مراحم الله ووعوده
قصيدة لإيثان الأزراحي
“بمراحم الرب أغنى …” (ع1)
مقدمة
- كاتبه : إيثان الأزراحي، وهو أحد رؤساء المغنين الثلاثة أيام داود الملك. وكان يقف عن يسار آساف الرئيس الأعلى للمغنين، أما هيمان الأزراحي فكان يقف عن يمين آساف، وذلك في الاحتفالات الدينية الكبيرة. وكان إيثان رئيساً لستة فرق للمغنين وبنوة الستة كانوا رؤساء على هذه الفرق (اأي 25)
- هذا المزمور نبوة عن حالة شعب الله أثناء السبى عندما تعرض لهجوم من الأعداء، وإذلال للملك والرؤساء والشعب.
وقد يكون كاتب المزمور من نسل إيثان الأزراحي، وكتبه أيام السبى
- هذا المزمور مختلف عن باقي المزامير؛ لأنها تبدأ بالصراخ إلى الله، وطلب مراحمه، وتنتهى بالشكر والتسبيح. أما هذا المزمور فيبدأ بالشكر، ثم يطلب مراحم الله، وهذا هو فكر الكنيسة حتى اليوم؛ إذ تبدأ جميع صلواتها الطقسية بالشكر، ثم تطلب ما تحتاجه، لتعلمنا أن تكون صلواتنا الارتجالية بنفس الأسلوب.
- هذا المزمور هو الأخير في الكتاب الثالث للمزامير بحسب تقسيم اليهود؛ إذ أن هذا القسم يبدأ بمزمور 73 وينتهي بمزمور 89، ولذا نلاحظ أن هذا المزمور ينتهي بآمين فآمين.
- يعتبر هذا المزمور من المزامير المسيانية لأنه يتنبأ عن آلام المسيح (ع 50 ، 51) ويحدثنا المزمور عن وعد الله لداود أن يثبت كرسيه إلى الأبد، ولكن تعرض نسل داود للعزل والسبى والآلام، وكان الحل هو تجسد المسيح الذي هو نسل داود الذي يملك للأبد. بهذا ظهرت مراحم الله التي يحمد ويشكر من أجلها كاتب المزمور.
- يوجد تشابه بين هذا المزمور ومزمور 73 في الآلام التي تواجه الإنسان البار التقي وأهمية الثبات في الإيمان.
- لا يوجد هذا المزمور في صلاة الأجبية.
(1) تسبيح الله (ع1-7):
ع1: 1- بمراحم الرب أغني إلى الدهر لدور فدور أخبر عن حقك بفمي.
- يشعر الكاتب أنه لأجل كثرة خطاياه يحتاج لمراحم كثيرة من الله، وعندما أعلن الله له رحمته انطلق فمه بالتسبيح، ممجداً الله الذي غفر له، بل من شدة فرحته يعلن أنه سيظل يسبح ويغني لله إلى الدهر، أي طوال حياته، بل من دور إلى دور، أي في هذه الحياة والحياة الأبدية.
- بعد أن شكر كاتب المزمور الله على مراحمه يخبر أيضاً بحق الله، أي عدله. فالله كامل في عدله ولكن رحمة الله سبقت في شخص المسيح الفادي، فقد وفىَّ عنا الدين، ورحمنا، وغفر لنا خطايانا.
ع2: 2- لأني قلت أن الرحمة إلى الدهر تبنى السماوات تثبت فيها حقك.
- هذه الآية هي غرض المزمور كله، وهو تمجيد رحمة الله التي هي متزايدة على الأرض، ويشعر بها أولاد الله متراكمة تُبنى وتعلو وتعلو حتى تكاد تصل إلى السماء. وهذه الحقيقة الخاصة برحمة الله اكتشفها كاتب المزمور من خلال حياته مع الله؛ لذا قال “أنا قلت”.
- إن كانت رحمة الله تُبنى على الأرض فحقه ثابت في السماء حيث الملائكة خاضعون له ويسبحونه. أي أن الله يرحم الذين على الأرض ويسامحهم؛ حتى يصلوا إلى السماء ليثبتوا في حقه إلى الأبد؛ لأن الناس على الأرض متقلبون، ومعرضون للسقوط في الخطأ ويحتاجون لرحمة الله، ولكن في السماء يثبتون في عدل الله ومخافته وتمجيد اسمه القدوس.
