بابل الزانية والوحش
مقدمة عامة : الثلاث الأصحاحات القادمة تتناول فكرة واحدة وهى سقوط بابل وإعلان نصرة السماء، فنجد الأصحاح السابع عشر يصف بابل الشريرة وعلاقتها بالوحش، ونجد الأصحاح الثامن عشر يصف سقوطها والأصحاح التاسع عشر يعلن نصرة السماء .. ولعل الكثيرين يتساءلون لماذا بابل وما قصتها وما هى رموزها ؟!.. فإليك أيها القارئ العزيز بعض المعلومات عن بابل وقصتها فى الكتاب المقدس …
- دعيت بابل “لأن الرب هناك بلبل لسان كل الأرض” (تك11: 9) حينما أرادوا بناء برجًا بعد الطوفان للإحتماء فيه والوصول إلى السماء. فهى مكان يرمز للكبرياء والتحدى واستحق عقوبة الله.
- أنشأ هذه المدينة إنسان اسمه نمرود (تك10: 9) ووصفه الكتاب بالشدة وقاد كثيرين لمعصية الله.
- اشتهرت هذه المدينة بعبادة الأوثان والأصنام وكان أشهر آلهتها “مردوخ” الرامز للشيطان.
- كانت أحد المدن التى سُبى إليها شعب الله واستعبدته زمانًا فى إشارة قوية لمملكة الشيطان التى تحارب وتأسر الكثيرين من أولاد الله.
- كما كانت أورشليم مدينة عظيمة لأنها تشير إلى سكنى الله مع البشر، صارت أيضًا بابل مدينة عظيمة كما وصفها سفر الرؤيا لأنها تمثل سكنى الشيطان العظيم فى الشر مع كل قواته وتابعيه من البشر الأشرار.
والخلاصة فإن بابل ترمز إلى الشيطان (الدجَّال) ومملكته، كذلك ترمز إلى جماعة الأشرار محبى العالم وشهواته وغناه الزائف والزائل، وفى كل الأحوال فهى ترمز لحالة العداوة الدائمة مع الله..
(1) وصف بابل (روحيًا) (ع 1-6):
1ثُمَّ جَاءَ وَاحِدٌ مِنَ السَّبْعَةِ الْمَلاَئِكَةِ، الَّذِينَ مَعَهُمُ السَّبْعَةُ الْجَامَاتُ، وَتَكَلَّمَ مَعِى قَائِلاً لِى: «هَلُمَّ فَأُرِيَكَ دَيْنُونَةَ الزَّانِيَةِ الْعَظِيمَةِ، الْجَالِسَةِ عَلَى الْمِيَاهِ الْكَثِيرَةِ، 2الَّتِى زَنَى مَعَهَا مُلُوكُ الأَرْضِ، وَسَكِرَ سُكَّانُ الأَرْضِ مِنْ خَمْرِ زِنَاهَا.» 3فَمَضَى بِى بِالرُّوحِ إِلَى بَرِّيَّةٍ، فَرَأَيْتُ امْرَأَةً جَالِسَةً عَلَى وَحْشٍ قِرْمِزِىٍّ، مَمْلُوءٍ أَسْمَاءَ تَجْدِيفٍ، لَهُ سَبْعَةُ رُؤُوسٍ وَعَشَرَةُ قُرُونٍ. 4وَالْمَرْأَةُ كَانَتْ مُتَسَرْبِلَةً بِأُرْجُوانٍ وَقِرْمِزٍ، وَمُتَحَلِّيَةً بِذَهَبٍ وَحِجَارَةٍ كَرِيمَةٍ وَلُؤْلُؤٍ، وَمَعَهَا كَأْسٌ مِنْ ذَهَبٍ فِى يَدِهَا مَمْلُوَّةٌ رَجَاسَاتٍ وَنَجَاسَاتِ زِنَاهَا، 5وَعَلَى جِبْهَتِهَا اسْمٌ مَكْتُوبٌ: «سِرٌّ. بَابِلُ الْعَظِيمَةُ، أُمُّ الزَّوَانِى وَرَجَاسَاتِ الأَرْضِ.» 6وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ سَكـْرَى مـِنْ دَمِ الْقِدِّيسِينَ، وَمِنْ دَمِ شُهَدَاءِ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبْتُ لَمَّا رَأَيْتُهَا تَعَجُّبًا عَظِيمًا!
