صفات مرذولة
(1) الجاهل والأحمق (ع1-12):
1- كَالثَّلْجِ فِي الصَّيْفِ وَكَالْمَطَرِ فِي الْحَصَادِ، هكَذَا الْكَرَامَةُ غَيْرُ لاَئِقَةٍ بِالْجَاهِلِ.
2- كَالْعُصْفُورِ لِلْفَرَارِ وَكَالسُّنُونَةِ لِلطَّيَرَانِ، كَذلِكَ لَعْنَةٌ بِلاَ سَبَبٍ لاَ تَأْتِي. 3- اَلسَّوْطُ لِلْفَرَسِ وَاللِّجَامُ لِلْحِمَارِ، وَالْعَصَا لِظَهْرِ الْجُهَّالِ. 4- لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ تَعْدِلَهُ أَنْتَ.
5- جَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ يَكُونَ حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ. 6- يَقْطَعُ الرِّجْلَيْنِ، يَشْرَبُ ظُلْمًا، مَنْ يُرْسِلُ كَلاَمًا عَنْ يَدِ جَاهِل. 7- سَاقَا الأَعْرَجِ مُتَدَلْدِلَتَانِ، وَكَذَا الْمَثَلُ فِي فَمِ الْجُهَّالِ.
8- كَصُرَّةِ حِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ فِي رُجْمَةٍ، هكَذَا الْمُعْطِي كَرَامَةً لِلْجَاهِلِ. 9- شَوْكٌ مُرْتَفِعٌ بِيَدِ سَكْرَانٍ، مِثْلُ الْمَثَلِ فِي فَمِ الْجُهَّالِ. 10- رَامٍ يَطْعَنُ الْكُلَّ، هكَذَا مَنْ يَسْتَأْجِرُ الْجَاهِلَ أَوْ يَسْتَأْجِرُ الْمُحْتَالِينَ.
11- كَمَا يَعُودُ الْكَلْبُ إِلَى قَيْئِهِ، هكَذَا الْجَاهِلُ يُعِيدُ حَمَاقَتَهُ. 12- أَرَأَيْتَ رَجُلاً حَكِيمًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ؟ الرَّجَاءُ بِالْجَاهِلِ أَكْثَرُ مِنَ الرَّجَاءِ بِهِ.
ع1: يتكلم سليمان فى هذه الآيات من (1-12) عن الجاهل والأحمق، وهو من ينغمس فى خطيته، ويتمادى فيها، ولا يريد أن يرجع إلى الله، أو يسمع الإرشاد الروحى.
هذا الجاهل إذا نال كرامة ممن حوله يتكبر، ويصنع أعمالاً تسىء لمن حوله. ولأنه جاهل، فلا يصح أن تعطى له كرامة، أو تقدم عمن حوله، فهوغير مضمون فى تصرفاته، وليس له مرجعية، فيندفع فى أخطاء متنوعة.
يشبه هذا الجاهل سقوط الثلج فى الصيف، أو نزول المطر فى وقت الحصاد، فالثلج والمطر مفيدان فى وقتهما، لكن فى غير وقتهما ضاران، إذ يفسدان الحصاد، أو يضران بالمحاصيل المزروعة.
قد يكون هذا الجاهل متعلماً تعليماً عالياً، أو مثقفاً ثقافة عظيمة، لكنه بعيد عن الله، فلا يستفيد من علومه، أو ثقافته، لأن كل شئ حسن إذا وضع فى يدى الله، وشرير لمن يبتعد عن الله، إذ يكون مع الشيطان.
ع2: السنونة : طائر صغير الحجم طويل الجناحين له صوت جميل.
الجاهل يلعن من حوله بشتائم مختلفة، ولكن هذه اللعنات بلا قيمة لا تسىء إلى الآخرين، ولكنها تعود على رأس الشاتم؛ لأن الله يحمى أولاده من لعنات الآخرين. أما الجاهل الذى يلعن غيره، فشره يأتى على رأسه.
هذه اللعنات تشبه طائر يصدر صوتاً عالياً، أو جميلاً كالسنونة، ولكن سرعان ما يختفى ويعود الطائر إلى عشه، أى تعود اللعنة على رأس صاحبها، فهى تذهب فى الهواء، ولا تسىء لأى من المؤمنين، الذين يهملون هذه الكلمات الطائشة، لثباتهم فى الله.
