يمين الله ترجعنا وترعانا
لإمام المغنين على السوسن. شهادة. لآساف. مزمور
“يا راعى إسرائيل اصغ …” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : آساف رئيس المغنين أيام داود.
- لماذا كتب ؟ هو نبوة عن اليهود المسبيين فى السبى البابلى، ويطلبون من الله أن يرجعهم من السبى، ويهتم بشعبه، وبهيكله الذى أحرقه الأعداء.
- يقال هذا المزمور بمصاحبة آلة موسيقية تسمى السوسن كما يظهر فى عنوان المزمور. وهى آلة تشبه زهرة السوسن.
- يعلن عنوان المزمور أنه شهادة؛ أى يشهد على إيمان شعب الله المسبى ومعاناته، وصلواته، ورجائه فى العودة من السبى.
- يعلن العنوان أنه مزمور؛ أى يرنم بمصاحبة المزمار.
- يتكلم هذا المزمور عن الكنيسة، أو النفس البشرية المتألمة، لكن تؤمن بالله فتصلى وتتضرع إليه، ليرفع عنها آلامها، ويتعهدها برعايته.
- يترجى هذا المزمور الله ليتجسد ويفدى البشرية، ويتعهد أولاده المؤمنين به، ويرعاهم إلى الأبد.
- هذا المزمور لا يوجد بصلاة الأجبية.
(1) طلب الخلاص والرجوع (ع1-3):
ع 1: 1- يا راعي إسرائيل أصغ يا قائد يوسف كالضان يا جالسا على الكروبيم أشرق.
- يتضرع المزمور إلى الله، ويصفه بأنه راعى إسرائيل، أى شعب الله قبل الانقسام. ويذكره بأنه قائد يوسف، الذى احتمل أتعاباً كثيرة من إخوته، وظل متمسكاً بعفافه. وهو مسكين مثل الضأن، أى الخروف الضعيف أمام الذئاب. فهو محتاج لرعايتك وقيادتك يا الله، خاصة أنك أنت الإله العظيم، القادر على كل شئ، الجالس على الشاروبيم المملوئين أعينا، ويسبحونك على الدوام. فأنت الإله القوى، والحنون، الراعى لشعبك فى نفس الوقت.
- عندما ينادى المزمور على الله الجالس على الشاروبيم يذكره بأنه خلق شعبه بطبيعة سماوية، عندما خلق فيهم الروح؛ ليعرفوه، ويسبحوه مثل الملائكة، لذا يطلب المزمور من الله أن يرعى شعبه، ويقوده ويحرره من سبيه؛ ليمجدوه.
ع 2: 2- قدام أفرايم و بنيامين و منسى أيقظ جبروتك و هلم لخلاصنا.
ينادى المزمور الله القوى الجبار ليستيقظ؛ إذ اعتبر سكوته على مذلة شعبه كأنه شخص نائم. فيطلب منه أن يتحرك ويستيقظ من نومه، ويخلص شعبه. ويذكر هذه الأسباط الثلاثة أفرايم، وبنيامين ومنسى لترمز إلى كل شعب إسرائيل، وأن هذه الأسباط الثلاثة كانت تسير أمام تابوت عهد الله عندما تتحرك الأسباط فى مسيرتها أثناء وجودها فى برية سيناء؛ لأنها أسباط قوية، ولكنها الآن مستعبدة فى السبى وضعيفة، فيترجى المرنم الله أن ينقذ شعبه الضعيف، ويعيده إلى قوته، مثلما كانت هذه الأسباط الثلاث.
ع3: 3- يا الله أرجعنا و أنر بوجهك فنخلص.
- فى نهاية هذه الفقرة يطلب من الله أن يرجع لرعاية شعبه الذى أهمله بتأديبه فى فترة السبى، أى عُد إلى رعايتك لشعبك لترجعنا من السبى، فنستعيد حريتنا وكرامتنا.
- يطلب أيضاً من الله أن ينير بوجهه على شعبه، فينال الخلاص. لأن ظهور وجه الله، أو سكناه فى وسط شعبه هو الحياة التى يمنحها لهم، فيتركوا ظلمة الخطية، ويحيوا حياة روحانية فيه، مملوءة بالبر والفضائل، وهذا هو الخلاص، ليس فقط من عبودية السبى، بل هو الحرية والتمتع بعشرة الله.
