الرجل المطوب
“طوبى للرجل الذى لم يسلك فى مشورة الأشرار..” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه :
هناك رأى أن كاتب هذا المزمور هو سليمان وقد كتبه ليوضح أن خلاصة الحياة أن يتقى الإنسان الله ويحفظ وصاياه؛ كما قال فى نهاية سفر الجامعة (جا12: 13) أن خلاصة القول اتق الرب واحفظ وصاياه.
وهناك رأى آخر أن كاتب هذا المزمور هو داود وقد كتبه عن شاول الملك عندما انحرف وطلب العرافة والجان ليحدث صموئيل، فظهر له صموئيل بعد نياحته ووبخه (1صم28: 17). وتأدباً من داود لم يذكر اسم شاول، بل تكلم بشكل إيجابى وقال طوبى للرجل الذى لم يسلك فى مشورة المنافقين؛ لأن السلوك فى الشر يهلك صاحبه.
- هذا المزمور يوضح طريق الحياة وطريق الموت، أى طريق السلوك مع الله ومكافآته، ومن ناحية أخرى طريق الأشرار وعقابهم، فهو مزمور تعليمى ومن مزامير الحكمة.
- وهذا المزمور تبدأ أول كلمة فيه بأول حروف الهجاء العبرى وآخر كلمة فيه تبدأ بآخر حروف الهجاء العبرى، أى أن هذا المزمور يبدأ بأول الحروف وينتهى بآخر الحروف الهجائية، فهو مقدمة للمزامير إذ يحوى كل المعانى فى داخله.
- هذا المزمور هو أول المزامير؛ لأنه يدعو الإنسان إلى تحديد موقفه؛ هل يريد الحياة مع الله ويبغى ملكوته، أم يريد طريق الأشرار وبالتالى عقابهم وهو العذاب الأبدى.
ولذا أيضاً رتبت الكنيسة أن يصلى هذا المزمور فى صلاة باكر، بل يصلى أول مزامير باكر لنفس الغرض؛ أى يحدد الإنسان موقفه فى بداية اليوم، هل يريد أن يحيا مع الله، أم يختار الشر ؟!
(1) الأبرار (ع1-3) :
ع1: 1- طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الاشرار و في طريق الخطاة لم يقف و في مجلس المستهزئين لم يجلس.
طوبى : يا سعادة وتعطى فى المعنى العبرى صفة الجمع، أى كثرة السعادة والبركات.
- يمتدح الرجل الذى لم يقبل مشورة المنافقين، أى فكر الأشرار، سواء رفضها من البداية، أو أخطأ قليلاً فقبلها، ثم تاب عنها. يتدرج فيتحول من الفكر إلى السلوك فى طريق الخطاة، وهذا أيضاً رفضه الإنسان الروحى، سواء من البداية، أو وقف فى الطريق، ثم تاب وابتعد عنه. وفى النهاية تتعاظم الخطية، فتصل إلى الاستقرار فيها، إذ يقول يجلس، أى أن الإنسان الروحى يرفض أن يستقر فى الخطية، حتى وإن سقط يسرع فى التوبة. فالشرير يتدرج من الفكر إلى السلوك، ثم الاستقرار فى الخطية. وكل هذه رفضها الإنسان الروحى.
- وهو هنا يتكلم رمزياً عن المسيح، فهو الرجل الذى بلا خطية ورفض الثلاثة درجات التى للخطية.
- وإن كان المعنى هو توبيخ شاول الملك الشرير، الذى تدرج فى مراحل الخطية وهى الفكر، ثم السلوك، ثم الاستقرار، فهو يوبخه بإظهار عظمة من يرفض كل درجات الخطية، لعله يتوب وهو تأدب شديد من داود، إن كان هو كاتب المزمور؛ لأن هذا المزمور لم يُعط له عنوان، ويميل الكثيرون إلى أن واضعه هو داود، كما ذكرنا.
ع2: 2- لكن في ناموس الرب مسرته و في ناموسه يلهج نهارا و ليلا.
- إن كان قد مدح الإنسان الروحانى فى (ع1) لابتعاده عن الشر، فيمتدحه هنا لسلوكه الإيجابى من جهة ناموس الرب. والمقصود بناموس الرب إما الضمير، أو ناموس موسى، الذى كان ممهداً لناموس المسيح، أى الكتاب المقدس، وكل تعاليم الكنيسة.
- وتظهر هنا أهمية إرادة الإنسان وجهاده الروحى فى ميله ورغبته أن يحيا بناموس الرب. فإن وجدت الرغبة الإنسانية والاستعداد للجهاد، تفيض النعمة للإنسان وتساعده على تنفيذ وصايا الرب.
- ويؤكد أهمية الجهاد الروحى فى ترديده، أى لهجه فى كلام الرب؛ لأن الترديد يؤكد المعنى داخل الذهن، ثم إذ يسيطر على الفكر يقود بسهولة الحواس والكلام والسلوك.
- يعلن أن هذا اللهج يكون نهاراً وليلاً، اى على الدوام، أى طالما هو مستيقظ وفى هذه الحالة حتى أحلامه تكون مقدسة.