من الأمثلة على الشتائم واللعنات القاسية، تلك التى أطلقها جليات على داود، فأتت على رأسه وقتله داود (1صم17: 49). وكذا سنحاريب الذى عيَّر شعب الله واستهان بإلههم، فأتت شتائمه على رأسه، وقتل ملاك الرب جيشه (اش37: 36).
ع3: السوط : الكرباج.
الفرس عندما يجمح يحتاج إلى السوط ليخيفه، فيسير فى طريقه بلا اندفاع، وكذا الحمار يحتاج للجام يوضع فى فمه للتحكم فى مشيه، وسرعته، هكذا أيضاً الجاهل المندفع فى شره يحتاج أن ينضبط، وهذا يتم بمعاقبته بضربه بالعصا. وهذا الإنسان الجاهل، التحكم فيه أصعب من الحيوانات، مثل الفرس والحمار، إذ يستخدم عقله ومشاعره التى ميزه الله بها للتمرد. وهذا العقاب يخيفه لعله يرتدع ويخاف، ولا يستمر فى عناده.
وهذه العصا الإلهية لا تكون العصا الخشبية التى يضرب بها، ولكن المقصود أن يتخلى الله عن الجاهل، فيتعرض لضيقات كثيرة، لعله يراجع نفسه ويتوب.
ع4، 5: تعدله : تعادله، أو تساويه.
الجاهل يستهزئ ويتكلم بعنف، وليس من الصواب مجاوبته فى هذا الوقت؛ لأنه لم يستمع.
ولكن فى أوقات أخرى يلزم أن نجاوب الجاهل لئلا يظن أن الحجج الضعيفة التى يقولها مقنعة، وهى فى الحقيقة لا شئ، فيلزم الرد عليه حتى لا يعثر السامعين، فيظنوا أن كلامه حقائق، وهى مجرد كلام تافه مخادع.
ويمكن تمييز الوقت المناسب للسكوت، أو الكلام، بالصلاة، فيرشدنا الله إلى الوقت المناسب للكلام.
فداود لم يرد على حماقة شمعى بن جيرا (2صم16: 11)، والمسيح رد على من لطمه، لعله ينبهه ويتوب (يو18: 23)، ورد على الشيطان فى التجربة على الجبل ليظهر لنا، خداع الشيطان وبطلان كلامه (مت4: 3-10).
ع6: من الخطأ الكبير أن ترسل جاهلاً؛ ليوصل رسالتك إلى الآخرين؛ لأنه سيوصلها بطريقة عكسية، فيسىء إليك، ويتضايق الناس منك، ويظلموك، مع أنك لم تفعل شراً، إلا أنك أرسلت رسولاً جاهلاً لم يوضح ما تقصده، بل أظهر عكسه.
هذا الإنسان الذى أرسل جاهلاً يشبه من أرسل إنساناً بلا رجلين، فلن يصل إلى هدفه. والرسالة المرسلة تكون مشوهة كإنسان قد قطعت رجليه. وهذا المرسل يشرب كأس ظلم من الآخرين؛ لأنه أرسل رسولاً جاهلاً.
ليتك يا أخى تكون رسولاً حكيماً؛ لتمجد الله بكلامك، وتصرفاتك، فيتمجد اسمه القدوس. لأنك بخطيتك تسبب ظلماً لله، ولعنة لاسمه القدوس. كن مدققاً فى كلامك وتصرفاتك؛ لأنك نور العالم وملح الأرض.
ع7: متدلدلتان: ضعيفتان ومرتخيتان، أو مشوهتان، وقد تكون واحدة أطول من الأخرى.
إن الجاهل عندما يتكلم بمثل صحيح، أو معنى حكمة فهى لا تتفق مع حياته السالكة فى الشر، فكيف ينطق بما لا يتفق مع حياته؛ فهذا يكون غير مقبول من السامعين.
تشبه أمثال الحكمة فى فم الجهال إنساناً أعرجاً ليس لديه قدرة على المشى، فمنظره قوى، وقدرته على المشى ضعيفة.
هذا الكلام معناه ألا نتكلم إلا بما نحيا به، فيكون الكلام مطابقاً لحياتنا، ومقبولاً عند السامعين.
ع8: كصرة : الصرة هى ما يجمع فيها الأشياء وتربط. فالمنديل مثلاً يمكن وضع الأشياء فيه وتضم أطرافه فيصير صرة.
الذى يكرم الجاهل يقدم مديحاً لمن لا يفهمه ويقدره، فهذه الكرامة لا تدعوه إلى شكر الله، أو التمسك بالفضيلة، ولكنه قد يسقط فى الكبرياء والتعالى على الآخرين، أو الإساءة إليهم.
