خطورة العنف والكلام والكسل
(1) خطورة الجهل (ع 1 – 3):
1اَلذُّبَابُ الْمَيِّتُ يُنَتِّنُ وَيُخَمِّرُ طِيبَ الْعَطَّارِ. جَهَالَةٌ قَلِيلَةٌ أَثْقَلُ مِنَ الْحِكْمَةِ وَمِنَ الْكَرَامَةِ.
2قَلْبُ الْحَكِيمِ عَنْ يَمِينِهِ، وَقَلْبُ الْجَاهِلِ عَنْ يَسَارِهِ. 3أَيْضًا إِذَا مَشَى الْجَاهِلُ فِي الطَّرِيقِ يَنْقُصُ فَهْمُهُ، وَيَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ: إِنَّهُ جَاهِلٌ.
ع1: يظهر سليمان فى هذا الإصحاح خطورة الجهل، حتى لو كان قليلاً، فهو يفسد الحكمة، ويضيع كرامة الإنسان، ويجلب خطايا كثيرة، مثل العنف، والكلام الشرير، والكسل.
ويشبه الجهل بالذباب الذى يسقط فى طيب العطار، بعد أن بذل جهداً كبيراً فى إعداده، وله رائحة عطرة، فيموت الذباب، ويصير نتناً برائحة فاسدة، تفسد كل تعب العطار. هكذا أيضا الخطايا، حتى لو كانت صغيرة يمكن أن تفسد نقاوة الإنسان، وتضيع مكانته وكرامته بين الناس؛ لذا ينبغى أن يحترس الإنسان من أصغر خطية، ويرفضها، حتى لا يضيع كل جهاده الروحى، وكذا أيضا لا يسقط فى خطأ ولو صغير فى أحد مسئولياته، فيفسد العمل كله.
ينبغى الحذر أيضا من المعاشرات الرديئة، حتى لو كانت العلاقة محدودة، فهى تفسد حياة وسلوك الإنسان روحياً واجتماعياً.
ع2: يصف سليمان الجاهل بأن قلبه عن يساره، أى منغمس فى الشهوات، ومضطرب مع تقلبات العالم، فاليسار يرمز للشر.
أما الحكيم فقلبه عن يمينه، والمقصود باليمين الصلاح والخير، فهو يسلك باستقامة، ويحيا مع الله، ويتمسك بوصاياه.
ع3: إذا سار الجاهل فى طريق الحياة، وتقدم فى العمر يزداد جهله، فهو غير قابل للتعلم، والتدرب على الحكمة، فلا يبقى معه إلا الجهل، وكلما كبر يضعف جسدياً ونفسياً، فيزداد جهله.
ويزيد جهل الجاهل كبرياؤه، فهو يتهم كل من يقابله، أو من يحاول تعليمه وإصلاحه بأنه جاهل، ويظن الجاهل فى نفسه أنه هو الحكيم وحده، فيزداد إنغماسه فى الجهل.
والجاهل لتماديه فى الجهل يفضح نفسه، ويبين جهله أمام الكل، فيعرف الجميع أنه جاهل، كما لو كان يعلن هذا بفمه، ولكن هو يعلنه بشكل أكبر من خلال أعماله، وأسلوبه، وتعاملاته.
اهتم بمحاسبة نفسك كل يوم قبل أن تنام، لتكتشف الخطايا الصغيرة التى انزلقت فيها لتتوب عنها، أو تحترس منها في الغد، حتى لا تفسد حياتك وتعبك الروحى.
(2) خطورة مقاومة العنف بالعنف (ع 4 – 10):
4إِنْ صَعِدَتْ عَلَيْكَ رُوحُ الْمُتَسَلِّطِ، فَلاَ تَتْرُكْ مَكَانَكَ، لأَنَّ الْهُدُوءَ يُسَكِّنُ خَطَايَا عَظِيمَةً.
5يُوجَدُ شَرٌّ رَأَيْتُهُ تَحْتَ الشَّمْسِ، كَسَهْوٍ صَادِرٍ مِنْ قِبَلِ الْمُتَسَلِّطِ: 6الْجَهَالَةُ جُعِلَتْ فِي مَعَالِيَ كَثِيرَةٍ، وَالأَغْنِيَاءُ يَجْلِسُونَ فِي السَّافِلِ. 7قَدْ رَأَيْتُ عَبِيدًا عَلَى الْخَيْلِ، وَرُؤَسَاءَ مَاشِينَ عَلَى الأَرْضِ كَالْعَبِيدِ.
