عبادة الطبيعة والأصنام
يبدأ فى هذا الأصحاح، وحتى الأصحاح الخامس عشر، كلاماً واضحاً عن بداية عبادة الأصنام وانحطاطها. ويصف بالتفصيل خطايا صناع الأصنام والشرور التى يسقط فيها من يعبدون الأصنام وقوة الله لهم.
(1) لماذا عبد الناس الطبيعة ؟ (ع1-9):
1إِنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ لَمْ يَعْرِفُوا اللهَ هُمْ حَمْقَى مِنْ طَبْعِهِمْ، لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَعْلَمُوا الْكَائِنَ مِنَ الْخَيْرَاتِ الْمَنْظُورَةِ، وَلَمْ يَتَأَمَّلُوا الْمَصْنُوعَاتِ حَتَّى يَعْرِفُوا صَانِعَهَا. 2لكِنَّهُمْ حَسِبُوا النَّارَ أَوِ الرِّيحَ أَوِ الْهَوَاءَ اللَّطِيفَ أَوْ مَدَارَ النُّجُومِ أَوْ لُجَّةَ الْمِيَاهِ أَوْ نَيِّرَيِ السَّمَاءِ آلِهَةً تَسُودُ الْعَالَمَ. 3فَإِن كَانُوا إِنَّمَا اعْتَقَدُوا هذِهِ آلِهَةً، لأَنَّهُمْ خُلِبُوا بِجَمَالِهَا؛ فَلْيَتَعَرَّفُوا كَمْ رَبُّهَا أَحْسَنُ مِنْهَا، إِذِ الَّذِي خَلَقَهَا هُوَ مَبْدَأُ كُلِّ جَمَالٍ. 4أَوْ لأَنَّهُمْ دَهِشُوا مِنْ قُوَّتِهَا وَفِعْلِهَا؛ فَلْيَتَفَهَّمُوا بِهَا كَمْ مُنْشِئُهَا أَقْوَى مِنْهَا. 5فَإِنَّهُ بِعِظَمِ جَمَالِ الْمَبْرُوءَاتِ يُبْصَرُ فَاطِرُهَا عَلَى طَرِيقِ الْمُقَايَسَةِ. 6غَيْرَ أَنَّ لِهؤُلاَءِ وَجْهًا مِنَ الْعُذْرِ، لَعَلَّهُمْ ضَلُّوا فِي طَلَبِهِمْ للهِ وَرَغْبَتِهِمْ فِي وِجْدَانِهِ، 7إِذْ هُمْ يَبْحَثُونَ عَنْهُ مُتَرَدِّدِينَ بَيْنَ مَصْنُوعَاتِهِ؛ فَيَغُرُّهُمْ مَنْظَرُهَا، لأَنَّ الْمَنْظُورَاتِ ذَاتُ جَمَالٍ. 8مَعَ ذلِكَ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ مَغْفِرَةٍ، 9لأَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا قَدْ بَلَغُوا مِنَ الْعِلْمِ أَنِ اسْتَطَاعُوا إِدْرَاكَ كُنْهِ الدَّهْرِ؛ فَكَيْفَ لَمْ يَكُونُوا أَسْرَعَ إِدْرَاكًا لِرَبِّ الدَّهْرِ؟
ع1 : فى هذا الأصحاح يتحدث عن عبادة الأوثان، ويظهر مدى جهل وخطأ تابعيها. فيقرر الحكيم سليمان غباء الذين يعبدون المخلوقات دون الخالق، ويتعجب كيف لم يستطيعوا إدراك الله الكائن فى مخلوقاته، ويعرفوه من خلال الخيرات التى يفيضها على العالم! فالله إن كان كائن وحده بذاته، ولكن آثاره وعمله واضحان فى مخلوقاته وخيراته التى يفيض بها على الكل. ولو نظروا باهتمام إلى المخلوقات، وتأملوا فيها، لأدركوا أن خلفها خالق عظيم قد أوجدها، وهو الله. وقد أكد هذا المعنى داود النبى فى المزامير (مز19: 1). والله نفسه قد حذر شعبه من عبادة الطبيعة فى (خر20: 4، 5). أما الثلاث فتية، فدعوا الخليقة كلها لتمجيد الله خالقها وحده (دا 3: 57-87).
غريب أن ينشغل الإنسان بعطايا الله عن المعطى نفسه، ويتمادى فى جهله، فيتعلق بهذه الماديات ويعبدها، كما يعلن بولس الرسول فى رسالته إلى أهل رومية “عبدوا المخلوق دون الخالق” (رو1: 25).
