سِفْرُ العَدَدِ – الأَصْحَاحُ الخَامِسُ -5

شرائع النجسين والخيانة والغيرة

(1)  عزل الأشخاص والمُنَّجَسين (ع1-4): 1وَأَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى: 2«أَوْصِ بَنِي إِسْرَائِيل أَنْ يَنْفُوا مِنَ المَحَلةِ كُل أَبْرَصَ وَكُل ذِي سَيْلٍ وَكُل مُتَنَجِّسٍ لِمَيِّتٍ. 3الذَّكَرَ وَالأُنْثَى تَنْفُونَ. إِلى خَارِجِ المَحَلةِ تَنْفُونَهُمْ لِكَيْلا يُنَجِّسُوا مَحَلاتِهِمْ حَيْثُ أَنَا سَاكِنٌ فِي وَسَطِهِمْ». 4فَفَعَل هَكَذَا بَنُو إِسْرَائِيل وَنَفُوهُمْ إِلى خَارِجِ المَحَلةِ. كَمَا كَلمَ الرَّبُّ مُوسَى هَكَذَا فَعَل بَنُو إِسْرَائِيل.

ع1، 2: أبرص : البرص مرض جلدى اختلف الناس فى توصيفه، فهو إما مرض يشابه مرض الصدفية الجلدية والذى يظهر فى صورة قشور صدفية على الجلد .. أو قد يشابه مرض البهاق الجلدى الذى يتحول فيه لون الجلد إلى الأبيض الثلجى، أو قد يكون مرضًا جلديًا يصيب الأعصاب ويسبب ألمًا .. ويرى البعض أن “البرص” المذكور فى العهد القديم كان اسمًا عامًا يحوى كل الأمراض الجلدية السابقة وربما غيرها أيضًا. وكلمة برص معناها فى العبرية (كارثة) للدلالة على شدة وخطورة هذا المرض وخاصة فى معناه الروحى بالأكثر كما سنرى.

سيل : جاء الحديث عن السيل بأنواعه فى سفر اللاويين، كالإفرازات الجسدية للرجل والمرأة، ويعتبر فيها الإنسان والملابس والسرير فى حالة نجاسة تحتاج تطهير، إذا كان الأمر عرضًا كالاحتلام أو الدورة الشهرية، أما إذا كان الأمر مزمنًا أو مستمرًا فيكون العزل خارج المحلة وهى مكان إقامة الشعب راجع (لا15).

متنجس لميت: أى كل من لمس ميتًا أو دخل خيمة بها ميت.. وقد جاء الحديث عن ذلك فى سفر اللاويين فى أماكن عديدة وكذلك سيذكره فى سفر العدد فى الأصحاحين (12، 19).

كان الحديث حاسمًا من الله لموسى ليعزل كل إنسان أبرص أو صاحب سيل مستمر أو متنجس لميت لتوضيح معنى هام بالنسبة للشعب .. فالله القدوس والساكن فى وسط شعبه لا يقبل الخطية أبدًا فى حضرته، ولأن البرص والسيل والموت إما ضربات إلهية نتيجة الخطية كالبرص بالذات، أو مرض ينشأ عن خطية كالسيل، والموت هو أجرة الخطية .. فكل هذه الأنفس تعزل فى خيام خاصة بها خارج المحلة، إذ لا شركة للنور مع الظلمة، ونلاحظ فى هذا ما يلى:

1. فى مراحم الله لم يُترَكوا فى البرية للموت بل تم عزلهم فى مكان خاص بهم من أجل التوبة، وهكذا الكنيسة أيضًا قد تعزل (تحرم) بعض أبنائها من التناول أو حضور الكنيسـة بسـبب فسادهم ورفضهم التوبة ولكنها لا تلقى بهم، بل تعتنى بهم خارجًا حتى يرجعوا أصحـاء كما عزلت خاطئ كورنثوس ثم قبلته بعد توبته (1كو5: 1-5)، (2كو2: 5-11).
2. فكرة العزل أيضًا لها هدفان آخران وهما عدم انتشار العدوى (العثرة) بين أفراد المحلة (الكنيسة)، وكذلك العقوبة الحاسمة تمثل رادعًا للإنسان عندما يرى بعينه نتيجة الخطية فيتجنبها.

