تحذيرات من ضمان الغير والكسل والإلتواء والزنى
(1) تحذير من ضمان الغير (ع1-5):
1- يَا ابْنِي، إِنْ ضَمِنْتَ صَاحِبَكَ، إِنْ صَفَّقْتَ كَفَّكَ لِغَرِيبٍ، 2- إِنْ عَلِقْتَ فِي كَلاَمِ فَمِكَ، إِنْ أُخِذْتَ بِكَلاَمِ فِيكَ، 3- إِذًا فَافْعَلْ هذَا يَا ابْنِي، وَنَجِّ نَفْسَكَ إِذَا صِرْتَ فِي يَدِ صَاحِبِكَ، اذْهَبْ تَرَامَ وَأَلِحَّ عَلَى صَاحِبِكَ. 4- لاَ تُعْطِ عَيْنَيْكَ نَوْمًا، وَلاَ أَجْفَانَكَ نُعَاسًا. 5- نَجِّ نَفْسَكَ كَالظَّبْيِ مِنَ الْيَدِ، كَالْعُصْفُورِ مِنْ يَدِ الصَّيَّادِ.
ع1، 2: صفقت كفك : عادة قديمة تعنى إعلان ضمان إنسان، وذلك بوضع يد الضامن فى يد الدائن (صاحب الدين)، فيصفق يده بيد الدائن علامة على ضمان الوفاء.
علقت فى كلام فمك : أمسك عليك الناس كلمة خرجت من فمك، كأنك أُخذت فى شبكة.
فيك : فمك.
يحذر سليمان هنا من ضمان إنسان فى ديون استدانها من الآخرين، سواء كان المستدين صاحبك، أو قريبك، أو بعيداً عنك وغريب. ففى جميع الأحوال لا تندفع فى ضمان غيرك، لأنك بهذا الضمان تعلن استعدادك أن تفى بدلاً منه إذا لم يسدد ما عليه. فلا تتسرع بانفعال عاطفى، وتأثر مؤقت، فتخرج كلمة من فمك تتحمل تبعاتها بعد ذلك. فإذا كانت هذه التبعات أثقل من احتمالك فلا تتعجل بهذا الضمان، بل اعطِ نفسك فرصة للصلاة والتفكير، واستشارة مرشديك قبل أن تضمن أحداً.
كان أثرياء اليهود قديماً يضمنون الآخرين مقابل ربا يأخذونه؛ لتحقيق مكاسب خاصة لهم. فيحذرهم سليمان هنا من هذا الاندفاع، فطمعهم فى المكاسب قد يؤدى بهم إلى تسديد هذه الديون، فيتحملون خسائر كبيرة.
وسليمان لا يرفض ضمان الغير، ولكن يحذر من الاندفاع والتسرع فيه دون تفكير، فيندم الضامن بعد ذلك. ومهما كانت قرابة، أو صلة المديون بالضامن فيلزم أن يفحص الضامن أموره واستعداده لسداد الديون بدلاً من المديون.
ع3-5: ترام : اذهب إلقى نفسك عند المديون، أى تذلل له باتضاع.
الظبى : نوع من الغزال سريع الجرى.
النصيحة الأولى التى قالها سليمان هى عدم التسرع فى ضمان الغير. ثم يقدم هنا نصيحة ثانية، وهى إن اندفعت وضمنت غيرك، ثم انتبهت إلى خطأك، فأسرع إلى الدائن وتراجع عن ضمانك، إن كان لم يعطِ بعد شيئاً للمديون.
وإن كان قد أعطى للمديون مايطلبه، فاذهب إلى المديون، وتابع معه تسديده للدين. اتضع وترجى المديون ليسدد ما عليه، ولا تتغافل، أو تنام؛ لأنه إن لم يسدد، فأنت مسئول أن تسدد بدلاً منه. إن فعلت هذا تنجى نفسك من الخطأ الذى وقعت فيه، وهو ضمان غيرك فوق طاقتك. ويشبه نجاة الضامن غيره بالظبى، أو العصفور الذى استطاع أن يجرى بعيداً عن شبكة الصياد.
