بر أولاد الله وانحطاط صناع الأصنام وعابديها
(1) أبوة الله حـماية من الأصنام (ع1-6):
1وَأَنْتَ يَا إِلهَنَا ذُو صَلاَحٍ وَصِدْقٍ، طَوِيلُ الأَنَاةِ وَمُدَبِّرُ الْجَمِيعِ بِالرَّحْمَةِ. 2فَإِذَا خَطِئْنَا فَنَحْنُ فِي يَدِكَ، وَقَدْ عَلِمْنَا قُدْرَتَكَ، لكِنَّا لاَ نَخْتَارُ الْخَطَأَ لِعِلْمِنَا بِأَنَّا مِنْ خَاصَّتِكَ. 3فَإِنَّ مَعْرِفَتَكَ هِيَ الْبِرُّ الْكَامِلُ، وَالْعِلْمَ بِقُدْرَتِكَ هُوَ أَصْلُ الْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ. 4لِذلِكَ لَمْ يُغْوِنَا مَا اخْتَرَعَتْهُ صِنَاعَةُ النَّاسِ الْمَمْقُوتَةُ، وَلاَ عَمَلُ الْمُصَوِّرِينَ الْعَقِيمُ مِنَ الصُّوَرِ الْمُلَطَّخَةِ بِالأَلْوَانِ. 5الَّتِي فِي النَّظَرِ إِلَيْهَا فَضِيحَةٌ لِلْسُّفَهَاءِ بِعِشْقِهِمْ، صُورَةَ تِمْثَالٍ مَيْتٍ لاَ رُوحَ فِيهِ. 6لاَ جَرَمَ أَنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَهَا وَالَّذِينَ يَعْشَقُونَهَا وَالَّذِينَ يَعْبُدُونَهَا هُمْ كَلِفُونَ بِالْمُنْكَرَاتِ، وَهُمْ أَهْلٌ لأَنْ تَكُونَ آمَالُهُمْ فِي أَمْثَالِ هذِهِ.
ع1: وقف سليمان أمام الله منبهراً بكماله وعظمته، فأخذ يسبحه، معلناً صلاحه وسط هذا العالم الشرير، الذى قلت فيه الأعمال الصالحة؛ لانشغال الناس بشهواتهم.
ويمجد أيضاً صدق الله وسط عالم يسوده الكذب؛ لتحقيق الأغراض الشخصية. أما الله فلأنه كامل فى قدرته، ولا يحتاج لأحد، فهو بالتالى لا يحتاج أن يكذب.
وهو أيضاً طويل الأناة، ويتعامل مع كل البشر بالرحمة؛ لأنه حنون وطيب، فيسعى لمعونة الضعفاء، ويعطى فرصة كل يوم لتوبة الخاطئ. فتظهر هنا أبوة الله الذى يملك على قلوب أولاده، فيحميهم من السقوط فى عبادة الأصنام. أما الأصنام التى تسمى آلهة، فهى تخيف تابعيها، أو تدفعهم إلى الشهوات، وليس لها أبوة لمن يعبدها.
أعطنى يا إلهى أن أشبع بك فلا أعود أحتاج لهذا العالم الباطل، بل أفيض عليه من حبك، وأحنو على الجميع. أكون قوياً بك، فأعلن حقك بصدق لكل أحد، واحتمل الكل بلا تذمر؛ لأكسبهم لك.
ع2: إذا كان الله كاملاً، لكننا كبشر نسقط كثيراً فى الخطية، وهى موجهة لله صاحب السلطان علينا، وهو عادل وقادر على إيقاع العقاب علينا، لكن الدافع الأكبر لنا لنترك الخطية، ليس مجرد الخوف من العقاب الإلهى، بل بالأولى لأننا أبناء الله وخاصته، ولا يليق بنا أن نسلك فى الخطية، فهى ليست من طبعنا الذى خلقنا الله عليه، وهى دخيلة علينا من شر هذا العالم. فيظهر فى هذه الآية أهمية مخافة الله ومحبته، فبهما نبتعد عن كل شر.