?      هكذا كانت الكنيسة دائمًا حاسمة فى عزل المعثرين وحرم الهراطقة، فالهرطوقى الذى يأتى بتعاليم غريبة عن الإيمان هو أشد فتكًا وخطورة على القطيع من الأبرص أو صاحب السيل، إذ أنه يلوث العقول بأفكاره ويخرب إيمان الكنيسة الذى استلمته عبر الزمن من مسيحها ورسله الأطهار… فأيها الحبيب لا تأخذك الشفقة على من يخرب النفوس وتذكر قول وتحذير الرسول “إعزلوا الخبيث من بينكم”.

ع3: العقوبة لا تفرق بين الرجل والمرأة، فالخطية واحدة للجميع ولا محاباة أو إشفاق على جنس دون آخر .. فكل من أخطأ أو ضربه الله بالمرض نتيجة خطية يعزل خارج الجماعة إلى أن يتطهر، سواء بشرائع التطهير التى سترد فيما بعد لمن لمس ميتًا أو حدث منه سيل حيث كان يعزل لمدة محدودة أو بالشفاء الكامل لمن ضُرب بمرض البرص؛ والله يوضح أن سبب نفيهم هو حرصه على ألا تنتقل الخطية للجميع “لكى لا ينجسوا محلاتهم“. وقد استخدم الله تعبير “تنفون … تنفونهم” مرتين فى جملة واحدة للتأكيد على العزل وعدم التهاون فى ذلك.

?      أخى الحبيب .. إذا كان الله يحيا ويسكن فيك، فلا تقبل إذًا الخطية أو فكرها واعتزل الشر والأشرار حتى تنجو بحياتك ولا تتأثر بمخالطتهم، فلا يوجد إنسان فينا لا يتأثر بالمناخ الذى حوله .. واقترب بالأكثر للأصدقاء الروحيين فتحيا فى طهارة ونقاء.

ع4: أطاع الشعب كل ما أمر به الله موسى بخضوع واقتناع لوجوب عزل الشر.

(2)  الخيانة للآخر (ع5-8):

5وكلم الرَّبُّ مُوسَى قائلاً: 6«قُل لِبَنِي إِسْرَائِيل: إِذَا عَمِل رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ شَيْئاً مِنْ جَمِيعِ خَطَايَا الإِنْسَانِ وَخَانَ خِيَانَةً بِالرَّبِّ فَقَدْ أَذْنَبَتْ تِلكَ النَّفْسُ. 7فَلتُقِرَّ بِخَطِيَّتِهَا التِي عَمِلتْ وَتَرُدَّ مَا أَذْنَبَتْ بِهِ بِعَيْنِهِ وَتَزِدْ عَليْهِ خُمْسَهُ وَتَدْفَعْهُ لِلذِي أَذْنَبَتْ إِليْهِ. 8وَإِنْ كَانَ ليْسَ لِلرَّجُلِ وَلِيٌّ لِيَرُدَّ إِليْهِ المُذْنَبَ بِهِ فَالمُذْنَبُ بِهِ المَرْدُودُ يَكُونُ لِلرَّبِّ لأَجْلِ الكَاهِنِ فَضْلاً عَنْ كَبْشِ الكَفَّارَةِ الذِي يُكَفِّرُ بِهِ عَنْهُ.