لا تندفع في الكلام، فأنت مسئول عن كل كلمة تخرج من فمك. تعود أن تكون بطيئاً قليلاً في الرد على أى سؤال؛ حتى ترفع قلبك بالصلاة، ولو لمدة ثوانى قليلة، فتنجو من متاعب كثيرة، وخطايا متنوعة.
(2) تحذير من الكسل (ع6-11):
6- اِذْهَبْ إِلَى النَّمْلَةِ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ. تَأَمَّلْ طُرُقَهَا وَكُنْ حَكِيمًا. 7- الَّتِي لَيْسَ لَهَا قَائِدٌ أَوْ عَرِيفٌ أَوْ مُتَسَلِّطٌ، 8- وَتُعِدُّ فِي الصَّيْفِ طَعَامَهَا، وَتَجْمَعُ فِي الْحَصَادِ أُكْلَهَا. 9- إِلَى مَتَى تَنَامُ أَيُّهَا الْكَسْلاَنُ؟ مَتَى تَنْهَضُ مِنْ نَوْمِكَ؟ 10- قَلِيلُ نَوْمٍ بَعْدُ قَلِيلُ نُعَاسٍ، وَطَيُّ الْيَدَيْنِ قَلِيلاً لِلرُّقُودِ،
11- فَيَأْتِي فَقْرُكَ كَسَاعٍ وَعَوَزُكَ كَغَازٍ.
ع6-8: يدعونا سليمان لنتعلم من النملة وطرق تدبيرها لحياتها، فهى تسير فى حياتها بطريقة منظمة بلا قائد جيش، ولا عريف يدبر حياتها، ولا حاكم ينظم أعمالها. فهى لا تحتاج إلى ضبط وأوامر، لكنها بطبيعتها نشيطة تعمل طوال الصيف فى جمع طعامها، وتخزينه؛ لتستطيع أن تجد قوتها فى أيام الشتاء، حيث تختبئ داخل جحورها. فإن كان من السهل عليها أن تتحرك أثناء الصيف، وتجد طعاماً كثيراً فهى لا تسرف فى استخدامه، وتعبث به، بل تأكل قوتها فقط، وتخزن بنشاط واهتمام كل ما تستطيع أن تخزنه.
والنملة أيضاً تهتم بصغارها التى لا تستطيع المشى، فتنقلها إلى خارج الجحر لتتمتع بأشعة الشمس الجميلة. وتدخلها أثناء الشتاء داخل الجحر، وتضع حجراً صغيراً على باب الجحر، حتى لا تدخل مياه الأمطار إلى صغارها فتخنقها. فالنملة نشيطة بطبعها، تعمل ما دامت قادرة على العمل، وتجمع فى الحصاد الذى يكون فى بداية الصيف، أو نهايته، طعامها وتخزنه.
فعندما نرى النملة نمجد الله الذى خلقها بهذا النشاط، ونتعلم منها، ونطلب معونة الله لنقتدى بهذه النملة، فنرضى الله.
ع9-11: طى اليدين : ثنى الكفوف ووضع الأذرع على الجسم، والمقصود الكسل وعدم العمل والاستعداد للنوم.
كساعٍ : مثل من يسعى ويجرى بسرعة.
عوزك : احتياجك.
كغاز : مثل من يغزو، أى يهاجم ويقتحم.
بعد أن شرح سليمان نشاط النملة ليتعلم منها الكسالى النشاط، يوبخهم بسؤال استنكارى، ويقول : إلى متى تنام أيها الكسلان ؟ أى قم سريعاً؛ لأن الكسل سيسقطك فى مشاكل كثيرة أهمها :
- معاناة الفقر والاحتياج، ولا تجد ما يسد احتياجك.
- الشعور بالضعف وصغر النفس.
- الإحساس بإهمال الناس واحتقارهم لك.
- يلقى الشيطان أفكار كثيرة شريرة تسقطك فى خطايا متنوعة، مثل الغضب والإدانة.