ع3: ونتجه كأولاد لله، ليس فقط إلى ترك الخطية، بل إلى هدفنا الحقيقى، وهو معرفة الله الذى يكمل نقاوتنا وبرنا، ويبعدنا أكثر وأكثر عن الخطية. ثم يزداد إيماننا بالله، فإن معرفة الله وقدرته تثبت الإيمان، والإيمان يرفع قلوبنا برجاء إلى الأبدية، أى الحياة الدائمة. وهكذا يزداد تمتعنا بعشرة الله، ونسلك كمواطنين سماويين فى روحانية ونحن نعيش على الأرض، متمتعين دائماً بأبوة الله وصلاحه. والمسيح نفسه أعلن فى العهد الجديد فى صلاته، أن الحياة الأبدية هى معرفة الله (يو17: 3).
ليت معرفتك يا الله تجذب قلبى، وتصير هدفى الوحيد، فأسعى باهتمام لتذوق حلاوتك فى كل ممارساتى الروحية، وانشغل بك عن شرور العالم المحيطة بى، حتى لو كنت وحدى وسط عالم غريب عنك؛ لأنى ابنك، ولا أستطيع مهما سقطت أن أصير ابناً للعالم؛ لأنى أحبك.
ع4: يغونا : يغرينا.
الممقوتة : المكروهة.
العقيم : الذى لم ينجب، أو يلد.
يتحدث هنا عن عبادة الأصنام، معلناً أن أولاد الله إذ انشغلوا بمحبته، لم تستطع عبادة التماثيل أن تجذبهم إليها، فهى اختراعات البشر الشريرة التى يكرهها الله. وما صوره الناس من أشكال، ودهنوها بألوان جذابة، هى فى نظر أولاد الله تماثيل بلا نفع، عقيمة، أى لا تلد وبلا فائدة، ولا يبهرهم ألوانها البراقة، بل يرونها ملطخة بالألوان.
إن العالم يصور كل يوم صوراً جديدة؛ ليشغل بها قلبك، وكل هذه الصور يستتر وراءها الشيطان؛ ليجذب قلبك إليه بعيداً عن الله. فتمسك بمعرفة الله، يظهر لك خزى شهوات العالم، ومباهجه، واثقاً “أن محبة العالم عداوة لله” (يع4: 4).
ع5: السفهاء : التافهون، والمقصود عابدو الأصنام.
إن تعلق الكثيرين بعبادة الأصنام هو خزى كبير، بل فضيحة أمام الملائكة والقديسين فى السماء، وأمام كل المؤمنين على الأرض. فكيف يحب الناس التمثال الميت، ويتركون الإله
الحى ؟!
ع6: المنكرات : الشهوات الخاطئة.
إن انشغال صناع وعابدى الأصنام بهذه التماثيل هو انشغال بالشهوات، وهذا يدل على أنهم تافهون؛ لأنهم وضعوا أهدافهم وآمالهم فى هذه الأصنام العديمة القيمة؛ لأن الصناع كانوا يبرزون أعضاء الجسد المثيرة للشهوة؛ ليجذبوا بها عابدى الأوثان؛ لذلك تعلقوا برؤيتها، بل وبعبادتها.
إكشف عن عينى يا رب لأرى بطلان مظاهر العالم الخادعة، وقوته الزائفة، فينجذب قلبى إليك بأكثر قوة، ولا تعود تبهرنى فخاخ إبليس المنصوبة عن يمينى وعن يسارى، ويتعلق قلبى بحبك؛ لأن كل شئ بلا قيمة، إن قيس بحبك.
