مصير الأبرار والأشرار
(1) مصير الأبرار (ع1-9):
1أَمَّا نُفُوسُ الصِّدِّيقِينَ فَهِيَ بِيَدِ اللهِ، فَلاَ يَمَسُّهَا الْعَذَابُ. 2وَفِي ظَنِّ الْجُهَّالِ أَنَّهُمْ مَاتُوا، وَقَدْ حُسِبَ خُرُوجُهُمْ شَقَاءً، 3وَذَهَابُهُمْ عَنَّا عَطَبًا، أَمَّا هُمْ فَفِي السَّلاَمِ. 4وَمَعَ أَنَّهُمْ قَدْ عُوقِبُوا فِي عُيُونِ النَّاسِ؛ فَرَجَاؤُهُمْ مَمْلُوءٌ خُلُودًا، 5وَبَعْدَ تَأْدِيبٍ يَسِيرٍ لَهُمْ ثَوَابٌ عَظِيمٌ، لأَنَّ اللهَ امْتَحَنَهُمْ فَوَجَدَهُمْ أَهْلًا لَهُ. 6مَحَّصَهُمْ كَالذَّهَبِ فِي الْبُودَقَةِ، وَقَبِلَهُمْ كَذَبِيحَةِ مُحْرَقَةٍ. 7فَهُمْ فِي وَقْتِ افْتِقَادِهِمْ يَتَلأْلأُونَ، وَيَسْعَوْنَ سَعْيَ الشَّرَارِ بَيْنَ الْقَصَبِ، 8وَيَدِينُونَ الأُمَمَ وَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى الشُّعُوبِ، وَيَمْلِكُ رَبُّهُمْ إِلَى
الأَبَدِ. 9الْمُتَوَكِّلُونَ عَلَيْهِ سَيَفْهَمُونَ الْحَقَّ، وَالأُمَنَاءُ فِي الْمَحَبَّةِ سَيُلاَزِمُونَهُ، لأَنَّ النِّعْمَةَ وَالرَّحْمَةَ لِمُخْتَارِيهِ.
ع1: إن كان الأشرار يذهبون بعد الموت إلى العذاب الأبدى، فعلى الجانب الآخر، فإن نفوس الأبرار لا يصيبها عذاب، أو أذى، بل إنهم محفوظون فى يد الله، يتمتعون بعد الموت بسلام كامل، ويخلدون فى راحة مع الله؛ حتى وإن كانوا فى العهد القديم يذهبون للجحيم – مكان انتظار الأشرار؛ لأن المسيح لم يكن قد تمم الفداء بعد – فهم لا ينزعجون، بل لهم رجاء ثابت فى الراحة والنعيم. وفى العهد الجديد ينقلهم الموت مباشرة إلى فردوس النعيم – مكان انتظار الأبرار – كما حدث مع اللص اليمين (لو23: 43).
ع2: أما الأشرار فلبعدهم عن الله صاروا جهلاء، فيظنون أن الأبرار قد انتهت حياتهم
إلى العدم، وقد نالوا عقاباً فى حياتهم بكثرة الآلام، ولم يتلذذوا بشهوات العالم، وانتهت حياتهم
إلى لا شئ، فهذا منتهى الشقاء؛ لأن الجهال يرون أن الحياة السعيدة هى عدم وجود آلام، ويكون لهم كثرة من البنين والبنات، ويعيشون مدة طويلة. أما عند الأبرار فالسعادة هى الإحساس بالله، ومساندته لهم، وتمتعهم بعشرته على الأرض، ثم بعد ذلك فى السماء.
ع3: عطباً : تلفاً وخسارة.
وأضاف الأشرار فى تعليقهم على حياة الأبرار، فقالوا : إن موتهم، وذهابهم من هذه الحياة هو تلف وخسارة، إذ لم يتمتعوا بشهوات هذه الحياة، وذهبوا إلى العدم، ولكن الحقيقة أن الأبرار قد عاشوا فى سلام على الأرض، ثم انتقلوا للسلام الكامل فى الحياة الأخرى، لأنهم محفوظون فى يد الله كما ذُكر فى (ع1).
ع4: ورغم أن الأبرار كانت حياتهم على الأرض مملوءة بالآلام، وحرموا أنفسهم من شهوات العالم الشريرة، إلا أنهم عاشوا فى عشرة الله، وانتقلوا إلى الخلود فى الأبدية السعيدة، متمتعين برؤية الله، ومحفوظين فى يده. فحياتهم فى نظر الأشرار كانت مملوءة بالعقاب الإلهى، ولكن الحقيقة أنهم احتملوا أتعاباً محدودة فى هذه الحياة، وكان رجاؤهم ثابتاً فى الله، الذى ذاقوا حلاوته جزئياً على الأرض، ورجاؤهم الذى نالوه هو السعادة الأبدية.