ع1: الزانية العظيمة : إشارة إلى بابل مملكة الشر، والزنا هنا كناية عن الابتعاد عن الله وخيانته بعبادة العالم والشيطان.
الجالسة على المياه : تأكيد على أن المقصود هنا بابل إذ تقع على نهر الفرات العظيم (أر 51: 13)، وككلمات المزمور “على أنهار بابل جلسنا” (مز137: 1)، والمعنى الروحى سيأتى تفسيره فى (ع15).
تحدث أحد الملائكة السبعة الذين حملوا جامات غضب الله إلى القديس يوحنا داعيًا إيَّاه لرؤية نهاية ودينونة مملكة الشر وكل تابعيها الذين يرمز إليهم بالمياه الكثيرة، وسوف يأتى الحديث المفصل عن ذلك فى (ع15).
ع2: ملوك الأرض : كل القيادات والرئاسات التى ساهمت ودعت شعوبها بصورة مباشرة أو غير مباشرة لترك الله وعبادته.
فى وصف جديد “لبابل”، يصفها الملاك بالمرأة الزانية التى أغوت شعوبًا كثيرة للزنا الروحى واستخدمت كل وسائل الإغراء الممكنة، فيترنح ويسقط معظم سكان الأرض فى الشر والتجديف كالسكارى فاقدى الوعى والإرادة.
ع3: إلى برية : إشارة إلى الفقر والقحط الروحى اللذين تعيش فيها مملكة الشر.
قرمزى : إشارة إلى دموية الشيطان وشراسته.
مملوء أسماء تجديف : أى تجديف على الله إما بأن ينسب صفات الله لنفسه أو بأن يتهجم ويسخر من الله وصفاته.
أخذ الملاك القديس يوحنا إلى منظر جديد فى رؤياه “مضى بى بالروح” ورأى برية قافرة موحشة ورأى مملكة الشر (المرأة بابل) وهى جالسة على سر قوتها وسندها وهو الشيطان الذى يحمل مملكته، معلنًا عن شراسته من خلال لونه الدموى وعن كراهيته لله من خلال تجديفه وتطاوله على اسمه القدوس.
سبعة رؤوس وعشرة قرون : سبق شرح ذلك فى (ص12: 3 ، ص13: 1) وهى تشير إلى كثرة أفكاره وقوتها.
ع4: أرجوان : لون أحمر لبسه الملوك قديمًا وهو كالثوب الذى ألبسه الجنود الرومان للسيد المسيح استهزاءً به.
قرمز : لون أحمر دموى.
فى زهو وكبرياء أخذت بابل الزانية منظر الملوك لتعلن عن عظمتها وسلطانها، فهى تلبس مثلهم وتفتخر بلونها القرمزى لأنها سفكت دم الكثير من القديسين وشربت من دمائهم، وتحلت بالرزائل والخطايا التى اشتهاها أتباعها كالذهب واللؤلؤ والأحجار الكريمة، وأمسكت فى يدها كأس خمر لذتها التى تنتعش وتتلذذ وتسكر به، وفى إشارة لشدة شرها يعلن لنا الله أن محتوى هذه الكأس هو الزنا والنجاسات التى تذيق منها الأمم والشعوب ولهذا سُمِّىَ “خمر زناها” (ع2)، ويلاحظ أيضًا أن وصف بابل بهذه الصورة يأتى مطابقًا تمامًا لوصفها كما جاء به أرميا فى (أر51: 7).
ع5: سر : أى أن اسم بابل هنا رمز وليس الحديث عن مدينة بابل الحقيقية.
أم الزوانى : أصل كل شر وفسق.
