حتمية الخلاص الإلهى
قصيدة لداود عندما أتى الزيفيون وقالوا لشاول
أليس داود مختبئاً عندنا
“اللهم باسمك خلصنى..” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : داود كما هو مذكور فى العنوان.
- متى كتب ؟
عندما كان داود مطروداً من شاول، ووصل إلى منطقة زيف الجبلية، الواقعة فى سبط يهوذا جنوب أورشليم وحبرون. وذهب الزيفيون إلى شاول، وأخبروه أن داود مختبئ عندهم؛ ليأتى ويقبض عليه. وهذا يبين مدى خوفهم من شاول، ومحاولتهم إرضائه، ولكن الله أنقذه من يد شاول، وحاول الزيفيون مرة أخرى وأخبروا شاول أن داود موجود فى برية زيف، وأنقذه الله أيضاً (1صم26: 1-25). وغالباً كتب داود هذا المزمور بعد إنقاذ الله الأول له عندما كان فى عين جدى وكان شاول محاصراً له، وكاد أن يقبض عليه، ولكن أتاه خبر بهجوم الفلسطينيين على أرض بنى إسرائيل، فترك داود وذهب لمواجهة الفلسطينيين (1صم23: 14-29) فشكر داود الله الذى سمح بهذا الهجوم لإنقاذه من يد شاول.
- يطلب داود فى هذا المزمور من الله أن يخلصه، فيتدخل الله ويخلصه، فيشكره على خلاصه، ويسبحه. فهو مزمور شكر لكل إنسان مرَّ بضيقة، وصلى إلى الله فأنقذه.
- هو أحد المزامير الثمانية التى يحمل عنوانها أن داود مطرود من شاول وتسمى مزامير الطريد.
- هذا المزمور مكمل للمزمور السابق له؛ لأن المزمور 53 يبين مقاومة الأشرار للبار، وهذا المزمور يظهر مساندة الله للبار، وإنقاذه من أيدى الأشرار.
- هذا المزمور موجود فى بداية صلاة الساعة السادسة بالأجبية، التى فيها يصلب المسيح عن العالم، وداود يعانى من الآلام ويشارك المسيح صليبه، ثم يقدم ذبيحة التسبيح والشكر لله، أى أننا نمجد ذبيحة المسيح على الصليب بالشكر والتسبيح. ولذلك تقرأه الكنيسة الغربية فى يوم الجمعة العظيمة تذكاراً لصلب المسيح.
(1) طلب الخلاص (ع1-3):
ع2: 1- اللهم باسمك خلصني و بقوتك احكم لي.
- اسم الله يخلص أولاده، ويكسر أعداءه؛ لذا اهتمت الكنيسة بترديد اسم الله منذ القرون الأولى للمسيحية فى صلاة يسوع، وكذلك فى الأبصاليات اليومية للتسبحة.
- لأن داود يسلك بالاستقامة، فيطلب حكم الله العادل؛ لينقذه من أعدائه، فهو يثق فى عدل الله، وبسلوكه (داود) المستقيم، ويؤمن أن الله لا يرفض صلوات طالبيه؛ ولذلك فالكنيسة تطلب المسيح مخلصها مهما حلت بها الضيقات، واثقة من قوته وحمايته.
ع2: 2- اسمع يا الله صلاتي أصغ إلى كلام فمي.
إن داود يصلى من قلبه دون كلام، ويفتح شفتيه بصلوات مسموعة، فهو بقلبه ولسانه يطلب الله لينقذه من أعدائه. وبالطبع الله لا يمكن أن يتركه.
ع3: 3- لأن غرباء قد قاموا علي و عتاة طلبوا نفسي لم يجعلوا الله أمامهم سلاه.
عتاة : جبابرة.
- أعداء داود يقسمهم إلى مجموعتين :
أ – غرباء : ويقصد بهم الزيفيين، مع أنهم يهود، ومن نفس سبطه، أى سبط يهوذا، ولكنهم تغربوا عنه، ولا يحبونه، وحاولوا قتله بتسليمه ليد شاول.
ب- العتاة : ويقصد بهم شاول وجنوده الذين يريدون قتل داود، وحاولوا ذلك مرات كثيرة.
هاتان الفئتان فعلا الشر؛ لأنهما أهملا وجود الله، فلم يكن فى داخلهما إلا أفكارهما البشرية الشريرة، ولكن الله قادر أن ينقذ داود من أيديهما.
