كيف ينجو الإنسان ؟
(1) الحكمة والجهل (ع1-9):
1- اَلْخَمْرُ مُسْتَهْزِئَةٌ. الْمُسْكِرُ عَجَّاجٌ، وَمَنْ يَتَرَنَّحُ بِهِمَا فَلَيْسَ بِحَكِيمٍ. 2- رُعْبُ الْمَلِكِ كَزَمْجَرَةِ الأَسَدِ. الَّذِي يُغِيظُهُ يُخْطِئُ إِلَى نَفْسِهِ. 3- مَجْدُ الرَّجُلِ أَنْ يَبْتَعِدَ عَنِ الْخِصَامِ، وَكُلُّ أَحْمَقَ يُنَازِعُ. 4- اَلْكَسْلاَنُ لاَ يَحْرُثُ بِسَبَبِ الشِّتَاءِ، فَيَسْتَعْطِي فِي الْحَصَادِ وَلاَ يُعْطَى. 5- اَلْمَشُورَةُ فِي قَلْبِ الرَّجُلِ مِيَاهٌ عَمِيقَةٌ، وَذُو الْفِطْنَةِ يَسْتَقِيهَا. 6- أَكْثَرُ النَّاسِ يُنَادُونَ كُلُّ وَاحِدٍ بِصَلاَحِهِ، أَمَّا الرَّجُلُ الأَمِينُ فَمَنْ يَجِدُهُ؟ 7- اَلصِّدِّيقُ يَسْلُكُ بِكَمَالِهِ. طُوبَى لِبَنِيهِ بَعْدَهُ. 8- اَلْمَلِكُ الْجَالِسُ عَلَى كُرْسِيِّ الْقَضَاءِ يُذَرِّي بِعَيْنِهِ كُلَّ شَرّ. 9- مَنْ يَقُولُ: «إِنِّي زَكَّيْتُ قَلْبِي، تَطَهَّرْتُ مِنْ خَطِيَّتِي»؟
ع1: عجاج : المقصود هنا أنه يصدر أصواتاً عالية، ويتشاجر.
يترنح : يتمايل يميناً ويساراً بدون اتزان.
تحدثنا هذه الآية عن خطورة الانشغال بالخمر والتمادى فى شربها؛ لأنها تؤدى إلى ما يلى :
- تفقد الإنسان حكمته واتزانه إذا شرب منها أكثر مما يجب، فيترنح.
- إذا شرب منها أكثر مما سبق يفقد اتزانه أكثر، فيستهزئ بمن حوله، والآخرون أيضاً يستهزئون به.
- إذا ازداد شربه للخمر، فإنه يسكر، فيفقد اتزانه ووعيه، فيصيح ويتشاجر مع من حوله، ويتكلم كلمات ردية، فيضحك عليه الناس، ويتضايقون أيضاً منه.
هذا تحذير واضح من شرب الخمر الذى يجذب الإنسان تدريجياً، فيسقط فى هذه المخاطر السابق ذكرها، بالإضافة إلى خطايا أخرى كثيرة مثل الزنى.
من أمثلة من شربوا خمراً بكثرة ففقدوا اتزانهم؛ نوح الذى شرب فتعرى، واستهزأ ابنه حام به (تك9: 21)، ولوط الذى شرب خمراً فسكر واضطجعت معه إبنتاه (تك19: 33-35).
ع2: سلطان الملك عظيم، فهو يشبه الأسد. وصوت الملك وكلماته قوية، مثل زمجرة الأسد، ولذا فيلزم أن نهاب الملك؛ لأن الله وضعه لتدبير المملكة وعقاب الأشرار. ومن الجهل أن يغيظ الإنسان الملك، فيتعرض بالطبع للعقاب والهلاك.
والكتاب المقدس يدعونا لاحترام الملك والخضوع له (رو13: 1؛ 1بط2: 13).