- هذه الآية قرار يتكرر فى هذا المزمور ثلاث مرات فى (ع3 ، 7، 19)؛ لأن هذا هو هدف المزمور أن يعيد الله شعبه من السبى، ويمتعهم بنوره وخلاصه.
? ليت هذه الآية تكون طلبة دائمة لنا؛ ليرجعنا الله من خطايانا إلى أحضانه، فنستنير بنوره، ونتمتع بخلاصه فى كنيسته.
(2) لماذا تركتنا؟ (ع4- 7):
ع4: 4- يا رب اله الجنود الى متى تدخن على صلاة شعبك.
يذكر الكاتب الله بأنه إله الجنود، أى القوى القادر على كل شئ. ويسأله لماذا تدخن على صلاة شعبك؟ أى ترفضها، وتهملها، ولا تستجيب، فيظل فى ذل عبودية السبى؟! ألا يكفى التأديب الذى ناله؛ لتسامحه وتعيده من سبيه؟!
ع5: 5- قد أطعمتهم خبز الدموع و سقيتهم الدموع بالكيل.
- يصف المزمور حالة الشعب المسبى وكيف سمح له الله أن يختلط طعامه بدموعه؛ دموع الألم، ودموع التوبة.
- الدموع التى سمح بها الله لشعبه كانت كثيرة جداً، فكانت بالكيل، ولكن فى نفس الوقت كانت بالكيل؛ أى بمقدار محدد لا تزيد عنه حتى لا يبتلعوا من اليأس. وقد يختلف مقدارها من شخص إلى آخر بحسب احتياجه للتأديب والدموع. والغرض فى النهاية هو خلاص شعبه.
ع6: 6- جعلتنا نزاعا عند جيراننا و أعداؤنا يستهزئون بين أنفسهم.
- أعداء شعب الله هم الأمم المحيطة بهم، أى جيرانهم، وهم الموآبيون، والعمونيون من الشرق، والأدوميون فى الجنوب، والفلسطنيون فى الغرب. هؤلاء تنازعوا بين أنفسهم من يقتص من اليهود، ويسلمهم للبابليين عندما هجم عليهم بنوخذنصر، أى تنازعوا، وتشاوروا على إهلاكهم.
- هذه نبوة أيضاً عن المؤمنين بالمسيح، الذين هزأ بهم أعداؤهم ، وهم اليهود واليونانيون والرومان، لإيمان المسيحيين بشخص مصلوب قد مات؛ إذ لم يعرف هؤلاء الأعداء أنه الله إلهنا الفادى.
ع7: 7- يا اله الجنود أرجعنا و أنر بوجهك فنخلص.
هذه الآية مكررة، فهى القرار الذى يوجد فى نهاية كل مجموعة آيات، وقد سبق شرحها فى (ع3). وتعنى هنا الرجاء فى الرجوع من السبى، والخلاص من كل الآلام التى عانى منها شعب الله فى السبى، والمذكورة فى (ع 4 –6).
? إن كانت تمر بك ضيقات تتألم بها، وتعتصـر نفسك، فثق إن الله قد سمح بها لك؛ لتتوب عن خطاياك، وحتى تنمـو صلواتك، فتختبر أعماقاً جديدة فى علاقتك مع الله، فيتعزى قلبك.
(3) تعهد كرمتك (ع8-19):
ع8: 8- كرمة من مصر نقلت طردت أمما و غرستها.
- يشبه المزمور شعب الله بكرمة لأنها نبات ضعيف يحتاج إلى رعاية. وعند رعايته يعطى ثماراً حلوة وكثيرة. فالله نقل شعبه من مصر عندما أخرجه بذراع رفيعه من عبودية مصر بالضربات العشر، وشق البحر الأحمر، وعبر به برية سيناء، وأتى به إلى أرض كنعان، وطرد الأمم الساكنة فى الأرض، وأسكنه بدلاً منهم. لأنهم كانوا هم الشعب الوحيد الذى يؤمن بالله بخلاف باقى العالم الوثنى، لذا رعاهم الله، وقادهم، وعالهم، وأسكنهم فى أرض تفيض لبناً وعسلاً.
