حتمية الموت
لإمام المغنين . لبنى قورح . مزمور
“اسمعوا هذا يا جميع الشعوب…” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : بنو قورح.
- مزمور حكمى، أى مملوء بكلمات الحكمة، فهو يشبه أسفار أيوب، والأمثال، والحكمة، ويشوع بن سيراخ.
- يوضح فكرة هامة، وهى أن الأغنياء المتعاظمين فى الأرض ليسوا أفضل من الفقراء؛ لأن الكل نهايتهم واحدة وهى الموت.
- يستنتج من هذا المزمور حكم ونصائح كثيرة أهمها :
أ – أهمية الاستقامة فى الحياة.
ب- الاتكال على الله.
ج – غربة العالم.
- هذا المزمور هو المزمور الثامن من المزامير التى تحمل عنوان لبنى قورح وهى المزامير من (مز42-49) ويضاف إليها أربعة مزامير أخرى لبنى قورح أيضاً هى (مز84، 85، 87، 88) فيكون إجمالى المزامير التى تحمل فى عنوانها لبنى قورح اثنى عشر مزموراً.
- هذا المزمور غير موجود بالأجبية.
(1) دعوة الجميع للإنصات (ع1-4):
ع1، 2: 1- اسمعوا هذا يا جميع الشعوب اصغوا يا جميع سكان الدنيا. 2- عال و دون اغنياء و فقراء سواء.
يدعو الكاتب كل الشعوب والساكنين فى العالم، سواء كانوا عظماء، أو أدنياء، أغنياء، أو فقراء، أى جميع الشعوب، بما فيهم اليهود، أن يسمعوا وينصتوا باهتمام للحقائق التى سيذكرها فى هذا المزمور. وبهذا يظهر أهمية ما سيقوله.
ع3، 4: 3- فمي يتكلم بالحكم و لهج قلبي فهم. 4- أميل أذني إلى مثل و اوضح بعود لغزي.
لهج قلبى : مشاعر متكررة تستحوذ وتسيطر.
أميل أذنى : استمع باتضاع.
- يوضح الكاتب أن ما يعلنه فى هذا المزمور هو حكم ونصائح نطق بها لسانه، وهى نابعة من مشاعر تتكرر فى داخله. فهو يشعر بكل كلمة ينطق بها؛ لأنها حقائق هامة، ومفاهيم أساسية يحتاجها كل إنسان.
- الكاتب أيضاً يتضع، مستمعاً لخفقات قلبه، ثم يعبر عنها بمثل يؤكد الحقيقة التى يريدها؛ لأن الأمثال مؤثرة فى السامع أكثر من الحقيقة المباشرة، ويسهل فهمها. ويوضح كذلك النصائح التى يعلنها وتبدو أنها خفية كاللغز، فيقدمها منغمة بمصاحبة آلة موسيقية، وهى العود، حتى يسهل قبول السامع لها.
ليتك تنصت باهتمام لكلمات الله، وإرشادات أب اعترافك، فهى صوت الله المباشر لك لتعمل به، فتحيا مطمئناً، وتخطو خطوات ثابتة نحو الملكوت.
(2) الموت نهاية كل البشر (ع5-15):
ع5: 5- لماذا اخاف في أيام الشر عندما يحيط بي إثم متعقبي.
متعقبىَّ : أى عقبىَّ، وهما الكعبان اللذان فى أسفل قدمى الإنسان.
- يتساءل الكاتب لماذا أخاف من أيام الشر، أى الأيام التى تأتى فيها مصائب وتجارب. ولا توجد أيام شريرة، ولكن يقصد أيام تحمل متاعب له. فهذه التجارب يستخدمها الله لخيره، وتنقية نفسه، واستعداده للأبدية.
- الذى يخيف الإنسان فقط فى أيام الشر، والتى تعنى يوم الدينونة، أن تحيط برجليه آثامه وخطاياه التى يحاسبه الله عنها، ولذا فينبغى للإنسان أن يتوب عن خطاياه ويستعد ليوم الدينونة.
- اثم متعقبىَّ هو الخطية الجدية – خطية آدم – التى تتعقبنى إلى يوم الدينونة، ولكن بالمسيح الفادى أتحرر منها فى ماء المعمودية. واثم متعقبىَّ أيضاً هى الآثام التى أصنعها فى عقب حياتى، أى أواخر حياتى ولا أتوب عنها، فهذه تديننى فى يوم الدينونة.
ع6، 7: 6- الذين يتكلون على ثروتهم و بكثرة غناهم يفتخرون. 7- الاخ لن يفدي الانسان فداء و لا يعطي الله كفارة عنه.