- إن رحمة الله على أولاده تبنى على الأرض وتعلو وأساسها هو حق الله وعدله. فهو كامل في حقه وعدله، والذي ظهر وكمل في ملء الزمان في المسيح يسوع.
ع3، 4: 3- قطعت عهدا مع مختاري حلفت لداود عبدي. 4- إلى الدهر أثبت نسلك و أبني إلى دور فدور كرسيك سلاه.
- تظهر رحمة الله في كمالها عندما يقطع عهداً مع ابنه البار داود، الذي اختاره ليحيا معه ويملكه أيضاً على شعبه، وليأت من نسله المسيح. وهو يوجه عهده هذا لكل إنسان يؤمن به ويحيا له، فيصير مختاراً من الله، ويباركه إلى الأبد، ويثبت كرسيه في السماء، ويبارك أيضاً نسله الذي يحيا مثله مع الله.
- هذه الآيات تنطبق على داود ونسله، الذي هو سليمان الذي جلس على كرسيه من بعده (2صم 7 : 12 – 14)، بل وأتى من نسل داود ملوك كثيرون جلسوا على عرش مملكة يهوذا، ولكن يكمل تنفيذ هذه الآيات بالمسيح، الذي يملك على عرش داود إلى الأبد، ويقول في نسلك وليس أنسالك؛ لأنه يقصد المسيح كما قال بولس الرسول (غل 3 : 16).
- إن ملك المسيح من دور إلى دور يعني ملكه على اليهود والأمم الذين يؤمنون به. والمسيح أيضاً يملك من دور إلى دور، أي على قلوب أولاده الذين على الأرض، ثم في السماء.
- تنتهي هاتان الآيتان بكلمة سلاه، وهي نغمة موسيقية للتأمل في رحمة الله التي ظهرت في المسيح يسوع.
ع5: 5- و السماوات تحمد عجائبك يا رب و حقك أيضا في جماعة القديسين.
- السموات هي الملائكة الذين رأوا تجسد المسيح، ثم قيامته وفداءه، فسبحوه ومجدوه. والسموات هي الكنيسة والمؤمنون على الأرض الذين يمجدون أعمال الله العجيبة ورعايته لأولاده. والمؤمنون على الأرض ندعوهم سماء؛ لأنهم يتوبون عن خطاياهم ويقبلون وصايا الله، فيصيرون أبناء السماء، ويدعون الله أباهم السماوي.
- إن حق الله، أي عدله يظهر في جماعة القديسين الذين على الأرض، فلأنهم تمسكوا بوصايا الله وتركوا الشر يعطيهم سلاماً وبركة في حياتهم. وحق الله يظهر أيضاً في جماعة القديسين الذين وصلوا إلى السماء، فيعوضهم عوض ما احتملوه على الأرض أمجاداً في السماء.
ع6، 7: 6- لأنه من في السماء يعادل الرب من يشبه الرب بين أبناء الله. 7- إله مهوب جدا في مؤامرة القديسين و مخوف عند جميع الذين حوله.
مؤامرة : مؤتمرات أي مجتمعات
إن الله ليس فقط عظيم على الأرض، ولكن في السماء أيضاً، فهو الذي خلق جميع السمائيين. وليس مثله في السماء وبين أبناء الله الذين هم الملائكة وكلهم خدام له. فهم جميعاً أبناء بالتبني، أما المسيح فهو الابن الوحيد المساوي للآب في الجوهر، والكل يخافونه ويمجدونه ويخشـونه، فالكل يهابه، وفي مجمع القديسين في السماء الله مخوف وعظيم وممجد.
تأمل مراحم الله في حياتك وطول أناته عليك؛ لتشكره وتسبحه، فيستنير عقلك، وينكشف لك جماله فتفرح به.
(2) الله القدير فخر شعبه (ع8-18):
ع8: 8- يا رب إله الجنود من مثلك قوي رب و حقك من حولك.
- يمجد كاتب المزمور الله في قوته، فليس مثله في القوة بين كل الآلهة الوثنية، وبين كل قوى العالم؛ لأنه هو خالقها. وهكذا رنمت مريم أخت موسى أمام شعب الله عند خروجهم من البحر الأحمر وقالت لله من مثلك (خر 15 : 11) وهكذا تسبح الكنيسة كل يوم الله في الهوس الأول بنفس كلمات مريم.
- والله إلى جانب قوته فهو عادل، وحقه حوله، مشعاً منه، لأنه مصدر الحق، وظاهراً في ملائكته الذين في السماء وأولاده المؤمنين الذين على الأرض.
