إرشاد ومشورة الصديق لصديقه، فهى مفرحة ومنعشة للنفس، مثل الدهن والبخور اللذين ينعشان الحواس. فصداقة داود ويوناثان كانت عظيمة (2صم1: 26)، وكل منهما كان يحب الآخر. ولذا كان يوناثان مخلصاً لداود لينجيه من يد أبيه شاول. وداود أيضاً كان مخلصاً ليوناثان؛ حتى بعد موته، فاهتم بابنه مفيبوشث (2 صم 9 : 10 ، 11) . من هنا تظهر أهمية اختيار الصديق؛ ليكون صديقاً روحياً مسانداً، ومرشداً فى الحياة، أما مع باقى الناس (خلاف الأصدقاء الروحيين) فارتبط معهم بعلاقة لطيفة عامة، تظهر فيها المحبة للجميع.
ع10: استكمالاً لموضوع الصداقة المذكور فى ع(9) تظهر هذه الآية أهمية الصديق القديم، الذى تعرفه منذ مدة طويلة، إذ كان صديقك، وصديق أبيك؛ هذا تمسك به قبل القريب والأخ.
فإذا حدثت لك ضيقة، أو بلية، فأسرع إلى هذا الصديق القديم، وليس إلى أخيك، الذى انقطعت العلاقة معه منذ مدة طويلة. فالصديق يتكلم معك دائماً، ويشعر بك أكثر من أخيك فى الجسد البعيد عنك.
كذلك جارك الذى ارتبطت به بمعاملات ومحبة دائمة كل يوم، هذا ألصق بك من أخيك البعيد، فاستند عليه، إذ بينكما معاملات كثيرة مستمرة.
وصديقك، وصديق أبيك، أى الصديق القديم هو المسيح، الذى أحبك منذ الأزل من قبل تاسيس العالم، وهو مستعد أن يساندك فى كل خطوات حياتك فى يوم بليتك، ويشاركك أيضاً يوم راحتك.
كن صديقاً وفياً لأصدقائك، يباركك الله، ويعطيك ثقة ونعمة فى أعينهم، وتتمتع بصداقتهم، وتنال مشورة حسنة روحية من الله على ألسنتهم.
(2) الاحتراس من الشر (ع11-16).
11- يَا ابْنِي، كُنْ حَكِيمًا وَفَرِّحْ قَلْبِي، فَأُجِيبَ مَنْ يُعَيِّرُنِي كَلِمَةً. 12- الذَّكِيُّ يُبْصِرُ الشَّرَّ فَيَتَوَارَى. الأَغْبِيَاءُ يَعْبُرُونَ فَيُعَاقَبُونَ. 13- خُذْ ثَوْبَهُ لأَنَّهُ ضَمِنَ غَرِيبًا، وَلأَجْلِ الأَجَانِبِ ارْتَهِنَ مِنْهُ.
14- مَنْ يُبَارِكُ قَرِيبَهُ بِصَوْتٍ عَال فِي الصَّبَاحِ بَاكِرًا، يُحْسَبُ لَهُ لَعْنًا. 15- اَلْوَكْفُ الْمُتَتَابعُ فِي يَوْمٍ مُمْطِرٍ، وَالْمَرْأَةُ الْمُخَاصِمَةُ سِيَّانِ، 16- مَنْ يُخَبِّئُهَا يُخَبِّئُ الرِّيحَ وَيَمِينُهُ تَقْبِضُ عَلَى زَيْتٍ!
ع11: الإبن الحكيم يفرح قلب أبيه، أما الابن الجاهل فتصرفاته سيئة، فيُعيرَّ والده من أجل اخطائه، فيصير الوالد فى خزى وعار.
ويصير الابن حكيماً باتباع وصايا الله، والارتباط بالممارسات الروحية، والخضوع لإرشاد الآباء الروحيين.
وهذه الآية تنطبق على الله نفسه، الذى يطلب منَّا نحن أولاده أن نصير حكماء؛ حتى لا تتطاول الشياطين، وتعير الله أبانا بسبب خطايانا. كما فعل الشيطان مع الله فى أمر أيوب (أى1)، ولكن الله استخدم الضيقات لتنقية أيوب من خطاياه.