8مَنْ يَحْفُرْ هُوَّةً يَقَعُ فِيهَا، وَمَنْ يَنْقُضْ جِدَارًا تَلْدَغْهُ حَيَّةٌ. 9مَنْ يَقْلَعْ حِجَارَةً يُوجَعْ بِهَا. مَنْ يُشَقِّقُ حَطَبًا يَكُونُ فِي خَطَرٍ مِنْهُ. 10 إِنْ كَلَّ الْحَدِيدُ وَلَمْ يُسَنِّنْ هُوَ حَدَّهُ، فَلْيَزِدِ الْقُوَّةَ. أَمَّا الْحِكْمَةُ فَنَافِعَةٌ لِلإِنْجَاحِ.
ع4: إذا كان رئيسك فى غضب، وارتفع صوته، بل وهدد أيضا بأمور كثيرة، فلا تنزعج وتترك مكانك، أى مسئوليتك وعملك، بل على العكس كن هادئاً، ولا ترد عليه، فهدوءك يصنع فوائد كثيرة :
- يجعل الرئيس، أو المسئول يهدأ تدريجياً.
- لعله بعدما يهدأ يكون له استعداد أن يسمعك، فتدافع عن نفسك، وتظهر الحقيقة.
- لعل الرئيس بعدما يغضب يهدأ يراجع نفسه، ويشعر أنه أخطأ، فيزداد هدوءه، وإذ يشعر أنه ظلمك، أو أساء إليك، ويعود إلى معاملتك بطريقة طيبة.
إلتمس للرئيس العذر، فقد تكون قد وصلت إليه وشاية من أحد، أو فهم الأمور بطريقة خاطئة، ووقع فى ظن سئ، أو مخاوف، كل هذا يثير غضبه، ولكنه يعود فيهدأ.
هذه الوصية مقدمة لكل مرؤوس فى عمل، ولكل إبن فى بيته، ولكل شخص أمام المسئول.
هذه الآية تحمل ضمنياً معنى جميل، فهى دعوى للرئيس المتسلط ألا يتمادى فى غضبه، ولا يسرع إلى الغضب، وإن سقط فى الغضب يحاول العودة سريعاً، بل يلطف الجو بكلمات طيبة إن استطاع أن يختلى ويصلى ولو لدقائق. فليت كل أب وكل أم يراجع نفسه قبل أن يغضب على أولاده، لأنه يتعبهم تعباً شديداً بغضبه، مهما كانت أهدافه سليمة.
المتسلط يرمز للشيطان الذى يثير عليك مشاكل، فلا تضطرب منه، واثبت فى مكانك فى هدوء، وصلى، والله سيحميك، ويبعد عنك غضبه، وتتزكى وتصير أقوى روحياً.
ع5: هذه الآية توجه الرؤساء والمتسلطين إلى الحذر من السقوط فى خطايا السهوات، وهذه يسقط فيها الإنسان كثيراً مثل :
- الإندفاع فى قرار دون فحص كاف.
- الثقة الزائدة فى المعاونين أو القريبين، واتخاذ القرار بحسب أرائهم، وقد يكونوا مغرضين، مثلما فعل هامان مع الملك أحشويروش عندما استصدر منه أمراً بإهلاك اليهود (اس3: 8، 9)
- إتخاذ القرارات بحسب أهواء الرئيس، فيقرب ويكرم من يحبه رغم أنه قد يضره، ويضر الذين يتسلط عليهم، أو يبعد ويظلم الناس الأكفاء؛ لأنه لا يحبهم، فيخسر كفاءات كثيرة يمكن أن تسنده وتفيده.
يزيد خطورة السهو، أن الرئيس لا يشعر بخطورته، ويعتبر نفسه يتصرف بطريقة سليمة، مع أنه يضر نفسه، وأيضا تابعيه.
ع6 ، 7: من المناظر السيئة التى رآها سليمان على الأرض، أى تحت الشمس، تعظيم الجهال ووجودهم فى مراكز عالية، وهذا يفسدهم ويجعلهم يُتعبون، ويتعبون كل من يتسلطون عليهم.
وعلى العكس، الأغنياء ليس فقط فى المال، بل فى الحكمة، تكون لهم مراكز أقل وسفلية، فيحتملون من رؤسائهم ظلماً وإساءات مختلفة، ولا يستفيد الناس من حكمتهم.