افحص نفسك هل أنت في نشاط دائم، وليس المقصود العمل المادى فقط، بل بالأحرى العمل الروحى وهو الصلاة والتأمل والخدمة. إعلم أنه إن لم تكن نشيطاً في طريق الخير، فأنت تستسلم للشيطان؛ ليسيطر عليك ويذلك ويبعدك عن الله.
(3) تحذير من الإلتواء والشر (ع12-19):
12- اَلرَّجُلُ اللَّئِيمُ، الرَّجُلُ الأَثِيمُ يَسْعَى بِاعْوِجَاجِ الْفَمِ. 13- يَغْمِزُ بِعَيْنَيْهِ. يَقُولُ بِرِجْلِهِ. يُشِيرُ بِأَصَابِعِهِ. 14- فِي قَلْبِهِ أَكَاذِيبُ. يَخْتَرِعُ الشَّرَّ فِي كُلِّ حِينٍ. يَزْرَعُ خُصُومَاتٍ. 15- لأَجْلِ ذلِكَ بَغْتَةً تُفَاجِئُهُ بَلِيَّتُهُ. فِي لَحْظَةٍ يَنْكَسِرُ وَلاَ شِفَاءَ. 16- هذِهِ السِّتَّةُ يُبْغِضُهَا الرَّبُّ، وَسَبْعَةٌ هِيَ مَكْرُهَةُ نَفْسِهِ:
17- عُيُونٌ مُتَعَالِيَةٌ، لِسَانٌ كَاذِبٌ، أَيْدٍ سَافِكَةٌ دَمًا بَرِيئًا، 18- قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً، أَرْجُلٌ سَرِيعَةُ الْجَرَيَانِ إِلَى السُّوءِ، 19- شَاهِدُ زُورٍ يَفُوهُ بِالأَكَاذِيبِ، وَزَارِعُ خُصُومَاتٍ بَيْنَ إِخْوَةٍ.
ع12-14: الكسل يسبب شروراً كثيرة؛ لذا أشار سليمان إلى أحدها هنا، وهو الخبث واللؤم. وهو شر يظهر واضحاً فى اعوجاج الفم، أى الكلمات الملتوية، وتعنى الكذب، والخداع، والمكر.
ويعبر الإنسان، ويؤكد أكاذيبه بإشارات من جسده، فيستخدم عينه ليغمز بها، تأكيداً لما قاله. ويحرك رجليه، أو أصابعه، فهو يصر على الكذب والخداع، وهذا يبين ما يلى :
- أن قلبه قد امتلأ بالإلتواء والأكاذيب، أى أنه يشعر ويميل إلى هذه الشرور، والتى تظهر فى كلامه وتصرفاته بعد هذا.
- هذا اللئيم الأثيم يخترع الشر، فهو لا يعمل شراً تحت ضغوط، أو رد فعل لتصرفات الآخرين، ولكن لأن قلبه يميل إلى الشر. فهو يفكر، ويعمل شراً جديداً، فيزيد الشر فى المحيط به، فهو مثير للمشاكل، ويستحدث ويضيف هذه المشاكل التى لم تكن موجودة قبلاً.
- نتيجة كل الشرور السابقة تحدث خصومات وانقسامات وتحزبات.
- بهذا أصبح هذا اللئيم والأثيم مندوباً عن الشيطان، ومنفذاً لأفكاره، بل هو صورة للشيطان وسط من حوله.
ع15: بغتة : فجأة.
إن كان الله يطيل أناته على هذا الشرير، الذى حدثتنا عنه الثلاث آيات السابقة، ولكن سيأتى حتماً عليه غضب الله، فيحدث ما يلى :
- فجأة يسقط فى تجارب، أو مصائب لم يكن يتوقعها.
- يأتى شره على رأسه، وتتحطم كل أكاذيبه التى أوهم بها الناس، حتى كاد أن يصدقها هو، فينتبهون ويقومون عليه، ويحطمونه.
- ولو عاش مخادعاً لكل من حوله، يكون مضطرباً، ومنكسراً فى داخله، ولا يتمتع بالسلام.
- ينتظره بعد هذه الحياة أكبر بلية وتحطيم وهو العذاب الأبدى.