يوبخ الكاتب اتكال الأغنياء على أموالهم، وافتخارهم بها. فهى لا تستطيع أن ترفع عنهم خطاياهم، أو توقف التجارب التى تحل بهم، وبالتالى لا تستطيع الثروة أن تفدى الإنسان بعد الموت، أو تضمن له الحياة الأبدية السعيدة. ولا يستطيع الإنسان، أو الأخ المستقيم أن يفدى أخيه الشرير، ولا يستطيع المستقيم أن يعطى كفارة لله عن أخيه الشرير، بل كل واحد يحاسب بحسب أعماله.
ع8، 9: 8- و كريمة هي فدية نفوسهم فغلقت الى الدهر. 9- حتى يحيا إلى الأبد فلا يرى القبر.
غلقت : تظل محفوظة.
يتحول الكاتب بحديثه إلى الفقراء، والأدنياء، والمحتقرين، فيشجعهم بأن نفوسهم غالية جداً فى نظر الله، وأنها ستخلد إلى الدهر والأبد. وعليهم أن يحيوا ناظرين إلى الأبدية؛ وليس إلى هذه الحياة القصيرة بشقائها، والتى تنتهى سريعاً بالموت، فلا ينزعجون من أتعاب هذه الحياة، ولا الموت والقبر؛ لأن نفوسهم الغالية إن عاشت مع الله سيمجدها ويريحها فى الأبدية.
ع10، 11: 10- بل يراه الحكماء يموتون كذلك الجاهل و البليد يهلكان و يتركان ثروتهما لآخرين. 11- باطنهم أن بيوتهم الى الأبد مساكنهم إلى دور فدور ينادون بأسمائهم في الأراضي.
- إن الموت يراه الحكماء ويستعدون له بالحياة المستقيمة، أما الجاهل وهو الذى لديه معلومات وعلم هذا العالم، ولكنه جاهل فى الحياة الروحية، ومنغمس فى الشهوات ومحبة المال، وكذلك أيضاً البليد، وهو الذى لا يفهم علوم هذا العالم، ولا يعرف أهمية الاستعداد للأبدية؛ كلاهما – الجاهل والبليد – يموتان ويتركان ثرواتهما، ولا ينالا راحة فى الأبدية.
- العجيب أن الجاهل والبليد فى داخلهما أفكاراً غريبة؛ إذ يعتقدان أنهما سيخلدان فى راحة وعظمة إلى الأبد؛ أى أن عظمتهما الظاهرة فى بيوتهما وشهرتهما؛ إذ يطلقان أسماءهما على البيوت، والشوارع، والميادين، والمدن؛ لتخليد أسمائهما ويعتقدان أن هذا سيستمر إلى الأبد مع أنه زائل. والخلاصة أن المال والشهرة فى هذا العالم لا تفيد فى الأبدية.
ع12: 12- و الإنسان في كرامة لا يبيت يشبه البهائم التي تباد.
يواصل الكاتب حديثه هنا عن الغنى الذى انشغل بشهوة محبة المال، ونال كرامة بين البشر لغناه، يعلن هنا أنه لا يبيت فى الكرامة، أى لا تتبعه الكرامة بعد الموت، بل يذهب إلى الجحيم، ويفقد كرامته؛ لأنه يموت ويدفن مثل البهائم التى تمثل الشهوة الحيوانية، فليس لها كرامة فى الأبدية، ولا تخلد فى الملكوت.
ع13: 13- هذا طريقهم اعتمادهم و خلفاؤهم يرتضون بأقوالهم سلاه.
يعلن الكاتب فى هذه الآية أن الذين اعتمدوا على ثرواتهم، وكذلك نسلهم الذى اقتدى بهم، وعاش منشغلاً بشهوة المال يموت ويدفن بلا كرامة مثل الحيوانات، كما ذكرنا فى الآية السابقة. ثم يذكر كلمة سلاه، وهى نغمة موسيقية؛ ليتأمل القارئ فى بطلان الغنى وكرامة هذا العالم الزائل.
ع14: 14- مثل الغنم للهاوية يساقون الموت يرعاهم و يسودهم المستقيمون غداة و صورتهم تبلى الهاوية مسكن لهم.
