أفراح نصرة السماء
(1) أصوات التهليل (ع1-8):
1وَبَعْدَ هَذَا، سَمِعْتُ صَوْتًا عَظِيمًا، مِنْ جَمْعٍ كَثِيرٍ فِى السَّمَاءِ، قَائِلاً: «هَلِّلُويَا، الْخَلاَصُ وَالْمَجْدُ وَالْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ لِلرَّبِّ إِلَهِنَا، 2لأَنَّ أَحْكَامَهُ حَقٌّ وَعَادِلَةٌ، إِذْ قَدْ دَانَ الزَّانِيَةَ الْعَظِيمَةَ الَّتِى أَفْسَدَتِ الأَرْضَ بِزِنَاهَا، وَانْتَقَمَ لِدَمِ عَبِيدِهِ مِنْ يَدِهَا.» 3وَقَالُوا ثَانِيَةً: «هَلِّلُويَا، وَدُخَانُهَا يَصْعَدُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ.» 4وَخَرَّ الأَرْبَعَةُ وَالْعِشْرُونَ شَيْخًا وَالأَرْبَعَةُ الْحَيَوَانَاتُ، وَسَجَدُوا لِلَّهِ الْجَالِسِ عَلَى الْعَرْشِ قَائِلِينَ: «آمِينَ، هَلِّلُويَا.» 5وَخَرَجَ مِنَ الْعَرْشِ صَوْتٌ قَائِلاً: «سَبِّحُوا لإِلَهِنَا يَا جَمِيعَ عَبِيدِهِ، الْخَائِفِيهِ، الصِّغَارِ وَالْكِبَارِ.» 6وَسَمِعْتُ كَصَوْتِ جَمْعٍ كَثِيرٍ، وَكَصَوْتِ مِيَاهٍ كَثِيرَةٍ، وَكَصَوْتِ رُعُودٍ شَدِيدَةٍ قَائِلَةً: «هَلِّلُويَا، فَإِنَّهُ قَدْ مَلَكَ الرَّبُّ الإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ. 7لِنَفْرَحْ وَنَتَهَلَّلْ وَنُعْطِهِ الْمَجْدَ، لأَنَّ عُرْسَ الْخَرُوفِ قَدْ جَاءَ، وَامْرَأَتُهُ هَيَّأَتْ نَفْسَهَا. 8وَأُعْطِيَتْ أَنْ تَلْبَسَ بَزًّا نَقِيًّا بَهِيًّا، لأَنَّ الْبَزَّ هُوَ تَبَرُّرَاتُ الْقِدِّيسِينَ.»
ع1: “هللويا” : تعبير يعنى الفرح والتهليل ويحمل أيضًا التسبيح والتمجيد.
جمع كثير : تعبير عن كثرة العدد، وكذلك تنوع الفئات.
سمع القديس يوحنا بعد ذلك صوتًا مصدره كل الخليقة السمائية (ملائكة وأراوح الشهداء والقديسين) يعلنون فرحهم، فهلَّلوا بالشكر مسبحين الله وجاءت كلمات تسبحتهم تحمل وتوضح أسباب هذا الفرح.
فالسبب الأول : هو عظمة الرب المخلص وعظمة خلاصه، فهو صاحب المجد والكرامة وحده وكلى القدرة، وهذا ما تردده الكنيسة فى صلوات البصخة عندما تصلى : لك القوة والمجد والبركة والعزة إلى الأبد.
ع2، 3: أما السبب الثانى فهو الفرح بأن أحكام الله هى أحكام عادلة وإن تمهل فيها فإدانة الشر تفرح كل من عاش وجاهد فى البر والتقوى، خاصة عندما يرون إدانة مملكة الشر ورئيسها الشيطان وتعذيبهم بمثل ما عذبوا أيضًا أبناءه القديسين، وكما أن النعيم الذى سيتمتع به أبناء الله الأمناء أبدى، كذلك سيكون العذاب لمملكة الشر أبديًا أيضًا، إذ يصعد دخان حريقها إلى مالا نهاية.
ع4: بعد أن جمع القديس يوحنا كل الخليقة السمائية فى مشهد التسبيح والتهليل، يقترب بالأكثر من عرش الله حيث الأربعة والعشرون قسيسًا والأربعة الحيوانات المحيطين بعرش الله (راجع ص4: 4-8) يكررون مشهد السجود ويهتفون بمثل هتاف جمع السمائيين “آمين هللويا” مؤكدين مشاركتهم للجمع فى الفرح والتسبيح.
