نداء لله المخلص
لإمام المغنين. على لا تُهلك. مذهبة لداود لما أرسل شاول
وراقبوا البيت ليقتلوه
“أنقذنى من أعدائى يا إلهى…” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : داود النبى.
- متى كتب ؟ عندما أرسل شاول رسلاً ليقتلوا داود فى بيته، ولكن زوجته ميكال بنت شاول نبهت داود، وأنزلته من كوة منزلهما قبل أن يصلوا، ووضعت على سريره الترافيم، ولبدة المعزى وغطتها، فلما وصل رسل شاول ليمسكوا داود أخبرتهم ميكال أنه مريض، ولكن طلب شاول من رسله إحضاره وهو مريض، فلما هجموا على البيت لم يجدوه (1صم19: 12-14). ويعد هذا المزمور من أقدم المزامير التى كتبها داود.
- هذا المزمور كان يرنم بواسطة جماعة من اللاويين المغنين لهم قائد، أى إمام.
- كان يرنم هذا المزمور على نغمة موسيقية تسمى لا تهلك، أو آلة تدعى لا تهلك ذات تسعة أوتار. ويرى بعض الآباء أن كلمة لا تهلك تعنى أيضاً أن الله لم يسمح أن يهلك داود ونجاه من يد شاول.
- هذا المزمور من المزامير العظيمة الثمينة لداود؛ لذا سمى مذهبة، وكان يكتب بماء الذهب.
- إن فكرة هرب داود بإنزاله من الكوة قد تكررت فى العهد الجديد عندما أنزلوا بولس الرسول من الكوة؛ ليهرب من دمشق (أع9: 25).
- يعتبر هذا المزمور من المزامير المسيانية لأن داود هنا يرمز للمسيح، فكما راقب رسل شاول سرير داود وظنوه نائماً عليه، ثم هجموا فلم يجدوا إلا ثيابه، هكذا أيضاً وقف الحراس على القبر، وظنوا أن جسد المسيح داخل القبر، ولكن فوجئوا بقيامته، وأنه لا يوجد فى القبر إلا الأكفان.
- يعبر هذا المزمور عن إنسان يعانى من ضيقة، فيصلى وينجيه الرب، فيسبحه ويشكره.
- لا يوجد هذا المزمور فى صلوات الأجبية.
(1) استغاثة للخلاص من الأعداء (ع1-9):
ع1، 2: 1- إنقذني من اعدائي يا الهي من مقاومي احمني. 2- نجني من فاعلي الإثم و من رجال الدماء خلصني.
- عندما شعر داود أن شاول يريد قتله، وكان لا يزال ساكناً فى بيته فى أورشليم مع زوجته ميكال، صرخ إلى الله لينقذه من أعدائه، ويحميه من شرهم. وإذ صلى إطمأن أنه قد وضع نفسه فى يد الله القادرة أن تصونه وتحميه، وتدخل الله بشكل إعجازى، إذ جعل ابنة شاول تقف ضد أبيها، فقالت ميكال لداود اهرب سريعاً لئلا يقتلك أبى، وأنزلته من كوة بيتها فهرب دون أن يشعر جواسيس شاول، الذين يراقبون باب البيت. فداود يؤمن أن الله هو الذى أنقذه مستخدماً ميكال، وهذا جعل إيمانه يثبت بالله.
- يبدو أن شاول كان يريد ذبح داود؛ لذا طلب داود من الله أن ينجيه من سافكى الدماء. والكنيسة تطلب فى كل حين من الله أن ينقذها، ويحميها، وينجيها، ويخلصها والرب يستجيب ويحفظ كنيسته على مدى الأجيال.
ع3: 3- لأنهم يكمنون لنفسي الأقوياء يجتمعون علي لا لإثمي و لا لخطيتي يا رب.
- يعلن داود كيف صنع له شاول ومن معه كميناً؛ ليقتلوه، فهم أقوياء، وداود ضعيف، ولكن قوته فى اعتماده على الله، ولأنه يسلك بالاستقامة، فهو برئ، وهم يريدون قتله.
- هذه الآية نبوة عن المسيح الذى حاول اليهود مرات كثيرة اصطياده بكلمة ليقبضوا عليه، ويقتلوه، معتمدين على قوتهم، واتصالهم بالسلطة الرومانية مع أنه بلا خطية، وهم يعلمون هذا، ولا يحركهم إلا شرهم ومحبتهم للتمسك بالرئاسة، خوفاً من المسيح وشعبيته، كما تعلق شاول بحب السلطة، وخاف من ازدياد شعبية داود فيأخذ منه العرش.
