طريق الفضيلة
(1) الملك الفاضل (ع1-9):
1- كَلاَمُ لَمُوئِيلَ مَلِكِ مَسَّا، عَلَّمَتْهُ إِيَّاهُ أُمُّهُ: 2- مَاذَا يَا ابْنِي؟ ثُمَّ مَاذَا يَا ابْنَ رَحِمِي؟ ثُمَّ مَاذَا يَا ابْنَ نُذُورِي؟ 3- لاَ تُعْطِ حَيْلَكَ لِلنِّسَاءِ، وَلاَ طُرُقَكَ لِمُهْلِكَاتِ الْمُلُوكِ. 4- لَيْسَ لِلْمُلُوكِ يَا لَمُوئِيلُ، لَيْسَ لِلْمُلُوكِ أَنْ يَشْرَبُوا خَمْرًا، وَلاَ لِلْعُظَمَاءِ الْمُسْكِرُ. 5- لِئَلاَّ يَشْرَبُوا وَيَنْسَوْا الْمَفْرُوضَ، وَيُغَيِّرُوا حُجَّةَ كُلِّ بَنِي الْمَذَلَّةِ. 6- أَعْطُوا مُسْكِرًا لِهَالِكٍ، وَخَمْرًا لِمُرِّي النَّفْسِ. 7- يَشْرَبُ وَيَنْسَى فَقْرَهُ، وَلاَ يَذْكُرُ تَعَبَهُ بَعْدُ. 8- اِفْتَحْ فَمَكَ لأَجْلِ الأَخْرَسِ فِي دَعْوَى كُلِّ يَتِيمٍ. 9- اِفْتَحْ فَمَكَ. اقْضِ بِالْعَدْلِ وَحَامِ عَنِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ.
إن كان سفر الأمثال كله حدثنا عن الحكمة وأهميتها، وسقوط الأحمق والغبى فى مخاطر كثيرة لابتعادهم عن الحكمة. فإن سفر الأمثال ينتهى بالأصحاح الثلاثين الذى يساند الإنسان الضعيف المؤمن بالله بأن المسيح الفادى هو قوته وخلاصه، فيعيش ، ويغلب مهما كان ضعفه.
أما الأصحاح الحادى والثلاثون فيحدثنا عن المؤمن الذى يملك على حياته، ليحيا مع المسيح، وماذا يراعى ليكون إنسانا يملك على حياته، ليحيا مع المسيح ؟ وماذا يراعى ليكون إنسانا نقيا، وابنا لله ؟ (ع1-9) ثم يحدثنا عن النفس البشرية عروس المسيح التى تجاهد وتتزين بالفضائل المتنوعة، وهى أيضا الكنيسة عروس المسيح التى افتداها، وكذلك أمنا العذراء مريم مثال المرأة الفاضلة.
ع1: هذه الآية مقدمة لهذا الاصحاح تعلن إسم كاتب الأصحاح. وهناك رآيان فى هذا الكاتب:
- لموئيل هو ملك لمسا، التى هى قبيلة اسماعيلية، أى من نسل إسماعيل تعيش فى شمال شبه الجزيرة العربية (تك 25 : 14).
وتذكر هذه الآية أن كلام الأصحاح هو تعاليم أم لموئيل الملك له.
- لا يوجد ملك معروف بهذه الاسم فى شبه الجزيرة العربية، ويرى البعض ان كلمة لموئيل معناها “مع الله” أو “لله” وكلمة مسا معناها وحى. إذن فهذا الكلام وحى من الله لمن هو مع الله، أو يحيا لله، والمقصود به سليمان الملك، الذى اختاره الله للملك، وكلمه كلاما مباشرا. ويكون كلام هذا الأصحاح هو تعاليم أم سليمان بثشبع لإبنها، وهو موحى به من الله، وكُتب سليمان فى نهاية سفر الأمثال، فيكون كاتب سفر الامثال كله هو سليمان.
ع2: تقول بثشبع لابنها سليمان، أو أم لموئيل له “ماذا” وتكررها ثلاث مرات، تأكيدا لأهمية ما ستقول. وتقول يا ابنى لتظهر أمومتها له. ثم تقول يا ابن رحمى، لتبين أنه قد خرج من أحشائها، فهو جزء منها، ومن أعماقها التى خرجت إلى العالم. فهذا يظهر ارتباطها الشديد به، ومحبتها له.
وتقول أيضا يا ابن نذورى، فلعلها نذرت نذوراً لله، تقدمها له أن أعطاها ابنا، فأعطاها هذا الإبن. وإن كانت بثشبع هى المتكلمة ، فلعلها قدمت توبة بعد خطيتها مع داود، وقدمت نذورا لله، إن وهبها ابنا لتربيه له فى مخافته ، فأعطاها سليمان، خاصة وأن الله أعلن محبته له بعد ولادته، ودعى سليمان باسم يديديا، أى حبيب يهوه (2 صم 12: 25).