ع5: خرج من العرش : لا نعلم لمن هذا الصوت ولكنه خرج من مركز السماء أى عرش الله.
الخائفين : الذين عاشوا بمخافة الله، وحفظتهم هذه المخافة من مملكة الشر.
الصغار والكبار : أى مهما كانت القامة أو الرتبة، فالدعوة بالتسبيح عامة للجميع.
جاءت دعوة من أحد الخلائق السمائية تعلن وجوب اشتراك الجميع فى التسبيح والترنيم والبهجة والإعتراف بعمل الله وعدله.
ع6: جاءت استجابة الخليقة السمائية كلها للدعوة، بتقديم التسبيح والمجد لله، ولشدة وعظمة صوتها عُبِّر عنها بأنها “صوت جمع كثير” مثل أصوات سقوط مياه الشلالات العظيمة ومثل صوت الرعود المرعبة فى آذان الناس. أما موضوع وكلمات تسبيحها فكانت إعلان ملكوت الله الكامل وسيادته المطلقة على كل شئ بعد نهاية وزوال مملكة الشر، وهم يقدمون لنا بذلك سببًا ثالثًا لتسبحة الفرح.
ع7: عرس الخروف : إعلان ملكوت الله فى مجيئه الثانى.
امرأته : كنيسته المجاهده والتى جاء زمن فرحها وإعلان نصرتها.
سببًا رابعًا لأفراح السماء وهو إعلان بدء أفراح عرس الخروف، وذلك عندما يأتى فى مجيئه الثانى ويعلن نهاية الحياة على الأرض وبدء الحياة والسعادة الأبدية، وكلمة “عُرس الخروف” تعنى أنه فرح مركزه ومصدره المسيح نفسه أما امرأته فهى رمز للكنيسة الأمينة المجاهدة التى صبرت على الأهوال وجاء زمن تنعمها أخيرًا… والمعنى أيضًا يشمل ارتباط المسيح ارتباطًا أبديًا (عبر عنه بالزيجة) بكل نفس بشرية على حدة حافظت على طهارتها ولم تتلوث بالعالم ولم تكن لها بابل موطنًا أبدًا، ولهذا صارت مكافأتها أن تلبس لبس العروس وتظهر فى أبهى زينتها.
ع8: أما زينتها ونقاءها فعبر عنه بالكتان (البز) النقى والذى يشير إلى طهارتها ونقائها وبرها (الكنيسة أو النفس)، فمن المعروف أن السماء لن يدخلها شئ نجس (رؤ21: 8) وتعبير “أعطيت” معناه أن المسيح فى عدله وانتقامه من الشيطان ومملكته وأتباعه يكافئ أيضًا من كان أمينًا من أولاده القديسين إذ هو وحده مصدر كل عطية وفرح ونعمة وسعادة أبدية.
? سيدى وإلهى الحبيب، إن التأمل والنظر فى هذا المنظر الجميل والرائع يخلق فى النفس أشواقًا ولهفة تجعلها تدرك مشاعر القديس بولس عندما صرَّح بشهوة قلبه ورغبته فى الانطلاق من الأرض للسماء حيث عرس الخروف، ولكن هذه الإشتياقات يا سيدى كثيرًا ما تذبل فى القلب وأنساها.. فأرجوك يا سيدى لا تسمح للعالم وكل مشاغله أن يأخذ من قلبى هذه المشاعر بل جدد دائمًا اشتياقى لك ولبهاء مجد عرسك السمائى… فلا يسرق أحد منى إكليلى.
(2) تطويب وسعادة القديسين (ع9، 10):
9وَقَالَ لِىَ: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلْمَدْعُوِّينَ إِلَى عَشَاءِ عُرْسِ الْخَرُوفِ.» وَقَالَ: «هَذِهِ هِىَ أَقْوَالُ اللهِ الصَّادِقَةُ.» 10فَخَرَرْتُ أَمَامَ رِجْلَيْهِ لأَسْجُدَ لَهُ، فَقَالَ لِىَ: «انْظُرْ، لاَ تَفْعَلْ. أَنَا عَبْدٌ مَعَكَ، وَمَعَ إِخْوَتِكَ، الَّذِينَ عِنْدَهُمْ شَهَادَةُ يَسُوعَ. اسْجُدْ لِلَّهِ، فَإِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِىَ رُوحُ النُّبُوَّةِ.»