ع9: 9- أنت متسلط على كبرياء البحر عند ارتفاع لججه أنت تسكنها.
- تظهر قوة الله في تسلطه على أمواج البحر العالية، وعلى كل قوته. وهذا حدث عندما شق البحر الأحمر أمام موسى (خر 14) ونهر الأردن أمام يشوع (يش 3 : 16)، وأيضاً سفر أيوب شهد بقوة الله وسلطانه على البحر (أي 38 : 8 ، 9).
- هذه الآية نبوة عن سلطان المسيح على البحر عندما انتهر الرياح العاصفة والبحر الهائج، فأطاعته وسكتت في الحال (مر 4 : 39). والبحر يرمز للعالم واضطراباته، أي أن الله خالق البحر والعالم له سلطان على كل اضطرابات العالم وضبطها من أجل أولاده؛ لأنه ضابط الكل.
ع 10 : 10- أنت سحقت رهب مثل القتيل بذراع قوتك بددت أعداءك.
رهب : المقصود بها مصر التي كانت دولة عظيمة ومرهوبة في العصور القديمة، فهي أول امبراطورية ظهرت في العالم
- ظهرت قوة الله في سحق مصر بكل قوة آلهتها عن طريق الضربات العشر لإخراج شعبه منها، بل وأغرق فرعون وجيشه، أعظم الجيوش وقتذاك، وحرر شعبه من عبودية مصر، وألقي بجثث المصريين على شاطئ البحر الأحمر، وبهذا بدد الله أعداءه، أي أعداء شعبه، فصاروا لا شيء أمام قوة الله.
- هذه الآية نبوة عن المسيح المصلوب؛ لأنه قال “بذراع قوته” إشارة لتجسده، الذى بموته قيد الشيطان، وبدد قوته، وحرر أولاده المؤمنين به، وأصعدهم من الجحيم إلى الفردوس.
ع 11، 12: 11- لك السماوات لك أيضا الأرض المسكونة و ملؤها أنت أسستهما.
12- الشمال و الجنوب أنت خلقتهما تابور و حرمون باسمك يهتفان.
- الله له السموات التى خلقها، وهم الملائكة الذين يسبحونه، وكذلك الأرض التى يسكن فيها المؤمنون به ويمجدونه أيضاً. بل كل الساكنين على الأرض عبر الأجيال وفى كل مكان فى الشمال والجنوب وأيضاً الشرق (حرمون) والغرب (تابور)؛ الكل يسبحون ويهتفون ويمجدون الله.
- قد يرمز الشمال لضد الله، إذ من الشمال أتت الهجمات الكثيرة على شعب الله قديماً، مثل آشور، وبابل، ومادي وفارس. ويقصد أن الله هو خالق الكل حتى من ينحرفون عنه ويعادونه، ولا يسمح لهم بمحاربة شعبه إلا بالمقدار المناسب لشعبه ويعطي أولاده قوة لمقاومة الأعداء.
ع 13 : 13- لك ذراع القدرة قوية يدك مرتفعة يمينك.
- يمجد كاتب المزمور الله؛ لأن له القدرة والقوة فوق العالم كله، ولعله عندما يقول “ذراع” ويدك” يقصد تجسد المسيح. فالمسيح بفدائه له سلطان على الكل، وقيد الشياطين أيضاً.
- يمين الله مرتفعة، واليمين ترمز للمجد، فمجده فوق كل أمجاد العالم
ع 14 : 14- العدل و الحق قاعدة كرسيك الرحمة و الأمانة تتقدمان أمام وجهك.
- الله كامل في عدله وقضائه، وهو قاعدة كرسيه، ولكنه طويل الأناة، فلا يظهر هذا العدل كاملاً إلا في يوم الدينونة. وحكيم هو من يخاف الله اليوم، فيتمجد مع الله في يوم الدينونة.
- إن رحمة الله وأمانته في وعوده تتقدمه الآن، فنراها في عنايته بأولاده. وقد ظهرت واضحة في العهد الجديد بفداء المسيح. ومن يستفيد من الرحمة ووعود الله التي تتقدمه، يتمتع بالسعادة في النهاية في الحياة الأبدية.
ع 15 : 15- طوبى للشعب العارفين الهتاف يا رب بنور وجهك يسلكون.
