العمــل بالوصيــة
(1) حفظ الوصية وترديدها (ع1-9): «وَهَذِهِ هِيَ الوَصَايَا وَالفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ التِي أَمَرَ الرَّبُّ إِلهُكُمْ أَنْ أُعَلِّمَكُمْ لِتَعْمَلُوهَا فِي الأَرْضِ التِي أَنْتُمْ عَابِرُونَ إِليْهَا لِتَمْتَلِكُوهَا 2لِتَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَحْفَظَ جَمِيعَ فَرَائِضِهِ وَوَصَايَاهُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنُ ابْنِكَ كُل أَيَّامِ حَيَاتِكَ وَلِتَطُول أَيَّامُكَ. 3فَاسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ وَاحْتَرِزْ لِتَعْمَل لِيَكُونَ لكَ خَيْرٌ وَتَكْثُرَ جِدّاً كَمَا كَلمَكَ الرَّبُّ إِلهُ آبَائِكَ فِي أَرْضٍ تَفِيضُ لبَناً وَعَسَلاً. 4«إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ: الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. 5فَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ مِنْ كُلِّ قَلبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُوَّتِكَ. 6وَلتَكُنْ هَذِهِ الكَلِمَاتُ التِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا اليَوْمَ عَلى قَلبِكَ 7وَقُصَّهَا عَلى أَوْلادِكَ وَتَكَلمْ بِهَا حِينَ تَجْلِسُ فِي بَيْتِكَ وَحِينَ تَمْشِي فِي الطَّرِيقِ وَحِينَ تَنَامُ وَحِينَ تَقُومُ 8وَارْبُطْهَا عَلامَةً عَلى يَدِكَ وَلتَكُنْ عَصَائِبَ بَيْنَ عَيْنَيْكَ 9وَاكْتُبْهَا عَلى قَوَائِمِ أَبْوَابِ بَيْتِكَ وَعَلى أَبْوَابِكَ.
ع1: قبل أن يذكر موسى وصايا الله وشرائعه للشعب، نبِّههم أن الغرض من كلامه أن يعملوا بها بعد دخولهم إلى أرض كنعان.
ع2: تنفيذ كلام الله هو الدليل على تقواهم، ويذكرهم بأهمية العمل بهذه الوصايا ليس فقط فى جيلهم بل فى كل الأجيال المقبلة حتى يتمتعوا بالسكنى والاستقرار فى أرض الميعاد.
ع3: أرض تفيض لبنًا وعسلاً : تعبير شائع بين الشعوب فى تلك الحقبة الزمنية عن خصوبة وجودة الأرض، وهو ما كانت تتمتع به أرض الموعد وخاصة فى الجزء الشمالى منها.
يبشرهم أنهم إن نفّذوا وصايا الله بتدقيق، سينالوا خيرات كثيرة ويبارك الله عددهم فيزيدوا ويملأوا أرض الميعاد.
ع4: قبل أن يعلن الوصايا، يذكرهم بأن الله واحد لا شريك لـه من الآلهة الوثنية لذا فكلامه التالى فى غاية الأهمية. وهذا يبيّن نداء اليهودية بوحدانية الله بين شعوب العالم التى تؤمن بتعدد الآلهة. وبالطبع هذا لا يتعارض مع الإيمان بالثالوث القدوس أى صفات الله الأساسية. وهناك إشارات للثالوث فى العهد القديم ويرى البعض إشارة منها فى هذه الآية، إذ يذكر اسم الله ثلاث مرات إذ يقول الرب – إلهنا – رب. ولكن إعلان الثالوث بوضوح كان فى العهد الجديد عند عماد المسيح فى نهر الأردن (مت3: 16، 17).
? إيمانك بوحدانية الله يولّد فيك مخافته واحترام وصاياه والسعى لتنفيذها، كما تشعر أيضًا بالطمأنينة بين يديه لأنه يحبك وليس إله آخر سواه فلا يستطيع أحد أن يؤذيك.
