تجسس أرض الميعاد وعقاب الله بمنعهم من دخولها
(1) أماكن أخذ الوصايا (ع1-2): 1هَذَا هُوَ الكَلامُ الذِي كَلمَ بِهِ مُوسَى جَمِيعَ إِسْرَائِيل فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ فِي البَرِّيَّةِ فِي العَرَبَةِ قُبَالةَ سُوفٍَ بَيْنَ فَارَانَ وَتُوفَل وَلابَانَ وَحَضَيْرُوتَ وَذِي ذَهَبٍ. 2أَحَدَ عَشَرَ يَوْماً مِنْ حُورِيبَ عَلى طَرِيقِ جَبَلِ سَعِيرَ إِلى قَادِشَ بَرْنِيعَ.
خريطة (12)
ع1: عبر الأردن : الضفة الشرقية لنهر الأردن.
البرية : الصحراء القاحلة.
العربة : الوادى (السهل) الممتد من طرف البحر الميت السفلى إلى خليج العقبة.
سوف : المقصود به هنا خليج العقبة، ويطلق اسم بحر سوف على البحر الأحمر كله أو الخليج باعتباره جزء من البحر.
فاران : اسم الصحراء الممتدة فى المنطقة الشرقية من شبه جزيرة سيناء بالتوازى مع الخط الممتد من العريش إلى إيلات (عصيون جابر قديما).
توفل : مكان يبعد حوالى 20 كم عن جنوب شرقى البحر الميت وقد تكون هى قرية طفيلة الحالية وتضم 600 نسمة.
لابان : أو لبنة وهى تقع بضعة كيلو مترات شمال شرقى حضيروت.
حضيروت : حوالى 40كم شمال شرقى جبل حوريب وهى التى صارت فيها مريم أخت موسى برصاء (عد12) (خريطة 1، 12).
ذى ذهب : فى خط السير من سيناء إلى قادش برنيع بين الجبال بين برية فاران غربًا وخليج العقبة شرقًا. ومعناها التى فيها ذهب كثير.
هذه هى وصايا موسى لشعبه قبل انتقاله من العالم، وهى لشعب الله فى كل جيل.
وقد حدّد موسى المكان الذى اجتمع فيه مع الشعب وحدثهم فيها بثلاث عظات (وللتبسيط على القارئ نقول أن هذا المكان هو شرق نهر الأردن)، ويبدأ هنا العظة الأولى منها وهى المذكورة فى (ص1-5). وقد تكلم غالبًا مع شيوخ إسرائيل وليس مع الشعب كله الذين يزيد عددهم عن 2 مليون شخص، وأوصل السبعون شيخًا كلامه إلى كل الشعب.
سنلاحظ فى هذه العظة، رغم أنها الخطاب الوداعى لموسى الذى بلغ من العمر 120 عام واقتربت نهاية حياته، أنه لم يتكلم عن إنجازاته وتعبه مع شعبه بل تحدث عن محبة الله ورعايته لهم حتى يتذكر الشعب ذلك ولا ينشغلوا عن الله بخيرات أرض الميعاد التى سيدخلون إليها.
ولم يتحدث موسى أيضًا عن المعارك الحربية التى سيدخلونها لامتلاك أرض الميعاد بل تحدث عن رعاية الله لهم، فالمهم هو علاقتهم بالله وبقوته يسهل عليهم الانتصار فى جميع الحروب.
ع2: أحد عشر يومًا : يسير المسافر مشيًا على القدمين مدة حوالى 8 ساعات يوميًا يقطع خلالها 20 ميلاً وإن كانوا قافلة فيكون 15 ميلاً.والمسافة بين حوريب وقادش برنيع 165 ميلاً فتستغرق 11 يومًا.
حوريب : المنطقة حول جبل سيناء الذى تلقى عليه موسى الوصايا العشر.
جبل سعير : جنوب البحر الميت.
قادش برنيع : فى منتصف الخط الممتد من العريش إلى رأس خليج العقبة.
تستغرق الرحلة بين حوريب وقادش برنيع 11 يومًا ولكن رحلة بنى إسرائيل فى سيناء استغرقت 40 سنة، وكان ذلك من أجل قساوة قلوبهم ورفضهم طاعة الله بدخول أرض الميعاد واستئصال الأشرار، إذ أتاههم الله فى البرية حتى مات الجيل المعاند ودخل أبناؤهم أرض الميعاد.
ويلاحظ أن سفر التثنية هو تعاليم من موسى للشعب الجديد بعد موت الآباء جميعهم، ما عدا يشوع بن نون وكالب بن يفنة، وهو بهذا يختلف عن أسفار الخروج واللاويين والعدد التى نسمع فيها عن أحاديث الله مع موسى. وهو هنا يثبت الشعب فى الإيمان بالله والتمسك بوصاياه وشرائعه حتى لا ينزعجوا من قوة الأعداء فى أرض كنعان ولا ينسوا شرائعه وسط العبادات الوثنية المنتشرة فى كنعان.