- إذ رأى المؤمنون بالله نوره العجيب استضاءت قلوبهم، وتركوا عنهم كل شيء؛ ليسلكوا في الحياة النورانية، أي بوصايا الله ساروا في طريق البر، فرحين برؤية الله، ووجهه الذي يطل عليهم برعايته وحبه، فيرفعهم عن كل شهوات العالم، ويعبرون عن فرحهم بالهتاف وتسبيح اسمه القدوس. إنهم يعاينون الله؛ لأنهم أنقياء القلب، ولهذا يطوبهم كاتب المزمور؛ لتمتعهم برؤية الله وسلوكهم النوراني.
- إن وجه الله الذي يضيء على أولاده ظهر جلياً في تجسد الإبن الوحيد، وتمتع برؤيته الذين آمنوا به، وسلكوا معه في حياة البر، وهتفوا فرحين بالحياة الجديدة. إنهم الرسل المطوبين وكل تابعي المسيح الذين تتلمذوا على يديه.
ع 16 : 16- باسمك يبتهجون اليوم كله و بعدلك يرتفعون.
- تذكر الله وترديد اسمه القدوس يشعر الإنسان بحضرة الله فيبتهج، واستمرار ذكر اسم الله طوال اليوم يعطي للإنسان فرحاً دائماً. والمقصود باليوم العمر كله. أما الخطية فلا تعطي إلا لذة مؤقته، وبعدها يسيطر الحزن والضيق.
- عدل الله يكافئ الأبرار الذين يذكرون اسمه، فيرفعهم في هذه الحيـاة عن الخطيـة التي تذل الإنسان، ثم يرفعهم في السماء ويمجدهم ويعوضهم عن كل أتعـاب الأرض.
ع (17 ، 18) : 17- لأنك أنت فخر قوتهم و برضاك ينتصب قرننا. 18- لأن الرب مجننا وقدوس إسرائيل ملكنا.
مجننا : المجن هو الترس الكبير، وهو آلة دفاعية عبارة عن قطعة كبيرة من الخشب لها عروة خلفية يضع فيها الجندي يده، ويحركها أمام وجهه وجسمه ليصد بها السهام.
- يظهر كاتب المزمور هنا سبب ارتفاع أولاد الله المذكور في الآية السابقة، فيقول : لأن الله هو سبب قوة أولاده التي بها يفتخرون، بل إنهم عندما يسلكون في وصاياه ينالون رضاه، فيرتفع قرنهم، أي تظهر قوتهم التي تخيف أعداءهم الشياطين.
- أيضاً الله هو المجن، أي المدافع عن أولاده الأبرار، بل أكثر من هذا أن الله القدوس إله إسرائيل هو الذي يملك على قلوب أولاده، ويحفظهم من كل شر، فلا يستطيع أحد أن يؤذيهم، أي يحفظهم في بر وقداسة متمتعين بعشرته، فرحين في كل حين.
إن إلهك قوي فوق كل قوى العالم، فتمسك بوصاياه، واهتم بإرضائه، واذكر اسمه في كل حين، فيفرح بك الله ويحميك، ويفرح قلبك.
(3) وعود الله لداود ونسله (ع19-37):
ع(19 – 21): 19- حينئذ كلمت برؤيا تقيك و قلت جعلت عونا على قوي رفعت مختارا من بين الشعب. 20- وجدت داود عبدي بدهن قدسي مسحته. 21- الذي تثبت يدي معه أيضا ذراعي تشدده.
- يتكلم كاتب المزمور في هذه الآيات عن داود النبي والملك، الذي كلمه ناثان النبي برؤيا (1أي 17 : 15) بخصوص بناء بيت الله، الذي كان يود أن يقوم به داود. وقال له الله أن ابنك هو الذي يبني البيت، وأعطى الله قوة ومعونة لداود القوي العظيم، فازداد قوة على قوة، واختاره من بين كل بني إسرائيل ليمسحه ملكاً، ويثبت مملكته فانتصر على كل الأعداء المحيطين، وأخمد الله ثورة أبشالوم، وحفظ داود كل أيام حياته لأنه بار وقلبه مثل قلب الله.
- هذه الآيات أيضاً نبوة عن المسيح الابن الوحيد، الذي تجسد فكان هو آدم الثاني، والإنسان الكامل الذي يتقي الله في سلوكه، فلم يخطئ في شيء، وعضده الآب بالروح القدس واختاره من بين كل البشر، ومسحه بالروح القدس عندما تعمد في نهر الأردن، وانتصر على كل حيل الشيطان في التجربة على الجبل، وفي مقاومة اليهود له، ثم كمل انتصاره في فداء البشرية على الصليب وقيد الشيطان.