ع9: أمر الملاك القديس يوحنا بالكتابة، وهو أمر سبق وتكرر مرارًا والغرض من تكرار الأمر هو إبراز أهمية ما هو آتٍ، أما ما أراد الله كتابته وأن يصل لنا هو رسالة تشجيع لحثنا على مواصلة الجهاد الروحى حتى النهاية، فيعلن أولا سعادة المجاهدين الأمناء الذين صار لهم (دعوة) الدخول إلى أمجاد الملكوت، ويؤكد ثانيا : أن هذا سوف يحدث ومؤكد فأقوال ووعود الله صادقة وأكيدة.
ع10: أمام مهابة الموقف والفرح بالبشرى التى سمعها، وجد القديس يوحنا نفسه ساجدًا باتضاع أمام الملاك، الذى نهاه عن ذلك إذ هو أيضًا (الملاك) من خلائق الله وعبيده وينبغى السجود لله وحده.
الذين عندهم شهادة يسوع : تعبير يعود على الخليقة الأرضية وواجبها فى الشهادة والكرازة والتسبيح للرب يسوع.
شهادة يسوع هى روح النبوة : أى أن الشهادة والكرازة باسم السيد المسيح هى أساس كل نبوة، فالأنبياء فى العهد القديم كان هدف نبواتهم هو المسيح الآتى وفى العهد الجديد كلمة نبوة تعنى بالأكثر تعليم لأنه يتكلم عن ملكوت الله الآتى وكل تعليم فى العهد الجديد هدفه هو المسيح.
تعقيب : “أسجد لله” يستغلّ البعض هذه الآية ويهاجمون تقليد الشعب القبطى فى الإنحناء أمام الآباء الأساقفة وتقبيل أياديهم..؛ أما التعليم الثابت والأجمل فى الكنيسة فهو أن الخضوع والإنحناء ليس لشخص الإنسان ذاته (فنحن لا نسجد لغير الله) ولكننا نؤمن بأننا ننحنى لنعمة وعطية الكهنوت (كهنوت المسيح نفسه) والذى سُلِّم عن طريق المسيح للرسل، ومنهم للآباء الأساقفة بالنفخة المقدسة (يو20: 22).
والمعنى ببساطة أننا نسجد للمسيح المستتر فى مجد كهنوته. بالإضافة إلى اتفاق كل البشر على أن الإنحناء هو الإحترام لذوى المركز فى كل العالم.
? ليتك تتذكر يا أخى الملكوت بكل أفراحه حتى تترك عنك لذات الخطية الزائلة وتستهين أيضًا بآلام الحياة المؤقتة وتسعى باهتمام بعبادة حارة وأتعاب خدمة تعبر بها عن محبتك لله وكل من حولك .
(3) مشهد المسيح المنتصر (ع11-16):
11ثُمَّ رَأَيْتُ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَإِذَا فَرَسٌ أَبْيَضُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ يُدْعَى أَمِينًا وَصَادِقًا، وَبِالْعَدْلِ يَحْكُمُ وَيُحَارِبُ. 12وَعَيْنَاهُ كَلَهِيبِ نَارٍ، وَعَلَى رَأْسِهِ تِيجَانٌ كَثِيرَةٌ، وَلَهُ اسْمٌ مَكْتُوبٌ، لَيْسَ أَحَدٌ يَعْرِفُهُ إِلاَّ هُوَ. 13وَهُوَ مُتَسَرْبِلٌ بِثَوْبٍ مَغْمُوسٍ بِدَمٍ، وَيُدْعَى اسْمُهُ «كَلِمَةَ اللهِ.» 14وَالأَجْنَادُ الَّذِينَ فِى السَّمَاءِ كَانُوا يَتْبَعُونَهُ عَلَى خَيْلٍ بِيضٍ، لاَبِسِينَ بَزًّا أَبْيَضَ وَنَقِيًّا. 15وَمِنْ فَمِهِ يَخْرُجُ سَيْفٌ مَاضٍ، لِكَىْ يَضْرِبَ بِهِ الأُمَمَ. وَهُوَ سَيَرْعَاهُمْ بِعَصًا مِنْ حَدِيدٍ، وَهُوَ يَدُوسُ مَعْصَرَةَ خَمْرِ سَخَطِ وَغَضَبِ اللهِ الْقَادِرِ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ. 16وَلَهُ عَلَى ثَوْبِهِ وَعَلَى فَخْذِهِ اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ.»