وإن كان ينبغى أن نخشى الملك الأرضى، فكم بالأولى نخاف من الله ملك الملوك، فلا نكسر وصاياه، ولا نتحداه بخطايانا. فمن يغيظ الله بكثرة خطاياه يعرض نفسه للهلاك.
ع 3 : تحذرنا هذه الآية من الاندفاع والثورة، والنزاع مع الآخرين، ومخاصمتهم.
فالحكيم يسعى إلى صنع السلام، حتى لو تنازل عن بعض حقوقه، كما فعل إبراهيم مع لوط عند اختلاف رعاته مع رعاة لوط (تك13: 8). ويدعونا الكتاب المقدس إلى صنع السلام (مت5: 9) والحلم (فى4: 5).
ع4: الكسلان يبحث عن الأعذار لنفسه؛ حتى لا يعمل. فزراعة المحاصيل الشتوية فى الشرق تكون فى فصل الشتاء، وعملية الحرث تكون مع بداية فصل الشتاء، فيرفض الكسلان أن يحرث أرضه؛ لأن الجو بارد، وبالتالى لا يزرع أرضه، ولا تنتج محصولاً. ففى وقت الحصاد يحصد المزارعون النشطاء محاصيلهم، أما الكسلان فقد ترك أرضه بلا زراعة، ولا يجد ثمراً فيجوع، ويذهب ليستعطى، ولا يعطيه الآخرون لضيقهم من كسله.
والكسلان يقنع نفسه بالحجج التى يقولها، مع أنها خاطئة؛ لأنه إذا أتى وقت زراعة المحاصيل الصيفية سيتحجج بأن الجو حار، ومع الوقت يصدق نفسه، ويشعر أنه مظلوم، إذ ليس عنده طعاماً، مع أن السبب هو كسله.
تنطبق هذه الآية على كل كسول لا يؤدى واجباته، ومسئولياته فيصير فقيراً، ويستقرض من الناس ولا يعطونه؛ لأنه لا يريد أن يتعب فى أعمال مختلفة، ويتعلل بأنها متعبة ولا تناسبه.
وهذه الآية أيضاً تدين كل خادم كسول يقدم أعذاراً، وحججاً حتى لا يقوم بخدمته. فيتهم الظروف، ويخضع لتعبه الصحى البسيط، فيتكاسل وتضيع خدمته ورعايته لمن هم فى مسئوليته.
ع5: تمتدح هذه الآية الإنسان الحكيم الذى يهتم بالتعلم والتلمذة، ويقبل الإرشادات والمشورات الصالحة، ويخبئها فى قلبه. فهو لا يتكلم إلا عند الاحتياج، فتصير الحكمة مثل بئر عميقة ملآنة بالماء الحى.
طالب الحكمة يستطيع أن يكتشف هذا الحكيم، فيتعلم منه، ويستقى من المياه العميقة التى فى داخله، فيشرب ويرتوى، ويمتلئ تدريجياً من الحكمة لتلمذته لهذا الحكيم.
ع6: تستنكر هذه الآية سلوك الجهال الذين يبرر كل واحد منهم نفسه، ويظهر صلاحه، مع أن معظم أفكاره وكلامه، وتصرفاته خاطئة. فهو صالح فى عينى نفسه وليس فى الحقيقة. وهو منافق وخادع لنفسه، ويحاول أن يخدع الآخرين.
ويزداد كذب هذا الإنسان وتصديقه أنه صالح عندما يجامله الناس ويمتدحونه، ويصدق، ويزداد افتخاراً بنفسه، فيبتعد عن التوبة وإصلاح أخطائه. فهذه الآية تدعو الجهلاء للكف عن هذا الفخر الكاذب، ويراجع كل إنسان نفسه ويتوب.