احترس يا أخى رغم علمك الكثير – أنت الذى انتهت إليك أواخر الدهور – أن تتعلق بالماديات من مال ومركز ومقتنيات، بل وبشر، تُعجب بهم، فيشغلوك عن الله خالقهم، وتهمل علاقتك به، بدلاً من أن تقودك هذه إلى معرفته وتمجيده وشكره.
ع2: مدار النجوم : المسار الذى تسير فيه الكواكب.
لجة المياه : المياه العميقة.
نيرى السماء : الشمس والقمر.
لقد تاثر الوثنيون بقوى الطبيعة، مثل النار التى تلتهم ما يصادفها، وتحوله إلى رماد، أو الرياح العاصفة التى تحمل معها الكثير من الجمادات، بل وتقتلع الأشجار، وتهدم المنازل، وشعروا بقوة هذه المخلوقات، فاعتبروها آلهة وعبدوها.
وتأملوا النسيم العليل، وشعروا بجماله وهو يلف ويحتضن الكل، فقالوا إنه الله. وعندما ارتفعت عيونهم نحو السماء، ونظروا الكواكب الجبارة القوية المتحركة أمامهم، خافوها وعبدوها.
والبحر العظيم بأمواجه العالية، التى تحمل السفن، وتقلبها إن شاءت، فأحسوا أمامه بالخوف وعبدوه. وقد عبدوا أيضاً الشمس والقمر، النورين العظيمين، اللذين يضيئان النهار والليل. فقد رأوا فى أشعة الشمس وحرارتها وتأثيرها على الكون كله، وفى القمر الذى يضئ ظلمة الليل، جمالاً وروعة وجبروتاً، فى نفس الوقت سجدوا لها وعبدوها.
كل هذه المخلوقات ظهر سلطان الله عليها، فجعل النار لا تحرق الثلاث فتية (دا3: 50)، وشق البحر الأحمر أمام شعبه، فعبروا على اليابسة (خر14: 21)، ويشوع أمر الشمس والقمر أن يقفا فى مكانهما فأطاعاه (يش10: 12).
ع3: خلبوا : أعجبوا إعجاباً شديداً.
ولكن ألم يفهم هؤلاء الوثنيون أن وراء جمال هذه المخلوقات صانع عظيم هو الجمال نفسه. فإن كانت المخلوقات جميلة، فبالطبع صانعها أكثر جمالاً منها؛ لأن هذه المخلوقات لابد أن يكون لها خالق. ومن يستطيع أن يجعلها جميلة بهذه الدرجة، لابد أن يكون أجمل منها.
ع4: مُنشئها : خالقها.
وإن كانت هذه المخلوقات قوة كبيرة، فكم تكون قوة خالقها، الذى هو الله الحقيقى وحده. فالقادر أن يصنع مخلوقات قوية تفزع الإنسان، ويشعر بضعفه أمامها، فبالأولى يكون خالقها أقوى منها بكثير جداً، وهو بالطبع الذى يستحق العبادة وحده.
ع5: المبروءات : المخلوقات.
فاطرها : خالقها.
على طريق المقايسة : مقارنةً بـ … أو قياساً بـ …
لقد خلق الله الإنسان رأساً لكل الخليقة؛ ليقودها فى تسبيح الله، ولكن لما سقط فى الخطية، فقد حكمته، وعبد هذه المخلوقات؛ لذا يستعيد أولاد الله وضع الإنسان الطبيعى فى سلطانهم على الطبيعة. فإيليا يأمر السماء، فلا تمطر ثلاث سنين وستة أشهر (1مل17: 1؛ يع5: 17)، ويستخدم النار النازلة من السماء، لتعلن قبول الله لذبيحته (1مل18: 38). أما المسيح آدم الثانى، فقد سار على المياه، وداسها بقدميه، وخضعت له (مر6: 48)، وانتهر الرياح والبحر فأطاعاه (مر4: 39). ويتقدم الثلاث فتية القديسون؛ لينادوا الخليقة كلها لتقوم وتسبح الله معهم؛ عندما التقوا به داخل أتون النار (دا3: 51-90)، وهذا الجزء الأخير حذفه البروتستانت فى النسخة البيروتية التى بين أيدينا، ولكن الكنيسة – اهتماماً منها بهذا الجزء – تقوله كل يوم فى تسبحتها، وتسميه الهوس الثالث، أى التسبيح الثالث.
