الله القدير القدوس الممجد
“الرب قد ملك لبس الجلال … ع1”
مقدمة :
- كاتبه : هناك رأيان :
أ – لم يذكر الكتاب المقدس عنواناً له، فهو يعتبر من المزامير اليتيمة، أى التى لم يذكر كاتبها.
ب- فى الترجمة السبعينية يوجد عنوان لهذا المزمور وهو “بركة تسبحة داود، لليوم الذى قبل السبت عندما عُمرت الأرض”. ومن هذا نعرف ما يلى :
- أن كاتبه هو داود النبى بدليل تشابه آيات هذا المزمور مع النشيد الذى ردده داود عند نقله لتابوت عهد الله إلى أورشليم (1أى16: 30-33).
- يعلن عن فداء المسيح الذى تم يوم الجمعة قبل السبت، فعمرت الأرض بالمؤمنين فى العهد الجديد من اليهود والأمم؛ أى من كل الأرض، وقد رفض اليهود وضع هذا العنوان؛ لأنه يشير بوضوح إلى المسيح الفادى على الصليب.
- متى كتب ؟ عندما نقل داود تابوت عهد الله من بيت عوبيد أدوم إلى أورشليم، فكانوا يسبحون بهذا المزمور أثناء نقله.
- يعتبر هذا المزمور من المزامير الملكية، أى التى تتكلم عن الرب الملك ويعتبره البعض مقدمة لهذه المزامير، التى تبدأ من مزمور 95-100 ويسمونها المزامير “الثيئوقراطية” أى التى تتكلم عن الله الملك.
- هذا المزمور أيضاً هو من المزامير المسيانية فهو يتكلم عن المسيح القائم من بين الأموات بقوة لاهوته وجلاله وقدرته، ولم يذكر شيئاً عن آلام المسيح.
- هذا المزمور أيضاً من المزامير الليتورجية أى التى كان الشعب يرددها بقيادة اللاويين فى عشية السبت وفى عيد الحصاد.
- يردد الكاهن فى العهد الجديد هذا المزمور عندما يلبس ملابسه الكهنوتية، ليبدأ خدمة القداس؛ حتى يتذكر أنه يمثل المسيح الملك فى القداس بكل مجده وعظمته، فيخشع أمامه، ويتقدم بخوف الله إلى خدمة الأسرار المقدسة.
- يوجد هذا المزمور فى نهاية صلاة الساعة السادسة، التى نتذكر فيها المسيح المصلوب؛ الذى ملك على خشبة الصليب ليفدينا، فنمجده؛ إذ تنازل عن عظمته ليرفع عنا خطايانا.
(1) الله القدير (ع1، 2):
ع1: 1- الرب قد ملك لبس الجلال لبس الرب القدرة ائتزر بها أيضا تثبتت المسكونة لا تتزعزع.
ائتزر : لفها على وسطه كالحزام.
- أخفى المسيح لاهوته بتجسده ولم يظهر أنه ملك له جلال عظيم إلا فى معجزاته، وتعاليمه بسلطان، ولكن ظهرت قوته وعظمته واضحة فى قيامته من الأموات، وظهوره فى جسد نورانى لتلاميذه، ثم صعد إلى السموات بمجد عظيم.
- الرب قد ملك على الصليب إذ قيد الشيطان، وأخرج المؤمنين به من الجحيم، وأصعدهم إلى الفردوس، وملك على قلوب المؤمنين به، وهكذا ائتزر بالقدرة فى تخليص أولاده من عبودية الشيطان فى الجحيم، ورفعهم إلى الفردوس؛ ليملك عليهم إلى الأبد. وفى الملكوت يظهر ملكه الكامل والأبدى.
- الأرض “المسكونة” ثبتها الله فى دورانها حول نفسها، وحول الشمس، وهى ترمز أيضاً إلى ثبات المؤمنين بالمسيح رغم تقلبات الحياة حولهم، وحروب إبليس؛ لأن الله يثبتهم فى الإيمان به، أما الأرض الجديدة والسماء الجديدة، أى المسكونة الجديدة وملكوت السموات، فيثبها الله إلى الأبد.
- عندما يتزر الله بالقدرة يعلن أنه قائد الحرب ضد الشيطان، وهذا يطمئن أولاده المؤمنين به أنه يحميهم، فيمتلئون رجاءً مهما سقطوا، أو ضعفوا، ويتشددون لمقاومة إبليس والانتصار عليه بقوة الله.
ع2: 2- كرسيك مثبتة منذ القدم منذ الأزل أنت.
- يعلن كاتب المزمور فى هذه الآية أزلية الله، فهو وإن تجسد فى ملء الزمان ليفدى البشرية، لكنه موجود منذ الأزل قبل كل الخلائق، لأنه هو خالقها.