ع16: يعلن سليمان فى هذه الآية الخطايا الصعبة التى يبغضها الله. ويذكر أن عددها ستة. ورقم ستة يرمز إلى النهاية؛ لأن الله خلق العالم فى ستة أيام. ويذكر أيضاً أن السابعة، أى الخطية السابعة يكرهها الله. فهى منفردة وأصل لكل الخطايا؛ لأن رقم سبعة يرمز للكمال، إذ أن الله استراح فى اليوم السابع. والخلاصة يعلن هنا سبعة خطايا صعبة يكرهها الله، وأولها خطية كبرى، هى أصل ومحرك لباقى الخطايا، كما سيظهر فى الآيات التالية.
ع17:
- عيون متعالية : هى أول الخطايا، وأصعبها؛ هذه هى الخطية التى ذكرت فى الآية السابقة أنها مكرهة نفس الرب، وهى المؤثرة، والأم لباقى الخطايا التالية. فالكبرياء هى الخطية الأولى للشيطان، وللإنسان، وبالتالى أعلن القديسون أن التواضع هو الأرض التى تنبت فيها جميع الغروس، التى هى الفضائل. والمسيح نفسه أظهر أهمية الاتضاع، فطلب منا أن نتعلمه منه، إذ قال “تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم” (مت11: 29).
- لسان كاذب : الخطية الثانية التى يبغضها الله هى الكذب. وهذا الالتواء ضد الله؛ لأن الله هو الحق، فبالكذب يتحدى الإنسان الله، ويخدع الآخرين فيبغضونه. وللأسف مع الوقت يمكن أن يصدق كذبه، فيخدع نفسه.
- أيد سافكة دماً بريئاً : الخطية الثالثة هى العنف، الذى يصل إلى قتل الآخرين. والقتل هو أصعب الخطايا الموجهة للإنسان، خاصة إذا كان الإنسان المعتدى عليه بريئاً، فيصبح العنف قسوة فظيعة، وتحدى شنيع لله خالق هؤلاء البشر. كما عبر الله عن ذلك فى توبيخه لقايين قاتل أخيه هابيل (تك4: 10)، وهى أيضاً خطية يهوذا مع المسيح (مت26: 15).
ع18:
- قلب ينشئ أفكاراً رديئة : الخطية الرابعة هى المشاعر السيئة التى تنتج فى القلب، لأن القلب هو مصدر المشاعر. والمشاعر إذا اكتملت وزادت فى القلب تخرج فى كلام وتصرفات مؤذية للغير. فالقلب هو معمل للشر داخل الإنسان الشرير. والإنسان الحكيم يلزمه أن يضبط حواسه وأفكاره، بل ويملأها بأمور حسنة، وهى كلام الله، فيكون القلب مملوءاً مشاعراً طيبةً. وهذا ما يؤكده الكتاب المقدس فى العهد الجديد (لو6: 45).
- أرجل سريعة الجريان إلى السوء : إذا اختزن القلب مشاعر رديئة تحرك جسد الإنسان إلى تنفيذها. وعلى قدر ما تكون المشاعر الشريرة كثيرة، يسرع الإنسان الشرير إلى فعل السوء، فيسئ لمن يسئ إليه، بل وأيضاً يسئ للأبرياء، ويهاجم الكل، إذ يصبح الشر هو طبعه وتعوده.
ع19: يفوه : يتكلم
- شاهد زور يفوه بالأكاذيب : الخطية السادسة هى شهادة الزور، فيشهد على البرئ بتهم كاذبة، ليعاقب بسببها. فهو كذاب وقاسى القلب، وبعيد عن الحق، ويفعل هذا إما لأن قلبه شرير، أو لأى مكسب مادى، ويعوج القضاء، فيسقط تحت الحكم الإلهى، والدينونة الأخيرة التى لا يمكن أن يفلت منها.
- زارع خصومات بين إخوة : الخطية السابعة هى خلق المشاكل بين الناس، مما يسقطهم فى نزاعات وخصومات. ويستخدم فى هذه الشرور الكذب، وإثارة الآخرين، ولا يستريح إلا عندما يتصارع الناس معاً، فهو صورة حية للشيطان، كل هذه الخطايا السبع يفعلها الإنسان الأثيم اللئيم، الذى سبق ذكره فى (ع12).