وعندما تقول الآية “على طريق المقايسة” تقصد أنه إن كانت المخلوقات دقيقة وعظيمة وجميلة، فيفهم من هذا أن خالقها دقيق وعظيم وجميل كما ذكرنا. وإدراك الإنسان لله يكون على قدر تخيل عقل الإنسان، فهو لا يدرك إلا القليل عن الله؛ لأن الله عظيم وكامل فى كل شئ وغير محدود. فالإنسان نسبياً يفهم الله على قدر طاقته وفهمه، فيشعر بعظمته ويمجده على الدوام.
ليتك تتأمل جمال الله وقوته فى كل الطبيعة المحيطة بك؛ السماء والهواء، والشمس، والقمر، والنباتات، والحيوانات؛ لتمجد الله، وتفرح بأعماله المحيطة بك، فيطمئن قلبك، ويمتلئ سلاماً.
ع6، 7 : رغبتهم فى وجدانهم : ميل ضميرهم للبحث عن الله.
ويظهر هنا قلب سليمان الحنون الذى يشفق على الوثنيين، فيلتمس لهم فى البداية العذر فى عبادتهم للخلائق، إذ هى جميلة جداً، فانبهروا بجمالها، ولكن كان قصدهم البحث عن الله بين خلائقه. فقد تحركوا بصوت الله داخلهم، أى الضمير، باحثين عنه ليعبدوه.
ع8، 9: كنه : جوهر أو معنى.
ثم يعود – بعد التماس العذر – يقرر عدم غفران الله لهم؛ لأنه وهبهم العقل الذى يدركون به، ويفهمون جوهر هذه الخلائق. فكيف لم يفهموا أن وراء هذه الخلائق خالق، ووراء الطبيعة رب وسيد ؟ فانبهارهم بجمال الخلائق لا يلغى عقلهم، وقصدهم الحسن فى البحث عن الله، ليس عذراً كافياً لضلالهم، وقد أدرك ذلك بولس الرسول (رو1: 25).
فقد أدرك الإنسان أن هناك قانون تسير به الطبيعة فى دوران الكواكب، وفى تعاقب النهار والليل، وفى نمو النباتات، وحياة الحيوانات، فكيف لم يفهموا أن واضع هذه القوانين الله؛ خالق ومدبر الكون كله؟! ولكن هذه هى الحكمة البشرية المحدودة، والتى لا تستطيع إدراك كل شئ. وبالإيمان يستطيع الإنسان أن يفهم وجود الله، فيخضع له، ويستعين به؛ ليكمل نقصه فى الفهم.
لا تلتمس العذر لنفسك فى أخطائك، بل اطلب نعمة الله؛ لتنير عقلك، وتستخدم عواطفك، وكل إمكانياتك، فتسير بحكمة فى طريق الملكوت، ويكشف لك الله أسراره، فتفهم أحداث العالم وكل الخليقة.
(2) صناعة الأصنام وحقارتها (ع 10- 19):
10أَمَّا الَّذِينَ سَمَّوْا أَعْمَالَ أَيْدِي النَّاسِ آلِهَةً، الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَمَا اخْتَرَعَتْهُ الصِّنَاعَةُ، وَتَمَاثِيلَ الْحَيَوَانِ وَالْحَجَرَ الْحَقِيرَ مِمَّا صَنَعْتَهُ يَدٌ قَدِيمَةٌ؛ فَهُمْ أَشْقِيَاءُ وَرَجَاؤُهُمْ فِي الأَمْوَاتِ. 11يَقْطَعُ نَجَّارٌ شَجَرَةً مِنَ الْغَابَةِ طَوْعَ الْعَمَلِ، وَيُجَرِّدُهَا بِحِذْقِهِ مِنْ قِشْرِهَا كُلِّهِ، ثُمَّ بِحُسْنِ صِنَاعَتِهِ يَصْنَعُهَا آلَةً تَصْلُحُ لِخِدْمَةِ الْعَيْشِ، 12وَيَسْتَعْمِلُ نُفَايَتَهَا وَقُودًا لإِعْدَادِ طَعَامِهِ. 13ثُمَّ يَأْخُذُ قِطْعَةً مِنْ نُفَايَتِهَا لا تَصْلُحُ لِشَيْءٍ، خَشَبَةً ذَاتَ اعْوِجَاجٍ وَعُقَدٍ، وَيَعْتَنِي بِنَقْشِهَا فِي أَوَانِ فَرَاغِهِ، وَيُصَوِّرُهَا بِخُبْرَةِ صِنَاعَتِهِ عَلَى شَكْلِ إِنْسَانٍ، 14أَوْ يُمَثِّلُ بِهَا حَيَوَانًا خَسِيسًا، وَيَدْهُنُهَا بِالإِسْفِيدَاجِ، وَيُحَمِّرُ لَوْنَهَا بِالزُّنْجُفْرِ، وَيَطْلِي كُلَّ لَطْخَةٍ بِهَا. 15وَيَجْعَلُ لَهَا مَقَامًا يَلِيقُ بِهَا، وَيَضَعُهَا فِي الْحَائِطِ وَيُوَثِّقُهَا بِالْحَدِيدِ، 16وَيَتَحَفَّظُ عَلَيْهَا
