توسل لله المنقذ
مزمور لآساف
“اللهم إن الأمم قد دخلوا ميراثك ..” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : آساف كبير المغنين أيام داود، وقد يكون داود نفسه هو الكاتب، وأعطاه لآساف ليغنيه.
- لماذا كتب ؟
نبوة عن خراب أورشليم والسبى البابلى، أو تخريب انطيوخس الكبير للهيكل أيام المكابين، أو تخريب الرومان الهيكل عام 70م.
- هذا المزمور صرخة إلى الله؛ لينقذ شعبه وهيكله الذى تخرب، وهو يصلح أن تقوله الكنيسة وكل مؤمن إذا مرَّ بضيقة.
- هذا المزمور يشبه مزمور 74 الذى يتكلم عن نفس الموضوع، ويمكن الرجوع إلى مقدمته.
- لا يوجد هذا المزمور فى صلاة الأجبية.
(1) خراب أورشليم والهيكل ( ع1-4):
ع1: 1- اللهم أن الأمم قد دخلوا ميراثك نجسوا هيكل قدسك جعلوا أورشليم أكواما.
يتنبأ المزمور عن دخول الوثنيين إلى أورشليم ميراث الله؛ إذ هم شعبه الوحيد الذى يعبده فى العهد القديم، ونجسوا هيكله بدخولهم فيه، وأحرقوه، وجعلوه هو وأورشليم خراباً كأكوام من الحجارة والتراب. وإن كان هذا أمراً فظيعاً فى نظر اليهود؛ إذ كانوا يظنون أن الهيكل سيظل ثابتاً إلى نهاية العالم، لكنهم صدموا بتخريبه، ونسوا أنهم كسروا وصايا الله، وعبدوا الأوثان، فكانت النتيجة الطبيعية أن يفارقهم الله، ويخرب هيكله الذى سبق وخربونه بأفعالهم.
ع2، 3: 2- دفعوا جثث عبيدك طعاما لطيور السماء لحم أتقيائك لوحوش الأرض.
3- سفكوا دمهم كالماء حول أورشليم و ليس من يدفن.
يصف المزمور كثرة القتلى فى أورشليم عند تخريبها، فيبين أن الجثث كانت مطروحة فى كل مكان، والدماء تسيل منها، ولم يستطع اليهود أن يدفنوا الجثث لكثرتها، فأكلتها طيور السماء ووحوش الأرض. كل هذا لأنهم رفضوا وصايا الله، فرفضهم الله. وكان الأعداء قساة القلوب، فقتلوا اليهود وطرحوا جثثهم داخل أورشليم، وكذلك كل من حاول الهرب سفكوا دمه حول أورشليم.
ع4: 4- صرنا عارا عند جيراننا هزءا و سخرة للذين حولنا.
بتخريب أورشليم صارت عاراً وسخرية فى نظر جيرانها، مثل الأدوميين الذين شمتوا بها وقبضوا على الهاربين من اليهود، وسلموهم لأعدائهم (مز 137 : 7)، مع ملاحظة أن جيران اليهود كانوا مستعبدين لهم أيام داود وسليمان، فانتهزوا هذه الفرصة للشماته بهم.
عندما تحل بك أية ضيقة افحص نفسك لئلا تكون خطاياك هى السبب، وعد إلى الله بالتوبة، وثق أنه قادر أن يشفيك، ويبنيك، ويعوضك عن كل ما فاتك.
(2) تحويل غضب الله عن شعبه ( ع5-7):
ع5: 5- إلى متى يا رب تغضب كل الغضب و تتقد كالنار غيرتك.
يتوسل كاتب المزمور إلى الله ليوقف غضبه، وغيرته على شعبه. والغضب المقصود به تأديب الشعب؛ ليتوب. أما الغيرة فهى محبة الله لشعبه الذى لا يريد لهم أن ينحرفوا عنه إلى عبادة الأوثان والشر، فالله ليس لديه انفعالات مثل البشر. وهذه الآية تظهر مدى معاناة شعب الله، وفى نفس الوقت رجاءهم فى الله الذى ينقذهم، ويرفع عنهم تأديباته.
ع6، 7: 6- أفض رجزك على الأمم الذين لا يعرفونك و على الممالك التي لم تدع باسمك.
7- لأنهم قد أكلوا يعقوب و أخربوا مسكنه.
أفضى: أسكب بغزارة وهى من فعل يفيض.
يطالب كاتب المزمور الله أيضاً أن لا يكف فقط عن تأديب شعبه، بل يحول غضبه إلى الأمم، وذلك بسبب أمرين:
- أن الأمم لا يعرفون الله ولا يعبدونه.
- أنهم أساءوا بعنف إلى شعب الله ودمروه، إذ يقول “أكلوا”. فهو يستغيث بالله ليخلص شعبه، ويبعد الأعداء عنه، وينتقم منهم ليعلموا فساد شرهم لعلهم يرجعون إلى الله.
لا تنزعج من تأديبات الله لك فهى مؤقتة، وهى لصالحك. ولا تتشكك من تسلط من يسيئون إليك، لأن الله يكره شرورهم، وسيعاقبهم. لا تشمت بهم، ولا تمتلئ غيظاً منهم، بل أصلح أخطاءهم بالتوبة، وصلى لأجل المسيئين ليرجعوا لله.