من الناحية الرمزية الأم فى هذه الآية هى الكنيسة، وتحدث كل ابن لها قد ولد من رحمها، وهو جرن المعمودية. والكنيسة مكرسة لله، فهى نذيرة الرب وجسده، وكل ابن لها مؤمن بالمسيح هو ملك على نفسه، ليقدم حياته لله، أى نذير لله.
ع3: حيلك: مالك وصحتك وقدراتك ووقتك، أى كل ما تملكه.
مهلكات الملوك: النساء الكثيرات.
تحذر هذه الآية من التعلق بشهوة النساء، أى الشهوة الجنسية والعواطف الشريرة. فهى تهلك أى إنسان يسير مع الله، فيفقد سلطانه على نفسه فالكنيسة تحذر كل أولادها من شهوة الزنى التى تفقدهم ملكوت السموات وتحارب الملوك، فينشغلون بالشهوات ، ويهملون إدارة ممالكهم.
وقد عاش سليمان بهذه الآية فى شبابه، ولكنه بعد هذا اعتمد على حكمته البشرية ، فتزوج من نساء كثيرات، ليقوى علاقته بملوك الأرض لإشباع شهواته، مخالفا الشريعة (تث17 : 17)، وكلام أمه المذكور فى هذه الآية، ولكنه تاب فى نهاية حياته، كما يظهر فى سفر الجامعة.
ع4، 5: حجة بنى المذلة: قضايا المظلومين.
تحذر الأم هنا أيضا من شر آخر وهو الخمر، والسكر بها. فالملك الذى ينشغل بالخمر وينغمس فيها فيسكر، ويفقد اتزانه، وينشغل عن مشاكل شعبه، فلا ينصف المظلومين فيغير أحكامه ويتركهم فى معاناة كثيرة، بل يمكن أن يحكم بأحكام ظالمة، كما حكم هيرودس الملك بقطع رأس يوحنا المعمدان ، ثم عاد فندم (مت14: 9)
وكل مؤمن بالمسيح يفقد اتزانه بالإنشغال بالخمر لا يستطيع أن يتحكم فى حواسه، وأفكاره، فيظلم نفسه، ويهلكها، ويكون فى خزى، كما فعل نوح بعد الطوفان عندما تعرى، وسخر منه ابنه حام أبو كنعان (تك9: 22).
ع6، 7: تسخر هاتان الآيتان من الملك الذى سار وراء شهواته، وشرب خمرا كثيرا حتى السكر. وتقول له إنك بتعلقك بالخمر فقدت اتزانك، وأصدرت أحكاما ظلمت بها الفقراء، والضعفاء. فأعطى هؤلاء المظلومين خمرا، بل وخمرا كثيرا يسكرهم لينسوا فقرهم، والظلم الذى وقع عليهم. ويعنى بهذا إظهار شناعة خطيته بظلم الناس، ليرجع عنها لأنها تؤذى الأخرين ، فيقاسون من الظلم، وليس المقصود أن يقدم الملك خمراً ومسكرا للفقراء والضعفاء، بل الآيتان تسخران من الملك وتستنكران عليه سكره، وظلمه للضعفاء، وتدعوانه للابتعاد عن الخمر والتدقيق فى أحكامه، والاهتمام بالضعفاء.
تنطبق الآيات من (ع4-7) على كل إنسان روحى ينبغى أن يملك على حياته بقوة المسيح، أو يعطى لله أن يملك على حياته، ولا يضيع عقله بشرب الخمر، فيكون صاحيا، ويهتم أن يعلن الحق، ويحامى عن المظلومين، ويساند الضعفاء.
وقد أخذ اليهود هاتين الآيتين وطبقوهما حرفيا على المحكوم عليهم بالصلب، فكانوا يقدمون لهم خلا، أو خل ممزوج بمرارة، وهذا ما حدث مع المسيح (يو 19 : 30 ، مر 15: 23). والمقصود بالخل الذى يقدمونه هو نوع من الخمر الردئ والفاسد، فهو بلا ثمن تقريبا، حتى يساعد المصلوب على احتمال الآلام الصعبة.
ع8، 9: إن كان كاتب الأصحاح ينهى الملك عن شرب الخمر فى الآيات السابقة، فليس المقصود فقط أن يكون فمه فارغاً من شهوات العالم، ولكن ينبغى أن يمتلئ بكلام الله، فيعطى هذا الكلام لشعبه، ورعيته، خاصة الضعفاء منهم. ويقسمهم فى هاتين الآيتين إلى ثلاث مجموعات.