ع5، 6: انتقل الكلام من عزل المنجسين إلى أمر آخر وهو خيانة الإنسان لأخيه الإنسان، ويأتى هذا الحديث مكملاً لما جاء بسفر اللاويين (ص6: 1-7)، ونلاحظ فى هذا العدد الآتى:

1. لا فرق بين الرجل والمرأة فى ارتكاب أيّة خطية، فالله يعتبر كل من أخطأ مذنبًا مهما كان جنسه أو لونه.
2. خان خيانة بالرب : أى وإن كانت الخطية موجهة من إنسان لإنسان آخر أو فى حقه، فإن الخطأ فى المقام الأول موَّجه لله نفسه ولشخصه مباشرة ولهذا يقول داود النبى مع كونه قد أخطأ بالزنا فى حق المرأة التى زنا معها هى وزوجها “لك وحدك أخطأت والشر قدامك صنعت” (مز50).
3. أذنبت تلك النفس : حتى وإن لم يرها أحد فهى مذنبة ومستحقة للعقوبة الإلهية أو تقديم توبة لله وأيضًا لمن أخطأت فى حقه.

ع7: بعدما حدّد الله خطأ النفس التى خانت أو سرقت، يشرح لنا هنا خطوات التوبة والعلاج كالآتى :

1. تقر بخطيتها : أى تقدم توبة واعترفًا لله أولاً وللكاهن الذى سيقبل الذبيحة (ع8)، ولمن أذنبت فى حقه، وهذا الاعتراف الذى يسير فى ثلاثة اتجاهات مفيد للنفس البشرية أن تقوم به لأنه فضح قاسٍ لها ولعل الله أراد بذلك أن ينبه الإنسان لما ستجلبه عليه الخطية فيرتدع ولا يقدم عليها.

ويحدث هذا الآن بالكنيسة فى سر الاعتراف الذى ينال فيه المعترف غفران خطاياه بالإضافة إلى راحته النفسية والإرشاد الذى يناله من أب الاعتراف ليساعده على عدم السقوط.

• ترد ما أذنبت به بعينه : الله عادل فى أحكامه .. فمن غير المعقول أن يسلب إنسان من أخيه شيئًا .. ويقول أنا آسف .. بل عليه أن يرد ما سرقه .. ونحن نخطئ إذا اعتقدنا أن الخطية تغفر فى سر الاعتراف دون أن يرد الإنسان ما سلبه من أخيه، فالله واضح جدًا فى كلامه، فلا مغفرة بدون أن ترد ما سلبت.
• تزد عليه الخمس : أى خمس إضافى على ما أخذت أو سلبت وهذا الأمر يعتبر عقابًا لمن أخذ حتى يرتدع الإنسان فلا يقدم على الخطأ فى المقام الأول، ومن ناحية أخرى يعتبر تعويضًا لمن سُلب حقه سواء تعويضًا عن خسارة مادية أو تعويضًا لمشاعر الضيق التى أصابته عندمـا عرف بخسـارته أو ما سلب منه، مثلما فعل زكا لمن اغتصب منهم أموالهم (لو19: 8).

ع8: أما إذا كان الشخص المسلوب قد مات وليس له وريث “ولى” يرد له السالب ما قد سلبه، فلا يعفى الله السالب من ذنبه إلا بأن يرد ما قد سلبه. ولكن فى هذه الحالة يكون الرد إلى الرب والذى يمثله هنا هو الكاهن المسئول عن تطبيق شرائع الله .. وإذا كان بذلك التصرف عاد الحق لصاحبه المسلوب أو لله، يتبقى شىء آخر وهو استكمال الاعتذار لله نفسه بتقديم كبش أى خروف كذبيحة تكفير عن الخطية فى إشارة واضحة بأن دم الذبيحة، والذى يرمز لدم المسيح، هو وحده الذى يكفر ويغفر خطايا الإنسان إذ يقول الرسول “بدون سفك دم لا تحصل مغفرة” (عب9: 22).

?       كن أمينًا فى معاملاتك مع الآخرين حتى يرضى الله عنك ويباركك بالإضافة إلى كسب محبة من حولك فتحيا فى سلام وطمأنينة، فهذا أهم من أى مكاسب مادية تنالها بطرق غير شرعية أو تغتصبها من الآخرين.