هذه القائمة من الخطايا ضعها أمام عينيك عندما تحاسب نفسك، لئلا تكون قد سقطت في إحداها ولو جزئياً، أو في أكثر من خطية؛ لتتوب عنها. فالله إلهنا رحوم، ومستعد أن يغفر كل الخطايا إذا رجعنا إليه، وحينئذ يسهل عليك أن تسير في طريق الحياة الجديدة، وتتمتع بعشرة الله.
(4) تحذير من الزنى (ع20-35):
20- يَا ابْنِي، احْفَظْ وَصَايَا أَبِيكَ وَلاَ تَتْرُكْ شَرِيعَةَ أُمِّكَ. 21- اُرْبُطْهَا عَلَى قَلْبِكَ دَائِمًا. قَلِّدْ بِهَا عُنُقَكَ. 22- إِذَا ذَهَبْتَ تَهْدِيكَ. إِذَا نِمْتَ تَحْرُسُكَ، وَإِذَا اسْتَيْقَظْتَ فَهِيَ تُحَدِّثُكَ. 23- لأَنَّ الْوَصِيَّةَ مِصْبَاحٌ، وَالشَّرِيعَةَ نُورٌ، وَتَوْبِيخَاتِ الأَدَبِ طَرِيقُ الْحَيَاةِ. 24- لِحِفْظِكَ مِنَ الْمَرْأَةِ الشِّرِّيرَةِ، مِنْ مَلَقِ لِسَانِ الأَجْنَبِيَّةِ. 25- لاَ تَشْتَهِيَنَّ جَمَالَهَا بِقَلْبِكَ، وَلاَ تَأْخُذْكَ بِهُدُبِهَا. 26- لأَنَّهُ بِسَبَبِ امْرَأَةٍ زَانِيَةٍ يَفْتَقِرُ الْمَرْءُ إِلَى رَغِيفِ خُبْزٍ، وَامْرَأَةُ رَجُل آخَرَ تَقْتَنِصُ النَّفْسَ الْكَرِيمَةَ. 27- أَيَأْخُذُ إِنْسَانٌ نَارًا فِي حِضْنِهِ وَلاَ تَحْتَرِقُ ثِيَابُهُ؟ 28- أَوَ يَمْشِي إِنْسَانٌ عَلَى الْجَمْرِ وَلاَ تَكْتَوِي رِجْلاَهُ؟ 29- هكَذَا مَنْ يَدْخُلُ عَلَى امْرَأَةِ صَاحِبِهِ. كُلُّ مَنْ يَمَسُّهَا لاَ يَكُونُ بَرِيئًا. 30- لاَ يَسْتَخِفُّونَ بِالسَّارِقِ وَلَوْ سَرِقَ لِيُشْبعَ نَفْسَهُ وَهُوَ جَوْعَانٌ. 31- إِنْ وُجِدَ يَرُدُّ سَبْعَةَ أَضْعَافٍ، وَيُعْطِي كُلَّ قِنْيَةِ بَيْتِهِ. 32- أَمَّا الزَّانِي بِامْرَأَةٍ فَعَدِيمُ الْعَقْلِ. الْمُهْلِكُ نَفْسَهُ هُوَ يَفْعَلُهُ. 33- ضَرْبًا وَخِزْيًا يَجِدُ، وَعَارُهُ لاَ يُمْحَى. 34- لأَنَّ الْغَيْرَةَ هِيَ حَمِيَّةُ الرَّجُلِ، فَلاَ يُشْفِقُ فِي يَوْمِ الانْتِقَامِ. 35- لاَ يَنْظُرُ إِلَى فِدْيَةٍ مَّا، وَلاَ يَرْضَى وَلَوْ أَكْثَرْتَ الرَّشْوَةَ.