1- الأخرس: وهو الضعيف العاجز عن الدفاع عن نفسه، فيشبه الأخرس، فهو مظلوم ولا يستطيع الدفاع عن نفسه. فيطلب من الملك أن يهتم به، يعرف مشاكله، ولا ينحاز إلى كلام الظالم ذو الصوت المرتفع، والحجج القوية المنطقية.
2- اليتيم: وهو الذى ليس له أب، أو أم يدافعان عنه، فهو بلا سند، فيحتاج إلى مساندتك أيها الملك ، فتكون أنت صوت الله الذى يقضى بالعدل، وينصف هذا الضعيف.
3- الفقير والمسكين: أى الإنسان الذى ليس له قوة مادية، أو أموال يحرك بها الأمور المحيطة به، فيشفق عليه الملك، وينصفه،ويعطيه حقوقه.
والخلاصة، أن يقضى الملك بالعدل، ويعلن الحق، ويعطى كل ذى حق حقه مهما كان ضعيفاً.
ويلاحظ فى هذه الآيات السابقة دعوة واضحة للملك لما يأتى:
- الابتعاد عن شهوة الزنى.
- الابتعاد عن ملذات العالم التى تمثلها الخمر والمسكر.
- التمسك بالحق والقضاء بالعدل.
يلزمك يا أخى أن تشعر بقيمة نفسك. فتملك على نفسك لتقدم ذبيحة حب لله، تجاوباً مع حبه وعطاياه المستمرة لك. وتكون حذراً من إغراءات الشيطان بشهوة الفساد، وكل شهوة شريرة ، وتتكلم بالحق، ولا تحابى أحدا، فتكون نوراً للعالم ، وملحا للأرض.
(2) المرأة الفاضلة (ع 10-31):
10- اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟ لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآلِئَ. 11- بِهَا يَثِقُ قَلْبُ زَوْجِهَا فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى غَنِيمَةٍ. 12- تَصْنَعُ لَهُ خَيْرًا لاَ شَرًّا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهَا. 13- تَطْلُبُ صُوفًا وَكَتَّانًا وَتَشْتَغِلُ بِيَدَيْنِ رَاضِيَتَيْنِ. 14- هِيَ كَسُفُنِ التَّاجِرِ. تَجْلِبُ طَعَامَهَا مِنْ بَعِيدٍ. 15- وَتَقُومُ إِذِ اللَّيْلُ بَعْدُ وَتُعْطِي أَكْلاً لأَهْلِ بَيْتِهَا وَفَرِيضَةً لِفَتَيَاتِهَا. 16- تَتَأَمَّلُ حَقْلاً فَتَأْخُذُهُ، وَبِثَمَرِ يَدَيْهَا تَغْرِسُ كَرْمًا. 17- تُنَطِّقُ حَقَوَيْهَا بِالْقُوَّةِ وَتُشَدِّدُ ذِرَاعَيْهَا. 18- تَشْعُرُ أَنَّ تِجَارَتَهَا جَيِّدَةٌ. سِرَاجُهَا لاَ يَنْطَفِئُ فِي اللَّيْلِ. 19- تَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الْمِغْزَلِ، وَتُمْسِكُ كَفَّاهَا بِالْفَلْكَةِ. 20- تَبْسُطُ كَفَّيْهَا لِلْفَقِيرِ، وَتَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الْمِسْكِينِ.
21- لاَ تَخْشَى عَلَى بَيْتِهَا مِنَ الثَّلْجِ، لأَنَّ كُلَّ أَهْلِ بَيْتِهَا لاَبِسُونَ حُلَلاً. 22- تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا مُوَشَّيَاتٍ. لِبْسُهَا بُوصٌ وَأُرْجُوانٌ. 23- زَوْجُهَا مَعْرُوفٌ فِي الأَبْوَابِ حِينَ يَجْلِسُ بَيْنَ مَشَايخِ الأَرْضِ.
24- تَصْنَعُ قُمْصَانًا وَتَبِيعُهَا، وَتَعْرِضُ مَنَاطِقَ عَلَى الْكَنْعَانِيِّ. 25- اَلْعِزُّ وَالْبَهَاءُ لِبَاسُهَا، وَتَضْحَكُ عَلَى الزَّمَنِ الآتِي. 26- تَفْتَحُ فَمَهَا بِالْحِكْمَةِ، وَفِي لِسَانِهَا سُنَّةُ الْمَعْرُوفِ. 27- تُرَاقِبُ طُرُقَ أَهْلِ بَيْتِهَا، وَلاَ تَأْكُلُ خُبْزَ الْكَسَلِ. 28- يَقُومُ أَوْلاَدُهَا وَيُطَوِّبُونَهَا. زَوْجُهَا أَيْضًا فَيَمْدَحُهَا: 29- «بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلاً، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا». 30- اَلْحُسْنُ غِشٌّ وَالْجَمَالُ بَاطِلٌ، أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُتَّقِيَةُ الرَّبَّ فَهِيَ تُمْدَحُ. 31- أَعْطُوهَا مِنْ ثَمَرِ يَدَيْهَا، وَلْتَمْدَحْهَا أَعْمَالُهَا فِي الأَبْوَابِ.