أما الإنسان الأمين مع نفسه، ويتكلم بالصدق، فهو لا يميل للكلام عن نفسه، وإظهار بره. وهذا يصعب الحصول عليه، لكن من يجده فطوباه، إذ يستطيع أن يأتمنه على كل ما عنده. كما فعل فوطيفار مع يوسف، فجعله وكيلاً على كل أملاكه؛ حتى أنه لا يراجع معه أى شئ، ويطلب منه فقط الطعام الذى يأكله (تك39: 6).
ع7: الصديق هو الإنسان الحكيم الذى يحيا مع الله، فهذا يسعى فى طريق الكمال، ويجاهد ليرضى الله فى كل حياته. فيباركه الله، ويسنده، وينميه فى الكمال، ولا ينشغل بالخطايا المحيطة به، أو سلوك الأشرار ومديح الناس.
تطوب هذه الآية أيضاً أبناء هذا الصديق السالك بالكمال؛ لأنهم سيتعلمون من أبيهم، فهو قدوة لهم، بالإضافة إلى بركته التى تحل عليهم، وصلواته المرفوعة عنهم فى حياته، وبعد موته. والله يبارك هؤلاء الأبناء لسعيهم أيضاً فى طريق الكمال، ومن أجل أبيهم المبارك من الله (مز37: 25).
ع8: يذرى : المقصود يفحص ويميز الخير عن الشر، فيبتعد عن الشر.
تصف هذه الآية الملك العادل الذى يقضى لشعبه، إذ له سلطان وحكمة، فهو يستطيع أن يميز بين الخير والشر، كما يذرى الفلاح محصوله، ويفصل بين القمح والقش. ونظرة عينى الملك يفهم من أمامه هل هو صادق، أم كاذب ؟ فيسأله ويفحص الأمور ليحكم حكماً عادلاً.
هذه الآية موجهة لكل رئيس ومسئول، وأب، أو أم حتى يكون عادلاً وحكيماً، ويصلى ليرشده الله، ولا يندفع تبعاً لأفكاره، فيخطئ ويظلم من معه.
كل ملوك ورؤساء الأرض مهما كانوا حكماء وعادلين، لكن لهم أيضاً بعض الأخطاء. ولكن الذى لا يخطئ أبداً هو ملك الملوك ربنا يسوع المسيح الذى نادى أمام الجموع وقال لهم من منكم يبكتنى على خطية (يو8: 46). وهو الذى سيدين العالم بالحق والعدل فى يوم الدينونة فيقيم الخراف عن يمينه والجداء عن اليسار (مت25: 33)، فيدخل خرافه المؤمنين به إلى الملكوت ويلقى الجداء، أى الأشرار إلى العذاب الأبدى.
ع9: زكيت : جعلت قلبى نقياً.
تعلن هذه الآية أن كل البشر خطاة؛ لأنه لا يوجد إنسان يستطيع أن يقول عن نفسه أن قلبه نقى تماماً، وأنه استطاع أن يطهر نفسه من كل خطية. فالإنسان الوحيد النقى والكامل فى طهارته هو ربنا يسوع المسيح (يو8: 46). وقد أكد القديس يوحنا الحبيب هذا فى رسالته الأولى (1يو1: 8)، وكذا أيضاً صلوات القديس فى أوشية الراقدين.
إن كنت ابناً لله فتمسك بطريق الكمال، أى احفظ وصايا الله. وإن اخطأت أسرع إلى التوبة، فتجدد قلبك، وتحيا طاهراً وتتمتع بعشرة الله.
(2) الأمانة (ع10-20):
10- مِعْيَارٌ فَمِعْيَارٌ، مِكْيَالٌ فَمِكْيَالٌ، كِلاَهُمَا مَكْرَهَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ. 11- اَلْوَلَدُ أَيْضًا يُعْرَفُ بِأَفْعَالِهِ، هَلْ عَمَلُهُ نَقِيٌّ وَمُسْتَقِيمٌ؟ 12- اَلأُذُنُ السَّامِعَةُ وَالْعَيْنُ الْبَاصِرَةُ، الرَّبُّ صَنَعَهُمَا كِلْتَيْهِمَا.