ع12: يتوارى: يختبىء.
ذكرت هذه الآية قبلاً فى (ص22: 3). والمقصود هو حكمة الإنسان الذكى الروحى الذى لا يضيع وقته، وينشغل بالشر، بل على العكس يبتعد عنه، ويتوارى، أما الأغبياء فإن الشيطان يستفزهم، ويجذبهم، فيسقطون فى عقاب تهاونهم، ويعانون من متاعب الشر.
ع13: هذه الآية تأكيد لما ذكر فى (ص20: 16). وتدعونا الآية إلى عدم الاندفاع فى ضمان أى شخص غريب؛ حتى لا نضطر إلى دفع، ليست فقط أموالنا، بل حتى حاجاتنا الضرورية، مثل الثوب الذى نلبسه.
وكذا من تغويه النساء الأجنبيات للشر يعطى أيضاً ثيابه وحاجته الضرورية، إذ قد تعلق بالشر والزنى، فيصير فقيراً ودنساً.
ع14: الحكمة واجبة فى التعامل مع الآخرين. فحين نريد أن نمدح إنساناً ونشجعه، فينبغى أن يكون فى الوقت المناسب، وبأسلوب هادئ. فلا يصح أن يذهب أحد إلى قريبه فى الصباح الباكر، وينادى عليه بصوت عالٍ ليباركه، فيقلق راحته وهو نائم، ويزعجه بصوته العالى، ويجمع الناس لسماع صوته العالى بلا داعى، وقد يقلق جيرانه، أو يسقط سامعه فى الكبرياء، وجيرانه فى الغيرة. وهكذا يتحول مباركته إلى لعنة. كن حكيماً فتفعل وتتكلم فى الوقت المناسب، والمكان المناسب، وبالطريقة المناسبة.
ع15، 16: الوكف : المطر المتساقط قطرة قطرة.
سيان : متشابهان ولا فرق بينهما.
الزوجة المخاصمة تصنع شجاراً، ومشاكل على الدوام، فتزعج زوجها، وتضايقه، مثل المطر المتساقط قطرة قطرة باستمرار، وإذا حاول زوجها إخفاء خصامها، وصوتها العالى، ومشاجراتها فإنه يفشل، إذ يشبه من يخبئ الريح، فلا يستطيع، أو يمسك الزيت بيديه، فتتسخ ولا يحصل على شئ من الزيت.
والأصلح فى هذه الأحوال معالجة سبب خصام هذه المرأة بالصلاة والتفاهم والإرشاد الروحى.
ليتك يا أخى تضع هدفك أمام عينيك، وهو ملكوت السموات، ولا تدع شيئاً يعطلك عنه. واهرب من كل شر حتى تواصل طريقك نحو الملكوت، واهتم بالاقتراب إلى الله، وكل عمل إيجابى، ومحبة كل إنسان.
(3) الأمانة فى الخدمة (ع17-27).
17- الْحَدِيدُ بِالْحَدِيدِ يُحَدَّدُ، وَالإِنْسَانُ يُحَدِّدُ وَجْهَ صَاحِبِهِ. 18- مَنْ يَحْمِي تِينَةً يَأْكُلُ ثَمَرَتَهَا، وَحَافِظُ سَيِّدِهِ يُكْرَمُ. 19- كَمَا فِي الْمَاءِ الْوَجْهُ لِلْوَجْهِ، كَذلِكَ قَلْبُ الإِنْسَانِ لِلإِنْسَانِ.