? كن مطيعًا لوصايا الله مهما بدت صعبة فهى أقصر الطرق لدخول الملكوت، وثق أن الله يسندك ويخلصك من كل شر إن أطعت وصاياه.
(2) تذكر هزيمة سيحون وعوج (ع3-5):
3فَفِي السَّنَةِ الأَرْبَعِينَ فِي الشَّهْرِ الحَادِي عَشَرَ فِي الأَوَّلِ مِنَ الشَّهْرِ كَلمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيل حَسَبَ كُلِّ مَا أَوْصَاهُ الرَّبُّ إِليْهِمْ. 4بَعْدَ مَا ضَرَبَ سِيحُونَ مَلِكَ الأَمُورِيِّينَ السَّاكِنَ فِي حَشْبُونَ وَعُوجَ مَلِكَ بَاشَانَ السَّاكِنَ فِي عَشْتَارُوثَ فِي إِذْرَعِي. 5فِي عَبْرِ الأُرْدُنِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ ابْتَدَأَ مُوسَى يَشْرَحُ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ قَائِلاً:
ع3: فى أواخر السنة الأربعين لخروج بنى إسرائيل من مصر كانت أحاديث موسى لشعبه، إذ كرّر لهم أحكام الشريعة الإلهية التى نقلها إليهم، وقد أتبعها بنصيحته بألا يحيدوا عنها وتحذيره لهم بما سوف يحل بهم إذا خالفوها. وكان توقيت هذه الأحاديث قبل نياحته بمدة قصيرة وتسليم القيادة ليشوع.
وقد بدأ موسى حديثه فى اليوم الأول من الشهر الحادى عشر من السنة الأربعين، وعبر الشعب نهر الأردن ودخلوا أرض الميعاد فى اليوم العاشر من الشهر الأول من السنة الحادية والأربعين (يش4: 19)، فتكون المدة كلها تسعة وستين يومًا، قضى موسى نحو ثلاثين يومًا فى أحاديثه التى ذكرها فى سفر التثنية وعملوا مناحة عليه مدة ثلاثين يومًا (ص34: 8) والأيام القليلة الباقية تم فيها كتابة الشريعة وتسليمها لللاويين.
ع4: الأموريون : شعب سامى من أصل كنعانى، كانوا فى زمن موسى يسكنون جنوب فلسطين وتملكوا أيضًا فى حقبة ما من تاريخهم منطقة شرق الأردن من نهر أرنون فى الجنوب إلى جبل حرمون فى الشمال.
حشبون : هى مدينة سيحون ملك الأموريين فى زمن موسى، يوجد مكانها حاليًا مدينة خربة تعرف باسم “حسبان” بين نهر أرنون ونهر اليبوق.
باشان : مقاطعة فى أرض كنعان واقعة شرق الأردن بين جبلى حرمون وجلعاد يحدها شمالاً دمشق وشرقًا الصحراء السورية وجنوبًا أرض جلعاد وغربًا نهر الأردن ويخترقها فى الشرق جبل الدروز (خريطة 5).
عشتاروت : بلدة فى باشان كانت قاعدة لعوج ملك باشان ويظن أنها حاليًا تل عشترة على بعد 35 كم شرق بحيرة طبرية.
أذرعى : عاصمة باشان واسمها الحالى “درعة” وتقع على مسافة حوالى 47 كم شرقى الطرف الجنوبى لبحيرة طبرية، على الحدود بين الأردن وسوريا.
عبر الأردن : الضفة الشرقية للأردن (خريطة 4، 13).
وصل الشعب بقيادة موسى إلى هذه البقعة من الأرض، التى تقع فى الضفة الشرقية للأردن فى أرض موآب، وكان ذلك بعد حربين انتصر فيهما إسرائيل على كل من سيحون ملك الأموريين وعوج ملك باشان. وكان سيحون يسيطر على الجزء الجنوبى شرق نهر الأردن بينما عوج كان يحكم الجزء الشمالى منه. وأخبار هذا الانتصار جاءت فى سفر العدد (ص21) (خريطة 5).
ع5: أرض موآب : القسم الشرقى من البحر الميت وهى جزء من مملكة الأردن حاليًا.
لم يكتفٍ موسى بتكرار الشريعة، بل شرحها وفسرها أيضًا للجيل الجديد الذى كان على وشك الدخول إلى أرض كنعان بعدما هلك الجيل السابق بأكمله فى البرية.
? جيد أن تتذكر أعمال الله السابقة معك حتى تطمئن وتشكره وتتشجع فى جهادك مستندًا على قوته.
(3) دعوة الله لدخول أرض كنعان (ع6-8):
6«اَلرَّبُّ إِلهُنَا كَلمَنَا فِي حُورِيبَ قَائِلاً: كَفَاكُمْ قُعُودٌ فِي هَذَا الجَبَلِ! 7تَحَوَّلُوا وَارْتَحِلُوا وَادْخُلُوا جَبَل الأَمُورِيِّينَ وَكُل مَا يَلِيهِ مِنَ العَرَبَةِ وَالجَبَلِ وَالسَّهْلِ وَالجَنُوبِ وَسَاحِلِ البَحْرِ أَرْضَ الكَنْعَانِيِّ وَلُبْنَانَ إِلى النَّهْرِ الكَبِيرِ نَهْرِ الفُرَاتِ. 8اُنْظُرْ قَدْ جَعَلتُ أَمَامَكُمُ الأَرْضَ. ادْخُلُوا وَتَمَلكُوا الأَرْضَ التِي أَقْسَمَ الرَّبُّ لآِبَائِكُمْ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَهَا لهُمْ وَلِنَسْلِهِمْ مِنْ بَعْدِهِمْ.