ع20: يوصى سليمان الأبناء أن يسمعوا ويطعيوا وصايا وإرشادات والديهم، إذ يمثلون صوت الله فى معظم الأحيان. وتحمل كلماتهم خبرة السنين، فيستفيد الأبناء استفادة كبيرة، خاصة أن الشيطان يحارب الأبناء بخطايا كثيرة، وبعضها خطير وصعب، مثل الزنى، الذى سيتكلم عنه بالتفصيل فى الآيات التالية.
الأب الجسدى هو صورة لله الآب السماوى، والأم الجسدية هى صورة للكنيسة أمنا، فإذا أطاع الأبناء كلامهما ينالون بركات لا تحصى. أهم شئ أن يكون عند الأبناء ميل وإحساس بالاحتياج للتعلم والتلمذة، فيسهل استفادتهم من وصايا وشرائع والديهم.
ع21-23: قلد : ضعها حول عنقك كالقلادة (العقد).
يتكلم فى هذه الآيات عن بركات وصايا وإرشادات الوالدين، وهى كثيرة أهمها :
- “اربطها على قلبك” : القلب يعنى المشاعر، وربط الوصايا على القلب معناه التصاق الوصايا بالمشاعر. فتشبع مشاعر الابن، ويشعر بها. وتتحول إلى أفعال مطبقة فى حياته.
- “قلد بها عنقك” : القلادة هى مجد، وتعطى عظمة وفخر لمن يلبسها. هكذا وصايا الوالدين تمجد الأبناء، وتعطيهم عظمة بين الآخرين عندما يحيون بها. فهى تؤكد بنوتهم لوالديهم، ويحيون بخبرات كثيرة، فيتميزون عمن حولهم.
- “إذا ذهبت تهديك … إذا استيقظت فهى تحدثك .. لأن الوصية مصباح والشريعة نور“. إرشادات الوالدين كالمصباح والنور فى الظلام، فتهدى الأبناء إلى الطريق المستقيم، وهو طريق الله، وترشدهم فى كل مجالات الحياة، فيسيرون مطمئنين، ولا يتأثرون بخداعات العالم وشروره.
- “إذا نمت تحرسك” : وصايا الوالدين أيضاً تحرس الأبناء من مخاطر كثيرة، ليس فقط أثناء تحركاتهم فى الحياة، بل أيضاً إذا ناموا ينامون مطمئنين. فهم فى استقرار وراحة؛ لأن يد الله تحرسهم لأجل طاعتهم لوصايا والديهم.
- “توبيخات الأدب طريق الحياة” : أحياناً تكون إرشادات الوالدين شديدة، وتحمل توبيخاً للأبناء، ولكنها تقودهم فى طريق الحياة، الذى هو طريق الملكوت. فهى تنذرهم بالابتعاد عن الشر، وتسير بهم فى طريق الجهاد الروحى والتعب؛ للتمتع بعشرة الله والوصول إلى الأبدية.
ع24: ملق : من التملق وهو الكلام الناعم الذى يغوى الشباب والرجال، وهو كلام المديح المغرض الذى يؤدى للسقوط.
إن كلمات الله على فم الوالدين تحمى الأبناء من مشاكل وخطايا كثيرة، وخاصة المرأة الشريرة، الغريبة عنك، والتى تحاول أن تخدعك بكلمات التملق لتسقطك فى الشر معها. فكلمات الله واضحة، ومحددة، أما كلمات الشيطان على لسان المرأة الشريرة فهى كاذبة، وخادعة، وغامضة لإغراء الجهلاء.
ع25: هدبها: رمش عينها، أى برموشها.
يحذر سليمان طالب الحكمة أن يحترس من المرأة الشريرة، فلا يشتهيها بمشاعره، أى قلبه، ولا ينخدع بحركات عينيها. فهى تحاول إغراء من حولها لتسقطهم فى الزنى. بقدر ما يكون القلب منشغلاً بالله، لا يستطيع الشيطان أن يلقى فيه المشاعر الشريرة. وإذا كان الإنسان حريصاً فى ضبط نظراته، فلن يلتفت إلى إغراءات الشر.
ع26: تقتنص : تصطاد.