- كرسى الله يرمز لتجسده، فقد كان فى فكر الله أن يتجسد منذ البدء والأزل، وحققه فى ملء الزمان عندما ولد من العذراء.
- كرسى الله هو أيضاً رمز للمؤمنين به، الذين يسكن فيهم ويملك على قلوبهم.
- نتذكر فى يوم الجمعة العظيمة – فى كنيسة العهد الجديد عند دفن المسيح فى الساعة الثانية عشر – عظمة الله وكرسيه الموجود منذ الأزل، فنقول مزمور كرسيك يا الله إلى دهر الدهور بلحنه الطويل المعروف.
إن الله يريد أن يملك على قلبك ليعطيك طمأنينة، ويفرح قلبك بسكناه فيه، فافسح له مكاناً بكثرة الصلوات وقراءة كلامه المقدس فى الكتاب كل يوم.
(2) المياه تسبح الله (ع3، 4):
ع3: 3- رفعت الأنهار يا رب رفعت الأنهار صوتها ترفع الأنهار عجيجها.
عجيجها : صوت تلاطم أمواجها، وهو صوت عالٍ.
- الطبيعة تمجد الله فتتقدم الأنهار مندوبة عنها وتتلاطم أمواجها؛ لتسبح الله خالقها.
- صوت الأنهار ترمز للرسل الذين كرزوا باسم المسيح فى العالم كله، وترمز أيضاً لرجال الله والأنبياء فى العهد القديم الذين أعلنوا الحق الإلهى، وأيضاً الكهنة والخدام على مر الأجيال حتى الآن الذين يعلنون اسم الله، بالإضافة للشهداء الذين أعلنوا بصوت عالٍ محبتهم لله بسفك دمائهم لأجله، وكذلك النساك الذين عمروا البرارى وأطلقوا أصوات التسبيح والتمجيد لله. هذا هو تأثير الروح القدس الذى يجرى كأنهار حية فى قلوب المؤمنين به.
ع4: 4- من أصوات مياه كثيرة من غمار أمواج البحر الرب في العلى أقدر.
غمار : مياه كثيرة تغمر ما حولها أى تغطيه.
- تمثل الطبيعة أيضاً البحار، التى تمجد الله بأصواتها وكثرة مياهها، وتستطيع أن تغمر اليابسة؛ كل هذا إعلان لقوتها ولكن الله خالقها أقوى منها وأقدر بلا حدود. فقوة البحار مجرد تعبير صغير عن قوة الله الخالق.
- ترمز البحار لحياة المؤمنين والخدام على مر الأجيال التى تغمر اليابسة؛ أى الوثنية، فتغطى المياه القلوب البعيدة عن الله، وتجذبها إليه؛ لتعلن أن الله أقوى وأقدر من قساوة قلوب البشر، وبمحبته يجذب هذه القلوب إليه.
ثق فى قوة الله التى فيك لتحيا بوصاياه، وتقدم محبتك لكل من حولك مهما أساؤوا إليك، فالمحبة قوية كالموت، ولا يمكن مقاومتها إن كانت صادرة من قلبك فاستمر فيها بكل شكل.
(3) الله القدوس (ع5):
ع5: 5- شهاداتك ثابتة جدا ببيتك تليق القداسة يا رب إلى طول الأيام
- شهادات الله هى كل النبوات والرموز التى ذكرت فى العهد القديم عن المسيح. وقد تحققت جميعها، فكلام الله لا يمكن أن يزول حرف واحد منه، وبالتالى فينبغى أن نتمسك بوعود الله؛ لأنها ثابتة.
- إن كان الله صادق فى كل كلمة يقولها لنا، فينبغى أن ندخل إلى بيته المقدس، والذى يظل مقدساً ليس فقط على الأرض ممثلاً فى هيكل سليمان، وبعده الكنيسة فى العهد الجديد، ولكن أيضاً فى ملكوت السموات. وإن كان بيت الله يليق به التقديس، فيلزم أن ننقى قلوبنا بالتوبة، والمحبة لكل أحد عندما ندخل إلى الكنيسة، ومن أجل هذا يردد الكاهن هذا المزمور عندما يرتدى ملابس الكهنوت ليبدأ صلوات القداس الإلهى؛ ليتذكر قداسة بيت الله الذى سيقف فيه ويرفع صوته بالصلاة أمامه.
اهتم بالصلاة وترديد المزامير وأنت فى طريقك إلى الكنيسة، فتقول مزمور “فرحت بالقائلين لى” (مز122). وعندما تصل إلى الكنيسة تصلى عند الباب وتردد مزمور “مساكنك محبوبة..” (مز84) وتسجد أمام الهيكل وتقول “أما أنا فبكثرة رحمتك…” (مز5). وتقف فى خشوع أمام الله القدوس طالباً غفرانه لكل خطاياك، وتنتبه للصلاة لتشترك مع السمائيين فى تسبيح اسمه القدوس.