وإكرام الجاهل يشبه إلقاء صرة من حجارة كريمة وسط كوم من الحجارة التى على الطريق، أى لا يستفاد منها.
وهيرودس الملك قدم له الصيدونيون تكريماً زائداً، إذ قالوا عن كلامه أنه صوت إله، فلم يمجد الله، ويتكلم بالعدل، وينصف هؤلاء الصيدونيين، ولكنه انخدع بجهله، وظن أنه إله، فضربه الله بالدود، ليأكله وهو حى؛ حتى مات (أع12: 23).
ع9: يؤكد هنا ثانية خطورة المثل فى فم الجاهل، الذى يتكلم بكلام حكمة ولا يحيا بها، بل على العكس يسلك فى شرور كثيرة. إن هذا يشبه رجلاً سكراناً يمسك بغصن نبات شوكى، ويحركه يميناً ويساراً، فيتعرض للإصابة بالشوك فى جسده، وإصابة الآخرين بهذا الشوك. لأن الجاهل قد يتكبر بنطق هذه الأمثال، ويظن أنه معلم للآخرين، ويفهم أكثر من غيره، أما السامعون فيتضايقون جداً من هذا الكلام النظرى، الذى لا يتناسب مع حياة الجاهل.
لقد ذكرت هذه الفكرة فى (ع7)، وتأكيدها هنا يبين خطورة هذا الأمر؛ حتى لا نسقط فيه، فنقول كلاماً ونعمل أعمالاً معاكسة له.
ع10: رام : من يرمى السهام.
إن من يستأجر الجهال؛ ليعملوا عنده، أو يرحب بالمحتالين المخادعين، والكذابين ليشاركوه فى أعماله، هو إنسان غير حكيم وجاهل؛ لأنه سيسىء إلى نفسه، وإلى من حوله، إذ أن أعمال هؤلاء الجهال، والمحتالين ستكون عكس المطلوب منهم، فتسىء للناس، وتسىء لمن استأجرهم.
معنى هذا، ضرورة التدقيق فيمن تريد أن يعملوا عندك فى أعمالك، أو مشاريعك، فتفحصهم جيداً، ليكونوا متعاونين معك، وليسوا ضدك.
ع11: إن الأحمق الذى يتمادى فى شره، ويكرر خطاياه، يشبه الكلب الذى يتقيأ، ثم يعود ليلحس قيأه. والغريب أن هذا الأحمق لا يفهم، أو يشعر بنجاسة وشر ما يفعله، بل يظنه تصرفاً حسناً ومناسباً، مع أن كل الحكماء المحيطين به يرون قذارة ما يفعله. هذا ما أكده بطرس الرسول (2بط2: 21، 22).
إن الشهوانيين الذين أحبوا الزنى، أو الشراهة فى الطعام، أو حب المقتنيات، أو يجرون وراء الكرامة، وكذلك المبتدعين الذين يكررون كلامهم المنحرف الباطل؛ كل هؤلاء تنطبق عليهم هذه الآية.
ع12: الإنسان المتكبر الذى يظن أنه بار، هو إنسان من الصعب جداً أن ينتبه، ويعود إلى الله. فالجاهل الذى يشعر بجهله أفضل منه؛ لأنه مستعد أن يسمع الإرشاد.
فالحكيم فى عينى نفسه يظن أنه أفضل ممن حوله، وأذكى منهم، ويحتقر أفكار الآخرين، وقد يستهزئ بمن حوله، فهو منغمس فى الكبرياء، وبالتالى لن يسمع أى إرشاد، ولن يلتجئ إلى الله، وإن قرأ الكتاب المقدس يفسره بحسب أفكاره، فهو قد أغلق على نفسه، ويسير فى طريق الهلاك.
فأنطيوخس الكبير الملك السلوقى الذى هدد بمهاجمة أورشليم والهيكل، وأسرع بمركبته؛ ليحقق غرضه الأثيم، ضربه الدود فمات، وفاحت رائحته الكريهة، فألقوا جثته فى الطريق (2مك9: 9).
إتضع وحاسب نفسك كل يوم، واقبل آراء الآخرين، وإرشاد المرشدين، فتسمع صوت الله، وتحمى نفسك من الهلاك؛ لأن الشيطان يفرح بالمتكبرين كفريسة سهلة ينهشها، ويخضعها له.