ع22: 22- لا يرغمه عدو و ابن الإثم لا يذلله.
يرغمه : يجبره
- من جهة الأعداء لم يستطع أحد منهم أن يرغم داود، أو يقبض عليه، ويذله، ويجبره على أي عمل شرير، بل على العكس كان الله يحميه من مطاردة شاول، وكذلك أبشالوم، وفي النهاية سحق الله أعداءه، فمات شاول في الحرب، وأيضاً أبشالوم. وانتصر داود على أعدائه في البلاد المحيطة به، فخضعوا له وقدموا له الهدايا. ومن جهة شاول فقد وقع في يد داود مرتين وسامحه داود، أما داود فلم يقع في يد أحد.
- حدث كل ما سبق مع المسيح الذي أعلن الحق في كل مكان، ولم يستطع الشيطان أن يذله، بل على العكس قال للجموع من منكم يبكتنى على خطية (يو 8 : 46). وفي النهاية قيد المسيح الشيطان عند موته على الصليب
ع24 : 24- أما أمانتي و رحمتي فمعه و باسمي ينتصب قرنه.
- يتكلم الله فيقول أنه يهتم برعاية داود بكل أمانة ويحقق له المواعيد، ويرحمه، فيسامحه عن كل خطاياه. ثم باسم الله وقوته يتقوى داود، ويعبر عن هذه القوة بانتصاب وارتفاع قرنه.
- أعطى الآب كل سلطان للإبن بأمانة، وكملت الرحمة فى المسيح الذى فدى العالم. وباسمه القدوس ارتفع قرنه عندما هزم الشياطين وقيدهم بصليبه.
ع25: 25- و أجعل على البحر يده و على الأنهار يمينه.
- امتد سلطان داود على البحر، وعلى الأنهار، إذ انتصر على كل الأعداء المحيطين وأخضعهم له. والبحر يرمز للعالم، أى الوثنيين، والأنهار ترمز للمؤمنين، فكان لداود سلطان على شعبه، أى الأنهار، وعلى الأمم المحيطة أى البحر.
- كان للمسيح السلطان على البحر والأنهار، أي الأمم واليهود وكان يتكلم كمن له سلطان وليس كالكتبة والفريسيين، وأمن به بعد قيامته وصعوده مؤمنين من أصل أممى، ويهودي.
ع26 ، 27: 26- هو يدعوني أبي أنت إلهي و صخرة خلاصي. 27- أنا أيضا أجعله بكرا أعلى من ملوك الأرض.
- أظهر الله محبته وأبوته لداود حتى أن داود قال في المزمور الثاني “الرب قال لي أنت ابني أنا اليوم ولدتك” (مز 2 : 7). وأيضاً شعر داود بقوة الله المساندة له فدعاه “صخرة خلاصه”، وقد اختار الله داود من بين إخوته، وأعطاه بركة البكورية عندما مسحه ملكاً في بيت أبيه بيد صموئيل، وصار بكراً في علاقته بالله؛ حتى أن الله شهد أن قلبه مثل قلب الله (أع 13 : 22).
- هاتان الآيتان نبوة عن المسيح الإبن الوحيد، الذي دعى الله أبيه ستين مرة في الكتاب المقدس. والمسيح من جهة ناسوته يدعو الله صخرة خلاصه، أي قوته، وهو بالطبع البكر بين إخوة كثيرين، فهو باكورة الراقدين الذي قام من الأموات؛ ليقيم بقيامته المؤمنين به.
ع28 ، 29: 28- إلى الدهر أحفظ له رحمتي و عهدي يثبت له. 29- و اجعل إلى الأبد نسله وكرسيه مثل أيام السماوات.
- إن رحمة الله تحفظ، وتغفر لداود ونسله إلى الأبد، طالما يسلكون في البر مثل أبيهم داود. ويثبت الله عهده لهم برعايتهم وخلاصهم، ويوم نسل داود أمام الله كدوام السموات، أي لا يتزعزع. ونسل داود ليس فقط الذين ملكوا على سبط يهوذا، ولكن بالأكثر تكمل في المسيح ابن داود الذي يملك إلى الأبد.