- الأقوياء هم الخطاة والشياطين، الذين بخبث ومكر يكمنون لأولاد الله الأبرياء ليسقطوهم فى الخطايا.
ع4: 4- بلا إثم مني يجرون و يعدون أنفسهم استيقظ إلى لقائي و انظر.
- يوضح داود لله أن أعداءه يتجمهرون، ويجرون نحوه، أى يسرعون ليهلكوه. وهم يعدون المؤامرة لقتله، مع علمهم أنه برئ؛ لذا يستنجد بالله لينظر إليه وينقذه. وإن كانوا قد تجمهروا حول بيته ليلاً، ولكنه يثق فى الله القادر على إنقاذه؛ لذا يقول له استيقظ لأنهم يحيطون بى، ولا تنتظر يا الله إلى الصباح لئلا يقتلوننى. وفعلاً حرك الله ميكال؛ فأنزلته ليلاً من الكوة، ونجا من أيدى أعدائه.
- يطلب داود أن ينظر الله إلى براءته؛ لينقذه من الأشرار الذين يريدون إهلاكه.
ع5: 5- و أنت يا رب إله الجنود إله اسرائيل انتبه لتطالب كل الامم كل غادر أثيم لا ترحم سلاه.
- عندما شعر داود باقتراب الأعداء منه؛ ليقتلوه، صرخ إلى الله الذى يثق فى قوته؛ لذا دعاه رب الجنود، وهو فى نفس الوقت إله إسرائيل، فقوته لصالح شعبه وأولاده. لذا يطلب منه داود أن ينتبه، أى يستعد للتدخل لإنقاذه من الموت. ولأن شاول، ومعاونيه ساروا فى الشر فى محاولات قتل داود، فهم يشبهون الأمم فى شرهم، واستحقوا مطالبة الله لهم، أى محاسبتهم، ومعاقبتهم على غدرهم وإثمهم، فعقاب الإصرار على الشر هو الهلاك.
- هذا المزمور يصلح أن يردده شعب الله فى حروبهم مع الأمم المحيطة بهم، إذ أنه يذكر هنا كلمة الأمم، وقد يعنى بها الأمم المحيطة بشعب الله، فيطالب الله القوى، رب الجنود، الحامى لشعبه إسرائيل أن ينتبه، ويحاسب الأمم، ويعاقبهم بلا رحمة؛ لرفضهم الله، وإصرارهم على الشر.
- ينهى هذه الآية بكلمة سلاه، وهى وقفة موسيقية للتأمل فى قوة الله المساندة لأولاده.
ع6: 6- يعودون عند المساء يهرون مثل الكلب و يدورون في المدينة.
يهرون : صوت الكلب الذى يظهر ضعفه، وهو غير النباح الذى يظهر قوته.
- يصف داود أعداءه بأنهم مثل الكلاب التى تأتى عند المساء، وتصدر أصواتاً ضعيفة. فقد أتى فعلاً رجال، وراقبوا بيت داود ليلاً، وكانوا يكلمون بعضهم بعضاً بأصوات خافتة حتى لا يشعر بهم أحد. ويدورون فى مدينة أورشليم، ليتجسسوا، ويعرفوا أخبار داود، ويتأكدوا من وجوده فى بيته حتى يستطيعوا قتله.
- اجتماع الأشرار فى المساء حيث الظلمة، يبين ميلهم للشر الذى يصنعونه فى الظلمة، ويقضون ليلهم فى قلق، وتدبير للمؤامرات، أما البار فيعطيه الله نوماً هادئاً فى الليل.
ع7: 7- هوذا يبقون بأفواههم سيوف في شفاههم لأنهم يقولون من سامع.
يبقون : يتكلمون بالشر.
يستكمل داود وصف أعدائه بثلاثة أمور؛ أولها أنهم يتكلمون كلاماً شريراً، ثانياً يظلمون الناس، فكلماتهم تجرح وتهلك؛ لذا دعاها سيوف. وثالثاً يستهينون بطول أناة الله عليهم، ويظنون أنه لا يسمع شرورهم. كل هذا معناه تمادى الأعداء فى خطاياهم، غير مستفيدين من طول أناة الله كفرصة لتوبتهم.
ع8: 8- أما أنت يا رب فتضحك بهم تستهزئ بجميع الأمم.