(2) الكسلان ومهيج الخصومات (ع13-22):
13- قَالَ الْكَسْلاَنُ: «الأَسَدُ فِي الطَّرِيقِ، الشِّبْلُ فِي الشَّوَارِعِ!». 14- اَلْبَابُ يَدُورُ عَلَى صَائِرِهِ، وَالْكَسْلاَنُ عَلَى فِرَاشِهِ. 15- اَلْكَسْلاَنُ يُخْفِي يَدَهُ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهَا إِلَى فَمِهِ. 16- اَلْكَسْلاَنُ أَوْفَرُ حِكْمَةً فِي عَيْنَيْ نَفْسِهِ مِنَ السَّبْعَةِ الْمُجِيبِينَ بِعَقْل. 17- كَمُمْسِكٍ أُذُنَيْ كَلْبٍ، هكَذَا مَنْ يَعْبُرُ وَيَتَعَرَّضُ لِمُشَاجَرَةٍ لاَ تَعْنِيهِ. 18- مِثْلُ الْمَجْنُونِ الَّذِي يَرْمِي نَارًا وَسِهَامًا وَمَوْتًا،
19- هكَذَا الرَّجُلُ الْخَادِعُ قَرِيبَهُ وَيَقُولُ: «أَلَمْ أَلْعَبْ أَنَا!». 20- بِعَدَمِ الْحَطَبِ تَنْطَفِئُ النَّارُ، وَحَيْثُ لاَ نَمَّامَ يَهْدَأُ الْخِصَامُ. 21- فَحْمٌ لِلْجَمْرِ وَحَطَبٌ لِلنَّارِ، هكَذَا الرَّجُلُ الْمُخَاصِمُ لِتَهْيِيجِ النِّزَاعِ.
22 كَلاَمُ النَّمَّامِ مِثْلُ لُقَمٍ حُلْوَةٍ فَيَنْزِلُ إِلَى مَخَادِعِ الْبَطْنِ.
ع13: لخطورة الكسل تكلم سفر الأمثال عنه كثيراً، فذكر فى (ص13: 4؛ 15: 19؛ 19: 15؛ 20 : 4؛ 21: 25، 26؛ 24: 30، 34)، لأن الكسل ضد كل اجتهاد وعمل إيجابى، فيوقف النشاط الروحى والجسدى، ويعرض صاحبه للهلاك.
وهذه الآية مشابهة جداً لما ذكر فى (ص22: 13). والكسلان يبرر عدم خروجه للعمل بوجود أسد وشبل فى الطريق الذى سيخرج إليه. فهذا التبرير يبدو من النظرة الأولى منطقياً، ويخيف أى إنسان من الخروج، والحقيقة عكس ذلك، فهو تخوف زائد.
والكسلان ليس فقط يهمل عمله، بل أيضاً روحياته، فبالتالى نجده فى قلق، ولا يستطيع أن يتكل على الله حتى يطمئن.
فداود مثلاً رغم أنه راعى صغير السن كان متكلاً على الله، فأعطاه شجاعة. وعندما هجم أسد على الغنم قام وشق الأسد بقوة الله، وأنقذ الخروف (1 صم 17: 34-36).
ع14: صائرة : المحور الذى يثبت فى العتبة العليا والسفلى، ويثبت فيه الباب، ويدور حوله ليفتح الباب، أو يغلق.
كما أن الباب يتحرك حول محوره، ولكنه ثابت لا يترك مكانه، هكذا الكسلان يتقلب على سريره، فيظن أنه يتحرك وهو ثابت على سريره، لا يريد أن يقوم ليعمل؛ لأن فى داخله كسل لا يستطيع أن يقاومه. وبهذا يتعطل عن كل عمل صالح.
إن الكسول قليل الحركة لا يخرج كثيراً من بيته، ويظن أنه متحرك ومشغول وعليه مسئوليات، ولكنه مقيد فى داخله لا يريد أن يتعب، وبالطبع ليس عنده طموح، أو تمنيات يريد أن يحققها.
ع15: الصحفة : الطبق.
من صفات الكسلان أيضاً أنه إذا جلس على المائدة، ومد يده إلى الطبق، وغمس اللقمة فيه، يشعر بصعوبة أن يرفع يده إلى فمه؛ ليأكل اللقمة، فيظل جائعاً والطعام أمامه.
والمقصود، أن الكسلان حتى لو كان محتاجاً للطعام، أو الشراب، أو الملبس، يتكاسل أن يقوم ليحضره، ويظل جائعاً، أو عطشاناً، أو مرتعشاً من البرد إذا كان فى الشتاء.