مثال آخر يقدمه سليمان على نفس المعنى، وهو ركوب العبيد على الخيل، وهم أدنى مقاماً، أما الرؤساء فيمشون على الأرض، أى يكون الأدنياء فى عظمة وتسلط ومركز كبير، والرؤساء فى وضع أقل منهم، ولا يشعر بهم الناس.
ولكن الرجاء فى الله ضابط الكل، الذى يرى كل هذه المظالم والأوضاع المقلوبة، فيعطى سلاماً لأولاده المتمسكين بالحكمة، ويمنع مظالم كثيرة كان يود الجهال أن يعملوها. ومن ناحية أخرى، فالله يسمح أحيانا للجهال أن يتسلطوا على الحكماء، حتى يتوب الحكماء عن بعض الشرور التى سقطوا فيها، كما سمح لشعبه بالذل والهوان فى السبى من الوثنيين، سواء الأشوريين، أو البابليين حتى يتوب شعبه، فيعيدهم من السبى، ويمجدهم.
ع8 ، 9: هوة : حفرة.
ينقض : يهدم
حطباً : أعواد النباتات الجافة والأشجار الصغيرة بعدما تجف، وتستخدم لإيقاد النار.
يحارب سليمان العنف بكل قوة، ويرفضه بشدة، بل يعلن أن من يستخدم العنف، ويحاول أن يسىء لغيره، يأتى ذلك على رأسه، ويوضح ذلك من خلال أربع تشبيهات :
- “من يحفر هوة يقع فيها”:
فمن يحفر حفرة ليسقط الآخرين فيها، يسقط هو بدلاً منهم دون أن يدرى، أو يدبر له أعداؤه مكائد يقع فيها. وبالتالى ينصح كل إنسان ألا يدبر شراً لغيره، كما دبر هامان شراً لمردخاى، وأعد له خشبة ليصلب عليها، فحدث العكس، وعلق الملك هامان على هذه الخشبة ومات (اس 7 : 10).
- “من ينقض جداراً تلدغه حية”:
إذا أراد إنسان الإساءة إلى آخر، فقام بهدم سور منزله، أو حديقته القديم، فتخرج الثعابين المختبئة فى هذا الجدار، وتلسعه، ويكون معرضاً للموت.
وقد حاول الشيطان الإساءة للمسيح بكل الوسائل، وأخيراً قتله بتعليقه على الصليب، ففوجئ بالمسيح بعد موته يقيده، ويخرج آدم وبنيه من تحت سلطانه، ويصعدهم إلى الفردوس.
- “من يقلع حجارة يوجع بها”:
من يحاول أن يؤذى غيره بقلع حجارة من سوره، تقع هذه الحجارة عليه، وتقتله، أو تجرحه وتؤذيه.
- “من يشقق حطباً يكون فى خطر منه”:
من يأتى بعيدان الحطب، ويشققها طولياً بآية آلة، فقد تؤذيه الآلة، أو الحطب المشقق، أو شظية منه، وقد يكون هدفه إشعال النار فى غيره، فيحترق هو بهذه النار فيما هو يشعلها.
والخلاصة، لا تسرع إلى العنف لئلا يأتى عليك، خاصة إن كنت تسرع للإعتراض والثورة على الرئيس، أو المسئول، أو الحاكم.
ع10: كلَّ : تعب والمقصود هنا لم يعد حاداً.
“إن كلّ الحديد” :
إن لم يعد الحديد حاداً، والمقصود بالحديد الفأس، أو أية آلة حديدية تستخدم للقطع.
“ولم يسنن هو حده”: ولم يهتم صاحبه أن يسنن حد هذا الحديد، أى الجزء من الحديد الذى يستخدم فى القطع.
“فليزد القوة” :
فلكى يستطيع صاحب الآلة أن يقطع أى شئ لابد أن يستخدم قوة أكبر يبذلها؛ ليقطع هذا الشئ، لأن الآلة غير حادة.
“أما الحكمة فنافعة للإنجاح”:
هذا التشبيه الذى ذكره سليمان على الآلة الحديدية التى يريد سنها، يقصد به تهذيب اللسان ليتكلم كلمات لائقة أمام الآخرين، وخاصة الرؤساء، وتهذيب السلوك أيضا فى التعامل مع الآخرين، فهذه حكمة كبيرة تساعد الإنسان على النجاح فى الحياة من خلال التعامل الناجح مع الآخرين؛ الرؤساء والمرؤسين وكل إنسان فى الحياة.
إن كان سن الحديد يوفر على الإنسان كثيراً من تعبه، فكذلك أيضا تهذيب اللسان، والسلوك يوفر على الإنسان متاعب كثيرة.