يعلن سليمان نتيجة الزنى وخطورتها فى أمرين :
- يصرف الزانى أمواله على الزانية، حتى يصير فقيراً جداً، ولا يحصل إلا بصعوبة على رغيف الخبز، وهو أقل طعام.
- يصير الزانى نجساً ومخزياً، بعد أن كان كريماً وعظيماً، عندما كان يحيا فى الطهارة، وفى بنوته لله. فبالزنى يصير ابناً للشيطان، ومرفوضاً من الله.
وعندما ذكر امرأة رجل آخر؛ هذا يعنى أن زوجها إذا اكتشف هذا الزنى يتعرض الزانى للقتل بحسب الشريعة (لا20: 10) وبحسب القانون الرومانى أيضاً. فالزانى لا يكون فى خزى فقط، بل أيضاً يتعرض للهلاك.
ع27-29: الجمر : الفحم المشتعل، أو أية قطعة نار ملتهبة.
يظهر سليمان شناعة خطية الزنى، وأثرها العنيف على من يسقط فيها. فيشبه من يحتضن امرأة صاحبه، كمن يحتضن ناراً فى حضنه. فنار الشهوة تحرقه، وتدمره ويشبه السائر فى طريق الزنى كمن يمشى على جمر نار، فيتألم جداً كمن يكوى رجليه. والخلاصة أن من يزنى بإمرأة صاحبه يدمر حياته، ومن يحاول أن يمس امرأة صاحبه بأى شكل، فهو يؤذى نفسه جداً، ويثير غضب الله عليه، ولا ينتظره إلا النار الأبدية.
ع30-33: قنية : ما يقتنيه، أى مملكاته.
يبين أيضاً سليمان فظاعة خطية الزنى عن الخطايا الأخرى، ويعطى مثلاً هو خطية السرقة، فهى خطية خطيرة. فحتى لو سرق الإنسان لأنه جائع، فلابد أن يعوض عما سرقه بسبعة أضعاف، ويعطى كل ما يقتنيه فى بيته. فالسارق لابد أن يعوض عما سرقه حسبما نصت الشريعة (خر22: 1-4). ويمكن أن يصل التعويض إلى سبعة أضعاف، كما أعلن الله فى عقاب شعبه الخاطى (لا26: 21)، بل أكثر من هذا إن لم يوجد شئ عند السارق يباع كعبد ليسدد التعويض (خر22: 3).
كل هذا يختص بخطية السرقة، أما خطية الزنى فخطورتها أصعب؛ لأن الزانى يفعل ما يهلك به نفسه؛ سواء بحسب الشريعة على الأرض، أو فى الحياة الأخرى. ويقوم عليه الناس، خاصة أقرباء من زنى معها، فيضربوه بشدة، ويكون فى خزى وعار يدوم على رأسه طوال حياته. بهذا يضع الله رعباً وخوفاً جديداً للزانى إن استهان بالطهارة وغضب الله، الذى سيأتى عليه فى النهاية. وليعلم أن الناس لن يشفقوا عليه، بل سيضربونه بشدة. وقد يشفقون على السارق الجائع؛ أو إذا سدد السارق ما عليه يطلقونه، أما الزانى فلا يمكن أن يرضون عليه طوال حياته، بل يعيرونه ويرذلونه.
ع34-35: حمية الرجل : شرفه وعرضه.
يكمل سليمان توبيخه للزانى، فيخيفه من زوج من زنى معها. فغيرة هذا الرجل ستكون قاسية، فيقوم على الزانى لينتقم منه، لأنه تعدى على شرفه وعرضه، ولا يمكن أن يقبل هذا الرجل فى غيرته وغيظه أية فدية يقدمها الزانى. كل هذا يقدمه سليمان لعله ينبه الزانى ليوقف شهوته، ويتوب، ويرجع إلى الله.إن كان الزنى خطية صعبة، فاستمع يا أخى لوصية المسيح الذى ينهينا عن النظرة الشريرة، فهى بداية الزنى. إسرع إلى الابتعاد عن النظرة، واطرد الفكرة، وقدم توبة في صلوات وميطانيات، فيرفعها الله عنك، ويبتعد عنك الشيطان، فتخلص وتستعيد سلامك.