- إن طبقنا هاتين الآيتين على المسيح كنبوة عنه، فرحمة الله وعهده إلى الابد، لأنه الله الذي يملك إلى الأبد. وتظهر الرحمة الإلهية لنسل المسيح؛ أي المؤمنين باسمه، وهم الكنيسة جسده، فيرحمهم الله، ويتعهدهم برعايته، ليس فقط على الأرض، بل إلى الأبد في السموات.
ع30 – 32: 30- إن ترك بنوه شريعتي و لم يسلكوا بأحكامي. 31- إن نقضوا فرائضي و لم يحفظوا وصاياي. 32- أفتقد بعصا معصيتهم و بضربات إثمهم.
يظهر عدل الله مع أولاده، سواء نسل داود، أو المؤمنين بالمسيح، فلا يحابى لهم إن أخطأوا بترك وصاياه وتعاليمه، وكذلك أيضاً فرائض وطقوس عبادته، بل يؤدبهم بعصا وضربات؛ ليتوبوا ويرجعوا إليه، وليعلموا أن الخطية خاطئة يتخلى عنهم، فيواجهون مشاكل لعلهم يعودون إليه.
ع 33 – 35 : 33- أما رحمتي فلا أنزعها عنه و لا أكذب من جهة أمانتي. 34- لا أنقض عهدي و لا أغير ما خرج من شفتي. 35- مرة حلفت بقدسي أني لا أكذب لداود.
تظل رحمة الله على نسل داود والمؤمنين بالمسيح لأنه يريد خلاصهم ولو اضطر إلى استخدام التأديبات. فالله يظل أمين في وعوده لداود ورحمته لنسله، لأن الله ثابت ليس عنده تغيير، فلا ينقض وعوده في رعاية شعبه. فإن أخطأوا يطيل أناته عليهم، فقد أبقى نسل داود ملوكاً على مملكة يهوذا حتى الأشرار منهم. فقد أقسم الله أن يبقى نسل داود ملوكاً إلى الأبد، وقد كمل هذا في المسيح. أما نسل داود الأشرار الذين أصروا على البعد عن الله فقد عاقبهم الله بالهلاك الأبدي.
ع 36 ، 37 : 36- نسله إلى الدهر يكون و كرسيه كالشمس أمامي. 37- مثل القمر يثبت إلى الدهر و الشاهد في السماء أمين سلاه.
- تكمل آمانة الله في وعوده لداود أن يثبت مملكته كثبات الشمس والقمر في الطبيعة. وفي السماء المسيح الذي من نسل داود يملك إلى الأبد على قلوب أولاده، ويملك معه كل نسل داود المؤمنين بالله، فيكونون شهوداً على صدق وعود الله.
- تنتهي هذه الفقرة بكلمة سلاه وهي وقفة موسيقية للتأمل في محبة الله ورعايته لأولاده.
ثق في مواعيد الله وأبوته التي ترعاك حتى لو كنت ضعيفاً وتسقط في الخطية، فهو يطيل أناته عليك. وقد يؤدبك ويتخلى عنك لفترة قصيرة، ثم يعود فيسامحك ويعوضك عما فات.
[4] نقض وعود الله (ع 38 – 45)
ع (38 ، 39) : 38- لكنك رفضت و رذلت غضبت على مسيحك. 39- نقضت عهد عبدك نجست تاجه في التراب.
- أعطى الله وعوداً عظيمة لداود ونسله، ولكن كان شرط دوام هذه الوعود التمسك بحياة البر، والإ فالله مستعد أن ينقض عهده. هذا ما حدث فعلاً أيام داود، عندما قام عليه ابنه أبشالوم وطرده من المملكة، فخرج داود يجري حافياً في مذلة. وتساءل الناس لماذا رفض الله داود مسيح الرب؛ أي الممسوح ملكاً منه ؟ ولماذا تنجس تاجه، أي تم خلعه كملك من على عرشه ؟ والسبب طبعاً هو تأديب الله لتتحقق توبة داود عن خطيته مع امرأة أوريا الحثي.
- رفض الله لمسيحه تم في رفضه لنسل داود الذين أخطأوا مثل رحبعام، الذي انشقت المملكة في أيامه، وكاد اليهود يقتلونه، فهرب منهم. وتكرر هذا مع ملوك كثيرين لأجل خطاياهم.