13- لاَ تُحِبَّ النَّوْمَ لِئَلاَّ تَفْتَقِرَ. افْتَحْ عَيْنَيْكَ تَشْبَعْ خُبْزًا. 14- «رَدِيءٌ، رَدِيءٌ!» يَقُولُ الْمُشْتَرِي، وَإِذَا ذَهَبَ فَحِينَئِذٍ يَفْتَخِرُ! 15- يُوجَدُ ذَهَبٌ وَكَثْرَةُ لآلِئَ، أَمَّا شِفَاهُ الْمَعْرِفَةِ فَمَتَاعٌ ثَمِينٌ. 16- خُذْ ثَوْبَهُ لأَنَّهُ ضَمِنَ غَرِيبًا، وَلأَجْلِ الأَجَانِبِ ارْتَهِنْ مِنْهُ. 17- خُبْزُ الْكَذِبِ لَذِيذٌ لِلإِنْسَانِ، وَمِنْ بَعْدُ يَمْتَلِئُ فَمُهُ حَصًى. 18- اَلْمَقَاصِدُ تُثَبَّتُ بِالْمَشُورَةِ، وَبِالتَّدَابِيرِ اعْمَلْ حَرْبًا. 19- اَلسَّاعِي بِالْوِشَايَةِ يُفْشِي السِّرَّ، فَلاَ تُخَالِطِ الْمُفَتِّحَ شَفَتَيْهِ. 20- مَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يَنْطَفِئُ سِرَاجُهُ فِي حَدَقَةِ الظَّلاَمِ.
ع10: معيار : إناء قياسى يستخدم للتأكد من صحة حجم المكاييل.
المكيال : إناء له حجم محدد تكال به الحبوب.
للأسف كان اليهود قديماً يستخدمون مكيال للشراء، ومكيال آخر للبيع حتى يحصلوا على مكاسب أكبر بالغش. فالله فى هذه الآية يعلن كراهيته لهذا الغش الذى يستخدمه التجار. فينبغى أن يكون المعيار والمكيال واحد فى الشراء، وفى البيع.
سبق الإشارة إلى الغش فى الموازين والمكاييل فى (ص11: 1؛ 16: 11)، وسيأتى أيضاً الكلام عنها فى (ع23)، وهذا يبين رفض الله للغش وتحذيره لأولاده من محبة المال والكسب غير المشروع.
وتنطبق هذه الآية على كل من يدين الآخرين على خطأ ما، ولا يدين نفسه عليه، فهو يحاسب غيره بتدقيق، أما نفسه فيلتمس الأعذار لها.
ع11: تدعو هذه الآية للتعلم من الأطفال، فالولد، أى الابن الصغير يعرف من أعماله، فإن أخطأ يسهل عليه أن يعتذر. فلنتعلم منه البراءة، والاتضاع؛ حتى نسلك حسناً. وإن اخطأنا نتوب ونعتذر عن أخطائنا.
ونقاوة الأولاد واستقامتهم تظهر أهمية التربية التى يقوم بها الوالدان. فهذه الآية أيضاً تدعو الآباء والأمهات أن يربوا أبناءهم تربية مستقيمة بتدقيق.
ع12: الرب صنع للإنسان أذناً وعيناً طاهرة؛ ليسمع بأذنه صوت الله، ويرى بعينيه أعمال الله، فيمجده.
الخطية دخلت إلى العالم بحسد إبليس، فلوثت الأذن والعين، ولكن بالتوبة والاعتراف يستعيد الإنسان طهارتهما.
ع13: تنبهنا هذه الآية بأهمية النشاط؛ لأن الكسل والنوم، أى إغماض العينين تجعل الإنسان لا يشتغل، فلا يحصل على قوته، ويصير فقيراً.
ومن الناحية الروحية الكسل، ومحبة النوم، تجعلان الإنسان يهمل صلواته، وقراءاته، ولا يريد أن يتعب من أجل خدمة الله، فيهاجمه الشيطان بحروب كثيرة.