فى الأعداد القادمة رؤية تعلن عن قدوم المسيح منتصرًا على أعدائه وتعلن لنا أيضًا الكثير من صفاته.
ع11: مشهدًا جديدًا يصفه لنا القديس يوحنا، إذ يرى السيد المسيح جالسًا على فرس أبيض، وهو نفس المنظر الذى رآه عند فتح الختم الأول (ص6: 2) وتوضح لنا هذه الرؤيا بعض صفات السيد المسيح :
أ ) القوة : إذ هو فارس محارب خرج لينتصر (ص6).
ب ) النقاء والطهارة : فاللون الأبيض دائمًا رمز النقاء والطهارة.
جـ) أمينًا وصادقًا : أمينًا فى إتمام فدائه وإعلان نصرته، وصادقًا فى وعوده وعهوده لأبنائه ومحبيه.
د ) عادل : فهو بالعدل يحكم ويعطى كل واحد بحسب عمله.
هـ) مساند : فهو يحارب مع وعن أولاده أمام كل مكائد العدو الشرير.
ع12: عيناه كلهيب نار : أى الفاحص الخفايا راجع أيضًا (ص1: 14، ص2: 18).
على رأسه تيجان كثيرة : لكل ملك ومملكة تاج واحد، أما كثرة التيجان فهى كناية عن سلطانه المطلق على الخليقة والأمم كلها فهو ملك الملوك.
له اسم مكتوب ليس أحد يعرفه : لأن اسمه هو جوهر الله ذاته الغير محدود والغير مدرك لبشر.
يكمل لنا القديس يوحنا وصف السيد المسيح، فيعلن لنا عن قوة عينيه التى لا يختبئ أمامها أو عنها شئ، وسلطان مُلكه المطلق على الجميع، وكذلك يشير إلى اسمه العجيب والمجيد والذى لا يدرك أحد أبعاده، وهذا يذكرنا بلقاء موسى بالله (خر3: 13، 14) عندما سأل عن اسمه فأجابه الله “أهيه الذى أهيه” أى الكائن والذى يكون ولا يوجد اسم واحد يعبر عن ذاته الإلهية (راجع أيضًا إش9: 6) حيث تنبأ إشعياء عن ميلاد المسيح ووصف اسمه بأنه عجيب.
ع13: متسربلاً بثوب : لابسًا ثوب كثياب الكهنة راجع شرح (ص1: 13).
المنظر الذى يراه هنا القديس يوحنا هو منظر مشابه جدًا لما رآه فى أول سفر الرؤيا (ص1) ولكن يضيف عليه أن ثوب كهنوته مغموس بدم، والمعنى هنا واضح جدًا فإنه يرى السيد المسيح رئيس الكهنة (عب4: 14) ويراه أيضًا كذبيحة فداء قُدِّمت عنا جميعًا، فهو إذًا الذبيحة وهو أيضًا الكاهن الذى قدمها.
اسمه كلمة الله : وهو الاسم اللاهوتى للسيد المسيح أو اسمه الأقنومى (يو1: 1). وقد تم شرح ذلك بالتفصيل فى تفسير إنجيل يوحنا.
ع14: الأجناد : إرتبط اسم الأجناد أو الجنود السمائية بالملائكة ولكن لا يوجد هنا ما يمنع أن يكون معهم جموع القديسين أيضًا.
بزًا أبيض : كتان أبيض.
كما خرج السيد المسيح على فرس أبيض، أعطى أيضًا بنعمته لكل الذين أكملوا سعيهم وغلبوا أن يخرجوا ويتبعوه فى موكب نصرته راكبين مثله خيولاً بيضاء كأنه يشركهم معه فى أمجاد نصرته، وألبسهم كتانًا أبيض رمزًا لنقاء سيرتهم وطهارتهم التى عاشوا بها ولها.
ع15: سيف ماض : أى كلمته أو كلامه راجع (ص1: 16).
يضرب به الأمم : كناية عن شدة كلامه الذى سيدين به الأمم.
عصا من حديد : أى سلطانه القوى على أعدائه راجع أيضًا (ص12: 5).
