العبادة المفرحة
(1) العبادة المقدسة (ع1-7):
1- اِحْفَظْ قَدَمَكَ حِينَ تَذْهَبُ إِلَى بَيْتِ اللهِ، فَالاسْتِمَاعُ أَقْرَبُ مِنْ تَقْدِيمِ ذَبِيحَةِ الْجُهَّالِ، لأَنَّهُمْ لاَ يُبَالُونَ بِفَعْلِ الشَّرِّ. 2- لاَ تَسْتَعْجِلْ فَمَكَ وَلاَ يُسْرِعْ قَلْبُكَ إِلَى نُطْقِ كَلاَمٍ قُدَّامَ اللهِ، لأَنَّ اللهَ فِي السَّمَاوَاتِ وَأَنْتَ عَلَى الأَرْضِ، فَلِذلِكَ لِتَكُنْ كَلِمَاتُكَ قَلِيلَةً. 3- لأَنَّ الْحُلْمَ يَأْتِي مِنْ كَثْرَةِ الشُّغْلِ، وَقَوْلَ الْجَهْلِ مِنْ كَثْرَةِ الْكَلاَمِ. 4- إِذَا نَذَرْتَ نَذْرًا للهِ فَلاَ تَتَأَخَّرْ عَنِ الْوَفَاءِ بِهِ، لأَنَّهُ لاَ يُسَرُّ بِالْجُهَّالِ. فَأَوْفِ بِمَا نَذَرْتَهُ. 5- أَنْ لاَ تَنْذُرُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَنْذُرَ وَلاَ تَفِيَ. 6- لاَ تَدَعْ فَمَكَ يَجْعَلُ جَسَدَكَ يُخْطِئُ، وَلاَ تَقُلْ قُدَّامَ الْمَلاَكِ: «إِنَّهُ سَهْوٌ». لِمَاذَا يَغْضَبُ اللهُ عَلَى قَوْلِكَ، وَيُفْسِدُ عَمَلَ يَدَيْكَ؟ 7- لأَنَّ ذلِكَ مِنْ كَثْرَةِ الأَحْلاَمِ وَالأَبَاطِيلِ وَكَثْرَةِ الْكَلاَمِ. وَلكِنِ اخْشَ اللهَ.
ع1: بعد أن أظهر سليمان بطلان العالم وكل ما فيه فى الأصحاحات الأربعة الأولى من سفر الجامعة، يقدم هنا الحل فى هذا الأصحاح، وهو الاقتراب إلى الله وعبادته المقدسة. ويتكلم بالتفصيل عن هذه العبادة، فيعلن فى هذه الآية أهمية النقاوة عند الدخول إلى بيت الله. فيطلب من كل مؤمن بالله أن يحفظ قدمه عند الذهاب إلى بيت الله. وحفظ القدم معناه الابتعاد عن الشر، ونقاوة القلب والفكر من الخطايا، حتى يكون القلب كله لله، مشتاقا إلى الوجود بين يديه وعبادته، أى أن يفكر الإنسان أفكاراً صالحة، ويشتاق قلبه إلى تمنيات مستقيمة، ويحفظ حواسه فى طريق الله، أى يكون الإنسان كله بأفكاره ومشاعره، وحواسه، وأعماله سالكاً فى الطريق المستقيم.
هذه النقاوة تساعد الإنسان على طاعة وصايا الله. والمقصود بالاستماع ليس فقط سماع الأذن، بل أيضا خضوع القلب وطاعة الوصية.
ويعلن سليمان أن طاعة وصايا الله أفضل من تقديم الذبائح التى يقدمها الأشرار، فهم يقدمون ذبيحة، ويتممونها بشكل ظاهرى حرفى، ولكن قلوبهم مملوءة شرا، ويساعدهم على التمسك بالشر أنهم لا يبالون بفعل الشر، بل يستبيحونه، ويبررونه. والله لا يقبل هذه الذبائح المقدمة من أناس أشرار مصرين على الشر، بل أفضل من كل هذا أن يطيع الإنسان وصايا الله، وحينئذ يستطيع أن يقدم ذبائح ترضى الله، لأنها من قلب نقى.
والخلاصة، أن الإنسان الذى يحفظ قدمه بالسلوك فى النقاوة، يستطيع أن يطيع وصايا الله، ويقدم بقلب نقى ذبائح طاهرة.