20- اَلْهَاوِيَةُ وَالْهَلاَكُ لاَ يَشْبَعَانِ، وَكَذَا عَيْنَا الإِنْسَانِ لاَ تَشْبَعَانِ. 21- اَلْبُوطَةُ لِلْفِضَّةِ وَالْكُورُ لِلذَّهَبِ، كَذَا الإِنْسَانُ لِفَمِ مَادِحِهِ. 22- إِنْ دَقَقْتَ الأَحْمَقَ فِي هَاوُنٍ بَيْنَ السَّمِيذِ بِمِدَقّ، لاَ تَبْرَحُ عَنْهُ حَمَاقَتُهُ. 23- مَعْرِفَةً اعْرِفْ حَالَ غَنَمِكَ، وَاجْعَلْ قَلْبَكَ إِلَى قُطْعَانِكَ، 24- لأَنَّ الْغِنَى لَيْسَ بِدَائِمٍ، وَلاَ التَّاجُ لِدَوْرٍ فَدَوْرٍ. 25- فَنِيَ الْحَشِيشُ وَظَهَرَ الْعُشْبُ وَاجْتَمَعَ نَبَاتُ الْجِبَالِ. 26- الْحُمْلاَنُ لِلِبَاسِكَ، وَثَمَنُ حَقْل أَعْتِدَةٌ. 27- وَكِفَايَةٌ مِنْ لَبَنِ الْمَعْزِ لِطَعَامِكَ، لِقُوتِ بَيْتِكَ وَمَعِيشَةِ فَتَيَاتِكَ.
ع17: إن كان احتكاك الحديد بالحديد يجعله حاداً، ويصبح نافعاً فى قطع الأشياء، أى يكون مثل السكين الحاد، هكذا أيضاً كل من يقبل التعامل مع الآخرين؛ فمن خلال احتكاكات التعامل ينتفع، ويتعلم أموراً جديدة فى الحياة، ويصلح أخطاءه، ويتعلم المرونة والتكيف مع الظروف المختلفة.
لذا ليتنا نقبل، ونحتمل متاعب الاحتكاك مع الآخرين، بل ونسعى إلى راحتهم، ونحتمل الضيقات، فنصير نافعين فى كل شئ، مثل يوسف الذى تدرب فى مدرسة الألم، فى بيت فوطيفار، وفى السجن، وتمسك بالله، وصار ناجحاً، بل ارتفع ليجلس على عرش مصر.
ع18: من يزرع تينة ويربيها يستطيع أن يأكل من ثمرها، كذلك من يحفظ وصايا سيده، ويعمل بأمانة فى الأعمال الموكلة إليه، فإنه ينال كرامة عظيمة، لأن سيده سيفرح به، وبأمانته.
ومن يحفظ وصايا سيده المسيح، ويعمل بأمانة فى الوزنات المعطاة له، فإنه ينال بركات كثيرة فى الأرض، ثم فى ملكوت السموات.
ع19: الماء الصافى هو أول مرآة طبيعية استخدمها الإنسان ليرى وجهه فيها، مثلها أيضاً قلب الإنسان الصافى النقى، فهو يستطيع أن يكتشف نفسه، ويرى مميزاته ويستخدمها، وعيوبه ويعالجها. وهذا أمر ضرورى يحتاجه الإنسان كل يوم ليطهر نفسه، ويجدد نشاطه، واثقاً من غفران الله لخطاياه عندما يتوب، بشرط الذهاب إلى الكنيسة والاعتراف.
يكتشف الإنسان نفسه أيضاً من خلال سر الاعتراف، إذ يحاسب نفسه، ويقدم توبة، ويسمع صوت الله وإرشاده على لسان أب الاعتراف.
وأيضاً يرى الإنسان نفسه ويفحصها من خلال قراءة الكتاب المقدس، فكلمة الله كالسيف ذو الحدين التى تدخل إلى مفارق النفس والمفاصل والمخاخ (عب4: 12).
ولكن إن كان الماء معكراً، فلا يرى الإنسان صورته. وهكذا أيضاً إن كان القلب مملوءاً بالشر، فلا يكتشف الإنسان نفسه، كما قال إرميا أن “القلب أخدع من كل شئ وهو نجيس” (إر17: 9) فالقلب حينئذ يضل الإنسان.