معصرة خمر سخط وغضب الله : تعبير مستخدم لإبرازه قوة انتقام الله من الشر والأشرار وقدرته الغير محدودة راجع أيضًا (ص14: 20).
يستمر القديس يوحنا فى وصف مشهد رؤيته للمسيح، فيوضح لنا قوة كلمته التى ستدين الأشرار إذ لم يعملوا بها ولم يرتدوا عن شرهم فتصير كلمته دينونة لهم كما قال السيد المسيح ذاته “الكلام الذى تكلمت به هو يدينه فى اليوم الأخير (يو12: 48)، وكذلك سيكون له سلطان الملك عليهم (العصا) إذ أتى زمن مجازاتهم. ولإبراز شدة الغضب والإنتقام، يستطرد القديس يوحنا ويذكرنا بمشهد “معصرة الخمر” فلقد كان الرومان يصنعون أحواضًا صخرية محفورة فى الأرض ويضعون العنب بها وينزل بعض العبيد حفاة الأقدام لدوس العنب بأقدامهم لعصره كخطوة أولى فى إعداد الخمر، فهكذا أيضًا يصير أعداء الله مثل العنب المُدَاس.
ع16: فى (ع12) ذكر القديس يوحنا أن إسم الله عظيم ولا يعرف أبعاده أحد، أما هنا فيذكر أن الله أى السيد المسيح ملتحف باسمه “على ثوبه” والمعنى أن عظمة اسم الله تغطى العالم كله، أما أن يكتب الاسم على الفخذ فهذه إشارة إلى القوة والعمل الإلهى المستمر فى تخليص أبنائه ودحض الشر؛ والاسم المعلن لنا هنا “ملك الملوك ورب الأرباب” يوضح لنا أن مجد الله وملكوته ليس له شبيه فى أى من ممالك العالم العظيمة التى عرفها الناس، بل فى الحقيقة لا يوجد أدنى تقارب، فالمسيح وحده سيد الخليقة كلها وملكها سواء كانت هذه الخليقة سمائية أم أرضية.
كذلك يمكن تفسير الكلام رمزيًا باعتبار أن ثوبه يرمز لكنيسته التى تعلن اسمه أمام العالم كله من أجل التوبة وقبول الخلاص.
? فلنسأل أنفسنا كل يوم قبل نومنا .. هل فعلاً كان المسيح ملكى وربى طوال اليوم .. أم أننى دون قصد منى كان لى ملكًا وربًا آخر من ماديات العالم .. إلهى أريدك أنت أن تكون ملكى الأوحد، ولكنى كثيرًا ما أضلّ، فأرجوك يا إلهى ساعدنى حتى أكرِّس كل قلبى لك وحدك ولا أشتهى سوى ملكوتك.
(4) مشهد نهاية الشر (ع17-21):
17وَرَأَيْتُ مَلاَكًا وَاحِدًا وَاقِفًا فِى الشَّمْسِ، فَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، قَائِلاً لِجَمِيعِ الطُّيُورِ الطَّائِرَةِ فِى وَسَطِ السَّمَاءِ: «هَلُمَّ اجْتَمِعِى إِلَى عَشَاءِ الإِلَهِ الْعَظِيمِ، 18لِكَىْ تَأْكُلِى لُحُومَ مُلُوكٍ، وَلُحُومَ قُوَّادٍ، وَلُحُومَ أَقْوِيَاءَ، وَلُحُومَ خَيْلٍ وَالْجَالِسِينَ عَلَيْهَا، وَلُحُومَ الْكُلِّ حُرًّا وَعَبْدًا صَغِيرًا وَكَبِيرًا.»
19وَرَأَيْتُ الْوَحْشَ وَمُلُوكَ الأَرْضِ وَأَجْنَادَهُمْ مُجْتَمِعِينَ، لِيصْنَعُوا حَرْبًا مَعَ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ وَمَعَ جُنْدِهِ. 20فَقُبِضَ عَلَى الْوَحْشِ وَالنَّبِىِّ الْكَذَّابِ مَعَهُ، الصَّانِعُ قُدَّامَهُ الآيَاتِ، الَّتِى بِهَا أَضَلَّ الَّذِينَ قَبِلُوا سِمَةَ الْوَحْشِ وَالَّذِينَ سَجَدُوا لِصُورَتِهِ. وَطُرِحَ الاثْنَانِ حَيَّيْنِ إِلَى بُحَيْرَةِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ بِالْكِبْرِيتِ. 21وَالْبَاقُونَ قُتِلُوا بِسَيْفِ الْجَالِسِ عَلَى الْفَرَسِ الْخَارِجِ مِنْ فَمِهِ، وَجَمِيعُ الطُّيُورِ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ.