- الأغنياء الذين انشغلوا بشهوة المال يموتون ويدفنون مثل البهائم، كما ذكرنا فى الآيتين السابقتين. وصورهم التى علقوها على الحوائط، وكذلك قوتهم، ومجدهم أثناء حياتهم فى العالم تبلى وتزول بعد الموت؛ لأنهم يسكنون ويستقرون فى الهاوية، أى الجحيم. ثم تنتظرهم الدينونة، حيث يدينهم الله. والمستقيمون يسودونهم، أى يدينونهم؛ لأنهم عاشوا فى العالم مثلهم ولكنهم اتقوا الله. ويقصد بالغداة باكر بعد الموت، أى الدينونة، حيث يشرق الله بنوره، ويأخذ الاتقياء إلى الملكوت، ويلقى الأشرار فى العذاب الأبدى.
- الذين انشغلوا بمحبة المال يرعاهم الموت، فيفقدون كل كرامتهم؛ لأنهم رفضوا رعاية الله أثناء حياتهم، وتركوا وصايا الله، وأحبوا العالم؛ ولذا يواجهون الذل والهوان فى الجحيم بعد الموت.
ع15: 15- إنما الله يفدي نفسي من يد الهاوية لأنه يأخذني سلاه.
- رجاء المستقيمون أن الله يفديهم من الهاوية. فالذين ماتوا على رجاء المسيا المنتظر، انتظروا فداءه الذى تم فى ملء الزمان، ففداهم، وأصعدهم من الجحيم ونقلهم إلى الفردوس.
- يظهر إيمان الكاتب بالله أنه يترجى فداء المسيح بعد أن يذهب إلى الجحيم، فيصعده مع المؤمنين إلى الفردوس. ثم يختم بكلمة سلاه ليتأمل القارئ فداء المسيح العظيم للمؤمنين به.
لا تنشغل بشهوات هذا العالم الزائل؛ لأنها فانية ولا تنزعج إذا ضاع حق من حقوقك المادية، بل اهتم أولاً بعلاقتك مع الله، واحتفظ بسلامك، ناظراً إلى الأمجاد السماوية التى سيعوضك فيها الله عن كل ما خسرته فى العالم.
(3) بطلان الغنى (ع16-20):
ع16-18: 16- لا تخش إذا استغنى انسان إذا زاد مجد بيته. 17- لأنه عند موته كله لا يأخذ لا ينزل وراءه مجده. 18- لأنه في حياته يبارك نفسه و يحمدونك إذا احسنت إلى نفسك.
- لا تخف من الأغنياء الذين لهم أملاك وقوة مادية كبيرة، فهؤلاء الأغنياء مجدهم متعلق بأملاكهم الزائلة التى سيفقدونها بالموت، فيصبحون بلا مجد، خاصة وأنهم اهتموا واعتمدوا على المال ليمجدهم؛ إذ يقول “مجد بيته” وليس مجده.
- هؤلاء الأغنياء ليس لهم مجد آخر – ويُقصد به المجد الروحى فى إيمانهم بالمسيح- وقبلوا أيضاً مدح من المرائين والمغرضين المحيطين بهم، إذ رأوا الأغنياء يباركون أنفسهم، أى يمتعون أنفسهم بالشهوات المادية المختلفة. وبهذا زاد هؤلاء الأغنياء فى خداع أنفسهم، وابتعدوا عن الله.
ع19، 20: 19- تدخل إلى جيل أبائه الذين لا يعاينون النور إلى الأبد. 20- انسان في كرامة و لا يفهم يشبه البهائم التي تباد
- هذا الغنى الذى انشغل بغناه، والشهوات العالمية، ومدح الآخرين له، سيترك كل هذا ويموت، وينضم إلى آبائه الذين عاش مثلهم، منشغلاً بمحبة المال، فيدخل إلى الجحيم، حيث الظلمة الأبدية، جزاء ابتعاده عن الله النور الحقيقى.
- يختم الكاتب هذا المزمور بأن الله أعطى كرامة لكل إنسان، بل زاد فى عطائه فأكرم الأغنياء بممتلكات كثيرة؛ ليستخدموها فى الإحسان على المحتاجين. ولكنهم فى أنانية حفظوها لأنفسهم. والإنسان العادى لم يحيا كصورة لله. وكذلك من وهبهم الله معرفته، مثل اليهود ولم يستخدموا هذه المعرفة للإيمان بالمسيح، كل هؤلاء يموتون مثل البهائم، أى يفقدون المجد السماوى، ويذهبون إلى الجحيم والعذاب، كما أن البهائم ليس لها مجد سماوى.
إن كان الغنى باطل وزائل فاحرص أن تستخدمه لمجد الله، خذ احتياجاتك واستخدم الباقى فى عمل الخير. لا تنشغل مثل الآخرين بجمع المال، ولا تتعلق به، فهو مجرد وسيلة تعينك على الحياة؛ لتتمتع بعلاقة قوية مع الله، حتى تصل إلى مكانك السماوى العظيم.