ع6: وصل بنو إسرائيل إلى جبل حوريب فى اليوم الأول من الشهر الثالث فى السنة الأولى لخروجهم من مصر، وظلوا فيها مدة عام تقريبًا استلموا خلالها الوصايا والشريعة وعملوا خيمة الاجتماع كما أمرهم الله، ولكنهم رفضوا دخول أرض الميعاد بعد ذلك، فأتاههم فى برية سيناء 40 سنة.
ع7، 8: جبـل الأمـوريين : وهو جنوب فلسطين وكان للأموريين فيه خمسة ملوك
(يش10: 5).
العربة : المنحدر الكبير الذى يجرى فيه نهر الأردن.
الجبل والسهل والجنوب : السهل هو الأراضى المنخفضة المجاورة للبحر المتوسط والممتدة من شمال فلسطين إلى جنوبها، والجبل هو المرتفعات الوسطى والجنوب هو منطقة النَقَب الممتدة من جنوب فلسطين إلى حدود مصر.
ساحل البحر : المناطق الساحلية على البحر المتوسط.
أرض كنعان : يقصد بها كل بلاد فلسطين وما حولها والتى تسكنها الشعوب الكنعانية.
لبنان إلى النهر الكبير نهر الفرات : يقصد لبنان الحالية والتى تمتد على ساحل البحر المتوسط ثم الأراضى الممتدة شرقها حتى نهر الفرات.
طلب منهم الرب أن يرتحلوا ويدخلوا إلى جبل الأموريين جنوب فلسطين ويتجهوا شمالاً إلى النهر الكبير أى نهر الفرات؛ وهى الأرض الموعود بها للآباء إبراهيم وإسحق ويعقوب، فقد كان الرب مشتاقًا أن يسرع للوفاء بوعده بتمليكهم الأرض.
? عدم الإيمان بوعود الله يجعلنا نبعد عن وصاياه فنتوه فى هذا العالم ونتعرض للضياع فى الخطايا والتشتت فى أفكار دنيوية تبعدنا عن طريق الحياة الذى رسمه لنا الله كما قال “أنا هو الطريق والحق والحياة”، وبهذا نسلك فى متاهات تبعدنا عن الملكوت الذى وعد به الرب لمن يطيعون وصاياه.
(4) تعيين الشيوخ المساعدين لموسى (ع9-18):
9وَكَلمْتُكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ قَائِلاً: لا أَقْدِرُ وَحْدِي أَنْ أَحْمِلكُمْ. 10اَلرَّبُّ إِلهُكُمْ قَدْ كَثَّرَكُمْ. وَهُوَذَا أَنْتُمُ اليَوْمَ كَنُجُومِ السَّمَاءِ فِي الكَثْرَةِ. 11الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكُمْ يَزِيدُ عَليْكُمْ مِثْلكُمْ أَلفَ مَرَّةٍ وَيُبَارِكُكُمْ كَمَا كَلمَكُمْ. 12كَيْفَ أَحْمِلُ وَحْدِي ثِقْلكُمْ وَحِمْلكُمْ وَخُصُومَتَكُمْ؟ 13هَاتُوا مِنْ أَسْبَاطِكُمْ رِجَالاً حُكَمَاءَ وَعُقَلاءَ وَمَعْرُوفِينَ فَأَجْعَلُهُمْ رُؤُوسَكُمْ. 14فَأَجَبْتُمُونِي: حَسَنٌ الأَمْرُ الذِي تَكَلمْتَ بِهِ أَنْ يُعْمَل. 15فَأَخَذْتُ رُؤُوسَ أَسْبَاطِكُمْ رِجَالاً حُكَمَاءَ وَمَعْرُوفِينَ وَجَعَلتُهُمْ رُؤُوساً عَليْكُمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ وَعُرَفَاءَ لأَسْبَاطِكُمْ. 16وَأَمَرْتُ قُضَاتَكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ قَائِلاً: اسْمَعُوا بَيْنَ إِخْوَتِكُمْ وَاقْضُوا بِالحَقِّ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَأَخِيهِ وَنَزِيلِهِ. 17لا تَنْظُرُوا إِلى الوُجُوهِ فِي القَضَاءِ. لِلصَّغِيرِ كَالكَبِيرِ تَسْمَعُونَ. لا تَهَابُوا وَجْهَ إِنْسَانٍ لأَنَّ القَضَاءَ لِلهِ. وَالأَمْرُ الذِي يَعْسُرُ عَليْكُمْ تُقَدِّمُونَهُ إِليَّ لأَسْمَعَهُ. 18وَأَمَرْتُكُمْ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ بِكُلِّ الأُمُورِ التِي تَعْمَلُونَهَا.