(2) خطايا صناع الأصنام (ع7-13):
7إِنَّ الْخَزَّافَ يُعْنَى بِعَجْنِ الطِّينِ اللَّيِّنِ، وَيَصْنَعُ مِنْهُ كُلَّ إِنَاءٍ مِمَّا نَسْتَخْدِمُهُ؛ فَيَصْنَعُ مِنَ الطِّينِ الْوَاحِد الآنِيَةَ الْمُسْتَخْدَمَةَ فِي الأَعْمَالِ الطَّاهِرَةِ وَالْمُسْتَخْدَمَةَ فِي عَكْسِ ذلِكَ، وَأَمَّا تَخْصِيصُ كُلِّ إِنَاءٍ بِوَاحِدَةٍ مِنَ الْخِدْمَتَيْنِ فَإِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى حُكْمِ صَانِعِ الطِّينِ. 8وَبِعَنَائِهِ الْمَمْقُوتِ يَصْنَعُ مِنْ هذَا الطِّينِ إِلهًا بَاطِلًا، وَهُوَ إِنَّمَا وُلِدَ مِنَ الطِّينِ مِنْ حِينٍ يَسِيرٍ، وَعَنْ قَلِيلٍ سَيَعُودُ إِلَى مَا أُخِذَ مِنْهُ حِينَ يُطَالَبُ بِدَيْنِ نَفْسِهِ. 9غَيْرَ أَنَّ هَمَّهُ لَيْسَ بِأَنَّهُ يَتْعَبُ وَلاَ بِأَنَّهُ قَرِيبُ الأَجَلِ، لكِنَّهُ يُبَارِي صَاغَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَيُعَارِضُ النَّحَّاسِينَ، وَيَعْتَدُّ مَا يَصْنَعُهُ مِنَ الْخَسَائِسِ فَخْرًا. 10فَقَلْبُهُ رَمَادٌ، وَرَجَاؤُهُ أَخَسُّ مِنَ التُّرَابِ، وَحَيَاتُهُ أَحْقَرُ مِنَ الطِّينِ، 11لأَنَّهُ جَهِلَ مَنْ جَبَلَهُ، وَنَفَخَ فِيهِ نَفْسًا عَامِلَةً وَرُوحًا مُحْيِيًا. 12بَلْ حَسِبَ حَيَاتَنَا عَبَثًا، وَعُمْرَنَا مَوْسِمًا لِلاِكْتِسَابِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنَ الرِّبْحِ بِكُلِّ حِيلَةٍ وَلَوْ بِالظُّلْمِ.
13فَإِنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّهُ أَعْظَمُ جُرْمًا مِنَ الْجَمِيعِ، لأَنَّهُ يَصْنَعُ مِنْ طِينِ الأَرْضِ آنِيَةً قَصِمَةً وَمَنْحُوتَاتٍ.
ع7: يعنى : يهتم.
إن الخزاف الذى يعجن الطين، ويشكله، ثم يحرقه ليصير خزفاً، يُستخدم فى الأغراض المختلفة، هو قادر أن يعده إناءً مفيداً لاستخدامات الحياة اليومية، أو يشكله بشكل يضر الإنسان. وليس أخطر من تشكيله بشكل تمثال لإله يعبده الناس، فيبعدهم عن عبادة الله. وقد أكد بولس الرسول نفس هذا المعنى (رو9: 21).
إن الله أعطاك الإرادة والإمكانيات والمواهب التى تستطيع أن تستخدمها للخير، أو للشر. إنك تقدر أن تعمل أعمالاً صالحة كل يوم، تفيدك وكل من حولك، أو تصنع شروراً تضرك، وتسئ إلى المحيطين بك. إن الله أقامك رأساً لهذا العالم؛ لتصنع بنعمته كل ما هو حسن، فهل تطيعه، أم تعصاه وتطيع إبليس فى أعمال الشر المختلفة ؟!
ع8: بعنائه : بتعبه.
الممقوت : المكروه.
يسير : قليل.