(3) خلاص الله وشكره ( ع8-13):
ع8: 8- لا تذكر علينا ذنوب الأولين لتتقدمنا مراحمك سريعا لأننا قد تذللنا جدا.
يتقدم كاتب المزمور باتضاع إلى الله وتذلل، ويطلب منه أمرين:
- لا يذكر خطايا آبائهم، لأنها كثيرة، وهو قد وعد أن كل إنسان يحمل ذنبه، فلا يعاقب الأبناء من أجل خطية الآباء (حز18: 2-4).
- يطلب غفران الله ومراحمه لأجل خطايا الشعب الحالية.
وبهذا يرفع الله غضبه عن شعبه سريعاً؛ لأنهم فى ضيقة شديدة وكادوا يهلكون.
ع9: 9- أعنا يا إله خلاصنا من أجل مجد اسمك و نجنا و اغفر خطايانا من أجل اسمك.
- يطلب كاتب المزمور ثلاثة بركات من الله هى:-
- معونته الإلهية لاحتمال الآلام.
- أن ينجيهم من أيدى أعدائهم.
ج- أن يغفر لهم خطاياهم التى سببت لهم هذه التأديبات.
- هذه البركات لا يستحقها الشعب، ولكن الشعب يطلبها من أجل اسم الله. والمقصود باسم الله المخلص هو المسيح المتجسد فى ملء الزمان. وهذه الآية تبين اتضاع الشعب وثقته فى أن الخلاص من يد الله فقط، وكل بركة يحتاجونها هى عطية إلهية.
ع10: 10- لماذا يقول الأمم أين هو إلههم لتعرف عند الأمم قدام أعيننا نقمة دم عبيدك المهراق.
المهراق : المنسكب ، أى الذى يسيل على الأرض.
يطلب الكاتب من الله أن لا يترك الأمم الوثنيين يعتقدون بقوتهم وآلهتهم، ويحتقروك أنت الإله العظيم، إذ يقولون أين إلهنا ؟ لماذا لم ينجينا من أيديهم ؟ ولذا نحن نطلب أن تنتقم لدم شعبك الذى سال على الأرض حتى يعرفوك أنك أنت وحدك الإله العظيم، وأن آلهتهم لا شئ، لعلهم يؤمنون ويرجعون إليك.
ع11: 11- ليدخل قدامك أنين الأسير كعظمة ذراعك استبق بني الموت.
- فى اتضاع أيضاً يطلب الكاتب من الله أن يقبل صلوات الأسرى، وهم اليهود المسبيين بيد آشور وبابل، لأنهم فى ذل، بل فى عداد الموتى، إذ ليس لهم حرية، أو قدرة على التحرك والرجوع إلى بلادهم لعبادة الله. ويطلب أيضاً أن يحفظ أولاده، الذين من شدة ضغط وإذلال الأعداء لهم أصبحوا فى حكم الموتى.
- ذراع الله يرمز لتجسد المسيح، إذ هو كلمة الله وقوته، وهى عظيمة جداً، فهو يطلب من الله أن يسرع ليخلص شعبه الموتى، ليس فقط لأنهم فى ذل عبودية السبى، بل أيضاً سيذهبون إلى الجحيم، ولكن بتجسد المسيح يخلصهم، وينقلهم من الجحيم إلى الفردوس.
ع12: 12- و رد على جيراننا سبعة أضعاف في أحضانهم العار الذي عيروك به يا رب.
- يطلب كاتب المزمور من الله أن يظهر عدله، فينتقم من أعداء شعبه الأشرار بحسب قسوتهم على شعبه، فيعاقبهم بسبعة أضعاف ما فعلوه، ليعرفوا شناعة الشر، ويرجعوا عنه، ويعرفوا قوة الله الذى هو فوق كل الآلهة، فيأتى العار والخزى على الأعداء.
- لعل المقصود بأعداء شعب الله الشياطين الذى يحاولون إبعاد شعب الله عن الإيمان وعبادة الله، فيطلب الانتقام منهم سبعة أضعاف وذلك فى العذاب الأبدى.
ع13: 13- أما نحن شعبك و غنم رعايتك نحمدك إلى الدهر إلى دور فدور نحدث بتسبيحك
يختم المزمور برجاء عظيم رآه الكاتب بالإيمان، وهو أن الله سينجى شعبه، ويعيدهم إلى بلادهم، ويبنون الهيكل، ويعبدونه، وحينئذ ترتفع أصواتهم بالحمد والتسبيح لله على عظمة أعماله. وهذا التسبيح يستمر إلى دور فدور، أى إلى الأبد فى ملكوت السموات.
ما أعظم أعمال الله معك، فهو دائم الرعاية والعناية بك؛ لذا فهو يستحق منك الشكر الدائم والتسبيح. وهذا الشكر والتسبيح يملأ قلبك فرحاً؛ إذ ينعم عليك بعشرته، فتجتاز وسط الضيقات دون تعب، لأنك تشعر بوجوده معك.