ع9: قبل متابعة أحداث القصة الرئيسية المذكور بدايتها فى (ع6-8) والتى تحكى ما حدث عندما طلب منهم الرب دخول أرض الموعد وتملكها، ينتقل موسى إلى حدث آخر تم أيضًا فى حوريب وهو تعيين عدد من القضاة ليفصلوا فى قضايا الشعب (خر18: 13-27)، فقد كان من الصعب جدًا على موسى وحده أن يقضى ويحل مشاكل 2 مليون نفس.
ع10-11: وكما كلمكم : وعد آباءكم.
ازداد عدد أفراد الشعب كثيرًا – كما سبق ووعد الله إبراهيم بذلك – وازدادت بالتالى المشاكل التى لابد أن تقوم بين أفراد وجماعات بهذه الكثرة، وهذا أمر طبيعى مع زيادة الأعداد؛ ويباركهم موسى ويطلب من الله أن يزيد أعدادهم أكثر وأكثر.
ع12-14: قرَّر موسى الأخذ بمشورة حميه “يثرون” (القصة المذكورة فى خر18: 13-27)، فأقام عدد من الرجال الحكماء ليساعدوه فى الفصل فى المنازعات، وقد رحَّب الشعب بذلك.
ع15، 16: عرفاء : أشخاص عارفين كلام الله ليقضوا به بين إخوتهم، وغالبًا كانوا كمستشارين يقضون لكل الأسباط أى عموميين وليسوا لمجموعة محددة وهم متميزون فى الفهم والمعرفة، وقد يكون الكثير منهم من العرفاء الذين كانوا يقودون شعب إسرائيل فى مصر لجمع الطوب وبناء المدن التى سخرهم فى بنائها المصريون (خر5: 6).
اسمعوا : اهتموا بسماع شكاوى الشعب ومشاكله لتقضوا فيها وتحلوها لهم.
قسم موسى الشعب إلى مجاميع صغيرة أى عشرات وأقام لكل منها قاضيًا، ثم كل بضعة مجاميع أقام لها قاضيًا أكبر، وهكذا حتى أقام قاضيًا يحكم للآلاف منهم. وأقام أيضًا مستشارين عموميين سماهم عرفاء وزودهم بنصائح كثيرة لعملهم هذا وأمرهم أن يتمسكوا بالحق فى أحكامهم بدون أى غرض سواء بين اليهود وبعضهم أو بينهم وبين الأجانب الساكنين فى وسطهم.
ويلاحظ أن الله لم يختَرهم من الأغنياء أو ذوى المراكز، بل اختارهم لأجل حكمتهم وتمييزهم وفهمهم واهتمامهم بكلامه ليعلموا به الشعب.
ع17، 18: لأن القضاء لله : أنتم قضاة من قبل الله لتحكموا بكلامه فينبغى أن تكونوا عادلين مثله.
كانت تلك التوصيات هى عدم المحاباة فى الحكم وألا يخشوا فى حكمهم إنسانًا مهما كانت مكانته، على أن يحيلوا إليه كل ما يصعب عليهم الحكم فيه.
? ليتنا لا نحتقر النصائح المقدمة لنا من آخرين حتى لو كانوا أقل مكانة منا، كما قبل موسى القائد مشورة حميه الوثنى، ولا نزدرى بها ونقبل الصالح منها بروح الاتضاع فنستفيد من مشورة الآخرين.
(5) إرسال جواسيس لاستطلاع الأرض (ع19-25):
19«ثُمَّ ارْتَحَلنَا مِنْ حُورِيبَ وَسَلكْنَا كُل ذَلِكَ القَفْرِ العَظِيمِ المَخُوفِ الذِي رَأَيْتُمْ فِي طَرِيقِ جَبَلِ الأَمُورِيِّينَ كَمَا أَمَرَنَا الرَّبُّ إِلهُنَا. وَجِئْنَا إِلى قَادِشَ بَرْنِيعَ. 20فَقُلتُ لكُمْ: قَدْ جِئْتُمْ إِلى جَبَلِ الأَمُورِيِّينَ الذِي أَعْطَانَا الرَّبُّ إِلهُنَا. 21اُنْظُرْ. قَدْ جَعَل الرَّبُّ إِلهُكَ الأَرْضَ أَمَامَكَ. اصْعَدْ تَمَلكْ كَمَا كَلمَكَ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكَ! لا تَخَفْ وَلا تَرْتَعِبْ! 22فَتَقَدَّمْتُمْ إِليَّ جَمِيعُكُمْ وَقُلتُمْ: دَعْنَا نُرْسِل رِجَالاً قُدَّامَنَا لِيَتَجَسَّسُوا لنَا الأَرْضَ وَيَرُدُّوا إِليْنَا خَبَراً عَنِ الطَّرِيقِ التِي نَصْعَدُ فِيهَا وَالمُدُنِ التِي نَأْتِي إِليْهَا. 23فَحَسُنَ الكَلامُ لدَيَّ فَأَخَذْتُ مِنْكُمُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً. رَجُلاً وَاحِداً مِنْ كُلِّ سِبْطٍ. 24فَانْصَرَفُوا وَصَعِدُوا إِلى الجَبَلِ وَأَتُوا إِلى وَادِي أَشْكُول وَتَجَسَّسُوهُ 25وَأَخَذُوا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ أَثْمَارِ الأَرْضِ وَنَزَلُوا بِهِ إِليْنَا وَرَدُّوا لنَا خَبَراً وَقَالُوا: جَيِّدَةٌ هِيَ الأَرْضُ التِي أَعْطَانَا الرَّبُّ إِلهُنَا.