وإذا اتجه الصانع إلى فعل الشر بعمل تمثال يعبده الناس، فهو يتناسى إنه قد ركز جهوده ليصنع من الطين أقبح شر. وكما صنع من الطين هذا التمثال، فهو نفسه كإنسان قد خُلق من الطين، وكل ما يميزه هو روح الله الذى فيه. فإذا عوج روح الله بفعل الشر، فإن نهايته هو الهلاك. وكما أنه قد خلق منذ مدة قريبة من الطين، ستنتهى حياته أيضاً سريعاً، ويعود جسده هذا إلى الطين، أو التراب، أما روحه فتدان أمام الله لما فعلته من شر، وتنتظر عقابها الأخير مع الجسد فى العذاب الأبدى.
لا تنسَ يا أخى، عندما تعمل أعمالاً عظيمة، أو يمدحك الآخرون، أنك قد خلقت من التراب مثلى، وستعود إليه بعد مدة هذه الحياة، فلا تتكبر، بل اسرع لعمل الصالحات، وعش فى التوبة؛ ليبررك المسيح إلهنا فى يوم الدينونة.
ع9: يبارى : ينافس.
يعتد : يحسب ويعتبر.
الخسائس : الأشياء الحقيرة.
وينشغل صناع الأصنام فى عمل هذه التماثيل متسابقين مع بعضهم ومع من مثلهم من صناع تماثيل النحاس والفضة والذهب، متناسين أن تعبهم هذا باطل، وأن نهاية حياتهم قريبة، بل فى تهورهم يفتخرون بتماثيلهم هذه الحقيرة، ويعتبرونها عملاً عظيماً.
كيف تنخدع يا أخى بإنجازاتك المادية ؟! لا تنسى أن كلامك وأعمالك سيزولان قريباً مع نهاية حياتك، بل انتبه لئلا يكون ما تفتخر به شراً. إفحص كلامك وأعمالك، كم هى تقودك والآخرين إلى معرفة الله، أو تبعدك وتبعدهم عنه.
ع10: أخس : أحقر.
غريب هذا الإنسان الذى خلقه الله من التراب، ونفخ فيه نسمة حياة، وجعله على صورته ومثاله، كيف ينحط ثانية إلى التراب، ويعطل روح الله الذى فيه؟! بل باتباعه أفكار إبليس فى صنع تماثيل؛ ليزيغ بها الناس عن عبادة الله، يصير أحقر من التراب الذى خُلق منه، لأن التراب لا يعمل شراً، أما هو فيبعد الناس عن الله. وهكذا ملأ، بدلاً من المشاعر الراقية داخل القلب، رماداً وتراباً، وصار رجاؤه فى الشيطان بدلاً من الله، وأصبحت حياته مستعبدة لإبليس، فهى أحقر من حياة كل ما على الأرض. وصانع الأصنام أيضاً يتعبد ويرجو إلهاً قد صنعه بيده من الطين، فرجاؤه فى التراب والطين.
لماذا يا نفسى تنزعى مسيحك من القلب، وتضعى بدلاً منه شهواتك وخطاياك، وتُستعبدى لإبليس اللعين، فتصيرى أحقر من التراب.
ع11: لقد خلق الله الإنسان بصورة يستطيع بها إدراك من خلقه. فضمير الإنسان هو صورة الله داخله، وبعقله وعواطفه يميل إلى الله مصدر حياته، فيحيا فى سعادة. ولكن صانع الأصنام لم يعرف الله خالقه، الذى نفخ فيه نفخة الحياة، وأعطاه نفساً تعمل فى جسده، فيصير حياً، بل متمتعاً بروح من الله فيه، تميزه عن باقى الخلائق.
لماذا انشغلت عنك يا مصدر حياتى بشهوات باطلة، أعمت عينى عن رؤيتك، وفقدت حكمتى التى وهبتنى إياها، فصرت مثل الحيوانات، بل وأحط منها، وتعطلت نفسى عن عمل مرضاتك، والتمتع بالحياة معك.
ع12: عبثاً : بلا قيمة.