ع5: مادام الله واحد وأحبَّ شعبه ورعاهم بإخراجهم من أرض مصر ورعايتهم فى البرية، فمن الطبيعى أن يحبه شعبه محبة كاملة يفصّلها فى الآتى :
- من القلب : أى المشاعر.
- من النفس : وتشمل كل قدرات الإنسان الروحية أى العقل والوجدان.
- القوة : أى كل إمكانيات الإنسان الجسدية أى الخارجية.
والخلاصة محبة الله بكل طاقة الإنسـان داخلياً وخارجياً. وقد اعتبر المسيح هذه الآية أهم وصية (مت22: 35-39).
ع6: يطالب موسى الشعب أن تكون وصايا الله هى حياتهم وأمام أعينهم كل حين ويرددوها دائماً، ولكن قبل كل شئ يحفظونها فى قلوبهم فتغطى وتحتوى كل مشاعرهم. وإذا حفظوها فى قلوبهم أى داخلهم تظهر بسهولة فى كلامهم وأعمالهم.
ع7: قصها على أولادك : إذ ينشغل قلبك بها، اهتم أن تعلّمها لأولادك فتثبت فى قلبك بترديدك لها ويحيا أولادك فيها، فتشجعهم ويشجعوك على السلوك بها.
تكلم بها حين تجلس فى بيتك : أى تكون الموضوع الأول فى حياتك العائلية، فتردّدها فى مخدعك وفى بيتك مع أسرتك، فترديد كلام الله يثبته فى قلبك فيكون هو انشغالك الأول فى حياتك الداخلية والخاصة.
حين تمشى فى الطريق : إذا ذهبت إلى أعمالك، فلا تهملها بل ترددها فى الطريق وأنت ذاهب إلى أعمالك وارتباطاتك بالآخرين، فتشغل ذهنك فى كل مكان تذهب إليه.
وحين تنام : تكون على لسانك وذهنك حتى وأنت على فراشك لتكون آخر شئ فى فكرك وبالتالى تصير أحلامك أيضاً وعقلك الباطن منشغلاً بها.
وحين تقوم : عند استيقاظك من النوم تبدأ يومك بترديدها فتبدأ بها حياتك اليومية.
ع8: فهم اليهود هذه الوصية حرفيًا، فكتبوا الوصية بخط صغير ووضعوها فى غلاف جلدى وربطوها على أيديهم. ولكن المقصود هو المعنى الروحى أى تلتصق الوصية بكل ما تمتد إليه يديك فتكون أعمالك كلها بحسب وصايا الله.
لتكن عصائب بين عينيك : العصابة هى قطعة من القماش تلف حول الرأس لتكون كعمامة، وفهم اليهود أيضًا هذه الوصية حرفيًا، فكتبوا الوصايا ووضعوها فى غلاف جلدى داخل هذه العصابة التى على الرأس، بل كانوا يجعلون عصائبهم عريضة لتحوى الأوراق المكتوب عليها هذه الوصايا. وقد وبّخ المسيح اهتمامهم بحرفية الوصية ومظهرهم واهمالهم لجوهرها (مت23: 5). والمقصود هو أن تكون الوصية فى فكر الإنسان دائمًا لأن الرأس تمثل العقل.
ع9: قوائم بيتك : أى الأعمدة الرئيسية التى يقوم بها البيت.
طبَّق اليهود هذه الوصية حرفيًا بكتابتها على الأبواب وقوائم البيت والمقصود بالأبواب :
- حواس الإنسان أى المنافذ التى تدخل إليه الأفكار الخارجية فتكون كلمة الله هى المصفاة التى تفرز كل شئ وتنقيه.
- الأبواب هى التى يدخل منها الناس فهى ترمز لعلاقتنا بالآخرين فتكون أساسها أيضًا كلمة الله.