(3)  بعض حقوق الكهنة (ع9، 10):

9وَكُلُّ رَفِيعَةٍ مَعَ كُلِّ أَقْدَاسِ بَنِي إِسْرَائِيل التِي يُقَدِّمُونَهَا لِلكَاهِنِ تَكُونُ لهُ. 10وَالإِنْسَانُ أَقْدَاسُهُ تَكُونُ لهُ. إِذَا أَعْطَى إِنْسَانٌ شَيْئاً لِلكَاهِنِ فَلهُ يَكُونُ».

ع9، 10: كل رفيعـة : أى ساق الرفيعة (الذبيحة) التى كانت من حق الكاهن الذى يقوم بالخدمة (خر29: 26-28).

من أقداس بنى إسرائيل : وهى النذور والذبائح المقدمة من الشعب للرب.

الإنسان أقداسه تكون له : أى ما يقدمه الإنسان لله أيضًا من ذبائح مقررة أو نذور يكون للكاهن.

فى هذين العددين يتكلم الله عن حقوق الكهنة، فهم أولاده وخاصته الذين يوصى الشعب بهم. وحتى لا يكون إكرام الشعب للكاهن هو فضل منهم عليه،وضعها الله فى صورة شريعة ملزمة للشعب. فكل ما يقدم لله، عدا ذبيحة المحرقة، سواء على مستوى الشعب فى المواسم أو على مستوى الشخص كما فى النذور يكون من نصيب الكهنة، كذلك الأجزاء التى حددها الله للكاهن من ذبائح السلامة. والكلام هنا يبرز لنا المعانى الآتية :

1. اهتمام الله بالكهنة كما أشرنا.
2. حث الشعب على إكرامهم.
3. إكرامهم هو إكرام لله ذاته “من يقبلكم يقبلنى” (مت10: 40).

?      أصبح للكهنوت فى كنيسة العهد الجديد مقام أسمى وأرفع، إذ صارت الذبيحة حية وأبدية وليست هى دم تيوس وثيران .. وكذلك صارت مسئولية الكاهن أوسع فى التعليم والتدبير والإرشاد والرعاية لذلك علينا أن نصلى جميعًا من أجل آبائنا الكهنة ليعينهم الله على مسئوليتهم أمامه وهى خلاص نفوسهم ونفوس كل شعبهم المبارك.

(4)  شريعة الشك والغيرة (ع11-31):

11وَأَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى: 12«قُل لِبَنِي إِسْرَائِيل: إِذَا زَاغَتِ امْرَأَةُ رَجُلٍ وَخَانَتْهُ خِيَانَةً
13وَاضْطَجَعَ مَعَهَا رَجُلٌ اضْطِجَاعَ زَرْعٍ وَأُخْفِيَ ذَلِكَ عَنْ عَيْنَيْ رَجُلِهَا وَاسْتَتَرَتْ وَهِيَ نَجِسَةٌ وَليْسَ شَاهِدٌ عَليْهَا وَهِيَ لمْ تُؤْخَذْ 14فَاعْتَرَاهُ رُوحُ الغَيْرَةِ وَغَارَ عَلى امْرَأَتِهِ وَهِيَ نَجِسَةٌ أَوِ اعْتَرَاهُ رُوحُ الغَيْرَةِ وَغَارَ عَلى امْرَأَتِهِ وَهِيَ ليْسَتْ نَجِسَةً 15يَأْتِي الرَّجُلُ بَامْرَأَتِهِ إِلى الكَاهِنِ وَيَأْتِي بِقُرْبَانِهَا مَعَهَا: عُشْرِ الإِيفَةِ مِنْ طَحِينِ شَعِيرٍ لا يَصُبُّ عَليْهِ زَيْتاً وَلا يَجْعَلُ عَليْهِ لُبَاناً لأَنَّهُ تَقْدِمَةُ غَيْرَةٍ تَقْدِمَةُ تِذْكَارٍ تُذَكِّرُ ذَنْباً. 16فَيُقَدِّمُهَا الكَاهِنُ وَيُوقِفُهَا أَمَامَ الرَّبِّ 17وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مَاءً مُقَدَّساً فِي إِنَاءِ خَزَفٍ وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مِنَ الغُبَارِ الذِي فِي أَرْضِ المَسْكَنِ وَيَجْعَلُ فِي المَاءِ 18وَيُوقِفُ الكَاهِنُ المَرْأَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيَكْشِفُ رَأْسَ المَرْأَةِ وَيَجْعَلُ فِي يَدَيْهَا تَقْدِمَةَ التِّذْكَارِ التِي هِيَ تَقْدِمَةُ الغَيْرَةِ وَفِي يَدِ الكَاهِنِ يَكُونُ مَاءُ اللعْنَةِ المُرُّ. 19وَيَسْتَحْلِفُ الكَاهِنُ المَرْأَةَ وَيَقُولُ لهَا: إِنْ كَانَ لمْ يَضْطَجِعْ مَعَكِ رَجُلٌ وَإِنْ كُنْتِ لمْ تَزِيغِي إِلى نَجَاسَةٍ مِنْ تَحْتِ رَجُلِكِ فَكُونِي بَرِيئَةً مِنْ مَاءِ اللعْنَةِ هَذَا المُرِّ. 20وَلكِنْ إِنْ كُنْتِ قَدْ زُغْتِ مِنْ تَحْتِ رَجُلِكِ وَتَنَجَّسْتِ وَجَعَل مَعَكِ رَجُلٌ غَيْرُ رَجُلِكِ مَضْجَعَهُ. 21يَسْتَحْلِفُ الكَاهِنُ المَرْأَةَ بِحَلفِ اللعْنَةِ وَيَقُولُ الكَاهِنُ لِلمَرْأَةِ: يَجْعَلُكِ الرَّبُّ لعْنَةً وَحَلفاً بَيْنَ شَعْبِكِ بِأَنْ يَجْعَل الرَّبُّ فَخْذَكِ سَاقِطَةً وَبَطْنَكِ وَارِماً. 22وَيَدْخُلُ مَاءُ اللعْنَةِ هَذَا فِي أَحْشَائِكِ لِوَرَمِ البَطْنِ وَلِإِسْقَاطِ الفَخْذِ. فَتَقُولُ المَرْأَةُ: آمِينَ آمِينَ. 23وَيَكْتُبُ الكَاهِنُ هَذِهِ اللعْنَاتِ فِي الكِتَابِ ثُمَّ يَمْحُوهَا فِي المَاءِ المُرِّ 24وَيَسْقِي المَرْأَةَ مَاءَ اللعْنَةِ المُرَّ فَيَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللعْنَةِ لِلمَرَارَةِ. 25وَيَأْخُذُ الكَاهِنُ مِنْ يَدِ المَرْأَةِ تَقْدِمَةَ الغَيْرَةِ وَيُرَدِّدُ التَّقْدِمَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيُقَدِّمُهَا إِلى المَذْبَحِ. 26وَيَقْبِضُ الكَاهِنُ مِنَ التَّقْدِمَةِ تِذْكَارَهَا وَيُوقِدُهُ عَلى المَذْبَحِ وَبَعْدَ ذَلِكَ يَسْقِي المَرْأَةَ المَاءَ. 27وَمَتَى سَقَاهَا المَاءَ فَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَنَجَّسَتْ وَخَانَتْ رَجُلهَا يَدْخُلُ فِيهَا مَاءُ اللعْنَةِ لِلمَرَارَةِ فَيَرِمُ بَطْنُهَا وَتَسْقُطُ فَخْذُهَا فَتَصِيرُ المَرْأَةُ لعْنَةً فِي وَسَطِ شَعْبِهَا. 28وَإِنْ لمْ تَكُنِ المَرْأَةُ قَدْ تَنَجَّسَتْ بَل كَانَتْ طَاهِرَةً تَتَبَرَّأُ وَتَحْبَلُ بِزَرْعٍ». 29هَذِهِ شَرِيعَةُ الغَيْرَةِ. إِذَا زَاغَتِ امْرَأَةٌ مِنْ تَحْتِ رَجُلِهَا وَتَنَجَّسَتْ 30أَوْ إِذَا اعْتَرَى رَجُلاً رُوحُ غَيْرَةٍ فَغَارَ عَلى امْرَأَتِهِ يُوقِفُ المَرْأَةَ أَمَامَ الرَّبِّ وَيَعْمَلُ لهَا الكَاهِنُ كُل هَذِهِ الشَّرِيعَةِ 31فَيَتَبَرَّأُ الرَّجُلُ مِنَ الذَّنْبِ وَتِلكَ المَرْأَةُ تَحْمِلُ ذَنْبَهَا.