وإذا فقد الإنسان علاقته بالله صارت حياته بلا معنى، وبحث عن هدف آخر لها، وهو محبة المال، أى ماديات هذا العالم، وأخذ يجرى وراء المكاسب المادية بوسائل شريرة، حتى لو سرق حقوق غيره بالظلم، ظناً منه أنه بهذا يحقق سعادته. فصانع الأصنام يخدع الناس ويوهمهم أن الصنم إله، فيتعلقون به، ويعبدوه، وبهذا يبعدهم عن الله. كل هذا ليكسب مكاسب مادية؛ حتى لو على حساب الآخرين وضلالهم.
لقد سبق ربنا يسوع المسيح وأعلن خطورة محبة المال، وأنه سيد منافس له داخل قلب الإنسان، ولا يمكن الجمع بين الله والمال. فكيف يتعلق قلبى بماديات العالم بدلاً من الله، وأصبحت أنزعج لكل مكسب وخسارة، تاركاً مصدر شبعى وقوتى، وهو الوجود معك يا الله.
ع13: قصمة: قابلة للقسم والكسر.
وفيما ينشغل الإنسان بشهواته، وجريه وراء المكاسب المادية، فإن صوت الله داخله يوبخه بأن كل أعماله باطلة، قابلة للكسر والفساد. وأن تماثيله المنحوتة هى حقيرة، وتضل الناس بعيداً عن الله. ولكنه يهمل صوت الله؛ لذا فخطيته أكبر من الكل؛ لأنه يعلم أن ما يعمله خطأ ويصر عليه.
إن كل الخطايا تُغفر للإنسان مهما كانت كبيرة وشنيعة، على شرط التوبة والرجوع لله. ولكن المشكلة أن يستبيح الإنسان الخطية، ويبررها، ويصر عليها بتهاونه، فلا ينتظره بعد هذا إلا عقاب شنيع.
(3) جهل عبدة الأصنام (ع14-19):
14إِنَّ جَمِيعَ أَعْدَاءِ شَعْبِكَ الْمُتَسَلِّطِينَ عَلَيْهِمْ هُمْ أَجْهَلُ النَّاسِ، وَأَشْقَى مِنْ نُفُوسِ الأَطْفَالِ، 15لأَنَّهُمْ حَسِبُوا جَمِيعَ أَصْنَامِ الأُمَمِ آلِهَةً تِلْكَ الَّتِي لاَ تُبْصِرُ بِعُيُونِهَا، وَلاَ تَنْشَقُ الْهَوَاءَ بِأُنُوفِهَا، وَلاَ تَسْمَعُ بِآذَانِهَا، وَلاَ تَلْمُسُ بِأَصَابِعِ أَيْدِيهَا وَأَرْجُلُهَا، عَاجِزَةٌ عَنِ الْخَطْوِ، 16لأَنَّهَا إِنَّمَا عَمِلَهَا إِنْسَانٌ، وَالَّذِي أُعِيرَ رُوحًا صَنَعَهَا وَلَيْسَ فِي طَاقَةِ إِنْسَانٍ أَنْ يَصْنَعَ إِلهًا مِثْلَهُ، 17وَإِنَّمَا هُوَ فَانٍ فَيَصْنَعُ بِيَدَيْهِ الأَثِيمَتَيْنِ مَا لاَ حَيَاةَ فِيهِ. فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ مَعْبُودَاتِهِ، إِذْ هُوَ قَدْ كَانَ حَيًّا، وَأَمَّا هِيَ فَلَمْ تَكُنْ حَيَّةً الْبَتَّةَ. 18وَهُمْ يَعْبُدُونَ أَعْدَى الْحَيَوَانِ، مِمَّا هُوَ أَشَدُّ الْبَهَائِمِ عُجْمَةً، 19وَلَيْسَ فِيهِ مَا فِي مَنْظَرِ الْحَيَوَانَاتِ الأُخَرِ مِنَ الْحُسْنِ الشَّائِقِ، إِذْ فَاتَهُ مَدْحُ اللهِ وَبَرَكَتُهُ.