بلغت وقاحة وجرأة بابل فى شرها، أنها لم تستحِ من خطيتها المشينة بل افتخرت بما ترتكبه وأعلنت عن نفسها، ببجاحة الزناة فى الإعلان عن اسمهم ومهنتهم لاجتذاب الآخرين والإيقاع بهم، إذ وضعت اسمها على جبهتها. وكان وصفها بأنها أصل كل خطية “أم الزوانى” الداعية والمحرِّضة لكل أنواع الزنا الروحى وخيانة اسم الله القدوس والتجديف عليه.
ع6: استكمالاً للمنظر كانت المرأة فى حالة من حالات نشوة السكر، وسر سعادة ونشوة سكرها أنها ارتوت ولازالت ترتوى (مملكة الشر) من دم أبناء الله الأمناء الذين رفضوها وقاوموها، فأقامت عليهم الإضطهاد والعذاب ولم يخضعوا أو يستسلموا وقدَّموا حياتهم حتى الموت ولهذا صار اسمهم عظيمًا إذ دعوا “شهداء يسوع”.
فتعجبت تعجبًا عظيمًا : أى احترت ولم أجد تفسيرًا، وهذا التعجب يعتبر مقدمة لما سيوضحه الملاك ليوحنا فى الأعداد القادمة.
? كان الكاهن قديمًا فى شريعة موسى يضع على جبهته لافتة صغيرة مكتوب عليها “قدس للرب” أى مخصص لخدمة الله؛ فى إعلان واضح لهويته وانتمائه؛ وكذلك وضع الأشرار اسمهم الشرير على جباههم ليعلنوا أيضًا إنتمائهم لمملكة بابل الشيطانية، وكثير من الناس لا يعرفون ماذا يضعون على جباههم “مخصصون للرب أم نحيا فى بابل” … فهل حددت أمرك يا أخى وعرفت أى عنوان تضعه، ولأى مملكة تنتمى … ؟!
(2) تفسير الرؤيا السابقة (ع7-14):
7ثُمَّ قَالَ لِى الْمَلاَكُ: «لِمَاذَا تَعَجَّبْتَ؟ أَنَا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ وَالْوَحْشِ الْحَامِلِ لَهَا، الَّذِى لَهُ السَّبْعَةُ الرُّؤُوسُ وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونُ: 8الْوَحْشُ الَّذِى رَأَيْتَ، كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ مِنَ الْهَاوِيَةِ وَيَمْضِىَ إِلَى الْهَلاَكِ. وَسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْضِ، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ مَكْتُوبَةً فِى سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، حِينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، مَعَ أَنَّهُ كَائِنٌ. 9هُنَا الذِّهْنُ الَّذِى لَهُ حِكْمَةٌ: السَّبْعَةُ الرُّؤُوسُ هِىَ سَبْعَةُ جِبَالٍ عَلَيْهَا الْمَرْأَةُ جَالِسَةً. 10وَسَبْعَةُ مُلُوكٍ: خَمْسَةٌ سَقَطُوا، وَوَاحِدٌ مَوْجُودٌ، وَالآخَرُ لَمْ يَأْتِ بَعْدُ. وَمَتَى أَتَى، يَنْبَغِى أَنْ يَبْقَى قَلِيلاً. 11وَالْوَحْشُ الَّذِى كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، فَهُوَ ثَامِنٌ، وَهُوَ مِنَ السَّبْعَةِ، وَيَمْضِى إِلَى الْهَلاَكِ. 12وَالْعَشَرَةُ الْقُرُونُ الَّتِى رَأَيْتَ، هِىَ عَشَرَةُ مُلُوكٍ لَمْ يَأْخُذُوا مُلْكًا بَعْدُ، لَكِنَّهُمْ يَأْخُذُونَ سُلْطَانَهُمْ كَمُلُوكٍ سَاعَةً وَاحِدَةً مَعَ الْوَحْشِ. 13هَؤُلاَءِ لَهُمْ رَأْى وَاحِدٌ، وَيُعْطُونَ الْوَحْشَ قُدْرَتَهُمْ وَسُلْطَانَهُمْ. 14هَؤُلاَءِ سَيُحَارِبُونَ الْخَرُوفَ، وَالْخَرُوفُ يَغْلِبُهُمْ، لأَنَّهُ رَبُّ الأَرْبَابِ وَمَلِكُ الْمُلُوكِ، وَالَّذِينَ مَعَهُ مَدْعُوُّونَ وَمُخْتَارُونَ وَمُؤْمِنُونَ.»