تتحدث هذه الآيات عن صفات المرأة الفاضلة، أوكل إنسان روحى يحيا لله. وهذه الآيات الإثنتان والعشرون كُتبت بحيث تبدأ كل آية بأحد الحروف الهجائية العبرية الإثنين والعشرين. وهذه طريقة اتبعها الكتاب قديما، ونجدها أيضا فى المزمور الكبير (مز 119)، وكذا فى مراثى أرميا. وهذه الطريقة تساعد اليهود على حفظ هذه الآيات، وذلك يبين أهمية هذه القطعة التى يختم بها سفر الأمثال، فهى التطبيق العملى للحكمة، التى تكلم عنها السفر من بدايته حتى نهايته.
وهذه القطعة ذات الإثنتين والعشرين آية هى نصيحة من أم لموئيل له، ليعرف كيف يختار الزوجة الصالحة. فهذه الآيات إرشاد واضح لكل مقبل على الزواج فى اختيار شريكة حياته.
هذه الآيات إذن تتحدث عن المؤمن الحقيقى سواء المرأة الفاضلة، أو الرجل الفاضل، فهى صفات المؤمن الحقيقى.
ع10: تبين هذه الآية عظمة المرأة الفاضلة، وهى قليلة الوجود، فتحتاج لبحث كثير للوصول إليها. ويالسعادته الذى يصل إليها.
وتعلن الآية أن ثمن هذه المرأة الفاضلة يفوق اللآلئ. واللآلئ هى أغلى ما يعرفه الإنسان على الأرض.
والمرأة الفاضلة هى عروس المسيح ، كما ذكرنا . والمسيح هو اللؤلؤة الغالية الكثيرة الثمن (مت 13 : 46). وعندما تتحد المرأة الفاضلة عروس المسيح بعريسها تصير هى أيضا لؤلؤة غالية من إشعاعه عليها.
وإذا كانت المرأة الفاضلة ثمنها يفوق اللآلئ فتحتاج من زوجها أن يعلن تقديره لها، ويشعرها بمحبته، فهذا احتياج ضرورى لها. وفى نفس الوقت ترفع هذه المرأة قلبها للمسيح، وتشكره ، لأنه هو مصدر كل البركات التى فيها. فهى تحيا واثقة من نفسها، وفى نفس الوقت باتضاع شديد تعرف ضعفها ولا تيأس إن سقطت فى أية خطية، بل تقوم سريعا لتعويض ما فاتها، وتكمل حياتها مع الله.
ع11: غنيمة : المكاسب التى يحصل الإنسان عليها فى حربه مع عدوه. والمقصود أن المرأة الفاضلة مستقيمة، ونقية ، وتتحمل مسئولياتها، لذا يثق بها رجلها.
ولا يحتاج الرجل إلى غنيمة أخرى بجوار زوجته، لأنها هى غنيمته، ومكسبه الكامل. فهى مملؤة فضائل، تغنيه عن كل شئ.
وهى قنوعة ليس لها طلبات ترهقه بها، ومدبرة فلا تزيد من أعبائه المالية، بل تعيش بالقليل هى وأولادها، وتشكر الله.
والمسيح يثق فى النفس البشرية التى ترمز إليها المرأة الفاضلة، لأن النفس تحب المسيح، وتحيا له،و تجاهد باهتمام، وهى غنيمته ومكسبه، فهى أغلى المخلوقات التى خلقها ، ومن أجلها مات ليفديها. وهى أيضا تجد فى المسيح غنيمتها، ولا تحتاج لشئ بجواره.
وتنطبق هذه الآية أيضا على الكنيسة، التى يثق فيها المسيح من أجل أنها تحيا له، وترعى أولادها، وتتحمل مسئولياتها نحو العالم، وهى غنيمته فى هذا العالم ، وهو غنيمتها فى نفس الوقت.
ع12: تتميز هذه المرأة الفاضلة بأنها تحب الخير، وتميل للعمل الإيجابى، وفى نفس الوقت تتباعد عن الشر، لأنها أحبت المسيح مصدر الخير، فلا تستطيع أن تعمل إلا الخير الذى أحبته من كل قلبها.