ليتك يا أخى تعرف أن الخطية ضعف، فلا تغضب على من يسئ إليك، أو تقسو عليه، بل صلى لآجله، واحتمله، حتى تهدأ وتهدئه، فتحيا في سلام وتكسب الآخرين.
(3) خطورة كلام الجاهل (ع 11 – 15):
11نْ لَدَغَتِ الْحَيَّةُ بِلاَ رُقْيَةٍ، فَلاَ مَنْفَعَةَ لِلرَّاقِي.12لِمَاتُ فَمِ الْحَكِيمِ نِعْمَةٌ، وَشَفَتَا الْجَاهِلِ تَبْتَلِعَانِهِ. 13بْتِدَاءُ كَلاَمِ فَمِهِ جَهَالَةٌ، وَآخِرُ فَمِهِ جُنُونٌ رَدِيءٌ. 14الْجَاهِلُ يُكَثِّرُ الْكَلاَمَ. لاَ يَعْلَمُ إِنْسَانٌ مَا يَكُونُ. وَ مَاذَا يَصِيرُ بَعْدَهُ مَنْ يُخْبِرُهُ؟ 15عَبُ الْجُهَلاَءِ يُعْيِيهِمْ، لأَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ كَيْفَ يَذْهَبُ إِلَى الْمَدِينَةِ
ع11: رقية : تعويذة، أو سحر تبطل قوة الثعبان.
الراقى : شخص متخصص لاكتشاف الثعابين والتخلص من سمومها.
إن لدغت الحية أى إنسان، ولم يُعمل لها أية رقية تمنع سمها، فهى تنفخ سمومها فى الإنسان، وتقتله، ولو أحضروا راقياً بعد أن أصيب الإنسان بالسموم، فلا منفعة له.
كذلك الإنسان الذى يرى إنساناً غضوباً، أو عنيفاً، يستطيع أن يمنع عنفه، أو قساوة قلبه بالكلمات الطيبة، فهو يشبه الراقى، وبهذا يمنع متاعب كثيرة تنتج عن العنف. ولكن إن لم يقل كلمات طيبة تمتص غضب العنيف، فإن عنفه سيحدث متاعب، ولا فائدة بعد هذا من الكلام الطيب الذى لم يقال فى حينه. وإن قال الكلام الطيب يكون له تأثير ضعيف ومحدود.
وقد حدث هذا فى الكتاب المقدس كثيرًا، مثل لقاء يعقوب بعيسو باتضاع وهدايا كثيرة، فأزال غضبه (تك 32 : 13 – 21). وكذلك لقاء أبيجايل بكلمات الحكمة الرقيقة مع داود، فأوقفت غضبه على نابال زوجها ومن معه (1 صم 25 : 18 – 35).
إن الحكمة تعلمنا ألا نهاجم الحية، بل نقدم لها رقية، ومعنى هذا، أننا لا نهاجم العنيف والغضوب، بل نقدم له الكلمات الطيبة التى تمتص غضبه، فيعود لهدوئه.
ع12 ، 13: كلمات الحكيم كلمات متزنة مملوءة من نعمة الله؛ لأن الحكيم يصلى، فيعطيه الله حكمة فى الكلام، كما يقول المسيح إلهنا عن الروح القدس “أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها، أو يناقضوها” (لو21: 15). وبالطبع هذه الكلمات يستقبلها السامعون براحة وفرح، فيحبون الحكيم.
أما الجاهل فيقول كلمات ردية تأتى على رأسه، وتبتلع كل راحة فى داخله، ويتضايق منه الناس، ويرفضونه، بل إن الجاهل يبدأ بكلمات جهل مزعجة للناس، وتخرج من قلبه الردىء، وفكره الفاسد، فيعثر سامعيه. وإذا استمر فى الكلام، تزداد كلماته الردية، حتى أن سامعيه يشعرون كأنه مجنون ويبتعدون عنه.
إن جهل الجاهل وكلماته الردية تبتلع ليس حياته فقط على الأرض بضيق الناس منه، ولكن أيضا تبتلع نصيبه الأبدى، فلا يكون له مكان مع الله، بل يلقى فى العذاب الأبدى.
ع14: من صفات كلام الجاهل أنه يتكلم عن أمور مستقبلية لا يعرفها أحد، ويكرر الكلام باطلاً، أى بلا فائدة. ومن ناحية أخرى، لا يقبل توجيه من أحد، فلا يوجد من يخبره أن كلامه عن المستقبل لا يمكن أن يعرفه أحد؛ لأن الحكماء سيصمتون أمام الجاهل، إذ أنه لا يريد أن يتعلم من أحد.