ع2: فى طريق العبادة المقدسة ينبغى ألا نندفع فى كلمات الصلاة، لأن مشاعر الخشوع والاتضاع أمام الله يناسبها التكلم بهدوء، فيستطيع الإنسان أن يتفهم ما يقوله لله.
كلما شعر الإنسان بعظمة الله وضعفه ينسحق أمام الله “الله فى السموات وأنت على الأرض” ويفكر فى كل كلمة يقولها، وهذا بالطبع سيجعل كلمات المصلى أقل مما يقوله لو كان متعجلا، وذهنه طائش فى أفكار غريبة عن الصلاة، وقلبه لا يشعر بما يقول، لأن الصلاة الحقيقية هى مشاعر تظهر فى كلمات، فيرتفع الفكر والقلب إلى الله، وتظهر نعمة الله التى تساند الإنسان فيما يقوله. بل أيضا كلما ازداد اتضاع الإنسان يزداد اشتياقه لله، وبالتالى يستطيع أن يسمع صوت الله الذى يقف أمامه، فيعطيه مشاعر طمأنينة، أو توبة، بل يرشده إلى أمور لم تكن على باله، كما يظهر من هذا السفر، الذى كان بالطبع مصحوباً بصلوات، فوصل سليمان فى النهاية إلى حقيقة هامة شعرها قبل أن ينطقها، وهى “فلنسمع ختام الأمر كله اتق الله، واحفظ وصاياه” (جا 12 : 13).
“فلتكن كلماتك قليلة” : ليس معنى هذا تقليل كلمات الصلاة، لأن الكتاب المقدس يدعونا أن نصلى بلا انقطاع (اتس 5 : 17) ونصلى كل حين (لو 18 : 1)، ولكن المقصود هو البطء فى كلمات الصلاة، حتى يستطيع الإنسان أن يفكر فيما يقول، ويشعر به، فتكون كلماته أقل ممن يسرع فى كلمات الصلاة، فلا يستطيع أن يشعر بما يقول.
ع3: هذه الآية تؤكد أهمية التكلم بهدوء وببطء فى الصلاة، بل وفى كل معاملاتنا مع من حولنا؛ حتى يستطيع الإنسان أن يفكر، ويشعر بما يقول. يعلن سليمان فى هذه الآية أنه كما أن المشاغل الكثيرة تعطى كثرة أحلام فى الليل، كذلك الجهل يتكلم كثيراً، وهذه علامة تظهر جهله. أما الحكيم فعلى العكس يتكلم ببطء وهدوء، متفكراً فى كل ما يقوله.
ع4-6: الإنسان الذى يحب الله يقدم له نذور كتعبير عن محبته، وهذه الآيات توضح كيفية وشروط تقديم النذور، وهى:
- إيفاء النذر: فلا يستطيع من نذر أن يتراجع عن نذره والأفضل ألا ينذر من أن ينذر ولا يفى؛ لأن عدم النذر خطية ضعف محبة، أما خطية عدم إيفاء النذر فهى عدم أمانة، وتراجع عما وعد به الإنسان الله، وقرره على نفسه، أى النذر.
- إيفاء النذر فى ميعاده : فلا يصح تأخير إيفاء النذر إذا كان الإنسان قادراً على الإيفاء.
وعدم الإيفاء بالنذر يعرضنا لما يلى:
- الله لا يسر بنا (ع 4) ويغضب علينا (ع 6).
- نصير ضمن الجهال (ع4)، أى البعيدين والرافضين لله.
“لا تدع فمك يجعل جسدك يخطئ“: والمقصود هنا ألا تنذر نذراً لا تستطيع إيفاءه، مثل أن ينذر إنسان أن يكون بتولاً، أو ينذر أن يكون ابنه راهباً، أو ينذر مبلغاً كبيراً من المال لا يستطيع إيفاءه، أو ينذر صوماً، أو جهاداً طوال حياته، فإذا كبر فى السن لا يستطيع الاستمرار فى نذره.
ولا تنذر أيضا نذرا خاطئا، كما فعل يفتاح الجلعادى، فنذر أن يقدم أول من يقابله ذبيحة لله، فقابلته ابنته بعد رجوعه من انتصاره، فذبحها، لأنه ليس مسموحاً للإنسان أن يقدم ذبائح بشرية (قض 11 : 34، 35).
“لا تقل قدام الملاك أنه سهو”: لا يصح أن تتسرع فى النذر، ثم تعود وتقول أمام الملاك أنه سهو، فلا يصح التسرع فى النذور.