ومن يريد أن يتمتع بعشرة المسيح لابد أن يهتم باليقظة الروحية، ويسهر على حياته، ويلاحظها، فيتمتع بنور المسيح، كما يعلمنا بولس الرسول فى رسالته (أف5: 14).
ع14: تحذر هذه الآية من المشترى المخادع الذى يريد أن يبين رداءة ما يشتريه ليأخذه بثمن أقل. فعندما يفحص ما يريد شراءه يقول عليه أنه ردئ. وإذا خدع البائع واشتراه بثمن قليل يفرح، ويفتخر بعد انصرافه أنه قد خدع البائع وحصل على السلعة بثمن أقل.
فهذا الإصحاح يوبخ الخداع، سواء من البائع (ع10)، أو من المشترى فى هذه الآية. فيلزم أن يسلك الكل بالأمانة سواء البائع، أو المشترى، وذلك من أجل الله أولاً، ثم من أجل محبة الآخرين.
ع15: متاع : ممتلكات.
تبين هذه الآية عظمة وأهمية كلمات الحكمة الصادرة عن معرفة الله، فهى أثمن من الذهب والفضة؛ لأن الحكمة تعطى نجاحاً لصاحبها، فيحصل به على مكاسب مادية كثيرة. أما الذهب والفضة فسينتهيا بصرفهما فى أمور الحياة.
وشفاة المعرفة ستعطى صاحبها نجاحاً فى حياته الروحية، وهو متاع أثمن من الذهب والفضة، إذ سيتمتع بعشرة الله والحياة الأبدية.
وشفاة المعرفة ستفيد الآخرين، إذ ترشدهم إلى الحق. فالحكيم خادم ناجح يقود غيره إلى الطريق المستقيم.
ع16: تظهر هذه الآية جهل من يضمن إنساناً غريباً ولا يعرف عنه شيئاً ولا يضمن تصرفاته، وبالتالى إن لم يوف هذا الغريب ما عليه، فسيضطر الضامن أن يدفع بدلاً منه، وإن لم يوجد عند الضامن مالاً، سيأخذون ثوبه، أى ملابسه الضرورية.
والجاهل أيضاً يذهب إلى الزانية التى يرمز لها بالأجانب، فهى غريبة عنه، فإن أراد أن يقترض منك مالاً ليزنى معها، فخذ هنا منه ثوبه، إذ هو فقير، ومع هذا يبحث عن الزنى، ويقترض لأجل هذا الشر، فهو لن يسدد ما اقترضه. لذا ينبغى أن يأخذ الدائن ثوب هذا الرجل الجاهل الشرير؛ لعله عندما لا يجد له ثوباً ينام فيه ينتبه ويتوب، فيبتعد عن الشر.
ع17: خبز الكذب هو الطعام الذى يحصل عليه الإنسان بالخداع والشر، وهو أيضاً كل الشهوات الشريرة التى يسقط فيها الإنسان، فهى تبدو لذيذة وتعطى شبعاً مؤقتاً للإنسان، ولكن بعد قليل يظهر الخداع والكذب، وينظر الناس باحتقار لهذا الكذاب، وبالطبع الله يغضب عليه، وبدلاً من اللذة التى كان يشعر بها فى فمه يحس بالمرارة، التى يعبر عنها هنا بالحصى.
والخلاصة أن هذه الآية تحذر من الكذب، واستخدامه للحصول على أهداف مادية فى هذه الحياة، فستنقلب على رأس الكذاب وتصبح مرارة. لذا ينبغى الالتزام بالصدق فى الكلام والتصرفات.
يضاف إلى ما سبق أن اللذة والامتلاء الذى يشعر به الإنسان الشهوانى يكتشف بعد هذا بقليل أنه لم يحصل على شئ يشبعه، بل كأن فمه ممتلئ حصى لا يفيده، بل يضايقه.