- الكنيسة تقابل أعداء فى كل جيل، سواء من أبنائها الذين تغربوا عنها بسقوطهم فى البدع، أو الكبرياء، أو الشهوات المختلفة، وأحياناً غرباء ليسوا من أبناء الكنيسة. وهؤلاء يستعينوا بأقوياء العالم للإساءة إلى الكنيسة، وليس أمامهم خوف الله، ولكن الله القوى ينقذ كنيسته مهما تكاثر عليها الأشرار.
- تنتهى هذه الآية بكلمة “سلاه” وهى وقفة موسيقية للتأمل فى اسم الله الذى يحفظنا ويحمينا، ويقوينا، ويشبع نفوسنا.
لا تخف من الأشرار وتهديداتهم مهما كانت قوتهم، أو كثرتهم؛ لأن الله قادر على حمايتك. فقط اطلب الله وألح عليه، فتنال مراحمه وبركاته.
(2) شكر الله المخلص (ع4-7):
ع4: 4- هوذا الله معين لي الرب بين عاضدي نفسي.
- إن كان داود قد بدأ مزمور فى طلب الخلاص من الله، لكنه يعود فيشكر الله المساند له، ويسبحه، وهذه هى عادة داود فى كل مزاميره. فيعلن هنا أن الرب معين له، بل مساند، بالتالى إن كان الله معيناً وعاضداً، فمن يستطيع أن يقف أمام داود ؟ وهذا يظهر إيمان داود، وطمأنينته بين يدى الله.
- وعندما يقول إن الرب بين عاضدى نفسى لا يقصد أنه مجرد واحد من المساندين، ولكن يقصد أنه المساند الحقيقى الأساسى، حتى لو وجد بعض الناس المساندين لداود. بالإضافة إلى أن وجود الله بين المساندين يشجع هؤلاء المساندين فى مساندتهم لداود.
ع5: 5- يرجع الشر على أعدائي بحقك افنهم.
- بروح النبوة يتنبأ داود عن أعدائه أن يرجع شرهم على رؤوسهم، وبحق الله، أى قوته يفنى هؤلاء الأعداء. وبهذا يثبت العدل الإلهى، ولا يضطرب الأبرار من كثرة الشر. ولعل الأشرار الباقين يتوبون، ويؤمنون بالله.
- قد يقصد بالأعداء الشياطين، الذين نهايتهم العذاب الأبدى.
- لا يقصد داود الانتقام والشماتة بالأعداء؛ لأن تسامح داود واضح، إذ صفح عن شاول عدوه مرتين، رغم أنه كان قادراً على إهلاكه، فهو بالطبع هنا لا يقصد الانتقام من أعدائه، ولكن إظهار فساد الشر وبطلانه.
ع6: 6- أذبح لك منتدبا أحمد اسمك يا رب لأنه صالح.
منتدباً : طوعاً، وعن طيب خاطر.
- إذ آمن داود بالله المعين، والمساند له، والمخلص من كل ضيقاته، تحرك قلبه بالحب نحو الله؛ ليقدم له ذبائح الشكر كتعبير عن محبته، وليس طلباً للمكافأة؛ لأنه قد نال فعلاً الطمأنينة والسلام؛ لمساندة الله له. وهذه الذبائح ليست إجبارية لداود، بل تطوع، ومحبة منه؛ لأن داود كان مستبعداً، مطروداً، بعيداً عن الهيكل، فلم يستطع أن يقدم ذبائح حيوانية، فقدم ذبائح الشفاة الإختيارية، تسبيحاً لله. وما يدفع داود لشكر الله هو تأمله الدائم فى صلاح الله، وعنايته، وعطاياه المستمرة له.
ع7: 7- لأنه من كل ضيق نجاني و بأعدائي رأت عيني
- ظهر صلاح الله واضحاً فى إنقاذ داود من كل ضيقة، بل تدخل الله السريع فى ضرب الأعداء، فرأى داود انتصاره، وتشجع ليثبت فى بره. لذا استمر فى شكره وتسبيحه لله؛ إذ كان يسترجع دائماً ما رأته عيناه فى أعمال الله معه، وإنقاذه من الأعداء.
- قد يكون الله متع داود برؤيا لهزيمة أعدائه، أو هلاكهم الأبدى؛ حتى لا يضطرب منهم؛ لذا تشجع وتثبت فى إيمانه، وشكره.
انظر إلى المسيح إلهك المخلص، فيتشجع قلبك أمام أى ظروف صعبة، بل تصير شجاعاً لا تخاف من أحد، وتتمتع باختبار الله، فتسبحه دائماً.