هذا الخير تقدمه، وتصنعه من أجل رجلها، فهى تبذل حياتها لأجل زوجها، وتقدم له الخير كل أيام حياتها، إذ هى مستمرة فى عمل الخير، لا تتوقف عنه أبدا. ولأنها ترفض الشر، فهو غريب عنها.
هذا الخير يظهر فى كلامها الرقيق والمشجع لزوجها، وأيضا فى كل أعمالها، فهذا بالطبع يساند رجلها، ويقويه وينميه، ويجعله فى سعادة وفرح. فهى تشعر أنها معينة نظيره، وعملها فى الحياة هو إسعاده بصنع الخير له دائما.
وهذه المرأة الفاضلة ترمز للنفس البشرية، أو الكنيسة التى تجاهد كل أيام حياتها لتعمل الخير نحو الجميع ، لترضى عريسها السماوى ، وتفرح قلبه.
ع13: هذه الزوجة تتميز أيضا بالنشاط، فهى تعمل بيدين راضيتين. فهى تقبل وترضى، بل وتحب التعب لأجل منفعة بيتها. وهى أيضا بهذا توفر نفقات كثيرة لزوجها، إذ تغزل الصوف، والكتان لتصنع ملابس لزوجها وأولادها، وهذا كان معروفا فى الشرق. ويعرفنا التقليد بأن الثوب المنسوج كقطعة واحدة من فوق إلى تحت، الذى لبسه المسيح، كان من صنع يدى أمه العذراء مريم.
الكتان يُصنع منه الملابس الداخلية، وهى ترمز للحياة الداخلية، التى تكون فى المخدع بين الإنسان والله. أما الصوف ، فتصنع منه الملابس الخارجية، والصوف يرمز لأعمال الجسد، وهى جهاد الإنسان الظاهر أمام الناس. فهذه الزوجة تساعد زوجها ، وتشجعه فى حياته الروحية، وفى أعماله ومسئولياته الخارجية.
والكنيسة والنفس البشرية المؤمنة بالله دائمة الجهاد الروحى، لترضى عريسها السماوى المسيح، وهى فى رضى، بل وفرح تعمل ليلاً ونهاراً لإرضائه، وتهتم باحتياجات أولاده الفقراء، وتقدم لهم كل احتياجاتهم، هكذا كانت تصنع طابيثا فى يافا (أع 9 : 36).
وهذه الزوجة الفاضلة توفر بأعمالها أموالاً كثيرة لزوجها، فهى تأخذ الكتان من الحقل الذى يمتلكه زوجها، والصوف من الأغنام التى يربيها، وتصنع له ملابس، هو وأولاده ، فيجد احتياجاته بأقل التكلفة.
ع14: هذه المرأة أيضا مجتهدة جدا، إذ تتعب لأجل توفير احتياجات زوجها، وأولادها من الطعام، بل وتسعى لإحضار هذا الطعام من بعيد، مثل سفن التاجر التى تسافر إلى بلاد بعيدة، لتحضر البضائع المطلوبة. فهى تخرج إلى الحقل، وتسير مسافات طويلة، لتحضر الطعام الذى تقدمه لأهل بيتها.
وهى ترمز للكنيسة التى ترسل الرسل والكهنة والخدام ليجمعوا النفوس من بعيد، ويحملون أيضا أخبارا سارة تشجع النفوس من أماكن بعيدة. كما كانت الكنيسة تأتى بتعزيات كثيرة من آباء البرية؛ لتشجيع أولادها الذين يعيشون فى العالم.
ع15: هذه الزوجة الفاضلة تستيقظ قبل الفجر، لتقوم بأعمالها وإعداد الطعام لأهل بيتها، بل تدبير كل احتياجاتهم.
وهى بهذا تقدم نفسها مثالا لفتياتها اللاتى يساعدنها فى العمل المنزلى، فتعلمهن فريضة، أى ما ينبغى أن يُعمل فى خدمة البيت، ليس بالأوامر ، بل أولاً بالقدوة، ، فيقمن هن أيضا قبل أن يطلع الفجر، ويساعدنها فى كل أعمال البيت.
والكنيسة فى شكل المؤمنين تقوم فى الليل قبل أن يطلع الفجر، لتصلى المزامير، والتسبحة ، فتكون قدوة لباقى أبنائها ليقوموا بنشاط ، ويصلوا. وتقدم طعاما مشبعاً لأولادها، هو الأسرار المقدسة وكلمة الله.
ع16: تهتم هذه الزوجة باحيتاجات زوجها، وأولادها، فإن وجدت حقلا بجوار حقول زوجها، أو مفيدا له، فتفحصه جيدا، وتعرف كل ظروفه، لتشتريه لزوجها، حتى تزداد أملاكه، فتوفر احتياجات البيت.