- تم رفض مسيح الرب في أعظم شخص في نسل داود، وهو الرب يسوع المسيح الذي قبض عليه اليهود، واستهانوا به، وجلدوه، وعذبوه، ثم في النهاية صلبوه ليموت. واحتمل كل هذا لأجل خطايا كل البشر، ولكنه استطاع أن يقوم من الأموات؛ ليقيم كل أولاده المؤمنين به
ع ( 40 – 42) : 40- هدمت كل جدرانه جعلت حصونه خرابا. 41- أفسده كل عابري الطريق صار عارا عند جيرانه. 42- رفعت يمين مضايقيه فرحت جميع أعدائه.
- يستكمل هذا المزمور عتابه لله على رذله لمسيحه، فيقول له لماذا تركت أعداء مسيحك يهدمون جدران بيوته ؟ وحتى حصونه أيضاً أصبحت خراباً، بل أيضاً جيران مسيحك شمتوا به وأصبح عاراً عندهم، وشارك الأعداء في إفساد بلاده. وفي الوقت الذي رذلت فيه مسيحك رفعت مضايقيه وأعداءه، ففرحوا بخراب مدنه. وقد حدث هذا مرات كثيرة مع نسل داود، عندما هجم عليه آشور وآرام وبابل، ولكن كمل الخراب لأورشليم وهيكلها على يد نبوخذ نصر، وتم السبى البابلي، ابتداء من عام 605 ق.م
- هذه الآيات الثلاثة كانت نبوة عما حدث مع المسيح عندما هدموا جسده، ومجده، وأذلوه على الصليب. وشمت به أعداؤه. واحتمل كل هذه الآلام لأجل خلاصنا
ع 43 : 43- أيضا رددت حد سيفه و لم تنصره في القتال.
- يعاتب كاتب المزمور الله لأنه تخلى عن شعبه، فلم يعد قوة على أعدائه؛ أي فقد قوة سلاحه وهو السيف ولم ينتصر. كل هذا بالطبع لأن الشعب ابتعد عن الله وعبد الأوثان.
- تنطبق هذه الآية أيضاً على المسيح، فسيف المسيح هو كلامه، الذي لم يعد مؤثراً على الشعب، الذي رفض كلامه، بل طلب من بيلاطس أن يصلبه. ولم يحقق المسيح تمنيات اليهود بأن يصير ملكاً عليهم، ويحررهم من الرومان، بل على العكس صلب في ذل وعار؛ لأنهم لم يفهموا أنه أتى ليملك عليهم روحياً، ويحررهم من موت الخطية.
ع 44 : 44- أبطلت بهاءه و ألقيت كرسيه إلى الأرض.
- ذهب بهاء اليهود وفقدوا ملكهم عندما ذهبوا إلى السبى الأشوري، ثم البابلي وصاروا عبيداً مذلولين، وكان هذا لتأديبهم ليتوبوا.
- هذه الآية نبوة عن المسيح الذي فقد بهاءه: أي مجده الأرضي بالصلب، ولم يملك ملكاً أرضياً على اليهود.
- بمجيئ المسيح فقد اليهود بهاءهم من جهة الناموس والختان اللذين كانا رمزاً للعهد الجديد، ولم يعودوا شعب الله المختار، وفقدوا تسلطهم وتميزهم لرفضهم الإيمان بالمسيح.
ع 45 : 45- قصرت أيام شبابه غطيته بالخزي سلاه.
- تنطبق هذه الآية على مملكة يهوذا التي فقدت قوتها، وحيويتها أي شبابها بالسبى البابلي، بعد أن فقدت مملكة إسرائيل أختها قوتها وشبابها بالسبى الآشوري، وغطاها الخزي بعبودية السبى.
- تنطبق أيضاً هذه الآية على المسيح الذي مات وهو شاب على الصليب، وكان مغطى بالخزي والعار أمام الناس، ولكنه في الحقيقة بموته داس الموت.
- تمت هذه الآية في أحد مراحل السبى البابلي على الملك يهوياكين الصغير السن، الذي ملك ثلاثة أشهر فقط، ثم تم سبيه إلى بابل، أي غطاه الخزي، ولكن بعد أن تم سجنه مدة طويلة عاد ملك بابل وحرره وأجلسه على مائدته.
- تنتهي هذه الآية بكلمة سلاه وهي نغمة موسيقية للتأمل أثناءها في تأديب الله لنا لنتوب ونرجع إليه.
الله يبحث عن خلاصك بكل الوسائل؛ فإن سمح لك بتجربة ثق أنه يحبك ويريد توبتك لتنال خلاصك، ثم يمتعك بعشرته وتفرح معه في الأرض، ثم في الأبدية.