- الكنيسة أيضاً تلقب بالكرمة لنفس الأسباب السابقة. فالكنيسة هى شعب الله الجديد، ولذا نطلق على الكنيسة فى لحن “أيها الرب إله القوات” لقب الكرمة.
ع9: 9- هيأت قدامها فأصلت أصولها فملأت الأرض.
هيأ الله الطريق قدام شعبه، فأزعج سكان أرض كنعان، وخافوا الله، الذى يسير وسط شعبه، لأنهم سمعوا بشق البحر الأحمر، بالإضافة إلى شق نهر الأردن. وهذا ساعد شعبه فى الانتصار على أعدائهم، وسكنوا مكانهم بعد أن طردوهم. وثبتوا كما تثبت الكرمة بمد جذورها فى الأرض، أى تأصلت أصولها، وانتشرت الجذور فى الأرض فملأتها؛ أى أن الشعب انتصر، وواصل طرد الشعوب الوثنية، وقد حدث هذا فى عهد داود وسليمان.
ع10، 11: 10- غطى الجبال ظلها و أغصانها أرز الله. 11- مدت قضبانها إلى البحر و إلى النهر فروعها.
- يواصل المزمور كلامه عن الكرمة، فيعلن أنها امتدت لتغطى الجبال، أى أن الشعب سكن، وانتشر على جبال أرض كنعان. ويشبه الشعب أيضاً بشجر الأرز، أى صار الشعب قوياً، وثابتاً فى الأرض، ومرتفعاً إلى السماء. ويعلن أيضاً أنه امتد من البحر، ويقصد البحر الأبيض المتوسط إلى النهر، ويقصد نهر الفرات، ونهر مصر، الذى يمتلئ موسمياً فى فصل الشتاء ويوجد فى برية سيناء.
- ترمز هاتان الآيتان إلى انتشار المسيحية فى العالم كله عبر البحار والأنهار، أما الجبال فترمز إلى الارتفاع نحو السماء فى حياة المؤمنين. والخلاصة أن المؤمنين فى العهد الجديد يحيون حياة سماوية مرتفعين عن الأرضيات، كمن يسكنون على الجبال، ويصيرون أقوياء مثل أرز لبنان، ويحيون على مجارى المياه، أى عمل الروح القدس يفيض فى حياتهم.
ع 12، 13: 12- فلماذا هدمت جدرانها فيقطفها كل عابري الطريق. 13- يفسدها الخنزير من الوعر و يرعاها وحش البرية.
- يتساءل المزمور، ويقول للرب لماذا هدمت جدران هذه الكرمة ؟ أى شعبك، ويقصد بهذا هدم أسوار أورشليم، وحرقها هى وهيكلها، وهجوم الأشوريين، ثم البابليين، واستيلائهم على خيراتها، وبعدهم أتى أنطيوخوس الملك أيام المكابين، وهجم على أورشليم واليهودية.
فخنزير الوعر، ووحش البرية يرمزان إلى أشور وبابل، وعابرى الطريق يرمزون إلى أعداء اليهود المقيمين حولهم، وهم الشعوب الوثنية؛ موآب، وبنى عمون، وآدوم، وفلسطين. كل هؤلاء شمتوا بسقوط أورشليم وكل بلاد اليهود، وقبضوا على الهاربين من اليهود، وسلموهم إلى آشور، وبابل.
- أعداء شعب الله هم الشياطين فى كل جيل، الذين يشمتون بالمؤمنين إن سقطوا، ويذلونهم بالخطية.
ع 14: 14- يا إله الجنود ارجعن اطلع من السماء و انظر و تعهد هذه الكرمة.
- ينادى كاتب المزمور الله ويلقبه بإله الجنود. ويلاحظ تكرار تعبير “إله الجنود” أربع مرات فى هذا المزمور؛ لأن الله ضابط الكل القوى، الذى يضبط العالم كله بأركانه الأربعة.
- يطلب المزمور من الله أربعة أفعال هى:
- “ارجعن“: أى عد إلى أبوتك ومحبتك، واهتمامك الأول بشعبك، بعد أن تخليت عنه فترة لتأديبه.