ع18: إذا كنت تفكر فى أمر ما، وتقصد إتمام أى عمل، فاهتم بمشورة الشيوخ، وذوى الخبرة.
وإذا كان الملك يدبر حرباً ضد الأعداء، فيلزمه أن يسأل المشيرين، ويعمل تدبيراً، وتخطيطاً كاملاً قبل أن يبدأ الحرب.
ومن الناحية الروحية، يلزم الاهتمام بالإرشاد الروحى؛ حتى يكون للإنسان تدبيرٌ سليمٌ، وقوانين روحية يستند عليها تحميه من السقوط فى الخطايا، وتنميه فى محبة الله.
المسيح أوصانا أن من يريد أن يبنى برجاً، أو يدخل فى حرب، يلزمه أن يحسب حساب النفقة (لو14: 31، 32).
ع19: المفتح شفتيه : الكثير الكلام والذى يتملق غيره.
تحذر هذه الآية من المتملقين، الذين يقولون لك كلاماً عكس الحقيقة ليكسبوك. فهؤلاء يمكن أن يوقعوا بينك وبين الآخرين بعد هذا، ويتكلموا كلاماً رديئاً عنك، وهو الوشاية، ويفشوا أسرارك لأعدائك. فاحترس من الذين يتكلمون كثيراً ويجاملونك، ولا تكشف أسرارك لهم.
ع20: سراجه : مصباحه.
حدقة : السواد المستدير وسط العين.
الذى يسئ إلى والديه، بل ويشتمهم، هو يكسر وصية إكرام الوالدين. فكما سبب تعباً وحزناً لوالديه، فإنه عندما يدخل فى تجربة – التى يرمز إليها بحدقة الظلام – فإن المعونة الإلهية تتخلى عنه، أى ينطفئ سراج الله فيه، ولا يجد من يضئ له الطريق، ويرشده.
ومن يتطاول على والديه ويشتمهم، ويتمادى فى شره، ويتمرد عليهم، فلا ينتظره إلا الظلام الأبدى، فيفقد سراجه؛ لأنه يدخل فى العذاب الأبدى.
كن أميناً فيما بين يديك، وتذكر أن الله يراك في كل أعمالك وكلامك، بل أيضاً يرى أفكارك حينئذ تكون نقياً، وفى يقظة روحية، وتسرع للتوبة إن أخطأت، فيفرح بك الله، ويكافئك في حياتك، وفى الأبدية.
(3) التأنى (ع21-30):
21- رُبَّ مُلْكٍ مُعَجِّل فِي أَوَّلِهِ، أَمَّا آخِرَتُهُ فَلاَ تُبَارَكُ. 22- لاَ تَقُلْ: «إِنِّي أُجَازِي شَرًّا». انْتَظِرِ الرَّبَّ فَيُخَلِّصَكَ. 23- مِعْيَارٌ فَمِعْيَارٌ مَكْرَهَةُ الرَّبِّ، وَمَوَازِينُ الْغِشِّ غَيْرُ صَالِحَةٍ. 24- مِنَ الرَّبِّ خَطَوَاتُ الرَّجُلِ، أَمَّا الإِنْسَانُ فَكَيْفَ يَفْهَمُ طَرِيقَهُ؟ 25- هُوَ شَرَكٌ لِلإِنْسَانِ أَنْ يَلْغُوَ قَائِلاً: «مُقَدَّسٌ»، وَبَعْدَ النَّذْرِ أَنْ يَسْأَلَ! 26- اَلْمَلِكُ الْحَكِيمُ يُشَتِّتُ الأَشْرَارَ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمِ النَّوْرَجَ. 27- نَفْسُ الإِنْسَانِ سِرَاجُ الرَّبِّ، يُفَتِّشُ كُلَّ مَخَادِعِ الْبَطْنِ. 28- الرَّحْمَةُ وَالْحَقُّ يَحْفَظَانِ الْمَلِكَ، وَكُرْسِيُّهُ يُسْنَدُ بِالرَّحْمَةِ. 29- فَخْرُ الشُّبَّانِ قُوَّتُهُمْ، وَبَهَاءُ الشُّيُوخِ الشَّيْبُ. 30- حُبُرُ جُرْحٍ مُنَقِّيَةٌ لِلشِّرِّيرِ، وَضَرَبَاتٌ بَالِغَةٌ مَخَادِعَ الْبَطْنِ.