مقدمة : فى الأعداد القادمة وحتى نهاية الأصحاح نتعرض لشريعة لم تذكر إلاّ فى هذا السفر فقط وعرفت بشريعة الغيرة .. وهى تتحدث عن غيرة الرجل أو شكه فى أن امرأته قد تكون زنت أو وجدت حبلى من دونه، فيأتى بها الزوج إلى الله أمام الكاهن ويتمم ما أمر به الله ويحكم الله فى نهاية الأمر، إما بصحة اتهام الزوج، أو براءة الزوجة كما سنرى تفصيلياً.

ع11، 12: كان الكلام من الله إلى موسى وأمره أن يبلغ شعبه بأحكام الشريعة التالية والمتعلقة بالمرأة التى خرجت عن طريق الحق وناموس الزواج “زاغت” ووقعت فى الخيانة الزوجية أى الزنا.

واهتمام الله بكشف خطية المرأة الزانية مفيد لما يلى :

1. تثبيت السلام والثقة بين الزوجين لتحيا الأسرة فى طمأنينة.
2. أهمية الطهارة والعفة بالنسبة للمتزوجين.
3. هذه الشريعة تعلن أن الله عارف بكل الخبايا، فتجعل الإنسان يبعد عن كل خطية حتى لو لم يَرَه أحد.
4. إظهار حق البرئ حتى لا يتعب من الاتهامات الباطلة.

ع13، 14: اضطجاع زرع : أى زنا كامل أو زنا نتج عنه حمل.

استترت : أى أنها تمكنت من إخفاء عملها وخطيتها عن الناس.

لم تؤخذ : لم تمسك فى الخطية.

روح غيرة : روح شك وغضب.

يدخل الله فى الوصف التفصيلى للحالة إن حدثت فيقول أنه إذا زنت امرأة زنا كامل ونتج عنه حمل، وحتى إن تمكنت من إخفاء كل شئ عن الناس، ولكن زوجها أخذته الغيرة والشك وسواء كان شكه فى محله وغيرته صحيحة أو كانت المرأة بريئة مما اتهمها به زوجها ولم تفعل شيئًا مما سبق، فحتى يتأكد من سلوكه يفعل ما سيذكر فى الآيات التالية :

ع15: عشر الإيفة : الإيفة مكيال للحبوب وعشرها يبلغ 2.3 من الليترات.

يأتى الرجل بامرأته إلى خيمة الاجتماع ويقابل الكاهن ويأخذ معه تقدمة من دقيق الشعير الرخيص والمتاح للكل، ولأن هذه التقدمة تتعلق بخطية وشكّ وخيانة وليست كباقى التقدمات، منع الله أن يضاف عليها الزيت واللبان المعتاد إضافتهما وذلك لأن الزيت يرمز إلى الروح القدس وعمله المفرح واللبان (البخور) يشير إلى الصلوات النقية وهذا لا ينطبق فى شئ على ما نحن أمامه.