إن نفسك محفوظة فى يد الله، فلا تخشى مقاومة الأشرار لك فى هذه الحياة؛ لأنهم لا يستطيعون أن يضروك، إلا إذا سمح الله لفائدتك. وبعد الموت تتمتع بالسلام والخلود والنعيم الدائم مع الله.
لا تهتم بآراء الأشرار وتشكيكاتهم؛ لأن نظرتهم مادية قاصرة، أما أنت فلك استنارة روحية، وترى الله المختفى وراء الماديات، والذى أعد لك أعظم مكافأة بعد هذه الحياة، وهى النعيم الأبدى.
ع5: يسير : قليل.
أهلاً : مستحقاً.
وحقيقة الأمر أن الله يريد أن يكافئ أولاده إلى الأبد، ويعطيهم كنوز بركاته، ووسيلته لذلك هى امتحانهم بالتجارب فى فترة الحياة القصيرة، فإذا احتملوا، بشكر وثبات فى الإيمان، آلام هذه الحياة، استحقوا أمجاد السماء العظيمة، وصاروا مستحقين لعشرة الله، ومعيته، والتمتع بالوجود الدائم معه، وكما يقول معلمنا بولس الرسول: “فإنى أحسب أن آلام الزمان الحاضر لا تقاس بالمجد العتيد أن يُستعلن فينا” (رو8: 18)، وكذلك يقول أيضاً: “لأن خفة ضيقتنا الوقتية تنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبدياً” (2كو4: 17).
ع6: محصهم : فحصهم بالتدقيق.
البودقة: أو البوتقة وهى إناء يتحمل درجات حرارة عالية، يوضع فيه الذهب، ويوضع على النار؛ لينصهر الذهب، وتنفصل عنه شوائب المواد الغريبة.
إن الله يثق فى محبة أولاده له، ومعدنهم العظيم كالذهب، ويقصد بالتجارب ليس عقابهم، بل تخليصهم من الخطية، كما نضع الذهب فى البوتقة، أو البودقة، لنمتحنه ونخلصه من الشوائب.
إن احتمال الأبرار للآلام هو تقديم ذبيحة حب لله، ذبيحة محرقة، أى اشتراك فى ذبيحة المسيح المصلوب، فهم يقدمون حباً على أعلى مستوى.
هل رأيت يا أخى كم هى مكانة وعظمة الآلام التى تحتملها من أجل المسيح، إنها دليل محبتك له، ووسيلة تخليصك من شوائب الخطية، واشتراك فى صليبه.
إن العالم لا يفهم ذلك لجهله، أما أنت فلا تتعطل بأفكارهم، بل تعمق فى محبتك له وفى احتمال الآلام بشكر، وافحص نفسك فى كل ضيقة؛ لتقدم توبة عن خطاياك، وتفكر كم من الآلام احتمل المصلوب لأجلك، فتستهين بآلامك، وتقدمها ذبيحة صغيرة على مذبح حبه.
ع7: يتلألأون : يلمعون ويضيئون.
ويصف الكتاب مصير الأبرار بعد الموت بأنهم يتلألأون كالنجوم فى السماء فى مجد لا يعبر عنه، كما تنبأ دانيال عنهم وقال : أنهم يضيئون كالجلد إلى أبد الدهور (دا12: 3). والمسيح نفسه قال عنهم : “يضيىء الأبرار كالشمس فى ملكوت أبيهم” (مت13: 43). ويوم الافتقاد يمكن أن يتم على الأرض، عندما يصرخ أولاد الله إليه فى ضيقتهم ويتلألأون، ويمجدون الله. ويصعد الأبرار بسرعة إلى مكانهم العظيم بين يدى الله فى السماء، كما تسرع شرارة النار سريعاً وسط أعواد القصب (أو القش فى ترجمة أخرى). وسعى الشرار بين القصب يشير إلى إدانة الأبرار للأشرار؛ هذا يحدث جزئياً على الأرض، ولكن الأشرار يرفضون صوت الله، بل يتهمون الأبرار بالعناء، وينغمسون فى شهواتهم الشريرة. ولكن فى الأبدية يكون الأبرار ببرهم كمشاعل نار تحرق الأشرار، الذين يظلون فى عذاب إلى الأبد كعقاب من الله؛ لأنهم لم يتعلموا من الأبرار فى الأرض، ورفضوا صوت الله، وقد أعلن بولس صوت الله “أن القديسين سيدينون العالم” (1كو6: 2).