ع21: من يسعى للتسلط والرئاسة، أو امتلاك ثروات كثيرة بسرعة، فإنه يستخدم وسائل غير مشروعة، فيسقط فى خطايا متنوعة، ولكن سعيه هذا حتى إذا وصل إلى مُلك عظيم، فإن نهايته سيئة، ولا يباركه الله، أى يذهب إلى العذاب الأبدى. وفى أحيان كثيرة يكون غير سعيد فى أواخر حياته، وقلبه مضطرب لكثرة خطاياه.
وعلى العكس ينبغى أن يسعى الإنسان فى طريق ملكوت السموات، ويهتم بعلاقته بالله فى الصلاة والقراءة، وحياة التوبة، وحينئذ تكون له آخرة مباركة من الله، أى ينال الأمجاد السماوية.
ع22: إذا عملت خيراً وأساء إليك من صنعت معه الخير، أو أساء إليك أى إنسان دون خطأ منك، فلا تفكر أن تجازيه بالشر نتيجة فعله الشر معك، ولكن احتمل الإساءة من أجل الله، وصلى لأجل من أساء إليك، وإن رأى الله أنه يحتاج إلى تنبيه، أو عقاب، فالله يفعل ما يريد.
ثق أن الله يرى أعمالك الحسنة، ومحبتك، وقلبك النقى، فيجازيك بخيرات كثيرة فى الأرض، وفى السماء، كما يعلن العهد الجديد هذا الأمر بوضوح (رو12: 17-19).
ع23: سبق شرح هذه الآية فى (ع10) فى هذا الإصحاح.
ع24: تظهر هذه الآية عمل نعمة الله مع أولاده، إذ يرشدهم فى كل خطواتهم، طالما هم يطلبونه، ويتكلون عليه.
ثم تتعجب الآية وتقول : كيف يفهم الإنسان طريق الله إلا بمعونته. فالإنسان الروحى الذى يريد ان يحيا مع الله يطلب معونته، فيرشده الله كيف يسلك فى طريق الملكوت؛ ليحيا معه إلى الأبد، كما كان يفعل الله مع موسى (خر4: 12).
ع25: شرك : فخ.
يلغو : يتكلم باستخفاف دون تقدير عميق لما يقول.
تنهى هذه الآية عن الاندفاع دون تدقيق، والحكم على الأمور أنها مقدسة، فقد يكون الأمر فيه خطأ.
وكذلك لا يتسرع الإنسان فى النذر، ثم يتساءل هل أنا قادر على إيفائه أم لا ؟ بل ينبغى التأنى قبل أن ينطق الإنسان بالنذر؛ ليعرف مدى استطاعته أن يوفى النذر؛ لأنه حسن للإنسان أن لا ينذر من أن ينذر ولا يفى (جا5: 5).
وعموماً تنبه هذه الآية الإنسان الحكيم حتى لا يتسرع فى حكمه على الأمور، أو فى نذر، ولكن يصلى أولاً ويفحص، ثم ينطق بلسانه فيكون كلامه حكيماً، فلا يسقط فى متاعب، كما فعل يفتاح الجلعادى الذى اضطر لقتل ابنته لكى يفى بنذره (قض11: 30-39).
ع26: النورج : آلة زراعية تقطع عيدان القمح بغرض فصل السنابل عن القش.