ومن الناحية الروحية، فالكسول روحياً يكون أمامه الكتاب المقدس، أو يكون وحده وأمامه فرصة للصلاة، ويتكاسل أن يقوم ليكلم الله، أو يقرأ كلامه، ويتكاسل عن الذهاب للكنيسة، والقداسات، والاجتماعات، فيخسر كثيراً.
ع16: الكسلان أيضاً من صفاته الكبرياء، فهو إذ يبرر كسله بحجج ضعيفة يصدقها. وهو يرى أن الأسد بالباب، والمخاطر تمنعه من العمل، ويقول أن الكسل يوفر صحته، ويحافظ على جسمه، وإذا رد عليه العقلاء الحكماء يظل متمسكاً بكسله، مقتنعاً بحججه. وهذا الإصرار على الرأى كبرياء واضح، ومادام الكبرياء موجود يعطل الكسلان عن الجهاد الروحى والمادى.
فالكسلان فى جهاده الروحى ساقط فى الفتور والجفاف الروحى، ولكنه يبرر أفعاله، ويرفض سماع المشورة والإرشاد الروحى، فيظل فى كسله، ويكون عرضة للهلاك.
ورقم سبعة يرمز للكمال، أى أن الكسلان لا يسمع نهائياً لكل العقلاء والحكماء.
ع17: الإنسان الحكيم يبتعد عن المشاجرات؛ حتى فى الأمور التى تخصه، ويميل إلى التفاهم، وصنع السلام؛ حتى ولو بتنازلات عن بعض حقوقه. فكم بالأحرى لو كانت المشاجرات لا تعنيه، ولا تخصه، فلماذا يتدخل فيها، بالطبع ينبغى أن يبتعد عنها.
إن الشخص الجاهل الذى يدخل فى مشاجرات لا تعنيه، يشبه من يمسك بأذنى كلب، فيعرض نفسه لهجوم الكلب عليه وعضه.
ع18، 19: الإنسان المخادع الذى يريد أن يضحك على قريبه، ويستهزئ به هو يسىء إليه، ويقتله، إذ هو يشبه المجنون الذى يلعب بالنار والسهام، فيقتل من حوله. وعندما يصيب إنساناً ويقتله يقول لقد كنت ألعب، ولم أقصد أن أقتله، أو أسىء إليه. فهو إنسان غير متزن، محب للهزل على حساب الآخرين فيؤذيهم.
فهيرودس الملك كان مخادعاً للمجوس، يريد قتل المسيح، ولما أرشدهم الله وتركوه، ظهر شره، وقتل أطفال بيت لحم (مت2: 7، 16).
ع20-22: مخادع البطن : غرف البطن، وهى المعدة وأجزاء الجهاز الهضمى، والمقصود أعماقه.
الحطب : أعواد النباتات الجافة بعد نزعها من الأرض، مثل القمح، وتستخدم كوقود.
إن كلمات النمام الذى يدين غيره، ويأتى بأمور تبدو حقائق مخفية، هى فى الحقيقة كلمات إدانة مثيرة مستفزة، يمكن أن يعجب بها السامعون، وتدخل إلى داخلهم، كلقم حلوة تدخل إلى البطن، وتستقر فى أعماقهم، ويصعب نسيانها.
وبهذا يسىء النمام لسامعيه، ويصنع انقسامات، وتحزبات وخصام. والنمام يشبه الرجل المخاصم الذى يهيج الناس، ويصنع خصاماً بينهم. والنمام والمخاصم يشبهان الحطب والجمر، اللذان يشعلان النار ويزيدانها التهاباً، والمقصود يهيجان الخصام، ويصنعان مشاكل بين الناس.
تذكر يا أخى أن المسيح يطلب منك أن تكون صانع سلام، حتى تدعى ابناً له. فتجنب الإدانة، وانظر إلى فضائل الناس، وتعود تشجيع من حولك بالكلمات الطيبة، واحتمل أخطاءهم، فتحيا فى سلام.
(3) الرجل الماكر (ع23-28):
23- فِضَّةُ زَغَل تُغَشِّي شَقْفَةً، هكَذَا الشَّفَتَانِ الْمُتَوَقِّدَتَانِ وَالْقَلْبُ الشِّرِّيرُ. 24- بِشَفَتَيْهِ يَتَنَكَّرُ الْمُبْغِضُ، وَفِي جَوْفِهِ يَضَعُ غِشًّا. 25- إِذَا حَسَّنَ صَوْتَهُ فَلاَ تَأْتَمِنْهُ، لأَنَّ فِي قَلْبِهِ سَبْعَ رَجَاسَاتٍ.