وإذا وجدت أرضا تصلح أن تكون كرماً تهتم بزراعتها بأشجار العنب ، لتعطى محصولا جيدا، يوفر احتياجات بيتها، وتقدم منها للهيكل، ولكل المحتاجين.
وهى ترمز للنفس المجاهدة فى طريق الحياة الروحية، التى تريد أن تقتنى الفضائل ، وكل ما ينميها روحياً، وتتعب فى غرس كل فضيلة، التى ترمز إليها أشجار العنب، فتنال خمراً، وهى ترمز للفرح الروحى. وتقدم منه لمن حولها، أى تفرح قلوب الآخرين، وتشبعهم بمحبة الله.
ع17: تنطق: تلبس منطقة على الحقوين.
حقويها: هو الجزء من الجسم الذى تحت الوسط، وقبل الفخذين.
هذه المرأة نشيطة جدا، فهى لا تلبس الثياب الناعمة الطويلة، وتجلس لتتسلى بالأحاديث، مثل النساء الكسالى، بل هى تلبس منطقة، وتخرم ثيابها لتكون مستعدة للعمل بنشاط وقوة. وتقوم لتعمل بذراعين متشددتين، أى تقوم بأعمال كثيرة، لتدبر كل احتياجات بيتها. والكنيسة أيضا تجاهد بلا انقطاع ، لترفض كل خطية، وتعمل كل شئ صالح بنشاط وثبات.
ع18: سراجها: مصباحها
إن تجارة هذه المرأة الفاضلة هى أعمالها. فهى أعمال جيدة، أى لا تؤدى مجرد كمية من الأعمال، بل تقدم أعمالا متقنة جيدة تفرح قلوب من حولها. فكلامها وخدماتها المقدمة لهم هى أحلى ما يتمنون.
وسراجها لا ينطفئ لأنها تسهر طوال الليل لاستكمال أعمالها، خاصة التى تحتاج إلى هدوء، أو عدم حركة كثيرة فى البيت. فهى تعرف طريق السهر من أجل احتياجات بيتها.
والكنيسة أفكارها، وكلامها، وأعمالها جيدة، لأنها من كل القلب تقدم كمحبة للمسيح عريسها. وهى تسهر فى الصلوات والتسابيح، وكل جهاد روحى وخدمة لكل النفوس المحتاجة. سراج الكنيسة لا ينطفئ أبدا طوال الليل .
ع19: المغزل: آلة يحول بها الصوف إلى خيوط.
الفلكة: هى رأس المغزل التى تمسك بها الخيط عند الغزل.
تؤكد هذه الآية نشاط المرأة الفاضلة، فهى تحضر الصوف المأخوذ من أغنامها، وتحوله إلى خيوط بالمغزل، لتصنع منه نسيجا على النول، وتعمل منه ملابس لزوجها، وأولادها. فهى تتعب كثيرا، لتكسو أهل بيتها.
هذه المرأة تعمل لوحدها بيديها الإثنتين ، حتى لا تثقل على أحد، أو تحتاج مساعدة من أحد. فهى تبذل كل جهدها وإمكانياتها.
والكنيسة تقدم لأولادها التعاليم الروحية، والأسرار المقدسة، لتكسوهم بثياب البر، وتتعب وحدها دون الاستعانة بأفكار العالم، لتقدم فكرها الروحى النقى ، وتوفر احتياجات أولادها.
ع20: هذه المرأة الفاضلة قلبها مملؤ حبا لكل الناس. فتعطف على الكل ، وخاصة الفقراء والمحتاجين. فلا تنغلق على الاهتمام بأهل بيتها فقط، بل تحب الكل، وتساعد، وتشبع الكل.
الكنيسة تهتم باحتياجات الفقراء والمحتاجين من كل نوع، فتهتم بأخوة الرب، وتصير من أهل اليمين، لترث ملكوت السموات.
ع21: حللا: ثياباً
نشاط هذه المرأة الفاضلة، واهتمامها بأهل بيتها، يجعلها لا تخاف من فصل الشتاء، وبرودته، والذى قد يسقط فيه الثلج، خاصة فى الأماكن المرتفعة الموجودة فى بلاد اليهود. وذلك لأنها قد عملت لهم ملابس صوفية تدفئهم ، فلا ينزعجون من برودة الشتاء.
والكنيسة أيضا تدفئ شعبها بتعاليمها الروحية، وأسرارها المقدسة، وتشبعهم، فلا ينزعجون من الفتور الروحى، أو برودة المشاعر المحيطة بهم، بل يظلوا فى شبع ، ودفء داخلى بالمسيح الساكن فيهم.