ع15: يعييهم : يتعبهم.
إن الجهلاء يتعبون تعباً باطلاً، إذ يكثرون من الكلام ويكررونه، ولا يقولون شيئاً نافعاً، فهم يتعبون بلا فائدة. ولا يستطيعون أن يصلوا إلى أغراضهم من خلال ما يعملونه، أو يكملون عملاً ويصلون إلى هدفه.
وقد كانت كلمات هذه الآية مثلاً شائعاً وهى “لا يعرف كيف يذهب إلى المدينة”، بمعنى أن الجاهل لا يعرف كيف يصل إلى هدفه.
والمدينة ترمز إلى أورشليم السماوية، فالجاهل لا يعرف طريقه إلى الملكوت، لأنه لا يريد أن يتعلم، أو يسير بوصايا الله.
لا تتكلم كثيراً، ولا تكرر الكلام، لأنك بهذا تستهين بعقول سامعيك. كن مدققاً وصلى قبل أن تتكلم، فتتكلم كلمات قليلة ولكنها نافعة، فتكسب من حولك وتقودهم إلى طريق الله.
(4) خطورة الكسل (ع 16 – 20):
16وَيْلٌ لَكِ أَيَّتُهَا الأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ وَلَدًا، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي الصَّبَاحِ.
17طُوبَى لَكِ أَيَّتُهَا الأَرْضُ إِذَا كَانَ مَلِكُكِ ابْنَ شُرَفَاءَ، وَرُؤَسَاؤُكِ يَأْكُلُونَ فِي الْوَقْتِ لِلْقُوَّةِ لاَ لِلسُّكْرِ. 18بِالْكَسَلِ الْكَثِيرِ يَهْبِطُ السَّقْفُ، وَبِتَدَلِّي الْيَدَيْنِ يَكِفُ الْبَيْتُ.19لِلْضَّحِكِ يَعْمَلُونَ وَلِيمَةً، وَالْخَمْرُ تُفَرِّحُ الْعَيْشَ. أَمَّا الْفِضَّةُ فَتُحَصِّلُ الْكُلَّ. 20 لاَ تَسُبَّ الْمَلِكَ وَلاَ فِي فِكْرِكَ، وَلاَ تَسُبَّ الْغَنِيَّ فِي مَضْجَعِكَ، لأَنَّ طَيْرَ السَّمَاءِ يَنْقُلُ الصَّوْتَ، وَذُو الْجَنَاحِ يُخْبِرُ بِالأَمْرِ.
ع16 ، 17: يظهر سليمان حزنه على الأرض، أى الشعب الذى ملكه ولد، ويقصد أنه إنسان غير ناضج؛ حتى لو كان عمره كبيراً، مثل رحبعام إبن سليمان، الذى سار وراء مشورة أصدقائه الشبان، فقسم المملكة. والويل والنكبات للشعب الذى رؤساؤه يأكلون فى الصباح، أى يهتمون بإشباع شهواتهم، فيأكلون ويشربون خمراً ويسكرون، فيعجزون عن القيام بأعمالهم والحكم فى القضايا؛ إذ كانت العادة قديماً أن يأكلوا بعد أن يعملوا فترة من الصباح، كما هى العادة حتى الآن فى القرى عندما يخرج الفلاحون إلى العمل، وبعد فترة يأكلون.
وعلى العكس، يمتدح سليمان الأرض، أو الشعب الذى يسكن على هذه الأرض إذا كان ملكها إبن شرفاء، أى له أصل طيب، وأناس معروفون بالحكمة والأمانة. وفى المعنى الروحى إبن قديسين وشهداء، والمقصود أنه ابن الله ويخافه، وبالطبع سيحكم ويدير الأمور بأمانة حسب وصايا الله.
وهذه الأرض التى يمتدحها سليمان، رؤساءها يأكلون فى الوقت، أى بعد إنتهاء أعمالهم فى الصباح، ويأكلون من أجل احتياج أجسادهم، وليس للإنغماس فى اللذات والخمر حتى السكر.
والأرض هنا ترمز أيضا للجسد الذى تقوده الروح الناضجة فى طريق الله، فلا ينغمس فى شهوات العالم، بل يتغذى بالمقدار الذى يحتاجه الجسد فقط ليتمم عمله بنشاط وأمانة.