26- مَنْ يُغَطِّي بُغْضَةً بِمَكْرٍ، يَكْشِفُ خُبْثَهُ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ. 27- مَنْ يَحْفِرُ حُفْرَةً يَسْقُطُ فِيهَا، وَمَنْ يُدَحْرِجُ حَجَرًا يَرْجعُ عَلَيْهِ. 28- اَللِّسَانُ الْكَاذِبُ يُبْغِضُ مُنْسَحِقِيهِ، وَالْفَمُ الْمَلِقُ يُعِدُّ خَرَابًا.
ع23-26: فضة زغل : فضة مختلطة بشوائب كثيرة، فمنظرها لامع كالفضة، ومعظمها شوائب، فهى قليلة القيمة.
تغشى : تغطى.
شقفة : جزء من إناء فخارى مكسور.
متوقدتان : مشتعلتان.
الإنسان الشرير قلبه شرير، يريد أن يخدع الناس، فيتكلم كلاماً ناعماً مبهراً، مثل لمعان النار المتقدة، وإذ هو شرير يغطى شره بالكلام المعسول.
إنه يشبه شقفة مغطاة بلمعان الفضة، مع أنها مجرد شوائب مختلطة بها فضة قليلة، أى أنه شرير وله كلام لامع مخادع يخفى شره. والإنسان الحكيم المتكل على الله هو وحده القادر أن يكتشف هذا الخداع، أما البعيدون عن الله حتى الأذكياء منهم، يصعب عليهم أن يميزوا هذا الخداع.
فإذا أبغضك إنسان وقلبه امتلأ شراً نحوك، يخادعك بكلام ناعم؛ ليظهر أنه يحبك. وبالتالى لا تنخدع من كلامه الحسن، أو مدحه لك، فهو يحمل فى داخله رجاسات وشر بلا حصر، يعبر عنها هنا بسبع رجاسات، وهذا المخادع الماكر لابد أن ينكشف وينفضح وسط الناس، فيكون خزيه عظيماً.
من أمثلة المخادعين الذين يقولون كلاماً ناعماً، ويضمرون شراً، يوآب رئيس جيش داود، الذى قتل أبنير وعماسا رؤساء الجيوش بالخداع (2صم3: 27؛ 20 : 9 ، 10) ويهوذا الإسخريوطى الذى سلم المسيح بقبلة (لو22: 48).
ع27: الشرير يحفر حفرة ويغطيها ليُسقط فيها فريسته، ويبذل مجهوداً كبيراً فى الإعداد للحفرة، ولكن الله يعاقبه بأن يسقط فيها. وإن أراد الشرير أن يدحرج حجراً ليقتل به عدوه، فإن الحجر يرجع عليه ويهلكه.
الله يسمح بأن الشر يأتى على رأس فاعله؛ حتى يخاف الأشرار، فلا يدبروا مؤامرات لإهلاك غيرهم.
من الأمثلة الواضحة فى الكتاب المقدس، تدبير هامان لقتل مردخاى، فيأتى على رأسه، ويصلب على نفس الخشبة التى أراد صلب مردخاى عليها. (أس 7 : 10). والرجال الذين اشتكوا دانيال إلى الملك داريوس، فألقاه فى جب الأسود، فأنقذه الله، وخرج من الجب سالماً، ثم أمر الملك بإلقاء هؤلاء الرجال فى الجب، فافترستهم الأسود فى الحال (دا6: 24؛ 14: 41) والكتاب المقدس يؤكد نفس المعنى (عو15؛ مز9: 15، 16).
ع28: الفم الملق : الفم الذى يتملق غيره، أى ينافقه.
تستنكر هذه الآية الإساءة للآخرين، وكراهيتهم، وذلك بإحدى الوسيلتين :
- بالكذب
- النفاق
فكلاهما شر يغضب الله، ويسىء للناس. إذا كان القلب نقياً فلن نسقط فى هذه الخطايا؛ لذا ينبغى التوبة سريعاً عن مشاعر الشر التى يحاربنا بها إبليس. ليكن قلبك مستقيماً، فإن أخطأت يسهل عليك التوبة؛ لأن المكر والخداع والكذب كلها أمور ملتوية تبعد الإنسان عن التوبة، والله الحنون مستعد أن يقبل توبتك، فلا تشوش وتخدع نفسك بالمكر.