والمقصود بالملاك، الملاك الحارس، الذى يرفقك فى كل خطواتك. ويفسر بعض المفسرين الملاك بأنه الكاهن (رؤ 2 : 1)، الذى يذهب إليه الناذر، ويعلن عجزه عن إيفاء النذر، ويعتذر ان هذا سهو فى كلامه لم يقصده.
“لماذا يغضب الله على قولك ويفسد عمل يديك“: وهى تعنى أمرين:
- الله يغضب من عدم إيفاء النذر.
- الله يتخلى عنك، فلا تجد بركة فى أعمالك، ويفسد ما تعمله.
ع7: يؤكد فيها عدم التسرع فى النذور ، والذى يعنى عدم مخافة الله. وهذا التسرع ينتج مما يلى:
- كثرة الأحلام: إما بأن يتمنى الإنسان ويحلم بأمور كثيرة، أو يعتمد على ما يراه فى أحلام الليل، كل هذا خطأ، وينبغى أن يضبط الإنسان أفكاره وهو متيقظ، ولا يفرط فى أحلام اليقظة. ومن ناحية أخرى لا يعتمد على أحلام الليل فى شئ، بل ينساها، إنها من العقل الباطن، وليست من الله، أما الأحلام التى من الله، فلها قرائن توضحها، وتحتاج لإرشاد روحى للتأكد من ذلك.
- الأباطيل: وهو الإنغماس والإنشغال باغراءات العالم، ومباهجه، وهمومه، وكل هذه الأمور باطلة، بل معطلة للحياة، وتدفع الإنسان إلى نذور متسرعة بلا داع للحصول عليها، أو التخلص منها.
- كثرة الكلام: وهو تعود التسرع فى الكلام، فيندفع الإنسان وينذر دون وعى، فيخطئ إلى الله عند عجزه عن إيفاء النذر.
إن كنت تريد أن تخرج من أباطيل العالم، اقترب من الله، سواء فى الكنيسة، أو فى مخدعك، فتشعر بمخافته، وحبه، وتحب الصلاة’ وتبتعد عن الشر، فتتمتع بعشرته.
(2) بطلان الغنى (ع 8-17):
8- إِنْ رَأَيْتَ ظُلْمَ الْفَقِيرِ وَنَزْعَ الْحَقِّ وَالْعَدْلِ فِي الْبِلاَدِ، فَلاَ تَرْتَعْ مِنَ الأَمْرِ، لأَنَّ فَوْقَ الْعَالِي عَالِيًا يُلاَحِظُ، وَالأَعْلَى فَوْقَهُمَا. 9- وَمَنْفَعَةُ الأَرْضِ لِلْكُلِّ. الْمَلِكُ مَخْدُومٌ مِنَ الْحَقْلِ. 10- مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْل. هذَا أَيْضًا بَاطِلٌ. 11- إِذَا كَثُرَتِ الْخَيْرَاتُ كَثُرَ الَّذِينَ يَأْكُلُونَهَا، وَأَيُّ مَنْفَعَةٍ لِصَاحِبِهَا إِلاَّ رُؤْيَتَهَا بِعَيْنَيْهِ؟ 12- نَوْمُ الْمُشْتَغِلِ حُلْوٌ، إِنْ أَكَلَ قَلِيلاً أَوْ كَثِيرًا، وَوَفْرُ الْغَنِيِّ لاَ يُرِيحُهُ حَتَّى يَنَامَ. 13- يُوجَدُ شَرٌّ خَبِيثٌ رَأَيْتُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ: ثَرْوَةٌ مَصُونَةٌ لِصَاحِبِهَا لِضَرَرِهِ. 14- فَهَلَكَتْ تِلْكَ الثَّرْوَةُ بِأَمْرٍ سَيِّئٍ، ثُمَّ وَلَدَ ابْنًا وَمَا بِيَدِهِ شَيْءٌ. 15- كَمَا خَرَجَ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ عُرْيَانًا يَرْجعُ ذَاهِبًا كَمَا جَاءَ، وَلاَ يَأْخُذُ شَيْئًا مِنْ تَعَبِهِ فَيَذْهَبُ بِهِ فِي يَدِهِ.