ع19: القفر العظيم : المناطق الشمالية من برية سيناء، وهى وعرة ومتسعة والمرور فيها خطر بسبب كونها قاحلة وبها وحوش، بالإضافة للشعوب الشريرة الساكنة والمحيطة به، ولكن الله برعايته حفظهم فيه.
جبل الأموريين: من أهم معالم الطريق فى هذا القفر وقد أشرنا إليه فى (ع7) (خريطة1).
يستأنف موسى القصة الرئيسية فى هذا الأصحاح، فيمكن قراءة الأعداد الحالية مباشرة بعد (ع6-8) لنفهم تواصل القصة.
ارتحل الشعب من حوريب كما أمر الرب وجاءوا إلى قادش برنيع (خريطة 1، 12).
ع20: هنا أفهمهم موسى أنهم بذلك يكونون قد وصلوا إلى جبل الأموريين الذى وعدهم الرب أن يكون أول الطريق نحو تملكهم الأرض وبالتالى فهو البوابة المؤدية إلى بقية الأرض الموعود بها.
ع21: يطمئنهم موسى أنه لا داعٍ للخوف أو الرعب من مواجهة سكان الأرض لأن الرب هو الذى أمرهم بالصعود وتملك الأرض.
ع22: لم ينفذ الشعب أمر الله مباشرة بالصعود وتملك الأرض، ولكنهم رأوا أن يبعثوا بفرقة استطلاع ليتجسَّسوا الأرض قبل أن يدخلوها محاربين. وربما كان ذلك فكرًا عسكريًا صائبًا يتم حتى فى عالمنا الحاضر، ولكن الدافع من إرسال الجواسيس كان خوفهم من المجهول فى الأرض الجديدة وذلك لضعف إيمانهم بالله وعدم طاعتهم لـه، ولما طلبوا من موسى إرسال جواسيس، كلم الله، فوافق الله ليس لأن هذا هو التصرف الحسن ولكن لطول أناته على الشعب (عد13: 1، 2). وللأسف عندما عاد الجواسيس أعلن عشرة منهم قوة الأعداء واستحالة التغلب عليهم، فخاف الشعب وانساق وراءهم ورفضوا تشجيع يشوع بن نون وكالب بن يفنة الجاسوسين اللذين أظهرا بركة الله وخيراته فى الأرض وقوته القادرة أن تساند الشعب. ولما تذمر الشعب على الله، غضب عليهم ولم يدخلهم أرض الميعاد وأتاههم فى البرية حتى مات كل المتذمرين ودخل أبناؤهم فقط أرض الميعاد.
ع23: لذلك وافقهم موسى فى ذلك وقام بإرسال الفريق باختيار رجل واحد من كل سبط.
ع24: وادى اشكول : وادى بالقرب من حبرون إلى الشمال وهو مازال إلى اليوم مشهور بكرومه وهو وادى حبرون أو وادى ممرا (خريطة 2).
صعدوا إلى جبل الأموريين ووصلوا إلى وادى أشكول وقد ذكر سفر العدد تفاصيل الأماكن التى مرّ بها الجواسيس واستغرقت رحلتهم أربعين يومًا (عد13: 21-25).
ع25: أخذوا عينات من ثمر الأرض وخيراتها الوفيرة ثم رجعوا إلى أسباطهم قائلين أن الأرض جيدة ومثمرة.
? إذا انزعجت من أى شئ، لا تثير من حولك ولا تخضع لأفكار التشكك والتوتر بل التجئ إلى الله فى صلاة واطلب إرشاد أب اعترافك حتى تهدأ ويرشدك الله إلى الحل السليم وترشد من حولك فتكون سبب بركة للآخرين وليس انزعاجًا.