الملك الحكيم يفحص دائماً العاملين معه ليتأكد من استقامتهم، وإذا اكتشف أن بعضهم أشرار، يشتتهم ويبعدهم عن ملكه؛ حتى لا يسببوا له متاعب. والمقصود برد النورج عليهم، هو فصلهم وإبعادهم عن معاونته فى أعمال مملكته.
كذلك الإنسان الروحى، يلزمه أن يبتعد عن صداقة الأشرار؛ حتى لا يتأثر بهم روحياً. ويفصل عنه أيضاً كل كلام ردئ، وكل أفكار شريرة، فيحيا فى نقاوة مع الله، ويضمن سكونه الداخلى وسلامه.
وبعدما يشتت الملك الأشرار بعيداً عنه، يضم إليه المخلصين المستقيمين. وهذا ينبغى أن يحدث فى الكنيسة أيضاً، فالأشرار المفسدون ينبغى قطعهم وفصلهم عن الخدمة ليتوبوا، وبعد توبتهم يمكن إرجاعهم، كما حدث مع خاطئ كورنثوس، عندما حكم بولس بإبعاده ثم إعادته (1كو5: 13، 2كو2: 8).
ع27: نفس الإنسان المقصود بها روحه وضميره، فهما سراج الرب داخل الإنسان، أى نور الرب، وصوته، فهما يفتشان مخادع البطن، أى كل ما فى أعماق الإنسان، وكل ما فى داخله، وينبهاه إلى الحق، ويبعداه عن الشر. فمن يخضع لصوت الله ينجى نفسه من كل شر، ويحيا حياة مستقيمة مع الله.
ع28: الذى يحفظ الملك مستقيماً هو تمسكه بالرحمة والحق؛ والمقصود بالحق العدل. فتكامل الرحمة مع العدل يعطيانه أحكاماً سليمة، وقيادة مستقيمة لشعبه. فيحاسب الأشرار الظالمين، ويشفق على الضعفاء والمساكين، ويعطى كل ذى حق حقه.
ويستقر كرسى الملك إذا تمسك بالرحمة، فيحبه شعبه، ويلتف حوله كرئيس لهم ويطيعه.
وفى المسيح ملك الملوك يظهر تلاقى الرحمة والحق، عندما مات على الصليب، فأوفى الدين الإلهى، وقدم رحمة لكل من يؤمن به.
ع29: تمتدح هذه الآية الشباب لأجل قوتهم التى يستخدمونها من أجل الله، ونفع الكنيسة والمجتمع.
وتمتدح أيضاً الشيوخ؛ لأجل شيبتهم، والمقصود خبرتهم طوال سنين عمرهم، التى تفيدهم وتفيد الآخرين الذين يستفيدون من إرشادات الشيخ.
فكل سن له ميزاته، فينبغى على الإنسان أن يستخدم قدراته، وإمكانياته لمجد الله، ويشكره على كل عطاياه.
ع30: حبر جرح : آثار الجروح عند التئامها فتحدث بعض الألم.
يضطر الله أن يستخدم التجارب؛ لينبه الشرير للجروح، وما ينتج عنها من بعض الآلام لينتبه، ويتوب، فيصلح طريقه، ويرجع إلى الله.
وإذا كان الإنسان متراخياً كسولاً، أو متمادياً فى الشر، فيحتاج إلى تجارب شديدة، وهى الضربات البالغة، لتنخسه، فيستيقظ ويرجع عن شره.
والخلاصة، أن الله يسمح بالتجارب الخفيفة، أو الثقيلة، بحسب خطايا الإنسان، أو تماديه فى الشر. والغرض من هذه التجارب إعادة الإنسان من طريق الشر إلى الطريق المستقيم. اقبل الآلام التى تمر بك، فهى وسيلة لتنقيتك من الشر. لا تتذمر عليها، بل لتكن وسيلتك للتوبة ومراجعة نفسك، وقطع مصادر الشر، فتعود لمحبتك الأولى، وتحيا مع الله.