التمهيد لجامات غضب الله
مقدمة الإصحاح : يرتبط هذا الأصحاح بالتالى له فى موضع واحد وهو سبع جامات (ضربات) غضب الله الأخيرة قبل الدينونة، فيشير إليها فقط هذا الأصحاح أما التفاصيل فهى آتية فى الأصحاح السادس عشر.
1ثُمَّ رَأَيْتُ آيَةً أُخْرَى فِى السَّمَاءِ عَظِيمَةً وَعَجِيبَةً: سَبْعَةَ مَلاَئِكَةٍ مَعَهُمُ السَّبْعُ الضَّرَبَاتُ الأَخِيرَةُ، لأَنْ بِهَا أُكْمِلَ غَضَبُ اللهِ. 2وَرَأَيْتُ كَبَحْرٍ مِنْ زُجَاجٍ مُخْتَلِطٍ بِنَارٍ، وَالْغَالِبِينَ عَلَى الْوَحْشِ وَصُورَتِهِ وَعَلَى سِمَتِهِ وَعَدَدِ اسْمِهِ وَاقِفِينَ عَلَى الْبَحْرِ الزُّجَاجِىِّ، مَعَهُمْ قِيثَارَاتُ اللهِ، 3وَهُمْ يُرَتِّلُونَ تَرْنِيمَةَ مُوسَى عَبْدِ اللهِ وَتَرْنِيمَةَ الْخَرُوفِ قَائِلِينَ: «عَظِيمَةٌ وَعَجِيبَةٌ هِىَ أَعْمَالُكَ أَيُّهَا الرَّبُّ الإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ. عَادِلَةٌ وَحَقٌّ هِىَ طُرُقُكَ يَا مَلِكَ الْقِدِّيسِينَ. 4مَنْ لاَ يَخَافُكَ يَا رَبُّ وَيُمَجِّدُ اسْمَكَ؟ لأَنَّكَ وَحْدَكَ قُدُّوسٌ، لأَنَّ جَمِيعَ الأُمَمِ سَيَأْتُونَ وَيَسْجُدُونَ أَمَامَكَ، لأَنَّ أَحْكَامَكَ قَدْ أُظْهِرَتْ.»
5ثُمَّ بَعْدَ هَذَا نَظَرْتُ، وَإِذَا قَدِ انْفَتَحَ هَيْكَلُ خَيْمَةِ الشَّهَادَةِ فِى السَّمَاءِ، 6وَخَرَجَتِ السَّبْعَةُ الْمَلاَئِكَةُ وَمَعَهُمُ السَّبْعُ الضَّرَبَاتُ مِنَ الْهَيْكَلِ، وَهُمْ مُتَسَرْبِلُونَ بِكَتَّانٍ نَقِىٍّ وَبَهِىٍّ، وَمُتَمَنْطِقُونَ عِنْدَ صُدُورِهِمْ بِمَنَاطِقَ مِنْ ذَهَبٍ. 7وَوَاحِدٌ مِنَ الأَرْبَعَةِ الْحَيَوَانَاتِ أَعْطَى السَّبْعَةَ الْمَلاَئِكَةَ سَبْعَةَ جَامَاتٍ مِنْ ذَهَبٍ، مَمْلُوَّةٍ مِنْ غَضَبِ اللهِ الْحَىِّ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. 8وَامْتَلأَ الْهَيْكَلُ دُخَانًا مِنْ مَجْدِ اللهِ وَمِنْ قُدْرَتِهِ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ الْهَيْكَلَ حَتَّى كَمِلَتْ سَبْعُ ضَرَبَاتِ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ.
ع1: رأيت آية أخرى : أى رؤية جديدة غير السبع كنائس والسبعة ختوم والسبعة أبواق ورؤية التنين والوحشين، ويؤكد أنها عظيمة وعجيبة لما تحويه من مشاهد ومعانى.
سبعة ملائكة .. سبعة ضربات : رقم سبعة إشارة إلى كمال هذه الضربات وشدتها وهى ليست كسابقتها من الضربات، فما سبق كان للتأديب ورجوع الإنسان عن شره أما هذه فهى للعقوبة الصارمة.
الأخيرة : فى إشارة إلى أنها تسبق الدينونة مباشرة ولا شئ بعدها … فيها يكمل كل غضب الله وانتقامه.
رأى القديس يوحنا منظرًا عظيمًا وهو سبعة ملائكة يحملون سبع جامات هى غضب الله قبل يوم الدينونة.
ع2: رأيت بحر من زجاج : هو نفس البحر الذى أمام العرش الإلهى (ص4: 6)، والزجاج والبلور يرمزان للنقاء والشفافية فلا يقدر أحد أن يقف فى حضرة الله ما لم يكن طاهرًا ونقيًا.
مختلط بالنار : ترمز النار للعدل الإلهى الثاقب والفاحص والمجازى، وفى تفسير آخر قد تكون هذه النار إشارة إلى الآلام التى يجتازها أبناء الله أثناء حياتهم وتؤهلهم للمثول أمامه.
والغالبين على الوحش : أى من أكملوا السعى والجهاد وانتصروا على الشيطان وكل علاماتـه وأتبـاعه ولم يخضعوا أو ينحنوا له. راجع ما قيل عن سمات الوحش وصورته (ص13).