(6) رفضهم دخول أرض الميعاد (ع26-33):
26«لكِنَّكُمْ لمْ تَشَاءُوا أَنْ تَصْعَدُوا وَعَصَيْتُمْ قَوْل الرَّبِّ إِلهِكُمْ 27وَتَمَرْمَرْتُمْ فِي خِيَامِكُمْ وَقُلتُمُ: الرَّبُّ بِسَبَبِ بُغْضَتِهِ لنَا قَدْ أَخْرَجَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ لِيَدْفَعَنَا إِلى أَيْدِي الأَمُورِيِّينَ لِيُهْلِكَنَا. 28إِلى أَيْنَ نَحْنُ صَاعِدُونَ؟ قَدْ أَذَابَ إِخْوَتُنَا قُلُوبَنَا قَائِلِينَ: شَعْبٌ أَعْظَمُ وَأَطْوَلُ مِنَّا. مُدُنٌ عَظِيمَةٌ مُحَصَّنَةٌ إِلى السَّمَاءِ وَأَيْضاً قَدْ رَأَيْنَا بَنِي عَنَاقَ هُنَاكَ. 29فَقُلتُ لكُمْ: لا تَرْهَبُوا وَلا تَخَافُوا مِنْهُمُ! 30الرَّبُّ إِلهُكُمُ السَّائِرُ أَمَامَكُمْ هُوَ يُحَارِبُ عَنْكُمْ حَسَبَ كُلِّ مَا فَعَل مَعَكُمْ فِي مِصْرَ أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ 31وَفِي البَرِّيَّةِ حَيْثُ رَأَيْتَ كَيْفَ حَمَلكَ الرَّبُّ إِلهُكَ كَمَا يَحْمِلُ الإِنْسَانُ ابْنَهُ فِي كُلِّ الطَّرِيقِ التِي سَلكْتُمُوهَا حَتَّى جِئْتُمْ إِلى هَذَا المَكَانِ. 32وَلكِنْ فِي هَذَا الأَمْرِ لسْتُمْ وَاثِقِينَ بِالرَّبِّ إِلهِكُمُ 33السَّائِرِ أَمَامَكُمْ فِي الطَّرِيقِ لِيَلتَمِسَ لكُمْ مَكَاناً لِنُزُولِكُمْ فِي نَارٍ ليْلاً لِيُرِيَكُمُ الطَّرِيقَ التِي تَسِيرُونَ فِيهَا وَفِي سَحَابٍ نَهَاراً.
ع26: رغم ما أتى به الجواسيس من تأكيد لصحة وعود الرب من أن الأرض جيدة “تفيـض لبنـًا وعسلاً”، إلا أن ضعف إيمان الشعب جعلهم لا يثقون فى دعوة الرب لهم بدخول الأرض بل على العكس فكروا فى إقامة رئيس لهم خلاف موسى للعودة إلى مصر (عد14: 1-4).
ع27، 28: بنى عناق : ذرية عناق وهو رجل كنعانى، وكانوا يوصفون بالجبابرة لطول قامتهم وشدة بأسهم فى الحروب، ويضرب بهم المثل فى الكثرة والضخامة. وسكنوا فى جنوب فلسطين بين القدس والخليل.
عندما سمعوا قول الجواسيس أن شعب الأرض قوى جدًا والمدن محصنة تمامًا ضد أى غزو خارجى وأن بنى عناق يسكنون هناك، خافوا جدًا.
ع29: طمأنهم موسى، إذ هو واثق بالرب، وقد نبههم من قبل ألا يخافوا أو يرهبوا من سكان الأرض.
ع30: ذكَّرهم موسى بكل الأعمال التى عملها الرب معهم وكانوا شهود عيان لها منذ كانوا فى مصر، وأنه هو الذى قادهم فى البرية بعمود السحاب وعمود النار وهو الذى سيدخلهم أرض كنعان بقوته العظيمة.
ع31: ذكَّرهم موسى أيضًا برعاية الله لهم فى برية سيناء، وكيف أطعمهم بالمن وسقاهم من الصخرة وحفظ ثيابهم ونعالهم ومرّوا بسلام فى الطريق حتى أوصلهم إلى مشارف أرض الميعاد. وشبَّه رعاية الله لهم برجل يحمل طفله بين يديه ويعتنى بكل احتياجاته فلا يعوزه شئ.
ع32، 33: عاتبهم موسى على عدم إيمانهم بقوة الله التى قادتهم فى برية سيناء بعمود السحاب نهارًا وعمود النار ليلاً، وكيف أنه اختار لهم محطات الاستقرار المناسبة، والآن أعدَّ لهم أرض كنعان المملوءة بالخيرات، وبقوته يستطيع أن يدخلهم فيها، فلماذا يخافون ؟!
? قد يتراءى لنا خلال مسيرتنا فى الحياة أن طريق الملكوت طريق صعب، فهو طريق حرب مستمرة ضد عدو الخير مما يتطلب منا جهادًا روحيًا ويقظة دائمة، فنخاف ونخشى السلوك فى هذا الطريق الصعب وننسى أن الله هو المدافع عنا وأن الحروب هى حروب الرب. فليكن لنا الثقة الكاملة فى غلبة الله للعالم كما أكد لنا السيد المسيح قائلاً “ثقوا أنا قد غلبت العالم”.