ع8: وإذ تظهر مكافأة الأبرار تدين شر الأشرار؛ لأن الأبرار سلكوا بالاستقامة، ونالوا مجازاتهم، فما عذر الأشرار الذين عاشوا فى نفس ظروفهم، ورفضوا أن يخضعوا لله ؟! ويكون الأبرار فى مكان العظمة والتسلط، أما الأشرار فيكونون فى أدنى مستوى، وسط العذاب الأبدى. ويملك الله على قلوب الأبرار، وأرواحهم فى السماء، ويملكون معه فى مجد إلى الأبد.
ع9: سيتمتع أولاد الله المتوكلون عليه بنظر الحق، أى الله، وتتجلى أكثر أمامهم حكمته. والذين يفهمون الحق، وهو الله، تصير مشيئتهم مثل مشيئته، ويعرفون سر المجد الذى يتمتعون به، وهو نعمة الله التى ساعدتهم على التمسك بوصاياه. وسر عذاب الأشرار لاختيارهم شهواتهم الشريرة، بدلاً من محبة الله والخضوع له.
وعلى قدر أمانة الإنسان فى محبة الله والناس سيكون قريباً لله، وملازماً له إلى الأبد.وفى هذا الحفل السمائى تفيض مراحم الله على أولاده، ونعمه لمختاريه الذين أعد لهم هذا المجد من قبل تأسيس العالم.
هل بعدما رأيتِ يا نفسى كل هذا المجد يشغلك أى شئ من تفاهات العالم، مهما بدت مبهرة؟ إن كل مجد العالم يتصاغر أمام عظمة المجد الأبدى. فتعالى مع كل أولاد الله نستعد للأبدية بالصلاة والتأمل والتناول من الأسرار المقدسة، تاركين عنا اهتمامات هذه الحياة الزائلة.
(3) مصير الأشرار (ع10-19):
10أَمَّا الْمُنَافِقُونَ فَسَيَنَالُهُمُ الْعِقَابُ الْخَلِيقُ بِمَشُورَاتِهِمْ، إِذِ اسْتَهَانُوا بِالصِّدِّيقِ، وَارْتَدُّوا عَنِ الرَّبِّ، 11لأَنَّ مُزْدَرِيَ الْحِكْمَةِ وَالتَّأْدِيبِ شَقِيٌّ. إِنَّمَا رَجَاؤُهُمْ بَاطِلٌ، وَأَتْعَابُهُمْ بِلاَ ثَمَرَةٍ، وَأَعْمَالُهُمْ لاَ فَائِدَةَ فِيهَا. 12نِسَاؤُهُمْ سَفِيهَاتٌ، وَأَوْلاَدُهُمْ أَشْرَارٌ، 13وَنَسْلُهُمْ مَلْعُونٌ. أَمَّا الْعَاقِرُ الطَّاهِرَةُ الَّتِي لَمْ تَعْرِفِ الْمَضْجَعَ الْفَاحِشَ فَطُوبَى لَهَا. إِنَّهَا سَتَحُوزُ ثَمَرَتَهَا فِي افْتِقَادِ النُّفُوسِ. 14وَطُوبَى لِلْخَصِيِّ الَّذِي لَمْ تُبَاشِرْ يَدُهُ مَأْثَمًا، وَلاَ افْتَكَرَ قَلْبُهُ بِشَرٍّ عَلَى الرَّبِّ؛ فَإِنَّهُ سَيُعْطَى نِعْمَةً سَامِيَةً لأَمَانَتِهِ، وَحَظًّا شَهِيًّا فِي هَيْكَلِ الرَّبِّ. 15لأَنَّ ثَمَرَةَ الأَتْعَابِ الصَّالِحَةِ فَاخِرَةٌ، وَجُرْثُومَةَ الْفِطْنَةِ رَاسِخَةٌ. 16أَمَّا أَوْلاَدُ الزُّنَاةِ فَلاَ يَبْلُغُونَ أَشُدَّهُمْ، وَذُرِّيَّةُ الْمَضْجَعِ الأَثِيمِ تَنْقَرِضُ. 17إِنْ طَالَتْ حَيَاتُهُمْ فَإِنَّهُمْ يُحْسَبُونَ كَلاَ شَيْءٍ، وَفِي أَوَاخِرِهِمْ تَكُونُ شَيْخُوخَتُهُمْ بِلاَ كَرَامَةٍ. 18وَإِنْ مَاتُوا سَرِيعًا؛ فَلاَ يَكُونُ لَهُمْ رَجَاءٌ وَلاَ عَزَاءٌ فِي يَوْمِ الْحِسَابِ، 19لأَنَّ عَاقِبَةَ الْجِيلِ الأَثِيمِ هَائِلَةٌ.