- “اطلع“: أى انظر بعناية وهدوء وهذا الإطلاع من السماء، ويعنى تطلع نقى روحانى، يفيض على الشعب بالحنان والحب ويسمو بهم إلى السماويات.
ج- “انظر” أى دقق وركز عنايتك بشعبك لأنه ضعيف، ومحتاج لكل اهتمامك، فهو تضرع وترجى من الله أن يعطى الشعب كل حبه.
د- “تعهد“: أى إرع شعبك واهتم بنموه، وإبعاد كل شئ يعطله عنك، كما يهتم الزارع بتسميد النبات، ومقاومة الآفات الضارة.
ع15: 15- و الغرس الذي غرسته يمينك و الابن الذي اخترته لنفسك.
- يصف هنا شعب الله بغرس غرسه الله، وهو بالتالى ثابت وقوى، إذ أن يمين الله وقوته هى التى غرست شعبه. ويشبهه أيضاً بالإبن، لأن الله يهتم به كأب، وقد اختاره من بين جميع الشعوب، وأخرجه من مصر ليحيا له فى الإيمان المستقيم.
- هذه الآية واضحة عن تجسد المسيح الذى غرسه الأب بين البشر بتجسده، وهو ابن الله الذى اختاره من بين جميع البشر، لأنه وحده القادر على فدائنا؛ الإله المتأنس.
ع 16: 16- هي محروقة بنار مقطوعة من انتهار وجهك يبيدون.
- الكرمة التى ترمز لشعب الله عندما انحرفت فى عبادة الأوثان سمح الله أن تحرق، وتقطع، وقد تم هذا على يد نبو خذنصر الذى أحرق الهيكل وأورشليم. وهكذا استخدم الله نبوخذنصر لينتهر شعبه ويؤدبه، فمات الكثيرون والباقون عاشوا فى عبودية وذل؛ ليرجعوا إلى الله.
- بتجسد المسيح انتهر الشر، وأباد الخطية فلم تقو عليه، وعندما رفض اليهود الإيمان قام عليهم الرومان عام 70م، وأحرقوا ، ودمروا أورشليم، وهيكلها.
ع17: 17- لتكن يدك على رجل يمينك و على ابن ادم الذي اخترته لنفسك.
هذه الآية تنصب أساساً على المسيح المتجسد، فتطالب الآب أن تكون يده على رجل يمينه الذى هو المسيح، وابن آدم الذى اختاره الآب، وتكون يد الأب على الإبن، أى اللاهوت يعمل فى المسيح فيمايلى:
- إعطاؤه قوة، فلا يمسك عليه اليهود خطأ، ولا يقبضوا عليه قبل الأوان (يو8 : 59).
- يمجده بالمعجزات والتعاليم القوية (يو 17 : 4).
- يقيمه من الأموات.
- يرسل روحه القدوس ليفيض بنتائج الخلاص، وفداء المسيح على الكنيسة من خلال الأسرار، والمواهب، وثمار الروح القدس.
ع 18: 18- فلا نرتد عنك أحينا فندعو باسمك.
- إذا اعتنى الله بشعبه يحفظه ويثبته فى الإيمان، فلا يرتد عنه، ويعطيه نعمة الحياة فيه، مبتعداً عن موت الخطية، وحينئذ يمجده، ويسبحه، ويشكره على أعماله.
- هذه نبوة أيضاً عن المسيح المتجسد الفادى، الذى يثبت المؤمنين فى الإيمان، ويحييهم من موت الخطية، ويرفعهم إلى الحياة الأبدية، فيمجدوه ليس فقط على الأرض، بل أيضاً فى السماء إلى الأبد.
ع 19: 19- يا رب إله الجنود ارجعنا أنر بوجهك فنخلص
هذه الآية هى القرار المتكرر هنا للمرة الثالثة، وقد سبق التأمل فيه أنظر (ع3). وإنارة الله علينا تختص بالأبدية، حيث يتمتع المؤمنون بالحياة النورانية السامية الكاملة.
? اطلب من الله كل يوم أن يهتم بنفسك، ويرعاها، فتنمو فى محبته. واطلبه فى كل موقف صعب حينئذ يطمئن قلبك مهما واجهتك ظروف صعبة. ولا ترفض صوته إذا دعاك لأى عمل روحى، سواء بصوت فى داخلك أو تسمعه حولك.