- والنهار والليل يرمزان لوقت الراحة ووقت الضيقة، وترمز أيضاً إلى أوقات الحياة مع الله وأوقات السقوط فى الخطية، ففى الحالتين يجب على الإنسان الروحى أن يلهج فى كلام الله.
- واللهج فى كلام الله يحمى الإنسان من الأفكار الردية ويجذبه إلى السماويات.
ع3: 3- فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في اوانه و ورقها لا يذبل و كل ما يصنعه ينجح.
- يشبه الإنسان الروحى بشجرة مغروسة على مجارى المياه، وهذه المياه ترمز للروح القدس وتعطى الشجرة ثمارها فى أوانه، أى فى وقت الإثمار المناسب الذى يحتاجه المحيطون بها. وهذه الثمار هى الفضائل، التى يتحلى بها الإنسان الروحى وتؤثر فيمن حوله.
- بالإضافة إلى أن ورق الشجرة لا يذبل؛ لأن الشجرة فى شبع من المياه، وأوراقها خضراء مملوءة حيوية، وليست جافة حتى تسقط على الأرض. وحيوية الورق ترجع إلى العلاقة القوية بالروح القدس؛ الذى هو المياه. هذا الورق هو مظهر الشجرة، فيرمز إلى كلام الإنسان الروحى ومظهره؛ فلأن كلامه من الله، إذ يشهد الكتاب المقدس أن الله يعطى أولاده من الروح القدس فما وحكمة (لو21: 15). وهذا الكلام قوى وثابت لا يسقط، دائم التأثير فى المحيطين بالإنسان الروحى، بل كل مظهره يؤثر فيمن حوله.
- كذلك كل أعمال هذا الإنسان الروحى تكون ناجحة؛ لأن الله يعمل فيه، وناجحة معناها تؤدى إلى خلاصه وخلاص من حوله، وليس المقصود النجاح المادى؛ لأن النجاح المادى أحياناً يكون مرتبطاً بالشر.
- ويمكن أن ترمز الشجرة إلى المسيح المغروس على مجارى المياه، أى الروح القدس، الذى هو روحه ويعطى ثمره، أى الخلاص فى وقته، أى فى ملء الزمان يموت على الصليب، ثم يقوم فى اليوم الثالث، ويؤسس كنيسته فى يوم الخمسين. وورقه أى كلامه حق ولا يسقط أبداً وكل ما يعمله ناجح ويؤدى إلى خلاص البشرية.
احرص أن تكون كلماتك وأعمالك لها هدف بناء تفيدك، أو تفيد الآخرين. هذا هو النجاح الحقيقى أن تقترب إلى الله، أو تقرب الآخرين إلى الله. أما الكلمات والأعمال التى بلا هدف، أى باطلة، فابتعد عنها.
(2) الأشرار (ع4-6) :
ع4: 4- ليس كذلك الاشرار لكنهم كالعصافة التي تذريها الريح.
عصافة : أى التبن ذو اللون الأصفر.
تذريها : أى تنثرها الاسم مأخوذ من المذراة وهى أداة زراعية تستخدم لفصل حبوب القمح عن التبن.
- يوضح كاتب المزمور عظمة الإنسان الروحى المشبه بالشجرة المغروسة على مجارى المياه وذلك بمقارنته بالأشرار، الذين يشبههم بالنقيض، أى بالتبن الخفيف الذى ينتثر مع الهواء بعيداً فلا يوجد بعد ذلك، أى يقصد هلاك الأشرار وإبعادهم عن الله. أما الإنسان الروحى فثابت فى الله.
- والريح ترمز للتجارب التى تمتحن الأشرار، فيسقطون ويبتعدون عن الله والريح أيضاً ترمز للكبرياء، التى يسقط فيها الأشرار فتهلكهم.
ع5: 5- لذلك لا تقوم الاشرار في الدين و لا الخطاة في جماعة الابرار.
إن كانت الآية السابقة قد أوضحت ابتعاد الأشرار عن الله فى الأرض، فبالتالى فى السماء فى يوم الدينونة لن يكون لهم قيامة وحياة ممجدة مع المسيح، بل يكون لهم هلاك. ولا يمكن أن الخطاة يكون لهم مكان وسط الأبرار حول المسيح؛ لأنهم سيلقون فى العذاب الأبدى.
ع6: 6- لأن الرب يعلم طريق الأبرار أما طريق الأشرار فتهلك
- يقرر كاتب المزمور فى النهاية خلاصة الأمر وهو أن الله يعلم طريق الأبرار، أى يفرح بهم ويوجدوا معه فى الملكوت، أما الأشرار فنصيبهم هو الهلاك وهم بعيدون عن معرفة الله، بمعنى عدم تمتعهم بمحبته وبركاته للملكوت.
- والله يعرف طاعة أولاده لوصاياه ويفرح بها، ثم يكمل فرحه إذا أكملوا حياتهم على الأرض؛ فيعطيهم المجد الدائم والفرح الكامل معه فى السماء.
اهتم أن تحفظ وتردد كلمات الكتاب المقدس؛ حتى تحفظك فى كل طرقك وبهذا يكون الله فى ذهنك ومعك دائماً، فتتمتع بعشرته على الأرض إلى أن يكمل فرحك فى السماء.