ع10: الخليق : اللائق والمناسب.
إذا كانت نهاية الأبرار عظيمة بهذا المقدار، فمن ناحية أخرى فإن نهاية الأشرار المنافقين صعبة، إذ يسلكون بالشر ضد صوت الله الذى فى داخلهم، وهو الضمير، ويستهينون بالصديق البار وسلوكه، الذى هو حسب وصايا الله، ويتمادون فى شرهم. ويكون عقاب الأشرار بحسب أفكارهم الشريرة، التى أخذوها من الشيطان، فعلى قدر ما سلكوا فى مشورات شريرة يكون عقابهم، أى أن هناك درجات للعقاب، وهذا يؤكد عدل الله.
ع11: مزدرى : محتقر.
وكل أعمال الأشرار فى حياتهم باطلة بلا ثمر، إذ كلها شهوات شريرة، وانهماك فى أنانيتهم، وليس فى محبة الله، فارتدوا عنه. هذه نتيجة من يرفض الحكمة الإلهية، ويسلك فى ضلال الشر.
ع12: سفيهات : تافهات وكلامهن بلا نفع. بل أكثر من هذا أن عائلات الأشرار التى يتركونها بعدهم مملوءة شراً، بسبب تعاليمهم وسلوكهم الشرير، فنساؤهم يتكلمن كلاماً باطلاً، وأولادهم يسلكون فى الشر مثلهم، وهم مرفوضون من الله، بل وملعونون.
ويلاحظ أن الأشرار سقطوا فى ثلاثة شرور هى :
1- استهانوا بالصديق. 2- ارتدوا عن الرب. 3- ازدروا بالحكمة والتأديب.
لا تهمل وصايا الله منشغلاً بماديات العالم. وإن وضع الله فى طريقك إنساناً باراً، فتعلم منه محبة الله، حتى لا تدان فى النهاية بسبب كبريائك،وإهمالك لصوت الله لك. إهتم بتقديم محبة ورعاية روحية. إهتم بخلاص نفوس كل من حولك، مهما كانوا بعيدين، أو رافضين، فالله قادر، ولو بعد حين، أن يجذبهم إليه بصلواتك وخدمتك لهم، كما ساعد القديسة مونيكا، فأرجعت إليه ابنها أغسطينوس، وزوجها، وحماتها الوثنيين.
ع13: المضجع الفاحش : مكان الرقاد لممارسة الزنى.
ستحوز : ستنال.
يتكلم عن العاقر، أى التى لم تلد، وكان العقر فى العهد القديم يُعتبر نقصاً كبيراً، وعدم استحقاق للقداسة، إذ أن كل امرأة من شعب الله كانت تنتظر أن يأتى منها المسيا، أى المسيح. فمن لا تلد تعتبر غير مستحقة لنوال البركة بولادة البنين، الذين قد يكون المسيح من نسلهم.
فهذه العاقر رغم أنها لم تلد، وحفظت قلبها نقياً شاكراً لله، حتى لو لم يكن لها أولاد، فهى تمثل الثبات فى نقاوة القلب دون مكافأة أرضية، وهى بهذا تدخر لنفسها مكافأة أبدية.
وهذه العاقر أيضاً تشير للنفس المتبتلة، التى فضلت أن تحيا بدون أولاد جسديين، وتكرس حياتها لمحبة الله على الأرض، فتستحق مجازاة عظيمة فى السماء، ويعوضها الله على الأرض ببركات كثيرة.
ع14: تباشر : تمتد.
مأثماً : خطية.
وهذا الخصى الذى لا يستطيع الزواج وإنجاب البنين، ومع هذا لم يكسر وصايا الله بالشرور المختلفة، فله مكافأة عالية فى السماء.
وهو يشير للإنسان الذى خصى نفسه لأجل الله، ليس بمعنى أنه أحدث تلفاً فى أعضائه، بل تنازل عن احتياجاته الغريزية الطبيعية، وحولها لمحبة الله، وخدمته، أى الإنسان البتول المكرس لله، فهذا له مجد عظيم فى السماء. وهذه الآية تشير لكلام المسيح الذى قاله عن البتوليين، إذ قال : “يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات” (مت19: 12).