ع20: يذهب البشر للهاوية، أو الهلاك بأعداد كبيرة ولا تشبع، فهى مفتوحة دائماً لاستقبال الذين يموتون على الأرض. وفى العهد القديم كان الكل يذهب إلى الهاوية، وفى العهد الجديد يذهب إليها الأشرار.
كذلك عين الإنسان وقلبه لا يشبعان من شهوات العالم، فكلما نال منها كثيراً يطلب الأكثر، فمثلاً قام الإنسان برحلات حول العالم؛ لأنه لم يكتف بكل ما فى بلاده، ثم بدأ رحلات إلى الكواكب، وكذا لا يشبع الإنسان من الأطعمة المتنوعة، وكل ما يشربه من مشروبات،وكل المقتنيات؛ إنه يرغب دائماً فى المزيد والجديد.
الشئ الوحيد الذى يشبع العين والقلب هو المسيح؛ لأن التأمل فيه لا ينتهى، والشبع منه بلا حدود، كما قدم المسيح نفسه مقارنة بين العالم، وبين ما يعطيه هو، فقال: “من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً ولكن من يشرب من الماء الذى أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد”
(يو4: 13، 14).
ع21: البوطة : وعاء لصهر المعادن.
الكور : فرن لصهر المعادن.
كما أن البوطة تختبر الفضة، وتنقيها من شوائبها، وكذا الكور يختبر الذهب، وينقيه من شوائبه، كذلك الإنسان يُقيَّم ويُختَبر من خلال كلمات المديح التى يسمعها، فيكون رد فعله كما يلى :
- يحول المجد لله الذى أعطاه ما يُمدح عليه.
- يتكبر إذ ينسب المجد لنفسه.
- يتعالى على من حوله، إذ يشعر أنه أحسن منهم.
- يهرب من سماع المديح، إما بترك المكان، أو بتغيير الموضوع، إذ يشعر أنه غير مستحق لهذا المديح.
بالطبع النوعان الأول والرابع هما النوعان الروحيان اللذان يرضى بهما الله، أما الثانى والثالث فالمديح كشف كبرياءهما وأنانيتهما.
حزقيا الملك نجح فى احتمال الضيقة، إذ التجأ إلى الله أمام تهديدات سنحاريب، وأنقذه الله من يده، ولكنه فشل فى اختبار المديح، إذ نسب المجد لنفسه، وعرض مقتنياته أمام البابليين، الذين أتوا ليهنئوه بشفائه من مرضه (2مل20: 12، 13). وهيرودس انتفخ عندما مدحه الصيدونيون (أع12: 23).
ع22: السميذ : الدقيق الخشن الفاخر.
إن الأحمق المتمسك بحماقته، ولا يريد أن يتوب عنها، إن دققته فى هاون بمدق مع السميذ، أى طحنته فلا تفارقه حماقته؛ لأنه لا يريد أن يتوب، كما تدق حبوب القمح التى ستعطى السميذ، ولكن بقشورها، فالقشر يختلط بالدقيق ولا يمكن فصله عنه، وهكذا الأحمق المصر على غباوته بعدم التوبة.
إن الهاون والمدق يرمزان للتجارب الشديدة التى يمر بها الأحمق، ويسمح بها الله له؛ ليتوب عن خطاياه، ولكن حتى هذه لا تساعده على التوبة؛ لأجل تمسكه بالحماقة، مثل آحاز الملك (2أى28: 22).
ع23: ينبغى أن يهتم الراعى بأحوال غنمه، ويعرف قطعان الغنم التى يرعاها؛ حتى لو كان عددها كبيراً، ويطمئن على طعامها وشرابها، وكل احتياجاتها، وحراستها وصحتها. فهى عمله الأساسى، ورعايتها تضمن له مكسبه وغناه، بل ويشعر الراعى بمحبة خاصة نحو كل واحد منها كأنه ابنه، أو ابنته.
ويلزم أيضاً أن الكاهن، أو الخادم الذى يرعى النفوس أن يعرف أحوال من يخدمهم ويهتم بهم؛ ليس فقط من النواحى الروحية، بل أيضاً يطمئن على سد احتياجاتهم المادية، ويتعب لأجل راحتهم قدر استطاعته، مهتماً بكل نفس على حدة؛ إذ تختلف احتياجات كل فرد عن الآخر.