يرفع داود نظره إلى الله، ويحول عينيه عن محاولات الأشرار إهلاكه، فيرى الله فى قوته يستهزئ بكل مؤامرتهم الشريرة، فهو قادر أن يبطلها فى لحظة، وينجى ابنه داود. هذا يبين مدى إيمان داود، وثقته فى الله.
ع9: 9- من قوته إليك التجئ لأن الله ملجأي.
عندما نظر داود إلى قوة أعدائه شعر بضعفه، فأسرع ينظر إلى الله، الذى هو أقوى من الكل، والتجأ إليه ليحميه من العدو؛ لأن داود قد تعود أن يلتجئ إلى الله، ويتحصن فيه، فيحيا مطمئناً مهما أحاط به الشر.
تعود أن تنظر إلى الله كل حين؛ لتعتمد عليه، فلا تهتز من اضطرابات العالم المحيطة بك، ويسهل عليك أن تطلبه، فيبطل كل مؤامرات إبليس، وإذ تطمئن تتمتع بعشرة الله وخدمته.
(2) الله المخلص (ع10-15):
ع10: 10- الهي رحمته تتقدمني الله يريني بأعدائي.
- إذ اطمأن داود لله حصنه، وملجأه أخذ يصف باتضاع إلهه، بأن رحمته تتقدمه، أى أنه يحيا برحمة الله؛ لأنه خاطئ، وضعيف، ومقصر.
- الله الذى يحمى داود يريه ضعف أعدائه، وكيف يؤدبهم الله، ويعاقبهم؛ لأنهم أساءوا إليه، كما يرشده كيف يتصرف معهم، وهكذا يتمتع داود برؤية الله، وسـماع صوته.
ع11: 11- لا تقتلهم لئلا ينسى شعبي تيههم بقوتك و اهبطهم يا رب ترسنا.
تيههم : اجعلهم يتوهون، أى يتفرقون، ويتبددون، ويتشتتون، ولا يعرفون طريقهم.
ترسنا : الترس آلة دفاعية كان يستخدمها الجندى قديماً، وهى قطعة خشبية لها عروة خلفية يضع الجندى فيها يده، ويحركها أمام وجهه وجسمه ليحميه من السهام.
- يطلب داود من الله ألا يقبل أعداء شعبه، بل يجعلهم تائهين، أى فى ضعف ولا يعرفون كيف يسيرون، أو يتصرفون، ويهبطهم، أى ينزلهم عن كبريائهم، ويشعرون بضعفهم. وبهذا تظهر محبة داود لشعبه ولأعدائه فيما يلى :
أ – يحمى الله شعبه من الأعداء الذين صاروا ضعفاء، ولا يستطيعون أن يسيئوا إلى شعبه.
ب – إذ ينظر شعب الله أعداءهم فى ضعف يثبت إيمانهم بالله الذى هو ترسهم، والمدافع عنهم.
ج – يظل شعب الله فى استعداد للحرب، والدفاع عن بلادهم، أى لا يتهاونون؛ لأن الأعداء مازالوا موجودين، ولكن ضعفاء.
د – فرصة للأعداء أن يتوبوا، ويؤمنوا، ويرجعوا إلى الله، وهذا يبين قلب داود المتسع المحب حتى لأعدائه.
- هذه الآية تنطبق على المسيح الذى قام عليه اليهود، وصلبوه، ولكنه لم ينتقم منهم، ويقتلهم، كما أراد بطرس أن يقتل بسيفه الذين أتوا للقبض على المسيح، فقال له أنه لو أراد لطلب اثنى عشر جيشاً من الملائكة؛ ليحاربوا عنه، ولكنه يريد أن يفدى البشرية (مت26: 53). وبعد قيامته لم يقتل اليهود، ولكن شتتهم فى بلاد العالم بعد خراب أورشليم عام 70م، فصاروا فى ضعف، وكذلك قايين بعد قتله هابيل صار تائهاً فى الأرض، فنتيجة الخطية دائماً هى التيهان والضعف (تك4: 12-14).
ع12: 12- خطية أفواههم هي كلام شفاههم و ليؤخذوا بكبريائهم و من اللعنة و من الكذب الذي يحدثون به.
- حدد داود خطايا أعدائه فى خطيتين :
أ – كلامهم؛ إذ سقطوا فى خطايا الكلام، مثل اللعن، أى الشتائم، والكذب.
ب – كبرياؤهم، إذ شعروا أن مؤامراتهم لابد أن تنجح، ووثقوا فى قوتهم الشخصية.