(2) عبادة الله فى أرض كنعان (ع10-19):
10«وَمَتَى أَتَى بِكَ الرَّبُّ إِلهُكَ إِلى الأَرْضِ التِي حَلفَ لآِبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَكَ إِلى مُدُنٍ عَظِيمَةٍ جَيِّدَةٍ لمْ تَبْنِهَا 11وَبُيُوتٍ مَمْلُوءَةٍ كُل خَيْرٍ لمْ تَمْلأْهَا وَآبَارٍ مَحْفُورَةٍ لمْ تَحْفُرْهَا وَكُرُومٍ وَزَيْتُونٍ لمْ تَغْرِسْهَا وَأَكَلتَ وَشَبِعْتَ 12فَاحْتَرِزْ لِئَلا تَنْسَى الرَّبَّ الذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ العُبُودِيَّةِ. 13الرَّبَّ إِلهَكَ تَتَّقِي وَإِيَّاهُ تَعْبُدُ وَبِاسْمِهِ تَحْلِفُ. 14لا تَسِيرُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى مِنْ آلِهَةِ الأُمَمِ التِي حَوْلكُمْ 15لأَنَّ الرَّبَّ إِلهَكُمْ إِلهٌ غَيُورٌ فِي وَسَطِكُمْ لِئَلا يَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ إِلهِكُمْ عَليْكُمْ فَيُبِيدَكُمْ عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ. 16لا تُجَرِّبُوا الرَّبَّ إِلهَكُمْ كَمَا جَرَّبْتُمُوهُ فِي مَسَّةَ. 17احْفَظُوا وَصَايَا الرَّبِّ إِلهِكُمْ وَشَهَادَاتِهِ وَفَرَائِضِهِ التِي أَوْصَاكُمْ بِهَا. 18وَاعْمَلِ الصَّالِحَ وَالحَسَنَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ لِيَكُونَ لكَ خَيْرٌ وَتَدْخُل وَتَمْتَلِكَ الأَرْضَ الجَيِّدَةَ التِي حَلفَ الرَّبُّ لآِبَائِكَ 19أَنْ يَنْفِيَ جَمِيعَ أَعْدَائِكَ مِنْ أَمَامِكَ. كَمَا تَكَلمَ الرَّبُّ.
ع10، 11: يبشرهم الله بأنهم سيمتلكون فى أرض كنعان مدنًا ومبانى وآبار ماء وأراضى مزروعة بأشجار الكروم والزيتون لم يتعبوا فى إنشائها وحفرها وغرسها، فيتمتعوا بها ويشبعوا من خيرات الله.
ع12: يحذرهم الله من الإنشغال بهذه الخيرات عندما يجدوا احتياجاتهم المادية ويستقروا فينسوه، فيذكرهم بمحبته خاصةً عندما كانوا فى ضيقة شديدة بمصر وأخرجهم بقوته حتى لا يتأثروا بعبادة الأوثان أو يتعلقوا بالماديات فيتركونه.
? أشكر الله على عطاياه لك ولكن استخدمها بمقدار، ولا تنغمس فى شهواتك المادية وتعتمد عليها فتضعف علاقتك بالله. فالصوم وكل ما يرتبط به من صلوات وأعمال خير ضرورى لخلاصك.
ع13: طلب الله منهم بعد دخولهم الأرض ثلاثة أمور فى علاقتهم به وهى :
الرب إلهك تتقى : فتخاف الله وتبتعد عن كل خطية أو أى أمر يغضبه.
وإياه تعبد : تقديم العبادة الطقسية من صلوات وذبائح وكل ما نصت عليه الشريعة لتتعلق قلوبهم بمحبته ويتمتعوا ببركاته.
وباسمه تحلف : يكون اسم الله هو الفاصل فى جميع منازعاتهم ومعاملاتهم ليحميهم من القسم بالآلهة الوثنية.
ع14: يؤكد على الاحتراس من عبادة الأوثان التى تعبدها الشعوب الساكنة حولهم فى الأرض الجديدة لأنها كلها باطلة وأعمال شياطين.
ع15: يذكّرهم بمحبته الشديدة لهم كعروس خاصة به يهتم بها ويغار عليها، فإن عبدوا الأوثان، يغضب الرب عليهم ويطردهم من أرض الخيرات التى وهبها لهم وهذا ما حدث فى السبى.
ع16: مسة : مكان بجوار رفيديم عطش فيه الشعب فى برية سيناء.