ع22: موشيات: قطع من القماش مطرزة، أو مزخرفة تصلح أن تكون أغطية للأسرة، أو سجاد إذا كانت سميكة.
تهتم هذه المرأة بأغطية سريرها المطرزة بأشكال جميلة، والسجاد المزخرف بأشكال رائعة. فهى تجاهد لتقتنى الفضائل، لتتغطى بها وتسير فيها. كل هذا يبين أهمية الجهاد الروحى.
أما ملابس هذه المرأة فهى من البوص، أى الكتان الأبيض اللون، ويرمز للبهاء والنقاوة. وكذا الأرجوان، وهو اللون الأحمر الداكن، فهذه الملابس الأرجوانية ترمز للملك والعظمة. كل هذه يهبها الله لها، فهو عمل النعمة المعطى للمجاهدين الروحيين.
والكنيسة قائمة على الجهاد والنعمة، فأولادها يجاهدون ضد الخطية، حتى يقتنوا الفضائل الروحية، التى تزين حياتهم، والتى تهبهم إياها النعمة.
ع23: إن الزوجة الفاضلة معينة لزوجها، ومساندة له، وتوفر له جو هادئ فى البيت، وتشجعه بكلمات التقدير، فيصبح رجلا عظيما، كما تقول أمثال العامة “وراء كل عظيم إمرأة”. ولذا يكون له مكانه فى المدينة، فيجلس بين شيوخ المدينة عند أبوابها، ليقضى بين المتخاصمين، وكل من له دعوى؛ لأنه كانت العادة قديما أن يجلس الشيوخ والعظماء عند باب المدينة ليقضوا للشعب. أى أنه يصبح شخصا معروفا، وله مكانته بين الناس، بفضل إمرأته الفاضلة.
أما الكنيسة والنفس المؤمنة فعريسها هو ديان العالم كله، لأنه هو ملك الملوك ورب الأرباب.
ع24: المرأة الفاضلة تستخدم كل طاقتها لخدمة بيتها، ولأنها نشيطة، دائمة العمل ، فهى لا توفر ملابس لاحتياجات أهل بيتها فقط، بل أيضا تصنع أقمصة، ومناطق، لتبيعها لمن حولها، أى للتجار، مثل التجار الكنعانين لتحصل على أموال، تساعد بها زوجها فى احتياجات البيت.
والكنيسة أيضا دائمة النشاط والجهاد الروحى، وكما اكتست بثوب البر من المسيح عريسها، فهى تعمل لجذب النفوس البعيدة، لتكتسى هى أيضا بثياب البر، التى ترمز إليها الأقمصة والمناطق.
ع25: ببركة أتعاب هذه المرأة الفاضلة، يصبح بيتها فى عز وبهاء، إذ توفر كل احتياجاته، ويكون زوجها وأبناؤها ناجحين فى حياتهم، فيوقرهم الناس. وإذ ينظروا إلى استقامتهم ونقاوتهم، يرون البهاء والمجد فيهم.
ولأن المرأة الفاضلة تؤمن بالله، لا تنزعج من الزمن الآتى، لأن المستقبل فى يد إلهها الذى تتكل عليه. فتضحك على تغيرات العالم والزمن ، وتشكر الله الذى يثبتها، ويدبر كل احتياجاتها.
والكنيسة هى أيقونة السماء على الأرض، وهى فى بهاء ومجد لوجود المسيح فيها، والذى يعمل فى أولادها المتميزين فى سلوكهم.
ولا تنزعج من المستقبل، لأن عريسها أعد لها ملكوت السموات ، فتسير فى خطى ثابتة وجهاد روحى نحوه باطمئنان.
ع26: سُنة: نظام.
تتميز المرأة الفاضلة بالحكمة التى تظهر على لسانها فى أحاديثها مع كل من حولها. وهى تتمسك بالمعروف ، فهذا هو طريقها ونظامها، أى تفكر، وتتكلم، وتعمل الأعمال الصالحة، فتكون قدوة لمن حولها. وهذا هو عمل النعمة فيها من أجل إيمانها وجهادها الروحى.
ع27: إن المرأة الفاضلة تتمتع باليقظة الروحية، وتتمتع برعاية كل أفراد بيتها. فتراقبهم، وتتابع خطواتهم لتساندهم إذا سقطوا فى ضعف، أو تكاسلوا عن الجهاد الروحى، فتشجعهم ليقوموا من جديد. ولا تأكل خبز الكسل، لأنها دائمة النشاط. فهى مثال للسهر الروحى، لذا يقيمها الله على أعمال عظيمة، وحياة مجيدة فى ملكوت السموات.