ع16، 17: يأخذ الكاهن المرأة المشكوك فيها ويوقفها أمام باب خيمة الاجتماع “أمام الرب” ويأخذ ماءً مقدسًا من مياه المرحضة، كرأى أغلبية المفسرين، وهناك آراء أخرى بأنه ماء حى جارى أو الماء المأخوذ من شريعة البقرة الحمراء (ص19)، ويضع هذا الماء فى أحد أوانى الخدمة الخزفية الموجودة بالخيمة، ويأخذ قليلاً من التراب الذى يشير إلى الوضع المشين الذى تقف فيه هذه المرأة كما أن التراب يشير للانسحاق أمام الله كما قال إبراهيم عندما بدأ حديثه مع الله “أنا تراب ورماد” (تك18: 27)، والهدف من هذا الطقس تشجيع الزوجة الخاطئة على التوبة.

ع18، 19: يكشف رأس المرأة : ينزع غطاء رأسها علامة على اتهامها وعدم ثبوت براءتها بعد.

ماء اللعنة المر : هو نفس الماء المقدس، ودُعى بماء اللعنة لأنه يجلب اللعنة على المرأة إن أخطأت، ودعى مرًا إشارة إلى مرارة الخطية ونتائجها، ويقال أن الكاهن كان يضيف عليه نباتًا مرًا أو مادة شديدة المراة كالمر أو الأفسنتين.

من تحت رجلك : أى متزوجة ومرتبطة برجلك ثم زغت عنه.

يأتى الكاهن بالمرأة المتهمة ويذكرها أنها تقف أمام الرب وتمسك فى يديها تقدمة الشعير المطحون بعد كشف رأسها، أما ماء اللعنة فهو فى يد الكاهن، ويبدأ الكاهن فى سؤالها سؤالاً واضحًا ومباشرًا بعد أن تقسم بأنها ستقول الحقيقة ويوضح لها إنها لم تكن ارتكبت الخطية أو تنجست بها مع رجل آخر؛ سوف يعلن الله براءتها ولن يصيبها ماء اللعنة المر بشئ.

ع20: يستكمل الكاهن كلامه مع المرأة قائلاً لها أنه إذا كانت قد وقعت فى الخطية وأساءت لرجلها وزنت مع آخر غير زوجها.

ع21، 22: يستحلف الكاهن المرأة بحلف اللعنة : يعلن وجوب اللعنة عليها.

حلفًا بين شعبك : أى تصيرين مثلاً للنساء وحديثًا يتحدثن فيه على شرك.

يدعى الكاهن باللعنة على المرأة، لن تصيبها اللعنة إلاّ إذا كانت خاطئة، ويقول لها ستكونين لعنة بدل بركة وتصيرين هزءًا بين شعبك. أما عقوبتها الجسدية فهى تهدل بطنها مع ورمها الظاهر، وكذلك فخذيها اللذين تنجسا بالخطية يصابا بالترهل وعدم القدرة على السير (كالشلل).. ويكون كل ذلك بسبب الماء الذى سوف تشربه الآن ويجلب عليها هذه اللعنات، فتجيب المرأة مؤكدة (آمين .. آمين) أو حقًا أعرف.

? فلنلاحظ معًا كم هى قاسية نتائج الخطية ..

1. نتائج روحية، إذ يصير بسببها الإنسان لعنة بدل البركة، أى ملعونًا من الله لحين توبته.
2. نتائج اجتماعية وأدبية، فيصير عبرة وتعييرًا يحلف به الناس “يجعلنى الله مثل فلانة إن كنت صنعت هكذا“.
3. نتائج جسدية بأن يصاب الجسد بأمراض ترهقه كنتيجة مباشرة لهذه الخطية.