أَنْ لاَ تَسْقُطَ، لِعِلْمِهِ بِأَنَّهَا لاَ تَقُومُ بِمَعُونَةِ نَفْسِهَا، إِذْ هِيَ تِمْثَالٌ يَفْتَقِرُ إِلَى مَنْ يُعِينُهُ. 17ثُمَّ يَتَضَرَّعُ إِلَيْهَا عَنْ أَمْوَالِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَبَنِيهِ، وَلاَ يَخْجَلُ أَنْ يُخَاطِبَ مَنْ لاَ رُوحَ لَهُ. 18فَيَطْلُبُ الْعَافِيَةَ مِنَ السَّقِيمِ، وَيَسْأَلُ الْمَيْتَ الْحَيَاةَ، وَيَسْتَغِيثُ بِمَنْ هُوَ أَعْجَزُ شَيْءٍ عَنِ الإِغَاثَةِ، 19وَيَتَوَسَّلُ مِنْ أَجْلِ السَّفَرِ إِلَى
مَنْ لاَ يَسْتَطِيعُ الْمَشْيَ، وَيَلْتَمِسُ النُّصْرَةَ فِي الْكَسْبِ وَالتِّجَارَةِ وَنُجْحِ الْمَسَاعِي مِمَّنْ هُوَ أَقْصَرُ مَوْجُودٍ بَاعًا.
ع10: ثم يهاجم هنا الكتاب المقدس عبادة الأصنام، أى التماثيل المصنوعة من الفضة والذهب، أو الحجر، أو الخشب، فكيف يسمون مصنوعات الأيدى الجامدة المائتة آلهة، ويسجدون لها ؟ إن هذا يتنافى مع كل منطق وعقل. كيف يتعبد الصانع لما صنعه ؟ إنه تمثال لإنسان، أو حيوان يصنعه الإنسان بيده، فكيف يتعبد له ؟
ع11، 12: طوع : صالحة ومناسبة.
يجردها : ينزع منها.
بحذقه : بمهارته وتدقيقه.
نفايتها : بقاياها.
ثم يشرح بالتفصيل صناعة تماثيل الآلهة الوثنية. فما يحدث حقيقة هو أن يأتى النجار ويختار شجرة، أو فروع الأشجار ذات الخشب المناسب، ويقطعها، ويذهب بها إلى بيته، أو محل عمله، ويقسمها إلى أجزاء وشرائح؛ ليصنع منها قطعة من أثاث البيت، أو آلة من آلات العمل فى الزراعة، أو الصناعة، أو خلافه، بعد أن ينزع عنها قشر الشجرة الخارجى، وما يتبقى من قطع الخشب الصغيرة، والقشر يجمعه؛ ليوقد به النار لطهى طعامه.
ونلاحظ أن النجار بحسب مهارته يستطيع أن يصنع من قطعة الخشب آلة تنفعه فى عمله وبيته. ويمكن أيضاً – كما يظهر من الآيات التالية – أن يصنع منها تمثالاً يتعبد له. فمهارة الإنسان نعمة إلهية يعطيها له الله؛ ليستخدمها للخير، ولكنه أحياناً يستخدمها فى الشر، كما فى صناعة الأصنام.
ع13، 14: خسيساً : حقيراً دنيئاً.
الإسفيداج : مسحوق أبيض يستخدم فى طلاء التماثيل.
الزنجفر : مادة حمراء تستخدم فى الطلاء.
وبين نفاية الخشب، أى الأجزاء الغير صالحة لشئ، التى يستخدمها كوقود للنار، قد يجد النجار بعض قطع الخشب معوجة، ولا تصلح لعمل الآلات، فيضعها جانباً ولا يوقد بها النار، وفى أوقات فراغه يحاول تهذيبها؛ ليخرج منها شكل تمثال لإنسان، أو وجه رجل، أو شكل حيوان، وهى مخلوقات أدنى من الإنسان. ثم يطلى هذا التمثال الذى صنعه بمواد طلاء؛ سواء البيضاء التى تعطى مظهر البهاء والنقاء، أو اللون الأحمر، الذى يعطى مظهر الملك والسلطان، وقد يطليه (يلطخه) بعدة ألوان.