(7) عقاب الله لهم لرفضهم دخول أرض الميعاد (ع34-40):
34وَسَمِعَ الرَّبُّ صَوْتَ كَلامِكُمْ فَسَخِطَ وَأَقْسَمَ قَائِلاً: 35لنْ يَرَى إِنْسَانٌ مِنْ هَؤُلاءِ النَّاسِ مِنْ هَذَا الجِيلِ الشِّرِّيرِ الأَرْضَ الجَيِّدَةَ التِي أَقْسَمْتُ أَنْ أُعْطِيَهَا لآِبَائِكُمْ 36مَا عَدَا كَالِبَ بْنَ يَفُنَّةَ. هُوَ يَرَاهَا وَلهُ أُعْطِي الأَرْضَ التِي وَطِئَهَا وَلِبَنِيهِ لأَنَّهُ قَدِ اتَّبَعَ الرَّبَّ تَمَاماً. 37وَعَليَّ أَيْضاً غَضِبَ الرَّبُّ بِسَبَبِكُمْ قَائِلاً: وَأَنْتَ أَيْضاً لا تَدْخُلُ إِلى هُنَاكَ. 38يَشُوعُ بْنُ نُونَ الوَاقِفُ أَمَامَكَ هُوَ يَدْخُلُ إِلى هُنَاكَ. شَدِّدْهُ لأَنَّهُ هُوَ يَقْسِمُهَا لِإِسْرَائِيل. 39وَأَمَّا أَطْفَالُكُمُ الذِينَ قُلتُمْ يَكُونُونَ غَنِيمَةً وَبَنُوكُمُ الذِينَ لمْ يَعْرِفُوا اليَوْمَ الخَيْرَ وَالشَّرَّ فَهُمْ يَدْخُلُونَ إِلى هُنَاكَ وَلهُمْ أُعْطِيهَا وَهُمْ يَمْلِكُونَهَا. 40وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَحَوَّلُوا وَارْتَحِلُوا إِلى البَرِّيَّةِ عَلى طَرِيقِ بَحْرِ سُوفٍَ.
ع34: سلوك الشعب فى هذا الموقف جلب عليهم غضب الرب فأنزل العقاب اللائق لهذا العصيان.
ع35، 36: عندما رأى الله تذمر الشعب ومحاولتهم الرجوع إلى مصر، أعلن حرمانهم جميعًا من دخول أرض الميعاد، عدا الاثنين اللذين آمنا به وشجعا الشعب. ويذكر أحدهما هنا وهو كالب بن يفنة، وأنه سيمتلك الأرض التى داسها بأقدامه، أى يأخذ نصيبه من أرض كنعان. ولم يذكر فى هذه الآية “يشوع” زميله بل سيذكره فى (ع38) لأنه لن يدخل فقط أرض الميعاد بل سيقود الشعب كله خلفًا لموسى.
ع37: بسببكم : بسبب كثرة تذمركم اندفعت وضربت الصخرة مرتين وأخطأت إلى الله.
باتضاع، يظهر موسى ضعفه فى ضرب الصخرة مرتين فى مريبة (عد20: 10-12) مخالفًا لأمر الله، إذ أنه توتر بسبب تذمرات بنى إسرائيل المتكررة فضرب الصخرة مرتين بدلاً من مرة، ولذلك حرمه الله من دخول أرض الميعاد بسبب ضعف إيمانه، ولكن هذا لم يقلّل من عظمة موسى الذى تعتبره الكنيسة رئيس الأنبياء وهو أعظم شخصية فى نظر اليهود. وكل هذا يؤكد خطورة التذمر الذى سقط فيه بنو إسرائيل وعدم طاعتهم لله.
ع38: الواقف أمامك : تلميذك الذى يعاونك.
شدِّده : وضع موسى يديه على يشوع وشجعه وأعطاه نصائح، وصنع كل هذا أمام الشعب إعلانًا منه أنه خليفته ليهابوه ويخضعوا له (عد27: 20، 22، 23، تث31: 7، 8).
أمر الله موسى أن يعضد يشوع ويعلن أمام الشعب أنه خليفته ليقود بنى إسرائيل بعده ويدخلهم أرض الميعاد.
ع39: سوف يتمم الله وعده فى الجيل التالى، الذين كانوا أطفالاً فى ذلك الوقت أى عمرهم أقل من عشرين عامًا، وكان الآباء يخشون عليهم من الوقوع فى الأسر أو أن يقتلوا فى المعارك مع بنى عناق. فيعد الرب بأن يرث هؤلاء الأبناء أرض الموعد لأنهم أبرياء من عصيان آبائهم، فصغر سنهم فى ذلك الحين لا يسمح لهم بمعرفة الخير والشر.
ع40: إذ غضب الله على الشعب، أبعدهم عن أرض الميعاد وحوَّلهم إلى برية سيناء فى اتجاه البحر الأحمر ليتوهوا فى هذه البرية نحو 40 عامًا، يموت أثناءها كل الكبار الذين تذمروا، ثم يعود بأبنائهم إلى مشارف أرض الميعاد حيث يكلمهم موسى الآن قبل موته وقبل دخولهم أرض الميعاد مباشرة.
? لا تستهن بطول أناة الله فتتذمر على حياتك وترفض تنفيذ وصاياه لأنه عادل وقادر أن يحرمك من بركات كثيرة تتمتع بها الآن. فإن سقطت فى التذمر، إرجع سريعًا إليه بالتوبة واشكره على عطاياه لأنه أب حنون يريد أن يسامحك على كل خطاياك.