هذا ما يحدث فى الكنيسة مع المؤمنين الذين يهتمون برعاية أنفسهم تحت إرشاد الآباء والمرشدين، ولا يخضعوا للكسل، بل يواصلوا جهادهم بنشاط، ويشعروا بمعية الله، ويتقدموا نحو الأبدية السعيدة.
ع28: من أجل جهاد وتعب هذه المرأة الفاضلة نحو كل أهل بيتها، يشعر أبناؤها بمحبتها وتضحياتها، خاصة عندما يكبرون، ويصيرون فى سن الشباب، وما بعده، فيكرمونها، ويرفعونها لأجل عظمة رعايتها لهم. وزوجها أيضا يمدحها؛ لأجل وقوفها معه طوال الحياة الماضية، ومساندتها له.
هكذا أيضا أبناء الكنيسة يحبون أمهم الكنيسة، ويشكرون الله كل حين على أمومتها لهم. والمسيح نفسه يمتدح الكنيسة، كما مدح فى سفر الرؤيا كنيسته فى سميرنا ولم يوبخها على شئ، لأجل عظمتها واحتمالها (رؤ2: 8-11).
ع29: المرأة الفاضلة، من أجل كل مميزاتها السابق ذكرها، صارت أفضل من بنات كثيرات فاضلات فى العالم، لأن إمرأتنا الفاضلة هذه سر قوتها هو عمل الله فيها، فصارت أفضل من كل إمرأة فاضلة فى العالم، فتميزها بسبب نعمة الله المعطاة لها.
وتنطبق هذه الآية على الكنيسة بوضوح، إذ تميزت عن كنيسة العهد القديم بحلول المسيح بنفسه فيها بجسده ودمه وعمل الروح القدس فى الأسرار، ووسائط النعمة (أف5: 27). فهى أفضل من صور الكنيسة التى ظهرت فى العهد القديم ، مثل مذابح الآباء البطاركة إبراهيم وأسحق ويعقوب، وخيمة الاجتماع، وهيكل سليمان. وكذلك تنطبق هذه الآية أيضاً على أمنا العذراء، لأنها ارتفعت جدا فوق جميع نساء العالم بميلاد رب المجد يسوع المسيح منها، وتطوبها الكنيسة فى كل يوم بتمجيد خاص لها فى التسبحة فيما يسمى بالتذاكية.
ع30: توضح هذه الآية بطلان المظاهر الخارجية، والجمال الجسدى لأى إمرأة ، لأن المظهر خداع، ويسقط الكثيرين. ولكنهم عندما يرتبطون بالمرأة الجميلة العديمة العقل، يعانون من متاعب كثيرة. ولكن المرأة الفاضلة هى التى تتقى الرب، أى قلبها مملؤ بمخافته، فتسلك بحكمة فى كل طرقها، وتبتعد عن الخطية، وتكون مستقيمة فى سلوكها .
هذا هو خلاصة سفر الأمثال، أى دعوة كل البشر إلى مخافة الله، فينالوا الحكمة، كما قال سابقا فى هذا السفر “بدء الحكمة مخافة الرب” (ص9: 10).
والجمال الجسدى معرض للضياع بسهولة بسبب المرض ، والحوادث والشيخوخة. أما الجمال الداخلى الناتج من مخافة الله داخل النفوس المؤمنة به، فلا يزول ، بل يزداد قوة على مر السنين، طالما الإنسان متمسك بمحبة الله وعبادته.
ع31: يستكمل كاتب الأصحاح ختامه الذى بدأه فى الآية السابقة، بأن المرأة الفاضلة ، أو النفس المؤمنة بالمسيح، أو الكنيسة ، أو أمنا العذراء ستنال بركات عظيمة لا يعبر عنها فى يوم الدينونة، نتيجة تعب يديها وأعمالها الكثيرة، فتنال ثمار عظيمة، هى مجد كبير فى ملكوت السموات.
فإذا كانت الأبواب فى كل مدينة قديما يتم عندها القضاء فى قضايا الشعب، فإن أبواب هذا الدهر هى يوم الدينونة، الذى يظهر فيه الرب يسوع، ويجازى كل واحد بحسب أعماله. وهذه هى الحكمة ، تذكر يوم الدينونة، واستعداد كل إنسان للأعمال الصالحة، والسلوك بالحكمة، لينال بركات الله فى هذا اليوم العظيم.
ضع أمام عينيك مخافة الله، وتذكر أن هذا اليوم الذى أنت فيه، قد يكون آخر أيام حياتك. فأسلك بمخافة الله فى نقاوة، وتوبة، وسعى نحو كل عمل صالح، فتتقدم نحو الأبدية بخشوع وفرح.