هكذا نرى أن الأجزاء الخشبية التى ظهرت أمام النجار أنها بلا نفع، استطاع بمهارته أن يصنع منها تمثالاً. والعجيب أنه يتعبد هو ومن حوله لها، ويطلبون منها أن تحفظهم فى طرقهم وحياتهم. كيف هذا ؟ وهو يعرف أن قطعة الخشب بلا قيمة، وهو الذى أعطاها هذا المنظر الجميل، وطلاها بالألوان، فيعتبرها إلهاً يسجد له، ويطلب معونته ؟! هذا هو منتهى الحماية الحماقة.
ويلاحظ أن هذا النجار قد صنع من قطعة الخشب الحقيرة تمثالاً تعبد له، وكان ذلك فى وقت فراغه. ففى وقت الفراغ سار فى طريق الإلحاد، وابتعد عن الله، وعبد الأصنام، فلنحترس من وقت الفراغ لنستغله حسناً، وإلا فالشيطان يمكن أن يوجهنا لصنع شرور كثيرة.
ع15، 16: يوثقها : يقيدها ويربطها.
بعد إعداد التمثال يختار له الصانع مكاناً بارزاً فى البيت، ينظره جميع الناس، فإما أن يضعه على قطعة من الأثاث، ويثبته عليهأ، أو يعلقه على الحائط، بعد أن يربطه بحبل فى مسمار حديدى؛ ليحفظ هذا التمثال من السقوط على الأرض، إذ هو قطعة ضعيفة حقيرة من الخشب بلا قوة، وإذا سقطت لن تستطيع إقامة نفسها. وقد أكد هذا المعنى إشعياء (إش44:
9-17)، وكذا إرميا (إر10: 3-5).
إن الله يعطى لكل خلائقه جمالاً. والصانع يعطى جمالاً لما يصنعه. وأنت أيضاً بعمل الخير تستطيع أن ترى وتحول كل شئ للخير مثل إلهك، وبهذا ترى الله فى كل شئ وتمجده، وتجعل الضعيف قوياً بنعمة إلهك. فلا تسقط فى عبادة الأوثان، ولكن انشر الخير فى كل مكان.
ع17: يتعجب الكتاب المقدس من الإنسان بعدما يصنع بيديه تمثالاً، ويعلقه على الحائط، أن يقف أمامه يصلى إليه، ويعتبره إلهاً، ويطلب منه المال وطلبات لنفسه ولأسرته. كيف يتكلم مع الجماد الميت الذى بلا روح ؟
ع18: السقيم : المريض.
كيف يصل الجهل بالإنسان أن يسأل قطعة الخشب التى كانت نفاية معوجة بعقد بلا نفع؟! كيف يسأل هذه الخشبة السقيمة الرديئة أن تعطيه الصحة والعافية ؟ وهل تستطيع الخشبة الميتة أن تحفظ حياة الإنسان ؟! .. هل يستغيث الإنسان طالباً النجدة فى مشاكله من قطعة خشب، أو حجارة حقيرة هى أضعف جماد على الأرض، لا تستطيع أن تغيث نفسها إذا أراد أحد أن يكسرها، أو يحطمها ؟!
ع19: نجح المساعى : نجاح المقاصد.
أقصر باعا : أقل قدرة.
ويقف أيضا أمام التمثال الذى بلا حركة، ولا يستطيع أن يترك مكانه ولو خطوة واحدة، فيطلب أن يحفظه فى سفره، ويرافقه ليحميه من الأخطار.
وإذا كان يسعى فى مشروع، أو موضوع ما، يطلب من الصنم أن ينجح مساعيه، مع أن هذا التمثال ليس له أية قدرة على عمل شئ.
ومن المنطقى أن يطلب الإنسان من له قدرة أكثر منه، فيستطيع أن يساعده، وليس أقوى من الله خالق كل الموجودات، والقادر على كل شئ، بل ويحب البشر، ويساند أولاده الذين يطلبونه. ما أغرب ما يحدث اليوم، عندما يتعلق قلبك يا أخى بالمال، أو المركز، أو أية شهوة ردية، وتتوهم أنها قادرة على إسعادك، فتعصى الله، وتختار هذه الماديات بدلاً منه. إنك أنت الذى تصنع المال والمركز، وأنت سيد كل الغرائز و الماديات، فكيف تُستعبد لها ؟!