هذا الخصى، الذى هو البتول، ينال حظاً شهياً فى هيكل الرب، والهيكل هو مكان لقاء الله مع الإنسان، واتحاده به، هذا تم فى هيكل العهد القديم، حيث توجد شركة بين الإنسان والله، وفى العهد الجديد باتحاد الإنسان بالله من خلال الجسد والدم، أما فى الأبدية، فينال البتول مكانة عظيمة لا يمكن التعبير عنها.
إن النفس التى أحبت الله، واستغنت به عن كل محبة أرضية، قد صار لها دخول إلى أعماق الله. هذه هى النفس المتبتلة التى ينتظرها مجد عظيم فى أحضان الحب الإلهى فى السماء.
ما أجمل الطهارة والعفة، ليس فقط للمتبتلين الذين يمجدهم الكتاب المقدس بوضوح، ولكن أيضاً للمتزوجين، حتى لا ينهمكوا فى شهوات العالم، بل يكون هدف الكل هو محبة الله. وكلما انشغلنا بمحبة الله، نتنازل تدريجياً عن احتياجاتنا المادية، فننال مكافأتنا فى السماء.
ع15: جرثومة: ميكروب صغير لا يرى بالعين المجردة، وينتشر، ويؤثر سريعاً بقوة على الإنسان.
الفطنة : الحكمة.
راسخة : ثابتة.
يختم يشوع كلامه عن البتولية بهذه الآية، فيعلن أن من يتعبون فى حفظ طهارتهم كبتوليين، لهم أجر عظيم من الله. فهذه الأتعاب من أجل حياة البتولية هى أتعاب صالحة، وثمرتها فاخرة على الأرض بتعزيات وبركات كثيرة، ثم فى السماء أمجاد عظيمة.
وجرثومة الفطنة هى بذرة الحكمة الصغيرة التى يهبها الله للإنسان، فتعمل بسرعة وقوة فى كل كيانه. وعلى قدر ما يتعب البتول فى حفظ طهارته، والتمتع بعشرة الله، يثبت فى حياة راسخة فى الله، ويتمتع بها إلى الأبد.
ع16: لا يبلغون أشدهم : يموتون فى سن صغيرة.
تنقرض : تفنى.
إن كانت عاقبة البتولية والتكريس للحب الإلهى هكذا عظيمة فى السماء، فعلى العكس، نرى نتيجة الخطية، أى الزنى، شقاء وتعب. فأولاد الزناة يتعلمون الزنى والشر من آبائهم، وحياتهم تصبح قصيرة، ليس فقط فى عدد السنوات، ولكن تكون كل حياتهم بلا فائدة، وكأنهم لم يولدوا؛ لأنهم لم يعرفوا الله. وإذا استمروا فى الزنى، فإن الله يعاقبهم بأن يفنوا، ولا يكون لهم ذرية على الأرض.
ويمكن أن يكون المقصود بأولاد الزناة هم من لا يعبدون الله، بل يعبدون الأصنام، وينغمسون فى شهوات العالم؛ وهذا هو الزنى الروحى، فهؤلاء أيضاً لا ينالون بركة الله لا فى الأرض، ولا فى الحياة الأخرى.
الله لا يعاقب أولاد الزناة بسبب خطية آبائهم، ولكن لأنهم سلكوا هم أيضاً مثلهم فى الزنى، إذ أن كل واحد مسئول عن سلوكه (حز18: 2-4).
ع17-19: الأشرار، أو أولاد الزناة لا تطول حياتهم – كما ذكرنا فى (ع16) – وإن طالت حياتهم وبلغوا سن الشيخوخة تكون حياتهم بلا قيمة، ولا تكون لهم كرامة أمام الله، وحتى الناس يشعرون بشرهم وخزيهم.
وبعد موت هؤلاء الأشرار لا يكون لهم راحة، أو رجاء فى السعادة الأبدية، بل ينتظرهم العذاب الذى لا ينتهى؛ لأن عقاب الله للأشرار فظيع جداً، ويشمل كل من سار فى الشر، ورفض الله؛ فكل هذا الجيل الشرير يدان، ويتعذب. لا تترجى يا نفسى راحة من شرورك، فإن كل أفعال الخطية مؤذية لك ولمن حولك، “لأن غضب الإنسان لا يصنع بر الله” (يع1: 20)، فلا تغضبى مثلاً بحجة إعلان الحق، وتفقدى سلامك، وتزعجى الآخرين، وتظنى أن هذا يرضى الله. إهربى من الشر وكل مصادره فتحتمى من العذاب الأبدى، وتتمتعى بسلام الله.