ع18: بتدلى اليدين : بارتخاء اليدين، والمقصود عدم العمل، أى الكسل.
يكف البيت: يتساقط المطر من ثغرات فى سقفه
تظهر خطورة الكسل فى أن صاحب البيت الذى يهمل بيته، حتى أن سقف البيت الذى يحميه يهبط ويسقط على رأسه، أو على الأقل يضعف السقف وتصير فيه بعض الثغرات، أو الثقوب، فيسقط منها ماء المطر، وهكذا يتضايق كل من يسكن فى هذا البيت من التراب الساقط على رأسه، أو الأمطار.
والمقصود أن الكسل يفقد الإنسان الحماية التى يتمناها بالأخص فى بيته. فالملك الكسول الذى يهمل رعاية شعبه لانغماسه فى الشهوات، تنهار مملكته على رأسه، ويثور عليه شعبه.
وبالمعنى الروحى، الكسل يفقد الإنسان سلامه الداخلى، ويتعرض لحروب كثيرة من الشيطان تزعجه، لأنه ابتعد عن الله، الذى يحفظه ويحميه.
ع19: الإنسان الكسول ينشغل بإشباع لذاته، ويقيم ولائم للضحك، وشرب الخمر والسكر، فيصرف أموالاً كثيرة عليها، حتى أن أمواله تنفذ، ويفتقر؛ لأنه بالمال أو الفضة يحصل الإنسان على كل ما يحتاجه.
وهكذا الملك الذى ينشغل بإشباع لذاته، بإقامة ولائم كثيرة، تفتقر مملكته، ولا يجد احتياجاتها الضرورية.
وأيضا الإنسان المسرف فى لذاته المادية، لا يجد المال المطلوب لسد احتياجاته الضرورية، لأنه يقضى أوقاتاً كثيرة فى إشباع شهواته، إذ هو كسول، فيعانى من الفقر. وأيضا الذى لا يجاهد فى حياته الروحية، وينشغل براحة جسده، لا يستطيع أن يدخل ملكوت السموات، لأن ليس له فضة ، أى فقد قوته فى الجهاد الروحى.
الفضة فى الكتاب المقدس ترمز لكلمة الله، وبها يحصل الإنسان على كل ما يتمناه فى حياته الروحية، وإذا لم يستثمر الإنسان معرفته لكلمة الله، ولم يجاهد، فلن يصل إلى الملكوت.
ع20: تسب : تشتم
مضجعك : سريرك ومكان رقادك
تبين هذه الآية خطورة الشتيمة، حتى لو كانت داخل البيت، ليس فقط باللسان، ولكن أيضا فى الفكر؛ لأن الفكر إذا ازداد يخرج على اللسان، وإذا قيل فى البيت سينتقل إلى الخارج، إما سهواً من الإنسان، أو على لسان أحد الموجودين فى البيت، أو الجيران إذا سمعوا لارتفاع الصوت، وبالتالى سيغضب الملك، أو الغنى، أو ذو المركز، فينتقم منك.
من ناحية أخرى، تنذر الآية أن طير السماء أو ذى الجناح سينقل السب الذى فكرت فيه، أو نطقت به، وذلك يقصد به أن الله قد سمعك، ويمكن أن ينقل ما قلته، أو فكرت فيه بطريقة أو بأخرى لا تعلمها إلى من أخطأت فى حقه، فليس خفياً إلا ويعلن، وأحداث كثيرة حدثت وسببت مشاكل، خاصة فى العصر الذى نحيا فيه، والتقدم العلمى الذى ينقل بسهولة كلاماً كثيراً دون أن يدرى الإنسان، ولم يكن يتخيل أنه سينتقل ويكشف.
وبالتالى تدعونا الآية إلى نقاوة الفكر، ورفض الشر، ومحبة الجميع حتى المسيئين، والتماس العذر لهم فى أخطائهم.
والطيور ترمز إلى الجواسيس الذين ينقلون الوشاية منك إلى الآخرين، فإن لم تضبط فكرك وكلامك تتعرض لمتاعب كثيرة. وكل هذا تحذير من الخطية التى عاقبتها الهلاك الأبدى، الذى هو أخطر بكثير من انتقام البشر. ليكن لك نظام وحدد الأعمال التى يلزم أن تعملها كل يوم. وإن كانت الأعمال كبيرة قسمها إلى أجزاء لتشجع نفسك على إتمامها. واعمل بنشاط لترضى الله، فتحيا في سلام، وتفرح في الأرض، وفى السماء.