16- وَهذَا أَيْضًا مَصِيبَةٌ رَدِيئَةٌ، فِي كُلِّ شَيْءٍ كَمَا جَاءَ هكَذَا يَذْهَبُ، فَأَيَّةُ مَنْفَعَةٍ لَهُ، لِلَّذِي تَعِبَ لِلرِّيحِ؟ 17- أَيْضًا يَأْكُلُ كُلَّ أَيَّامِهِ فِي الظَّلاَمِ، وَيَغْتَمُّ كَثِيرًا مَعَ حُزْنٍ وَغَيْظٍ.
ع8: تظهر هذه الآية خطورة الظلم الذى هو نزع الحق، والعدل، وخاصة عندما يأتى على رأس الفقير، استغلالا لضعفه وفقره. إن هذا الظلم يثير مشاعر أى إنسان يرى هذا الظلم. وقد يدفعه إلى التذمر واليأس.
ولكن هذه الآية تطمئنه أنه إن كان الظالم له سلطة، فيوجد من هو أعلى منه فى السلطة ويلاحظه، وفى سلطانه أن يعاقبه على هذا الظلم.
وفوق كل رئاسات العالم يوجد الله، الذى هو أعلى من الكل، هو له سلطان ليس فقط على الأرض، فيعاقب الظالم على ظلمه بضيقات، أو مصائب، ولكن له سلطان الحياة الأخرى أيضا، فيرسله إلى العذاب الأبدى.
وعندما ترى هذا الظلم احترس حتى لا تسقط فيما فعله الظالم، وأطمئن إلى أن الظلم له نهاية، ولا تيأس لأن الله هو ضابط الكل، هو فقط طويل الأناة، يعطى فرص للأشرار أن يتوبوا، ولكن إن لم يتوبوا، فسيهلكهم، وينصف المظلوم، إن لم يكن فى الأرض، فحتما فى الحياة الأبدية.
احترس يا من تظلم غيرك، ولو فى شئ صغير، معتمداً على أنك محصن فى هذه الحياة، ولا يستطيع المظلوم أن يؤذيك، وحتى لو لم يعرف أحد أنك ظلمت غيرك، لأن الله يرى كل خفايا القلوب، ولن يسكت على الظلم.
إن كنت فى مكان مسئولية كبيرة، أو كنت مسئولا عن إعلان الحق والعدل، سواء كنت وكيل نيابة أو قاضيا، أو أى شخص له سلطان كبير، فاحذر من أن تبتعد عن العدل؛ لأن الله يراك. إلتجئ إليه، واطلب إرشاده، حتى لا تسقط، ولو بدون قصد فى ظلم غيرك، أو إخفاء الحق.
ع9: الأرض تعطى من ثمارها لغذاء كل الناس، وجميع الحيوانات فهى ليست ملكاً لشخص ما يستولى على ثمارها ولا يعطى غيره، بل ينبغى على من يملك أرضا ألا ينسى الفقير ليعطيه من ثمار الأرض ليأكل.
والملك والرؤساء يعيشون على ثمار الأرض، وبالتالى لا يصح أبداً أن يحتقر إنساناً غيره لفقره، أو ضعفه؛ لأننا جميعاً محتاجون أن نأكل من ثمار الأرض.
ع10: من يحب الفضة والذهب، أو الأموال لا يمكن أن يشبع منها، لأن شهوة المال، أو شهوة التملك تسيطر عليه. والحل أن يشبع روحياً بالله، فيكون له استعداد أن يكون قنوعاً، ويكتفى بما عنده، ويشكر الله عليه.
وسعى الإنسان نحو المال والمقتنيات هو أمر باطل، لأنه يذل ذلك الإنسان الذى تعلق به، ويجعله مضطربا، وقاسياً، فيفصله عن الله، وعمن حوله.
ع11: تسخر هذه الآية من الأغنياء المحبين للغنى، لأنه إذا زادت الخيرات التى معهم، يزيد من يأكلونها، ولا يستفيد الغنى شيئاً، إلا أن يرى الخيرات تؤكل أمام عينيه.
ولو استطاع أن يكنز الأموال والفضة سيراها بعينيه، ولكن لن يستفيد شيئاً إذ سيأكل المقدار الذى يحتاجه فقط، ويلبس ما يدفئه، والباقى ينظر إليه بعينيه، ولا يستفيد شيئاً، فلماذا الشهوة ومحبة المال؟
ع12: الإنسان الفقير الذى يشتغل ويتعب كثيراً لينال قوته، سواء كان قوت قليل، أو كثير فإنه يأكله، ويشكر الله، وينام نوماً هادئاً، لأن ليس عنده هم، أو ما يقلقه، إذ أنه تعب ، ونال أجرته، وشبع من طعامه، فمن حقه أن ينام مستريحا.