ع14: يتحدث هنا عن المصريين الذين تسلطوا على شعب الله إسرائيل فى مصر مدة أربعمائة سنة. ورغم سلطانهم وقوتهم – إذ كانوا أصحاب أول إمبراطورية فى العالم – لكن بعبادتهم الوثنية صاروا أجهل الناس، بل وأشقى من الأطفال؛ لأن الأطفال يعتمدون على والديهم، الذين يساعدونهم فى كل حياتهم، أما المصريون فيعتمدون على آلهة، هى تماثيل جامدة، عاجزة عن عمل أى شئ، وبالتالى لا تفيدهم ولا تنفعهم، أو تساندهم. وقد فهم المؤمنون هذا عندما وقفوا أمام التماثيل فى عصر الاستشهاد، فهزأ الأطفال أيضاً من هذه التماثيل، وهذا يؤكد جهل عبدة الأوثان؛ لأنهم أقل فهماً من هؤلاء الأطفال.
ع15: فكيف يتفق ذكاء وسلطان الفراعنة مع عبادتهم لتماثيل لا تبصر، أو تتنفس الهواء، أو تسمع، ولا تستطيع أن تلمس أحداً، أو تتحرك من مكانها؛ كيف يعبدون شيئاً جامداً بلا حياة؟
كيف يتعلق قلبك أيها الإنسان بماديات العالم الجامدة، وأنت تعلم ضعف هذه الماديات فى حد ذاتها، إنها عاجزة أن تعين نفسها، فكيف تعينك أيها الجاهل ؟!
ع16: أعير : أعطى.
إن الذى صنع التماثيل هو إنسان، والإنسان لا يستطيع أن يخلق إنساناً مثله، بل يصنع ما هو أقل منه، أى هذه التماثيل الجامدة. فأنت إله لهذه التماثيل، وليست هى آلهة لك، وإن كان الإنسان عاجزاً عن صنع إنسان مثله، فلابد أن يكون خالق الإنسان هو الله العظيم الذى لا يُرى، والروح التى فيك هى هبة منه.
ع17: فان : قابل للفناء.
البتة : مطلقاً.
و الذى يؤكد أن الإنسان أفضل من الأصنام التى صنعها، إنه كان حياً ثم مات، أما هذه فهى ميتة منذ أن صنعت. وبهذا فالإنسان الذى يعبد تمثالاً بلا حياة، سيموت مثله إلى الأبد فى العذاب. أما من يعبد الله الحى، فينال الخلود معه فى ملكوت السموات.
ع18: أعدى : أكثر عداوة.
عجمة : لغة غير مفهومة، والمقصود أصوات الحيوانات.
وعندما فقد الإنسان علاقته بالله، فقد أيضاً مركزه كرأس للخليقة، فصار يخاف من الحيوانات التى كانت تطيعه فى الجنة قديماً. ومن خوفه منها صنع تماثيل لها، وسجد أمامها. كيف انحط الإنسان إلى هذا المستوى، ِأن يتعبد لحيوانات عاجزة عن الكلام المفهوم، بل هى أشد أعدائه، فهى حيوانات مفترسة. وأيضاً هو لا يتعبد لحيوان حى، بل تمثال له، بلا حياة؛ هذا هو قمة الجهل.
ع19: الشائق : المرغوب فيه، والذى يشتاق الإنسان إليه.
وهذه الحيوانات هى قبيحة الشكل أكثر من غيرها من الحيوانات الأليفة التى تأكل النباتات، ولا تفترس الإنسان. ويظهر من هذا أن الإنسان فاته، ونسى تمجيد الله وتسبيحه، وفقد بركة الله، كما قال بولس الرسول (رو1: 21-23).
عندما يبتعد الإنسان عن الله يصير فى جهل، فيستعبد لكل ما هو حقير، بل هكذا يفعل إبليس به، ويذله؛ لأنه فقد رعاية الله بعدم خضوعه له. إن الله مازال يطلبك يا نفسى لتعودى إلى محبته، فتستعيدى حكمتك، وتستخدمى العالم دون أن يستخدمك.