الله يهلك الأشرار
تسبيحة . مزمور لآساف
“اللهم لا تصمت لا تسكت ولا تهدأ يا الله…” (ع1)
مقدمة :
- كاتبه : آساف كبير المغنين أيام داود النبي.
- متى كتب ؟
- أيام داود، وهو يتكلم عن الشعوب التي قامت على داود، ولكنه انتصر عليهم بقوة الله.
- كتب أيام داود، ولكنه نبوة عن الشعوب التي هاجمت ملك يهوذا (2 أي : 20)، وذكرت هنا في هذا المزمور ضمن الشعوب المعادية لشعب الله، وهي موآب وآدوم وبني عمون (ع 6 ، 7).
- هذا هو آخر المزامير الإثنى عشر التي كتبها آساف، وهي (مز 50 ، 73 – 83).
- نجد في عنوان هذا المزمور كلمة تسبيحة؛ لأنه مرثاة جماعية تظهر معاناة شعب الله من الشعوب المعادية له، واستغاثته بالله؛ لينقذه منها.
- إن كان المزمور السابق يتحدث عن متاعب داخلية وسط شعب الله من خلال القضاء الظالم، فإن هذا المزمور يتكلم عن متاعب خارجية من الشعوب المحيطة المعادية لشعب الله.
- يناسب هذا المزمور الكنيسة، أو أي نفس بشرية يهاجمها الأشرار، أو الشياطين، فتلجأ إلى الله لينقذها من مؤامراتهم.
- لا يوجد هذا المزمور في صلاة الأجبية.
(1) مؤامرات الأشرار (ع1-8 ):
ع1: 1- اللهم لا تصمت لا تسكت و لا تهدأ يا الله.
- يتكلم كاتب المزمور هنا بلسان شعب الله الذي يرى مؤامرات الأعداء محيطة به. فيقول له: إن كنت أنا في ضعفي صامت، ولكن أنت لا تصمت، بل تكلم لأن كلمة واحدة من فمك تبعد كل الأشرار عني.
- الأعداء ليسوا فقط الشعوب المحيطة بشعب الله، بل يرمز هذا المزمور إلى الأعداء الذين يحاربون شعب الله في العهد الجديد سواء الساكنين معهم من غير المسيحيين أو الموجودين في وسطهم مثل الهراطقة..
ع2، 3: 2- فهوذا أعداؤك يعجون و مبغضوك قد رفعوا الرأس. 3- على شعبك مكروا مؤامرة و تشاوروا على أحميائك.
يعجون : يصدرون أصواتاً عالية مثل صوت الأمواج المتلاطمة في البحر المضطرب.
أحميائك : من تحميهم.
- اجتمع أعداء شعب الله على الإساءة إليه؛ لذا قال “رفعوا الرأس” إذ لهم رأس واحد هي الشيطان والشر، وهم يصدرون أصواتاً عالية غير مفهومة، أي ليس لهم حجة في هياجهم على شعب الله، بل هو شيء قد ملأ قلوبهم على شعب الله البرئ، ونرى في هؤلاء الأعداء شروراً كثيرة هي :
- تجمعوا بأعداد كبيرة ليحاربوا شعب الله.
- تكبروا على شعب الله؛ إذ رفعوا الرأس.
- كانوا خبثاء، فدبروا مؤامرات بمكر في الخفاء ضد شعب الله.
- أجروا مشاورات ومؤامرات كثيرة ليحدثوا ضرراً عظيماً لأولاد الله.
- يستدر كاتب المزمور مراحم الله، إذ يقول له أن هؤلاء الأشرار أعداؤك ومبغضوك؛ ليقوم الله ويدافع عن شعبه، خاصة أنهم تجاسروا، واستهانوا بالله في الإساءة إلى شعبه.
ع4 ، 5: 4- قالوا هلم نبدهم من بين الشعوب و لا يذكر اسم إسرائيل بعد. 5- لأنهم تآمروا بالقلب معا عليك تعاهدوا عهدا.
- هؤلاء الأعداء اتحدوا معاً على إبادة شعب الله، وحذف اسمه من بين الشعوب.
وقطعوا عهداً بينهم على هذا؛ أي أنهم مصرون على شرهم، ونسوا أنهم يتحدون الله الذي لا يستطيع أحد أن يقف أمامه. - هذه الآيات نبوة عما يحدث من الشياطين والأشرار ضد الكنيسة، ولكن كل مؤامراتهم تفشل لأن الله يحمي كنيسته وأولاده.
ع6 – 8: 6- خيام أدوم و الإسماعيليين موآب و الهاجريون. 7- جبال و عمون و عماليق فلسطين مع سكان صور. 8- أشور أيضا اتفق معهم صاروا ذراعا لبني لوط سلاه.
يذكر آساف عدداً من الشعوب المعادية لشعب الله، فيظهر كثرتهم، وبالتالي صعوبة حروبهم، ولكن لأن الله يحمي أولاده، فقد استطاع داود أن ينتصر على كل الشعوب المحيطة به. وهذه الشعوب هي :
- أدوم : هم نسل عيسو، ويسكنون على جبال سعير التي تمتد من البحر الميت إلى خليج العقبة، وكانوا يسكنون في خيام.