أما وفرة الغنى التى تأتى من الإنهماك فى العمل، وكذلك من الجشع، أو من الطرق غير السليمة فى اقتناء الأموال، كل هذا يجعل صاحبها لا يستطيع أن ينام بسهولة، ويحاربه القلق على أمواله، أو من الأخطاء التى سقط فيها ليحصل على هذا المال، فيظل غير قادر على النوم حتى ينام أخيرا، ولو قليلا، ثم يستيقظ وهو متعب من قلة النوم، فما فائدة الجرى وراء الغنى؟! .
إن كان من يتعب فى أعمال العالم، ثم ينام بسهولة لأنه بلا هم، فكم بالأحرى من يتعب فى جهاده الروحى، فإنه يتمتع بالنوم الهادئ، كما يقول الكتاب المقدس عن نعمة الله لأولاده المجاهدين “يعطى حبيبه نوماً” (مز 127 : 2).
ع13: اكتناز الغنى لثروة كبيرة، ومحاولته المحافظة عليها تجلب عليه شروراً كثيرة منها:
- يكون فى قلق خوفاً على ثروته.
- يكون عرضه أن يسرقه اللصوص.
- يحسده الناس لأجل ثروته، ويغيرون منه.
- تسقطه فى الكبرياء لأنه أغنى من غيره.
- قد تدعوه للترفه وتدليل الجسد، فيصير متراخياً فى روحياته، ويبعد عن الله.
- قد تؤدى به إلى الكسل اعتماداً، على أمواله الكبيرة.
- قد يسقط فى ظلم الآخرين لجشعه ومحاولته اكتناز أموال أكثر.
- قد يصبح قاسياً، فلا يشعر بالمحتاجين، ولا أي عطف عليهم، مهما كان فقرهم.
وليست المشكلة فى كثرة المال والغنى، ولكن فى شهوة الغنى، فقد كان الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب أغنياء، وعاشوا فى استقامة أمام الله.
ع14: إن الرجل الغنى الذى له ثروة كبيرة معرض أن تحدث له مصيبة غير متوقعة، مثل زلزال يسقط البيوت التى يمتلكها، أو ريح شديدة تحطم أملاكه، أو فيضان يغرق مشروعاته، أو حريق يأكل كل ما عنده، أو لصوص يسرقون فيفقد بالتالى ثروته.
وإن كان قد ولد ابنا، فلن يجد شيئاً من المال يعطيه له، لأن ثروته قد انتهت.
ع15 ، 16: هذا الغنى الذى فقد ثروته فى (ع 14) يموت، ولا يأخذ شيئا من ثروته معه، فقد انتهت فى حياته، وحتى لو لم تنته، فسيتركها، وكما ولد عرياناً من بطن أمه، سيموت عرياناً من كل أموال وممتلكات العالم.
من الناحية الروحية، الإنسان الذى لم يستفد من حياته فى تكوين علاقة مع الله، فقد ولد فى الخطية، ويعيش فى الخطية، ويموت وهو عريان من كل بر، لأنه أهمل حياته الروحية، وهذا معنى “كما خرج … يرجع ذاهبا كما جاء” (ع15) و “فى كل شئ كما جاء هكذا يذهب” (ع16).
كل ما سبق يبين أن تعب الإنسان وانشغالاته الكثيرة، وكل ما يحققه من ثروات يعمله للريح، أى لا يأخذ منه شيئا عندما يموت. كل هذا يؤكد أن تعب الإنسان بعيداً عن الله باطل وقبض الريح.
ع17: هذا الإنسان الغنى البعيد عن الله، الذى تكلمنا عنه فى الآيات السابقة، هو إنسان فاقد لبصيرته الروحية، فهو يحيا فى الظلام بعيداً عن نور الله، فيأكل ويشرب، ويحيا فى ضيق وتعب، لأن روحه لا تتمتع بالله.
الحزن والغيظ الذى يحل بالمشغول بالغنى يأتى عليه بسبب:
- فقدانه ثروته التى تعلق بها.
- قد يكون أصيب بأمراض استنفذت أمواله فى العلاج، ولا يستطيع صحياً أن يبدأ من جديد لتكوين ثروة بديلة.