(8) انكسار إسرائيل أمام شعوب الأرض (ع41-46):
41«فَأَجَبْتُمْ: قَدْ أَخْطَأْنَا إِلى الرَّبِّ. نَحْنُ نَصْعَدُ وَنُحَارِبُ حَسَبَ كُلِّ مَا أَمَرَنَا الرَّبُّ إِلهُنَا. وَتَنَطَّقْتُمْ كُلُّ وَاحِدٍ بِعُدَّةِ حَرْبِهِ وَاسْتَخْفَفْتُمُ الصُّعُودَ إِلى الجَبَلِ. 42فَقَال الرَّبُّ لِي: قُل لهُمْ لا تَصْعَدُوا وَلا تُحَارِبُوا لأَنِّي لسْتُ فِي وَسَطِكُمْ لِئَلا تَنْكَسِرُوا أَمَامَ أَعْدَائِكُمْ. 43فَكَلمْتُكُمْ وَلمْ تَسْمَعُوا بَل عَصَيْتُمْ قَوْل الرَّبِّ وَطَغَيْتُمْ وَصَعِدْتُمْ إِلى الجَبَلِ. 44فَخَرَجَ الأَمُورِيُّونَ السَّاكِنُونَ فِي ذَلِكَ الجَبَلِ لِلِقَائِكُمْ وَطَرَدُوكُمْ كَمَا يَفْعَلُ النَّحْلُ وَكَسَرُوكُمْ فِي سَعِيرَ إِلى حُرْمَةَ. 45فَرَجَعْتُمْ وَبَكَيْتُمْ أَمَامَ الرَّبِّ وَلمْ يَسْمَعِ الرَّبُّ لِصَوْتِكُمْ وَلا أَصْغَى إِليْكُمْ. 46وَقَعَدْتُمْ فِي قَادِشَ أَيَّاماً كَثِيرَةً كَالأَيَّامِ التِي قَعَدْتُمْ فِيهَا».
ع41: أدرك بنو إسرائيل خطأهم نحو الله عندما أعلن غضبه عليهم بحرمانهم من دخول أرض الميعاد، ولكنهم لم يتوبوا بل اندفعوا ليدخلوا أرض الميعاد دون أن يصلوا ويطلبوا معونة الله، بل شعروا بقوتهم بعدما تسلحوا بلبس أحزمة وأسلحة الحرب واستهانوا بصعود الجبل والهجوم على الأعداء واثقين من قوتهم الشخصية وليس الله.
ع42: عندما رأى الله اندفاعهم لمحاربة الأعداء اعتمادًا على قوتهم، أشفق عليهم بأبوته فحذرهم من دخول أرض الميعاد فهذا ليس طاعة لأوامره بل اندفاعًا وكبرياءً منهم. ونبههم إلى أنه لن يكون معهم وبالتالى سينهزموا أمام الأعداء.
ع43: طغيتم : تكبرتم وتوقحتم.
ذكَّرهم الله أنهم لم يطيعوه، بل بكبرياء وثقوا فى قوتهم واندفعوا نحو الجبال التى فى جنوب فلسطين ليصعدوها ويحاربوا الأعداء ويمتلكوا أرضهم.
(خريطة 13)
ع44، 45: حرمة : على حدود أدوم قرب صقلغ.
أرض سعير : أرض كان يسكنها الحوريون (تك14: 6) ثم استولى عليها عيسو ونسله (تك32: 3) وكانت تسـمى أيضًا جبل سـعير، وتقع أرض سعير جنوب البحر الميت (خريطة 13).
ذكَّرهم الله بأنهم عندما عصوه وهجموا على الأموريين قاموا عليهم وطردوهم من بلادهم، كما يطرد النحل كل من يهجم على بيوته، وأخذوا يطاردونهم حتى حرمة وهى بلد تقع على حدود بلاد أدوم جنوب فلسطين. ولما رجع بنو إسرائيل بحزن شديد بعد قتل الكثيرين منهم، لم يسمع الله لصراخهم لأنهم لم يتوبوا.
ع46: ظل بنو إسرائيل فى قادش وقلوبهم مملوءة بالحزن على انكسارهم أمام الأعداء وذلك لمدة أيام كثيرة يظن البعض أنها أربعون يومًا، كالمدة التى قضوها فى قادش انتظارًا لرجوع الجواسيس من مهمتهم فى تجسس أرض الميعاد. وبعد ذلك ارتحلوا فى البرية مدة حوالى 38 سنة فى تيه حتى مات كل الشعب المتذمر ثم عادوا ثانية إلى قادش ليدخل الأبناء أرض الميعاد.
? كثيراً ما يهيئ لنا عدو الخير أن حكمتنا الأرضية أفضل من المشورة الإلهية، فنتخذ قرارات ونسلك فى طرق لا تتفق مع ما رسمه الله لنا، وبعد الدخول فى التجربة يتبين لنا خطأ اختياراتنا وما سببته لنا من متاعب. فلنضع مشيئة الله دائمًا أمام أعيننا ونترك له القيادة ليسيّر حياتنا وفق إرادته الخيّرة