ع7، 8: حمل تعجب القديس يوحنا من المنظر السابق إنزعاجًا أكثر منه تعجبًا وذلك من سماح الله للمرأة (بابل) من التلذذ و السكر من دم أبناء الله الشهداء، فجاء كلام الملاك له “لماذا تعجبت” كمقدمة لكشف السر المزمع أن يعلنه للقديس يوحنا.
الوحش الذى رأيت : هو الوحش البحرى المذكور فى (رؤ13: 1-3) الذى هو أحد صور الشيطان.
كان وليس الآن : إشارة واضحة لتقلص سلطان الشيطان ومملكته.
عتيد أن يصعد من الجحيم ويمضى للهلاك : أى سوف ينتقل يوم دينونة الرب العظيمة من مكان انتظار الأشرار إلى الهلاك الأبدى فى الهاوية إلى الأبد.
والمعنى العام هو أن الوحش الحامل للمرأة ما هو إلا الشيطان الذى كان له سلطان على الإنسان، ولكن بصلب المسيح وفدائه لكل البشر، إنحسر هذا الشيطان مثل قول السيد المسيح لتلاميذه “رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء. ها أنا أعطيكم سلطانا…” (لو10: 17-19) وكقول بولس الرسول “إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيه” (كو2: 14-15).
ويظهر من هذه الآية أن الشيطان يستقر فى الجحيم ويظل يحارب البشر فى حدود ما يسمح له الله به إلى أن يلقى مع كل جيوشه فى العذاب الأبدى.
سيتعجب الساكنون على الأرض : أى أتباعه حاملين سمته وعلامته.
ليست أسماؤهم .. فى سفر الحياة : أى لا نجاة ولا خلاص لهم وهى نتيجة طبيعية لمن تبعه.
يضيف الملاك فى حديثه إلى ما سبق أن أتباع الشيطان أو الدَّجال ستأخذهم الدهشة والندم على من وضعوا رجاءهم فيه بلا فائدة ولا طائل، فقد صار مصيرهم واضحًا أنه الهلاك وفقد ميراث الملكوت “سفر الحياة”.
كان وليس الآن : يدرك الأشرار أن سلطان الشيطان الذى كان يحارب به أولاد الله فى العالم قد انتهى.
مع أنه كائن : مع أن الشيطان موجود فى العذاب الأبدى ولكنه عاجز عن أى شئ.
ع9: “هنا الذهن الذى له حكمة” جملة اعتراضية الغرض منها حث القارئ أو المستمع على التركيز لما هو آتٍ.
السبعة رؤوس .. سبعة جبال : ذهب كثير من المفسرين إلى أن المشهد هنا كناية عن روما فى اضطهادها القاسى للمسيحية إذ أن روما مشيدة بالفعل على سبعة جبال.
عليها المرأة جالسة : أى مارست سلطانها واضطهادها من خلال هذه المدينة.
ع10: سبعة ملوك : إجتهد الكثير من المفسرين فى التحدث عن من هم هؤلاء السبعة، ولكن تمشيًا مع رمزية السفر كله، نرى أن رقم سبعة هنا يرمز لكمال أيام مملكة الشر والشيطان على مر التاريخ دون التقيد بزمن محدد.
خمسة سقطوا : أى أكثرهم ذهبوا ومضت أيامهم.
وواحد موجود : أى فى زمن كتابة هذا السفر.
والآخر لم يأتِ : نبوة بأتيان مملكة أخيرة للشر قبل نهاية الأيام.
فى هذه الآية توضح لنا الرؤيا تسلسل ممالك الشر إلى نهاية الأيام، فالخمس ممالك الأولى هى التى قاومت الله وشعبه بأوثانها وحروبها وهى ممالك :
- مصر ، التى استعبدت شعب الله.