معهم قيثارات الله : أى أعطاهم الله روح الصلاة والتسبيح، وهذا هو عملهم الملائكى الجديد.
فى هذا العدد يطمئنا، قبل أن يذكر غضب الله فى الجامات، بمنظر جميل هو أولاد الله المؤمنين به الذين انتصروا على الشيطان وواقفين بطهارة حول عرش الله يسبحونه.
ع3: يرتلون ترنيمة موسى : عندما عبر موسى البحر الأحمر وغرق فرعون، سبَّح موسى الله مقدمًا له التمجيد والشكر (خر15: 1-19) وهو ما ترنمه الآن أيضًا الكنيسة فى الهوس (تسبيح) الأول بتسبحة نصف الليل … فالغالبون هنا يرنمون ترنيمة مشابهة لما نطق به موسى.
ترنيمة الخروف : أى هذه التسبحة مقدمة للمسيح الفادى كما هى لأبيه.
أما مضمون هذه التسبحة فهو الإقرار بعظمة تدبير الله فى كل أعماله والفرح بقدرته الغير متناهية وأن كل وصاياه ووعوده وعهوده هى حق وهو يملك على قلوب أولاده القديسين أى الذين كرَّسوا قلوبهم له.
ع4: من لا يخافك يا رب ويمجد اسمك : وفى تسبحتهم أيضًا يقرون بمهابة شخص الله وقوة اسمه، فالله الوديع الهادئ، طويل الأناة، محب البشر هو نفسه الإله الذى عندما رآه إشعياء فى رؤياه صرخ قائلا “ويل لى لأنى إنسان نجس الشفتين” (إش6: 5).
جميع الأمم سيأتون ويسجدون أمامك وسوف يخضع لك جميع الناس بلا استثناء (الأشرار والأبرار) ويسجدون أمامك فى يوم الدينونة ويعلنون أنك أنت وحدك المستحق السجود وليس غيرك (الوحش الذى سجد له الأشرار قبلا). وسجود الأشرار له ليس عبادة بل خوف ورعب من الغضب الآتى عليهم.
أحكامك أظهرت : أى عدلك قد أكمل وأعلنت أحكامك، وما كان غير مفهوم صار واضحًا وجليًا، وكشفته لنا.
يستكمل أولاد الله تمجيدهم له فى يوم الدينونة معلنين قداسته ومخافته وخضوع كل البشر له بعد أن ظهر كمال رحمته على أولاده وعدله فى دينونة الأشرار.
ع5، 6: ثم بعد هذا : تعبير استخدم كثيرًا، ينقلنا به القديس يوحنا من مشهد إلى مشهد.
خيمة الشهادة : هى خيمة الإجتماع وسميت بهذا الإسم، لأنه كان بها لوحى الشريعة “الشهادة“. وقد استخدم إستفانوس هذا الاسم أيضًا (أع7: 44).
رأى القديس يوحنا منظرًا لخيمة الاجتماع ولكن فى السماء، وهيكلها يرمز للحضرة والإرادة الإلهية، وخروج السبعة الملائكة يعنى خروجهم مكلفين بأمر إلهى جليل، أما وصف ما يلبسه هؤلاء الملائكة فجاء مطابقًا للبس الكهنة فى العهد القديم “الكتان” ويرمز للطهارة والنقاء، وكذلك متشبهين ببهاء إلههم الذى ظهر لابسًا منطقة الذهب (ص1: 13) لأنه رئيس الكهنة الأوحد، ولبسهم بمثل ما يلبس، معناه أنهم ممثلون له وينفذون إرادته.
ع7: قام أحد الملائكة القريبين من الله ودائمى الحضور أمامه (أحد الأربعة الحيوانات) بإعطاء السبعة ملائكة سبع جامات وهى من ذهب فى إشارة إلى أن مصدرها من الله وتمثل عدله وغضبه على الأشرار.
الجامة : إناء مقعر، كان يستخدم فى وضع البخور وتقدمته أثناء العبادة.
ع8: إمتلأ الهيكل دخانًا : ليس له علاقة بالجامات، فالجامات حملت غضبًا إلهيًا، أما هذا الدخان فهو أحد مظاهر مجد الله … كما حدث عندما استلم موسى لوحى الشريعة فكان الجبل يدخن كالآتون (خر19: 18) وكذلك عند تدشين الهيكل أيام سليمان حل نفس الدخان على الهيكل (1مل8: 11)، وعندما رأى إشعياء السيد (إش6).. وهذا الدخان من كثرة كثافته، أى عظمة مجد الله وقدرته، لم يقدر أحد أن ينظر أو يدخل إلى أن يتم تدبير وقضاء الله فى تنفيذ ضرباته السبعة من خلال ملائكته.
- عظيم هو مجدك يا رب … من ذا الذى يستطيع أن يصفه أو يقف أمامه …!! ولكنك أعطيتنا لا أن نقف فقط، بل نتحدث معك وندعوك لنا أبًا … فعلِّمنا أيضًا يا سيدى ألاّ يغيب منظر مجدك الأقدس عن عيوننا فنصلى لك بخشوع وانسحاق ونضبط عقولنا أمامك أثناء الصلاة … سامحنا يا إلهى فإننا كثيرًا ما ننسى !!!