- الإسماعيليين : نسل إسماعيل ابن إبراهيم من هاجر، وهي قبائل تتحرك في الصحراء بين مصر والخليج الفارسي.
- موآب : وهم نسل لوط وسكنوا شرق البحر الميت.
- الهاجريون : هي قبائل منسوبة لهاجر وتسكن شرق جلعاد التي تقع شرق نهر
الأردن. - جبال : هذه هي القبائل الجبلية التي سكنت في الجزء الشمالي من جبال سعير التي سكن فيها الآدوميون.
- العمونيين : هم أيضاً نسل لوط وسكنوا شرق نهر الأردن وشمال موآب.
- عماليق : قبائل سكنت في المناطق ما بين شمال شبه الجزيرة العربية حتى البحر الأبيض المتوسط.
- الفلسطينيين : سكنوا شرق البحر الأبيض المتوسط بمحاذاة الساحل.
- صور : أعظم مدينة تجارية في العالم، وتقع على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط.
- آشور : دولة عظيمة عاصمتها نينوي وهي تقع على نهر دجلة شمال العراق، لكنها ضعفت تدريجياً، وحلت محلها بابل، واستعان بها بنو لوط وهم شعبي موآب وبنى عمون السابق ذكرهم لمحاربة شعب الله.
لا تنزعج من كثرة الأعداء وحروب الشياطين فهي بلا قيمة أمام قوة الله الذي يحميك. فقط تمسك بصلواتك، وأثبت في كنيستك وأسرارك المقدسة.
(2) طلب تدخل الله (ع9- 18):
ع9 – 12: 9- افعل بهم كما بمديان كما بسيسرا كما بيابين في وادي قيشون. 10- بادوا في عين دور صاروا دمنا للأرض. 11- اجعلهم شرفاءهم مثل غراب و مثل ذئب و مثل زبح و مثل صلمناع كل أمرائهم. 12- الذين قالوا لنمتلك لأنفسنا مساكن الله.
دمناً : روث البهائم وفضلاتها.
يطلب آساف من الله أن يهلك أعداء شعبه، كما فعل قديماً في عصر القضاة عندما أهلك المديانيين بيد جدعون (قض 7 ، 8)، وكما أهلك يابين ملك كنعان ورئيس جيشه سيسرا عند نهر قيشون، الذي يقع في شمال بلاد اليهود نحو الجليل. وهرب هؤلاء الأعداء في منطقة عين دور التي بجوار مجدو التي تقع جنوب بحر الجليل. وصارت جثثهم سماداً للأرض وطلب أيضاً من الله أن يهلك رؤساء الأعداء، كما أهلك قديماً أمراء مديان غراب وذئب، وكذلك ملوك مديان، مثل زبح وصلمناع. هؤلاء الذين حاولوا احتلال وامتلاك بلاد بني إسرائيل. والخلاصة أنه يؤمن بالله وقوته القادرة على إبادة الأعداء، وكما فعل قديماً يفعل اليوم.
ع13-15: 13- يا إلهي اجعلهم مثل الجل مثل القش أمام الريح. 14- كنار تحرق الوعر كلهيب يشعل الجبال. 15- هكذا اطردهم بعاصفتك و بزوبعتك روعهم.
الجُلِّ : هو القش المختلط بروث البهائم ويشكل على هيئة أقراص تجفف في الشمس ويستخدم لإحراقه في التدفئة وإشعال الأفران.
يطلب آساف من الله أن ينهي الأعداء، ويجعلهم لا شيء بقوته العظيمة، مثل الجلِّ ويتطايرون مثل القش أمام الريح، ويحترقون بنار الله، مثل الوعر والجبال. ويقصد بالوعر الأماكن الصخرية التي تنبت عليها أشجار برية، وكذا الجبال المزروعة بنباتات جافة، كل هذا يحترق بلهيب الله. وأيضاً يتطايرون بقوة الله التي يشبهها بالعاصفة والزوبعة حتى يشعر الأعداء بضعفهم أمام الله وقوته القاهرة.
ع16: 16- إملأ وجوههم خزيا فيطلبوا اسمك يا رب.
عندما يخزي الأعداء ويخجلون من ضعفهم أمام الله يدعوهم هذا للإيمان بقوة الله والرجوع إليه وترك خطاياهم. وهذا يبين إشفاق آساف، أو أولاد الله على الأعداء، إذ يطلبون خلاصهم بالتأديب الإلهي، فهم لا يكرهونهم ويريدون الانتقام منهم، بل يودون رجوعهم إلى الله بالإيمان والتوبة.
ع17 ، 18: 17- ليخزوا و يرتاعوا إلى الأبد و ليخجلوا و يبيدوا. 18- و يعلموا أنك اسمك يهوه وحدك العلي على كل الأرض
ولكن إن رفض الأعداء الإيمان بالله والرجوع عن خطاياهم، فلا يبقى لهم إلا الخزي الأبدي، والعذاب، وحينئذ يعلمون أن الله وحده المتسلط على كل شيء، ويحيون في ضعفهم وذلهم إلى الأبد.
إن الشيطان يريد أن يمتلك قلبك ويخضعك تماماً له فلا تهادنه، أو تقبل شيئاً من شهواته الشريرة، بل اطرده. بالصلاة، والاتضاع، والإيمان بالله الساكن فيك والقادر على حمايتك.