ع17، 18: يستكمل القديس يوحنا رؤياه لمشهد الإنتصار الأخير، فيعلن ظهور ملاك فى الشمس، أى واضحًا للكل، وصرخ بصوت عظيم لأهمية ما سوف يعلنه للجميع، فقد نادى على جميع طيور السماء ويقصد الجوارح الآكلة لللحوم إذ أعدَّ لها الله عشاءً عظيمًا من بقايا أعضاء مملكة الشر المداسة (ع15)، لتأكلها هذه الجوارح.. وذكر فى شرح (ع18) هؤلاء الأعضاء فقد كانوا ملوك الشر وقواده وأقوياءه وفرسانه، فأكلت الطيور لحومهم من كبيرهم إلى صغيرهم، والمشهد فى مجمله هو استكمال لصورة غضب ونقمة الله على الأشرار.
ملاحظة : تأمل الكثير من الآباء فى الفرق بين مشهد “وليمة العرس” (ع9) وهى لمحبى اسم الله القدوس، تلك الوليمة المفرحة، وبين هذه الوليمة العظيمة فى خرابها وبلواها على الأشرار.
ع19، 20: فى مشهد أخير يمثل آخر محاولة يائسة يقوم بها الوحش، ممثل الشيطان وأشد قواده (ص13: 1)، إذ يجمع كل أتباعه الأشرار ليصنعوا حربًا أخيرة مع المسيح بعد إعلان دينونتهم وهلاكهم، فتأتى النهاية الأخيرة ويقبض السيد المسيح على الوحش وممثله الدجال الذى أضلَّ الأمم بالعجائب التى صنعها (راجع ص13: 11-17) حتى زنوا وراءه وتركوا الله.
الذين قبلوا سمة الوحش : أى الذين تبعوا الشيطان وقبلوه إلهًا لهم عوضًا عن الله (راجع ص13: 15 ، ص14: 11).
طرح الأثنان : أى الوحش والنبى الكذاب.
حيين : كناية عن شدة العذاب فما أقسى أن يُحرَق شئ حى.
بحيرة نار متقدمة بكبريت : كناية عن اتساع دائرة النار “بحيرة” وشدتها “كبريت” وسيأتى ذكرها أيضًا فى (ص20، 21)، وهى إشارة إلى الدينونة الأبدية والعذاب اللانهائى وهى ليست الجحيم أى المكان المؤقت الذى ينتظر فيه الأشرار الدينونة.
ملاحظة : إذا ذكر اسم الوحش وحده فهو دلالة رمزية على مملكة الشيطان وسمته، وإذا ذكر اسم التنين ملازمًا له صار التنين هو الشيطان الأعظم والوحش أعظم قواده، ومعهما النبى الكذاب (ص13: 2 ، ص16: 13).
ع21: الباقون : أى ملوك وقادة الشر الأرضيون عدا الوحش والدجال اللذين تمت دينونتهما.
قتلوا بسيف الجالس : أى تمت دينونتهم بأحكام كلمته.
جميع الطيور شبعت : كناية عن نهاية الشر وإتمام دينونة الله العادلة.
فى إشارة إلى مشهد الدينونة، سيقف جميع الأشرار أمام الله ويحاكموا ويدانوا أمام كلمته ووصيته التى أهملوها وأهدروها، فتكون كالسيف الذى يشهد أولاً على مخالفتهم ثم يقتادهم إلى الهلاك فيصيروا وجبة لجوارح السماء فى مشهد أليم ومخيف ومصير محتوم لكل من أهمل إنذارات الله المتتالية (ع17).
? لا تتمادى فى خطيتك مثل الشيطان وكل أتباعه الأشرار الذين ينتظرهم العذاب الأبدى. أنت مختلف عنه لأنك ابن الله ومهما كان سقوطك عظيمًا، إرجع إليه بسرعة فيحتضنك ويسامحك ويساندك بقوته ويزينك بفضائله. تَذَكُّر الدينونة يبعدك عن شهوات كثيرة وتهاون وكسل فتربح خلاص نفسك.