- آشور ، التى رفعت عينيها على قدوس إسرائيل (إش37: 23).
- بابل ، التى أذلت كل الأرض (أر50: 23).
- فارس ، التى تنبأ عنها دانيال (دا10: 13).
- اليونان، آخر ضلالة وثنية دنَّست أورشليم وقاومها المكابيون.
أما المملكة الموجودة وقت كتابة السفر فهى المملكة الرومانية أى السادسة والتى أذاقت المسيحية أسوأ أنواع العذاب والتنكيل .. وتبقى مملكة أخيرة هى مملكة ضد المسيح والذى يشير إليه الملاك أنه ينبغى أن يبقى قليلاً، أى سوف تستمر مملكته وحروبه فترة قليلة من الزمن.
ع11: الوحش الذى كان : أى الشيطان (ع8).
هو ثامن : أى آخر كل شر…
من الواضح أن الممالك سبعة وليست ثمانية، ولكن التصريح بأن الشيطان ثامن معناه سيطرة الشيطان على كل الممالك السابقة كأن جميعها تحمل سمته، وللدلالة على أنه لا توجد مملكة ثامنة يصرح الملاك بأن روحه (الشيطان) هى السارية والعاملة فى السبعة ممالك.
وفى نهاية مطمئنة لأولاد الله وإعلان صريح، يؤكد الملاك للمرة الثانية لنا وللقديس يوحنا نهاية مصير الشيطان وهو الهلاك الأبدى.
ع12، 13: فى تفسير لمنظر العشرة قرون (ع3)، يوضح الملاك فى حديثه أنها رمز لعشرة ممالك أو عشر ملوك (رؤساء أمم) يعطيهم الشيطان سلطانًا، لكنهم فى شرهم ليسوا فى قوة الممالك السابقة إذ يأخذون سلطان “ساعة واحدة” أى سلطان ضئيل، وإن كانوا سيسخرون كل قوتهم وفكرهم وسلطانهم فى خدمة الشيطان.
ع14: هؤلاء الرئاسات أو الممالك أو الحكومات تعلن تحديها الواضح للرب يسوع “الخروف المذبوح” فتحاربه وتقاوم سلطان ملكوته على قلوب البشر…، ويعلن الملاك لنا النتيجة النهائية لهذه الحرب وهى هزيمة الشيطان وكل تابعيه، وإعلان الغلبة للمسيح ملك الملوك ورب الأرباب الذى سيقود فى موكب نصرته كل أبنائه المختارين والمدعوين والمؤمنين باسمه (2كو2: 14).
? أشكرك يا إلهى أنك تعلن لنا عن نصرتنا فى اسمك المبارك فتتجدد ثقتنا فى خلاصنا من خلالك، وانتصارنا على الشيطان بقوة اسمك المبارك وعلامة صليبك المحيية. أشكرك وأطلب منك يا مخلصى أن تكمل عملك فىّ إلى النهاية حتى لا أنزعج من حروب الشيطان وأكمل جهادى بطمأنينة لأنك أنت معى.
(3) إنقسام الشر (ع 15-18):
15ثُمَّ قَالَ لِىَ: «الْمِيَاهُ الَّتِى رَأَيْتَ، حَيْثُ الزَّانِيَةُ جَالِسَةٌ، هِىَ شُعُوبٌ وَجُمُوعٌ وَأُمَمٌ وَأَلْسِنَةٌ. 16وَأَمَّا الْعَشَرَةُ الْقُرُونُ الَّتِى رَأَيْتَ عَلَى الْوَحْشِ، فَهَؤُلاَءِ سَيُبْغِضُونَ الزَّانِيَةَ، وَسَيَجْعَلُونَهَا خَرِبَةً وَعُرْيَانَةً، وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا، وَيُحْرِقُونَهَا بِالنَّارِ. 17لأَنَّ اللهَ وَضَعَ فِى قُلُوبِهِمْ أَنْ يَصْنَعُوا رَأْيَهُ، وَأَنْ يَصْنَعُوا رَأْيًا وَاحِدًا، وَيُعْطُوا الْوَحْشَ مُلْكَهُمْ، حَتَّى تُكْمَلَ أَقْوَالُ اللهِ. 18وَالْمَرْأَةُ الَّتِى رَأَيْتَ، هِىَ الْمَدِينَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِى لَهَا مُلْكٌ عَلَى مُلُوكِ الأَرْضِ.»