? احترس إذًا يا أخى ولا تستهن بالخطية فهى خاطئة جدًا وتستوجب التوبة والاعتراف حتى تفوز بمراحم الله.

ع23، 24: يكتب الكاهن ما قاله شفاها للمرأة على قطعة من الجلد أو لوح خشبى وقد يكتب اسم المرأة أيضًا مع اللعنات، ويضع ما كتبه فى الماء بالإناء الخزفى فتمحى الكتابة. والمعنى المراد هنا أن الماء الذى ستشربه المرأة صار حاملاً للعنة التى نطق بها الكاهن، فعندما تشرب المرأة من هذا الماء يدخل فى جوفها ليسبب لها نتائج الخطية المرة إن كانت قد أخطأت بالفعل.

ع25، 26: يفهم من هذين العددين أنه قبل أن تشرب المرأة من الماء كان الكاهن يأخذ ملء قبضة يده من تقدمة الشعير المطحون ويتقدم به على مذبح المحرقة الخارجى والدائم الاشتعال لحرقها أمام الرب، كما كان متبع فى التقدمات الأخرى (لا2: 2)، أما باقى كمية الشعير فكانت نصيبًا للكاهن وبيته؛ ومتى أتمّ الكاهن ذلك شربت المرأة من الماء.

ع27: إن كانت المرأة قد زنت، فعند شربها الماء تتورم بطنها ويسقط فخذها.

ع28: أما إذا كانت المرأة بريئة تكون النتيجة هى إعلان الله لبراءتها فلا تظهر عليها أى علامة مرضية بل على العكس، كما يقول التقليد اليهودى، كانت تزداد جمالاً ويبارك حياتها ويرفع الله رأسها أمام شعبها ويستكمل حملها حتى نهايته وتفرح بمولودها.

ويقول معلمو اليهود أنه إن كان الرجل قد سقط فى الزنا واتهم امرأته بالزنا، وهى بالفعل زانية وشربت من ماء اللعنة، لا تظهر عليها أى أعراض بسبب زنا زوجها. ومن أجل هذا عندما انتشر الفساد والزنا فى بنى إسرائيل، أهملوا إتمام هذه الشريعة كما فى أيام هوشع النبى (هو4: 13، 14).

ع29، 30: هذان العددان ملخص لكل ما جاء فى شريعة الغيرة، ينهى بهما موسى كلامه عن إجراءاتها وخطواتها ونتائجها.

ع31: عند إتمام هذه الشريعة يتبرأ الزوج من الذنب حتى وإن كانت زوجته بريئة لأنه لم يسرع لإدانتها أو قتلها أو تطليقها بل ترك الأمر كله لحكم الله.

أما المرأة فتتحمل ذنبها إن كانت مخطئة وتتعرض لعقوبة الله كما قال.

ملاحظات حول شريعة الغيرة : من التقليد اليهودى يمكن أن نضيف بعض الأمور المتعلقة بهذه الشريعة.

1. إذا اعترفت المرأة قبل شرب الماء كانت تطلق من رجلها ولا يعطى لها تعويضًا فى أى شئ.
2. إذا رفضت المرأة الشرب كانوا يرغمونها عليه.
3. أما إذا حاولت أن تتقيأ هذه المياه، فكانت تطرد خارجًا وتعتبر نجسة.

?      ليتنا نتعلم جميعًا ألا نصدر أحكامنا على أحد بل نترك الأمور لله، فهو وحده العالم وهو أيضًا العادل .. والصلاة وتسليم الأمور لـه هى أفضل نصيحة وتعليم يمكن أن نناله من شريعة الغيرة فى هذا الأصحاح.

https://copticorthodox.church/testament/%d8%b3%d9%90%d9%81%d9%92%d8%b1%d9%8f-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%8e%d8%af%d9%8e%d8%af%d9%90/

https://en.wikipedia.org/wiki/Pope_Tawadros_II_of_Alexandria