يحذّرهم إذا تعرضوا لأى ضيقات أن يتشككوا فى قدرة الله الذى يرعاهم أو فى رعايته لهم كما تذمروا عليه فى برية سيناء عندما عطشوا فى مكان يسمى مسة فقالوا فى وسطنا الله أم لا (خر17: 7).
ع17: لذا يطالبهم أن يتمسكوا بوصاياه وشرائعه، فيحيوا مطمئنين بعيدًا عن كل تذمر وخطية.
ع18، 19: بدلاً من التذمر والخطايا، يدعوهم الله إلى صنع الخير وأعمال الرحمة بعضهم مع بعض، فيباركهم الله ويستقروا فى أرض الميعاد التى طرد منها الله سكانها بسبب شرهم.
(3) تعليم الأبناء مخافة الله (ع20-25):
20«إِذَا سَأَلكَ ابْنُكَ غَداً: مَا هِيَ الشَّهَادَاتُ وَالفَرَائِضُ وَالأَحْكَامُ التِي أَوْصَاكُمْ بِهَا الرَّبُّ إِلهُنَا؟ 21تَقُولُ لاِبْنِكَ: كُنَّا عَبِيداً لِفِرْعَوْنَ فِي مِصْرَ فَأَخْرَجَنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ 22وَصَنَعَ الرَّبُّ آيَاتٍ وَعَجَائِبَ عَظِيمَةً وَرَدِيئَةً بِمِصْرَ بِفِرْعَوْنَ وَجَمِيعِ بَيْتِهِ أَمَامَ أَعْيُنِنَا 23وَأَخْرَجَنَا مِنْ هُنَاكَ لِيَأْتِيَ بِنَا وَيُعْطِيَنَا الأَرْضَ التِي حَلفَ لآِبَائِنَا. 24فَأَمَرَنَا الرَّبُّ أَنْ نَعْمَل جَمِيعَ هَذِهِ الفَرَائِضَ وَنَتَّقِيَ الرَّبَّ إِلهَنَا لِيَكُونَ لنَا خَيْرٌ كُل الأَيَّامِ وَيَسْتَبْقِيَنَا كَمَا فِي هَذَا اليَوْمِ. 25وَإِنَّهُ يَكُونُ لنَا بِرٌّ إِذَا حَفِظْنَا جَمِيعَ هَذِهِ الوَصَايَا لِنَعْمَلهَا أَمَامَ الرَّبِّ إِلهِنَا كَمَا أَوْصَانَا».
ع20: بعد استقرارهم فى أرض الميعاد سيلاحظ أبناؤهم ارتباطهم بشرائع تختلف عن باقى الشعوب المحيطة، فيسألون آباءهم عن سبب اختلافهم عن باقى الشعوب.
ع21-23: يلزم أن يفسر الآباء لأبنائهم رعاية الله لهم، بإخراجهم من أرض مصر بيده القوية بواسطة الضربات العشر، ثم قيادتهم فى برية سيناء وبعد ذلك تمليكهم أرض الميعاد المملوءة بالخيرات، لذا يعبدونه ويتمسكون بوصاياه وناموسه لتميزهم عن باقى الشعوب برعاية الله لهم.
? ليتك تهتم بتربية أبنائك تربية روحية وتعلمهم محبة الله ومخافته، وكيف يعبدونه فى الكنيسة ويشكرونه كل حين من أجل أعماله العظيمة معهم ورعايته لهم، فيثبت إيمانك وإيمانهم بالله وسط العالم الشرير.
ع24، 25: من أجل محبة الله ورعايته، يعلم الآباء أبناءهم التمسك بوصاياه وشرائعه، فيكون لهم خير ويحسب لهم الله ذلك برًا ويثبتوا فى أرض الميعاد.
? مما سبق تظهر نعمة الله مع شعبه وفداؤه لهم من مصر بخروف الفصح، ولكن لاستمرار التمتع بنعمة الله وخلاصه، يلزم أن يظهر جهاد الإنسان فى تمسكه بوصايا الله. لذا على قدر إحساسك بنعمة الله تمسك بوصاياه، وقدم توبة كل يوم عن خطاياك وارفض كل ما يؤدى إليها.