- ضيقه من حسد الناس له بسبب غناه، خاصة أنه يشعر أن حسدهم قد سبب له فقدان ثروته.
- خوفه من الموت المقبل عليه، لأنه لم يستعد طوال حياته للحياة الأخرى بعد الموت.
أشكر الله على كل ما تمتلكه قليلا، أو كثيرا، فهو هبة منه، وهو الذى حفظها لك لهذا اليوم لأنها كان يمكن أن تفقد. وكن أمينا فى أعمالك، سواء كونت ثروة أم لم تكون، ولكن لا تنسى أن تستعد كل يوم لحياتك الأبدية.
(3) الفرح يعطيه الله (ع 18-20):
18- هُوَذَا الَّذِي رَأَيْتُهُ أَنَا خَيْرًا، الَّذِي هُوَ حَسَنٌ: أَنْ يَأْكُلَ الإِنْسَانُ وَيَشْرَبَ وَيَرَى خَيْرًا مِنْ كُلِّ تَعَبِهِ الَّذِي يَتْعَبُ فِيهِ تَحْتَ الشَّمْسِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللهُ إِيَّاهَا، لأَنَّهُ نَصِيبُهُ.
19- أَيْضًا كُلُّ إِنْسَانٍ أَعْطَاهُ اللهُ غِنًى وَمَالاً وَسَلَّطَهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَأْكُلَ مِنْهُ، وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ، وَيَفْرَحَ بِتَعَبِهِ، فَهذَا هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. 20- لأَنَّهُ لاَ يَذْكُرُ أَيَّامَ حَيَاتِهِ كَثِيرًا، لأَنَّ اللهَ مُلْهِيهِ بِفَرَحِ قَلْبِهِ.
ع18 ، 19: خلاصة هذا الأصحاح يقدمه سليمان فى هاتين الآيتين، فيعلن أن الأفضل والخير وأحسن شئ هو أ ن يتمتع الإنسان بخيرات الله، التى يهبها له فى هذا العالم، فيأكل ويشرب، ويسعد بكل عطايا الله، ويشكره عليها. وبالطبع يستخدم الماديات باعتدال، فلا يبخل على نفسه منها، ولا ينغمس فيها، ويثق أن الله يعطيه نصيبه منها، الذى يكفى احيتاجاته، سواء ما يصله قليل، أو كثير، فهو ببركة الله يكفيه.
ومن ناحية أخرى فكل ما امتلك الإنسان فى هذه الحياة، وكان تحت سلطانه هو عطية من الله، ليأخذ منها نصيبه وكفايته، ويعطى أيضا لله نصيبه منها، فيشبع الفقراء والمحتاجين، ويتبرع لكل عمل خير. فالله يعطيه ما يكفيه، وما يكفى من حوله. وعلى قدر إيمان الإنسان ببركة الله يعطى بسخاء ولا يتعب، ويكون قنوعاً ليكتفى بما عنده، ومحباً فيعطى المحتاجين، فيفرح، ويفرح قلب الله، وقلوب كل المحتاجين.
ع20: نعمة أخرى يعطيها الله لأولاده الذين يشكرونه، ويعطون المحتاجين الذين حولهم، أنهم لا يذكرون الأتعاب والضيقات التى تمر بهم، لأن الله يلهيهم عن هذه الضيقات بالتعزيات الإلهية، بل وهم أثناء الضيقة يتمتعون بوجود الله معهم، فيعزيهم فتفرح قلوبهم. كما كان مع الثلاث فتية فى أتون النار، فلم يشعروا باللهيب الذى سقطوا فيه، وتمتعوا برؤية الله، وسبحوه، وتمشوا وسط النار دون أن تؤذيهم (دا3: 92). وهكذا أيضا دانيال عندما ألقوه فى الجب استقبلته الأسود على أيديها، وأجسامها فلم يصطدم جسده بشئ يؤذيه، ورأى ملاك الله يسد أفـواه الأسود، فصارت حيوانات أليفة جلس بينها مطمئنا، بل وفرحاً بوجود الملاك معه (دا6: 22). لا تنسى المحتاجين الذين حولك، ليس فقط الفقراء، بل أيضا الذين يعانون من آلام هذه الحياة، ويحتاجون لكلماتك الطيبة المشجعة. تمتع بحياتك وأشكر الله عليها، وأعطى حبا لمن حولك يمتلئ قلبك فرحاً.