[5] استدرار مراحم الله (ع 46 – 52) :
ع 46 : 46- حتى متى يا رب تختبئ كل الاختباء حتى متى يتقد كالنار غضبك.
شعر كاتب المزمور أن غضب الله وتأديبه طال على شعبه، فيتوسل إلى الله أن يوقف هذا الغضب، إذ عرف الشعب خطيته وسيتوب، ولكن الله بالطبع يعرف متى تكمل توبة شعبه، وحينئذ سيرفع غضبه، ويعيدهم من السبى بكرامة عظيمة.
ع 47 ، 48: 47- أذكر كيف أنا زائل إلى أي باطل خلقت جميع بني ادم. 48- أي إنسان يحيا و لا يرى الموت أي ينجي نفسه من يد الهاوية سلاه.
- يذكر كاتب المزمور الله بأن حياة الإنسان على الأرض قصيرة. فهو زائل وباطل؛ أي لا يستمر إلى الأبد على الأرض. فكل البشر سيموتون، ويذهبون إلى الجحيم (الهاوية) لأن الفداء لم يتم بعد، ولذا يترجى الله أن يرفع تأديبه، حتى يستريحوا قليلاً، قبل أن تنتهي حياتهم في عبودية السبى والذل.
- تنتهي هاتان الآيتان بكلمة سلاه التي هي نغمة موسيقية يتأمل الإنسان أثناءها كيف أنه غريب على الأرض، ويرى أن رجاءه الوحيد هو الله فيصلي، ويتعلق قلبه به.
ع 49 – 51 : 49- أين مراحمك الأول يا رب التي حلفت بها لداود بأمانتك. 50- اذكر يا رب عار عبيدك الذي احتمله في حضني من كثرة الأمم كلها. 51- الذي به عير أعداؤك يا رب الذين عيروا آثار مسيحك.
- يسأل كاتب المزمور الله عن وعوده لداود ونسله بالمراحم الكثيرة، فإن كان الشعب قد أخطأ، ولكن يكفي التأديب الإلهي، فقد تابوا ويحتاجون إلى رحمه الله، خاصة وأن شعب الله قد احتمل عاراً كثيراً في داخله من الأمم الوثنية، أي آشور وبابل التي أذلته. فيترجى الله أن يرفع عنهم هذا العار والذل، الذي لحق بنسل داود، أي آثار مسيحه؛ لأن داود هو مسيح الرب وآثاره هم نسله.
- تظهر أبوة كاتب المزمور ومحبته لشعبه، إذ يشعر أن العار والخزي وآلام شعب الله قد أتت عليه هو، بل يحملها في أحضانه ويتألم من أجلهم؛ لذا ارتفعت صلواته في هذا المزمور ليوقف الله غضبه، ويرحم شعبه.
- تنطبق هذه الآيات على المسيح الذي يصرخ إلى الآب لتعبر عنه كأس الآلام – آلام الصليب – لأنه احتمل في أحضانه كل آلام البشرية وخطاياها، وحمل عار الصليب؛ لأن المسيح هو نسل داود، أي آثار مسيحه. فداود هو مسيح الرب، ويسوع المسيح هو آثار داود الذي احتمل كل العار وفدى شعبه.
- آثار المسيح هم المؤمنون بالمسيح الذين يحتملون حروب الشياطين وعار الذل لأجل المسيح، ويطلبون من الله أن يرفع عنهم التجارب والضيقات، فيعطيهم مراحمه التي وعد بها أولاده.
ع 52 : 52- مبارك الرب إلى الدهر أمين فأمين
يختم المزمور بهذه الآية التي تمجد الله، فهو يستحق البركة والإكرام إلى الأبد؛ لأن هذه النهاية ليست فقط نهاية لهذا المزمور، بل نهاية للجزء الثالث من المزامير بحسب تقسيم اليهود، إذ أن اليهود يقسمون المزامير إلى خمسة كتب، ومزمور 89 هو نهاية الكتاب الثالث، ويلاحظ أن هذه الآية تتكرر في ختام الأربعة كتب الأولى فقط.
إن توبتك وإتضاعك أمام الله كل يوم يفتحان لك باب مراحم الله فتفيض عليك؛ لأن الله حنون ويعطي بسخاء للمتضعين الذين ينسبون المجد له، وهكذا تحيا مطمئناً، وتسير بخطى واسعة في طريقة الملكوت.