وبهاتين الخطيتين أخذهم الله، أى حاسبهم، وعاقبهم، فهلك شاول، وأبناؤه فى الحرب، وانتقل العرش إلى داود.
- هذه الآية نبوة عن المسيح، الذى قام عليه اليهود بكبرياء، وبكلمات شريرة طالبين صلبه، وتخيلوا أنهم قد تخلصوا منه بموته على الصليب، ولكن الحقيقة أنه قام من الأموات، واجتذبهم للإيمان، وخضعوا له.
ع13: 13- افن بحنق افن و لا يكونوا و ليعلموا أن الله متسلط في يعقوب إلى أقاصي الأرض سلاه.
- بروح النبوة يعلن داود أن الله سيفنى أعداءه، ويكرر كلمة “إفن” مرتين؛ لأنهم سيهلكون على الأرض، ثم فى الحياة الأخرى. وبهذا الفناء، أى عندما ينتهى وجود هؤلاء الأشرار، يتمجد الله فى شعبه بنى يعقوب، أى المؤمنين به، لأنه حفظ أولاده، وأفنى الأشرار الذين يضايقونهم، فيثبت إيمان الأبرار، ويخشى باقى الأشرار؛ لعلهم يرجعون، ويؤمنون ويتوبون.
- تمت هذه الآية فى اليهود الذين قاوموا المسيح، فأفناهم على الأرض بخراب أورشليم عام 70م بيد الرومان، ثم سيفنيهم فى يوم الدينونة، فى العذاب الأبدى.
- تنتهى هذه الآية بكلمة سلاه، وهى وقفة موسيقية للتأمل فى قوة الله التى تتمجد فى أولاده، وتعاقب مقاوميه.
ع14: 14- و يعودون عند المساء يهرون مثل الكلب و يدورون في المدينة.
الآية (14) هى تكرار لـ (ع6)، ولكن بمعنى آخر إذ يتكلم عن الأشرار فى الأبدية، فيصف حياتهم بأنها عند المساء، أى فى الظلمة الخارجية، وفى ضعف يهرون مثل الكلاب، ويدورون، أى فى تيه، ويظلون هكذا إلى الأبد فى هذا العذاب، والحيرة، كما عبر عن ذلك موقف الغنى فى مثل الغنى ولعازر (لو16: 19-31).
ع15: 15- هم يتيهون للاكل إن لم يشبعوا و يبيتوا.
يستكمل داود وصفه لحالة الأشرار فى العذاب الأبدى، بأنهم فى تيهانهم يعانون من الجوع، ويظلون، أى يبيتون فى هذا الجوع إلى الأبد، بينما الأبرار يشبعون بالحب الإلهى فى الملكوت.
لا تفرح بالمكاسب التى تحققها بكسر وصايا الله، فهى كلها مؤقتة وزائلة، بل تستوجب الدينونة فى النهاية، وعلى العكس إن سقطت فى خطية، فاسرع إلى التوبة؛ لتنال مراحم الله.
(3) تسبحة الخلاص (ع16، 17):
ع16، 17: 16- أما أنا فأغني بقوتك و أرنم بالغداة برحمتك لأنك كنت ملجأ لي و مناصا في يوم ضيقي. 17- يا قوتي لك ارنم لأن الله ملجاي إله رحمتي
الغداة : الصباح الباكر.
مناص : ملجأ.
- إن كان داود قد بدأ مزموره بالصراخ إلى الله ليخلصه، ولكن بإيمان ينهى المزمور بتسبيح الله القوى الذى خلصه من أعدائه. ويرنم بالغداة بعد خلاصه من أيديهم، وانتهاء التجربة، لأن الله كان ملجأه. ويشكر الله على مراحمه الكثيرة التى يصعب إحصاءها.
- يتنبأ داود عن قيامة المسيح فى فجر الأحد “الغداة”، فيسبح الله القوى والرحوم، الذى مات وقام، ليقيم أولاده فيه، ويكون ملجأ لهم على الدوام.
- هذه الآية تنطبق على مشاعر داود، وكل المؤمنين به فى الأبدية، فيسبحون الله فى الغداة، التى هى فجر الحياة الجديدة، ويشكرون قوته، ورحمته التى حفظتهم طوال عمرهم، وكانت ملجأ لهم.
اشكر الله كل يوم على رعايته لك، وإنقاذه لك من الشرور الكثيرة، التى تعرفها، أو التى حفظك منها دون أن تدرى، وبتسبيحك له يثبت إيمانك، وتبتعد عن الخطية، وتتمتع بعشرته.