ع15: المياه التى رأيت : هى نفس المياه التى ذكرها فى (ع1) ولكنه هنا سيقوم بشرحها.
يعود الملاك بالقديس يوحنا لبداية المشهد الذى رآه فى هذا الأصحاح ويشرح له بعض من رموزه، فالمرأة (بابل) كانت جالسة، أى تسيطر وتحكم بشرها على شعوب العالم من كل الأجناس واللغات.
ع16، 17: جاءت أحداث هذين العددين بغير ما نتوقع جميعًا؛ فالمرأة كانت جالسة على الوحش، أى أنه كان يخدمها ويسخر قوته لها… ولكن لننظر ماذا يحدث ؟ لقد انقلب الشيطان على مملكته وحدث الغضب والتخريب والقتل وبدأ الشيطان بنفسه يحرق مملكته وأتباعه فى إشارة إلى قرب نهايته وزواله نهائيًا، فأى مملكة تنقسم على ذاتها تخرب (لو11: 17)، وقبل أن يتساءل القديس يوحنا كيف يحدث هذا ؟! … يتدخل الملاك ويكشف لنا السر فيما حدث وهو أن “الله وضع فى قلوبهم” أى أن هذا هو أمر الله وإرادته النافذة حتى على مملكة الشر بكل قواتها وأنظمتها، فالرأى الأول والأمر الأخير له وحده مهما صبر وأطال أناته على مملكة الشر.
يعطوا الوحش ملكهم حتى تكمل أقوال الله : أى أن كل الرئاسات والسلاطين والممالك أعطت كل قوتها وإمكانياتها لخدمة الشيطان للقضاء على بابل أى مملكة الشر، ولإيضاح الفكرة بأمثلة تقرب لأذهاننا أيضًا كيف يحدث هذا، نقول أن الله استخدم كثيرًا بعض ممالك الشر للإنتقام من ممالك شريرة سبقتهم، فأتى اليونانيون على الفرس والأشوريين، وأتى الرومان على اليونانيين وهكذا قامت ممالك الشر (الوحش) على بعضها (بابل) حتى قضت عليها وعلى سلطانها كله.
ع18: والمرأة التى رأيت : أى المرأة موضوع الحديث فى الأصحاح كله، التى جلست على الوحش وعلى المياه الكثيرة (ع1).
فى نهاية الأصحاح يلخص لنا الملاك شخصية المرأة فيقول أنها “المدينة العظيمة” أى عاصمة الشر فى مختلف الأزمان، فكانت مرة (بابل) التى أذَّلت شعب الله قديمًا ومرة أخرى روما التى أذاقت المسيحيين أشد درجات العذاب، ومرة ثالثة هى قوى الشر والإلحاد فى العالم المعاصر، وفى كل وقت خضع لها معظم ملوك ورئاسات الأرض وتبعوا ما أمرتهم به.
? يا إلهى تترك الشر كثيرًا يهيج على أولادك بين الحين والآخر ونتعجب لماذا يا رب كثر الذين يحزنوننا !؟! ولكن نشكرك يا إلهى أنك تعلن لنا وتعلمنا أن كل هذا إلى حين، وعلينا أن نثق فى حكمتك وتدبيرك للأزمنة ولكن ما تعلنه لنا الآن يريح أنفسنا ويظهر لنا بالأكثر حماقة الشيطان الذى صار بلا حكمة ولا سلطان على أفعاله، فهو فى نهاية الأمر ينهى نفسه بنفسه كمختل أغفل ظن نفسه حكيما !!!.. فلنسبح اسمك القدوس ونشكر حكمتك السامية الآن وكل أوان .. آمين.