ع24: دور فدور : جيل إلى جيل، ويقصد الدوام.
إن كنت تملك قطعان كثيرة يا راعى، فلا تعتمد على ذلك، وتشعر أنك غنى، فتهمل فى رعاية غنمك؛ لأن الغنى معرض للزوال، وأيضاً تاج الملك والعظمة ليس بدائم، بل إن غناك ومركزك يحتاجان إلى جهاد وتعب، ولأجل أمانتك يبارك الله أغنامك.
إن أغنامك هى الوزنات التى أقامك الله وكيلاً عليها؛ لتهتم بها. لذا ليتك تهتم بها بكل طاقتك، حينئذ تحيا فى بركة الله، ويكون الغنى والمركز نعمة من يده تشكره عليها.
ع25: إن طعام الأغنام متنوع، فيلزم أن يهتم به الراعى، فهى تأكل الحشيش، ولكن إذا فنى الحشيش، يقودهم إلى العشب ليأكلوه، وإذا فنى العشب ولم يجد طعاماً من السهل على قطعانه أن تأكله، يدخلهم إلى الحظيرة، ويذهب إلى الجبال؛ ليجمع منها نباتات الجبال فى حزم، ويأتى بها إلى الحظيرة ليطعم أغنامه.
من الواجب على الراعى أن يواجه مشاكل نقص الطعام لأغنامه، فيتعب ليوفره لها؛ لأنه هو المسئول عنها، إذ هى ضعيفة لا تستطيع أن تجد طعامها وحدها، فهو الذى يبحث لها عن الطعام، ويشبعها.
أليس هذا هو مسئولية راعى النفوس الكاهن والخادم، الذى يهتم أن يشبع من يخدمه، كل واحد بما يناسبه، فيقدم لهم الأسرار المقدسة ووسائط النعمة ليشبعوا من خلالها. وإذا تعرضوا لضيق من بعض الممارسات يحتملهم، ويشجعهم بهدوء، ويقدم لهم الجديد، ولا يترك القديم، ولكن بحكمة يعيدهم إليه تدريجياً.
إن الجبال العالية المرتفعة للسماء ترمز إلى السماويات، والراعى يجمع النباتات، وهى الطعام السماوى؛ ليشبع به أغنامه التى فى الحظيرة، والتى ترمز للكنيسة، ليشبعهم بها.
ولابد أن نعلم أن الله يساند أولاده الخدام بنعمته إن وجدهم مجتهدين فى رعاية من يخدمونه، فتتضافر النعمة مع الجهاد، فتشبع كل محتاج.
ع26، 27: للباسك : لثيابك.
أعتدة : جمع عتود، وهو التيس (ذكر الماعز الجبلى).
قوت : طعام.
الراعى يقتات من قطعانه، فيأخذ منها :
- الصوف الذى يصنع منه ملابس له.
- أجرة الحقول، أو الأراضى التى أكلت منها الغنم طعامها من الحشيش، أو العشب، وهذا يكون إما كمية من الصوف، أو يقدم بعض الأغنام.
- اللبن الذى يأخذه من الغنم، وكل ما ينتج عنه من جبن، وزبد، وسمن ويستخدمه طعاماً له، ولأفراد بيته كلهم.
كن أميناً فى رعايتك لمن حولك، سواء فى بيتك، أو فى كنيستك، واعلم أن كل نفس ثمنها غالى جداً، هو دم المسيح. فأبذل كل جهدك من أجل راحتها، وقدم لها المسيح، الغذاء الحقيقى المشبع لكل النفوس. ليتك تشعر بمعاناة من تخدمهم، فاقترب إليهم، ولا تنتظر أن يأتوا إليك. قدم محبتك؛ حتى لو لم يتجاوبوا معها سريعاً. ثابر فى الصلاة من أجلهم وإظهار محبتك. واعلم أن الله يفرح بما تعمله، ويباركه ويكمله.